عاجل: المبعوث الأممي إلى اليمن يكشف أمام مجلس الأمن عن أبرز بنود خارطة الطريق اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة بدعم امريكي .. البنك المركزي اليمني يعلن البدء بنظام جديد ضمن خطة استراتيجية يتجاوز صافي ثروته 400 مليار دولار.. تعرف على الملياردير الذي دخل التاريخ من أثرى أبوابه أول تهديد للقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع عاجل :قيادة العمليات العسكرية تصدر قرارا يثير البهجة في صفوف السوريين أول تعليق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد فوز السعودية باستضافة كأس العالم عاجل.. دولتان عربيتان تفوزان بتنظيم كأس العالم الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية بجنيف تصدر كتابًا حول الجهود السعودية لدعم الاستقرار والسلام في اليمن اليمن ..انفجار قنبلة داخل مدرسة يصيب 7 طلاب ويكشف عن مأساة متفاقمة في بيئة التعليم مليشيات الحوثي تعتدي على مختل عقليا في إب بسبب هتافه بتغيير النظام- فيديو
وضع عالم النفس النمساوي ماسلو هرماً يبين الدوافع الأساسية للسلوك البشري، ورتب من خلال هذا الهرم الاحتياجات النفسية على خمسة مستويات، تبدأ بالأهم وهي، الحاجات البيولوجية المتعلقة بغريزة حب البقاء من الماء والغذاء والمأوى، أتبعها مباشرة بالحاجة إلى الأمان بعيدا عن الحروب والدمار ومناطق الكوارث، وكل تهديدات الأخطار المختلفة، ثم الحاجة إلى الحب والانتماء، ثم حاجات التقدير والاحترام، ثم حاجات تحقيق الذات.
تقديم الحاجة إلى الماء والغذاء على الحاجة إلى الإيمان في دوافع السلوك البشري، يوضح الوضع الراهن في غزة، إذ أنه ومع المجاعة التي ضربت القطاع، بات الحصول على ما يروي الظمأ ويسد الرمق، هو الشغل الشاغل لأهلها، حتى إن تطلب الأمر المجازفة بالحياة والحصول على الغذاء في ظل الخطر، لأن هناك فرصة للنجاة من الموت قصفا، بينما لا يمهلهم الموت جوعا.
حول ملابسات مذبحة النابلسي في غزة، التي ارتقى فيها أكثر من مئة مواطن فلسطيني وأصيب المئات بسبب قصف صهيوني استهدف تجمعات بشرية كانت تنتظر شاحنات الإغاثة، يقول أحد الناجين منها: «خرجنا كلنا ونعرف بإمكانية الاستهداف الإسرائيلي، وخطر التجمع بأعداد كبيرة، لكن لم يكن أمامنا أي خيار آخر». ويقول آخر: «أقسمت علينا أمي ألاّ نذهب خشية القصف الإسرائيلي، لكن ذهبنا أنا وأخي بالسيارة في ساعة متأخرة من الليل إلى منطقة قريبة من شارع الرشيد وانتظرنا»، وهذا تجسيد حي لحقيقة تغليب غاية سد الرمق على أي غاية أخرى، ولأن الكيان الغاصب يعلم جيدا قوة سلاح التجويع، فقد شرع منذ البداية بمنع المساعدات الإغاثية عن أهل غزة، في ظل تخاذل عربي وإسلامي مشين، وأقول إنه تخاذل مهما تخلله من تحركات محدودة للغاية من مساعدات، أو مناشدات لوقف إطلاق النار، لأنها لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تخفف ولو واحد في المئة من معاناة القطاع. أراد العدو الصهيوني باستخدام سلاح التجويع، الضغط على المقاومة للاستسلام غير المشروط، ممنيا نفسه بخلق حالة جماهيرية عامة من السخط والتمرد على المقاومة الفلسطينية في غزة.
