آخر الاخبار

اللواء سلطان العرادة يدعو الحكومة البريطانية الى تفعيل دورها الاستراتيجي في الملف اليمني وحشد المجتمع الدولي للتصدي للدور التخريبي لإيراني .. تفاصيل الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم عاجل العميل الإيراني رقم إثنين .. الهدف القادم الذي ينوي الغرب والعرب استهدافه واقتلاعه.. ثلاث خيارات عسكرية ضاربة تنتظرهم ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة

عن النور الذي أضاء في قلب أوربا..
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 4 سنوات و شهر و 23 يوماً
الخميس 22 أكتوبر-تشرين الأول 2020 05:18 م
 

مرت قبل أيام الذكرى السابعة عشر لرحيل المفكر والرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش رحمه الله (1925 - 2003م ) ، وقد حز في نفسي أن تمر ذكرى رحيله في 19 تشرين أكتوبر الجاري دون أن تنال هذه المناسبة بعض حقها من الاحتفاء والتفاعل فالرئيس المفكر علي غزت بيجوفيتش شخصية عظيمة ومن أكثر الشخصيات الإسلامية حضورا وتأثيرا منذ ثمانينات القرن الماضي إلى اليوم ..

* شخصية ثرية وملهمة

 تستحق قصة حياة علي عزت بيجوفيتش الملهمة وجهوده الكبيرة وتضحياته العظيمة وأفكاره المستنيرة أن تدرس في عموم العالم باعتبارها نموذجا رائعا تقتدي بها الأجيال وتستلهم منها الدروس والعبر ذلك أنها شخصية ثرية وملهمة لواحد من أبرز عظماء التاريخ ، ولقد هممت منذ سنوات بتأليف كتاب عنه ثم احجمت خصوصا بعد أن قرأت المقدمة الرائعة التي سطرها المفكر الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله في كتاب " الإسلام بين الشرق والغرب " ، قلت في نفسي هذا المفكر العظيم والمجاهد الكبير والفيلسوف المستنير لن يوفيه حقه الا مفكر كبير مثل المسيري ومن في مستواه أما العبد لله فيعرف قدر نفسه ويجد نفسه يقف أمام عملاق وعلم شامخ فيكتفي حاليا بالبقاء تلميذا في مدرسة بيجوفيتش رحمه الله حتى يشتد عوده وينضج فكره ويصبح مؤهلا للكتابة عنه كما ينبغي رغم أني تعرفت في مرحلة مبكرة من عمري على شخصية في عام 1993م وفي ذروة الهجمة الصليبية الصربية على البوسنة قرأت مقابلة للرئيس بيجوفيتش في مجلة " المجتمع " وقرأت مقابلة أخرى للحارث سيلايديتش رئيس وزراء البوسنة حينها في مجلة " العربي " فتكونت لدي فكرة عما يحدث في البوسنة ومن يومها تعلقت بعلي عزت وكتبه وأفكاره اشتريت كتبه من مصروف المدرسة وقرأتها فلم أفهمها لصغر سني وعدم بلوغي سن النضج الفكري الذي يؤهلني لاستيعاب تلك الأفكار الكبيرة على طفل في الثالثة عشر من عمره بعدها بدأت أدرك وافهم وبشكل تدريجي ما كتبه بيجوفيتش واعترف أنني حتى اللحظة لم استوعب كل ما كتبه الراحل الكبير رغم بلوغي الأربعين وهذا لعمق أفكار بيجوفيتش وقوتها فهي تحتاج لمثقف واسع الاطلاع مستوعب للنظريات والمصطلحات الغربية ليدرك عمق دلالاتها وبعد نظر بيجوفيتش ورؤيته الثاقبة للمتغيرات الفكرية والحضارية ، ورغم هذه الرحلة الطويلة الممتدة منذ 27 عاما الا أني ارى نفسي ما زلت تلميذا في مدرسة هذا الرجل العظيم ..