وعلى الرغم من فشل الاحتلال في تحصيل هذه الغاية، بسبب صمود أهل غزة، ولأن المقاومة تنطلق في شن هجومها من مدينتها تحت الأرض، إلا أنه استطاع أن يخدع العالم بصناعة هذه المجاعة في القطاع، تتمثل هذه الخديعة، في نجاح الكيان الصهيوني في إجبار الجميع على أن يتعامل مع الأحداث من منظور إغاثي في المقام الأول، فتركزت معظم الجهود العربية الإسلامية والدولية، في بحث وتداول وتفعيل سبل إيصال المساعدات الإنسانية والمواد الإغاثية إلى القطاع المنكوب، خاصة الشمال الذي يعيش فيه قرابة سبعمئة ألف رفضوا النزوح، فيما تواترت الأنباء عن تساقط عدد من الضحايا بسبب الجوع. وفي سياق هذه الخديعة، تخففت الأطراف الإقليمية والدولية من الضغوط التي تثقل كاهلها من أجل وقف إطلاق النار، بمعنى أنها تتحدث عن الإغاثات والمساعدات، كأنها هي بيت القصيد وغاية السعي، وحتى في حديثها عن وقف إطلاق النار، فإنها تتناوله من جهة كونه فرصة لإدخال المساعدات، بينما فقدت القضية الأساسية وهي وقف تلك المجازر مكانها على رأس الأولويات. وقد يقال إن هذه الأطراف مجبرة على التعاطي مع الإغاثة، على أنه قمة الأولويات الحالية لإنقاذ الشعب الغزاوي من الموت جوعا، فلو سلمنا بذلك ففي النهاية تعبر هذه الحالة عن نجاح الصهاينة في تلك الخديعة، التي جعلت سقف الطموحات الحالية هي إطعام الجياع. وفي سياق هذه الخديعة أيضا، فُتح الطريق أمام الولايات المتحدة الأمريكية التي تتواطأ بشكل علني مع الاحتلال في إبادة شعب غزة، سواء بالدعم العسكري بالمعدات والخبراء العسكريين والمقاتلين، أو بدعمها في المحافل الدولية والوقوف حجر عثرة أمام تمرير أي قرار في مجلس الأمن من شأنه تعطيل العملية الصهيونية في غزة، أو إدانتها، فتح الطريق أمامها لأخذ اللقطة الإنسانية وتسكين الأصوات الثائرة ضدها من خلال الإنزال الجوي للمساعدات، في موقف يستحق بامتياز وصف الكوميديا السوداء.
نعم طالبنا الحكومات العربية بمد جسر جوي من المساعدات، وما زلنا نطالب، لكن الإمدادات المطلوبة لا تعبر عنها بضع طائرات تلقي بعض المساعدات المحدود جدا، التي لا تفي حاجة واحد بالألف من احتياجات سكان القطاع، إنما نتحدث عن جسور جوية للدول العربية والإسلامية تتدفق من خلاله الإغاثات التي تنقذ الناس من الجوع، فالقطاع بحاجة إلى دخول يومي للشاحنات بمعدل خمسمئة شاحنة يوميا، بما يمثل الحد الأدنى الذي يقي شعب القطاع من الموت جوعا. خلافا لذلك، ستكون عمليات الإنزال عمليات شكلية لا طائل منها، هذا إذا وصلت بالفعل، وإلا فهناك الشمال الأكثر تضررا لا يصل إليه شيء منها، إضافة إلى أن بعض المساعدات نزلت بالفعل على مناطق المستوطنين الإسرائيليين بفعل الرياح، لكن مع ضعف وندرة عمليات الإنزال الجوي، غدا هذا النحو من الدعم لقطات دعائية أفادت الاحتلال الإسرائيلي أكثر من إفادتها سكان القطاع، حيث يتم استغلالها إعلاميا لإظهارها كلمسات إنسانية من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، وبهذا نجح الاحتلال في استخدام سلاح التجويع، في أن يُمحور الجميع حول إيصال المساعدات والغذاء إلى القطاع، ولم يعد إنهاء الحرب ووقف المجازر ووضع حد لعربدة الاحتلال الإسرائيلي هي رأس هرم الأولويات، وأصبح سائغا أن تُلقي أمريكا بعض اللقيمات من الجو على سكان القطاع، تزامنا مع دعمها الاحتلال في عملياته الوحشية، تعطي الذخيرة للاحتلال باليمين، وكسرة الخبز لشعب غزة بالشمال، وكأن قضيتها الكبرى هي أن يموت سكان القطاع على شبع، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.