* قيادة البوسنة من المحنة إلى النصر

استطاع بيجوفيتش قيادة شعب البوسنة والهرسك في أصعب محنة تعرض لها هذا الشعب المسلم الذي تعرض لمؤامرة صربية استهدفت محوه وإنهاء وجوده وإطفاء هذا النور الذي توهج في قلب أوربا كما تعرض أبناء البوسنة لتواطؤ المجتمع الدولي والقوى الكبرى وتخاذل عربي واسلامي رسمي وبينما كانت الشعوب الإسلامية تمد أبناء البوسنة بالمساعدات المحدودة وما استطاعت من المال والسلاح والرجال بعد فرضت عليه القوى الكبرى حظر السلاح ولكنه استطاع بيجوفيتش وبكل حكمة وشجاعة وصبر أن يوجد جيشا قلب المعادلة العسكرية لصالحه في نهاية الأمر حيث درب الشباب وسلحهم وحفر معهم الأنفاق وبنى المتاريس ودرب القناصة وقاد المعارك ونفذ الخطط العسكرية الناجحة كما وفي قلب تلك الظروف الصعبة والمؤامرات الكبرى أدار بيجوفيتش المعركة عسكريا وإعلاميا وسياسيا حتى انتصر واستطاع قلب المعادلة وتغيير الواقع الميداني لصالح أبناء البوسنة ودحر الصرب وحقق انجازات عسكرية كبيرة وحينها تحركت القوى الكبرى وتنبه ما يسمى بالمجتمع الدولي واداته الممثلة بالأمم المتحدة لتفرض اتفاقية دايتون .

 

* جهود كبيرة ورؤية فكرية ناضجة

منذ انخراطه في جمعية الشباب المسلمين وحتى كتابة أول كتبه " البيان الإسلامي " ردا على البيان الشيوعي لكارل ماركس وتقديمه للمحاكمة وسجنه لمرتين ثم تأسيسه لحزب العمل الديمقراطي ثم رئاسته للبوسنة وما تلاها من أحداث ومواقف تجد جهودا كبيرة لرجل عظيم ومفكر كبير وسياسي محنك وقائد فذ..

أدرك بيجوفيتش رقي الإسلام وتفرده وامتلاكه أدوات ومقومات النهوض الحضاري ووجد فيه الإجابات الشافية لكل أمراض الحضارات وعلل النظريات وعقم الأفكار كما أستوعب بيجوفيتش الحضارة الغربية وأحاط بكل نظرياتها وأفكارها علما وأدرك مدى عقمها وماديتها وسقوطها وتهافتها وبعدها عن تقديم رؤية فكرية ناضجة تنسجم مع متطلبات العصر واشواق الإنسان وتطلعاته الروحية رغم انتفاشتها المادية وهيمنتها الظاهرية على العالم.

كما توقع بيجوفيتش سقوط الحضارة الغربية بعد أن قرأ نتاج رموزها وفلاسفتها ومفكريها واستوعب آدابها وفنونها وكان في كتبه يستشهد بمراجع من كتب أبرز المفكرين والفلاسفة الغربيين بعد أن قرأ كتبهم واستوعب ما فيها ورد عليها وناقش ما جاء فيها بروح الباحث المنصف المتحلي بمنهجية موضوعية لا يستطيع أحد أن يزايد عليها.

* بيجوفيتش وهروبه إلى الحرية

في كتبه العديدة يقدم بيجوفيتش قراءات ناقدة للحضارة الغربية كما يقدم رؤية نهضوية حضارية مستمدة من جوهر الإسلام وقيمه ومبادئه فقد تألم بيجوفيتش للفجوة الحضارية الكبيرة بين تعاليم الإسلام وبين واقع المسلمين وأوضح أسباب هذا التخلف الحضاري الذي يعيشه المسلمين اليوم وقدم له حلولا، كما مثلت الحرية القضية المحورية في فكر بيجوفيتش، فهي كما يؤكد على ذلك في كتابه " الإسلام بين الشرق والغرب" أساس الأخلاق وشرط الإيمان وجوهر إنسانية الإنسان، وهي مقدمة على كل شيء يقول بيجوفيتش: "أسبقية الحرية، ليس ضروريًا إثباتها بشيءٍ من خارجها، فهي تؤكد ذاتها بذاتها ".

ولتأكيده على محورية الحرية في فكره سمى مذكراته وما حدث له في السجن" هروبي إلى الحرية " حيث رأى في سجنه هروبا إلى الحرية التي أرادها لشعب البوسنة كما ارادها لكل مسلم ولكل إنسان.

* أسعد طه يوثق " سيرة علي"

الصحفي المعروف أسعد طه من الصحفيين القلائل الذين تمكنوا من الوصول للبوسنة في ذروة الحرب وأجرى مع بيجوفيتش عدة مقابلات أثناء الحرب وبعده كما أستطاع بعد ذلك انجاز الملحمة الوثائقية الرائعة " سيرة علي " والتي عرضتها الجزيرة الوثائقية قبل سنوات وأعادت عرضها مؤخرا في ذكرى رحيله رحمه الله وهو جهد نوعي ومشكور ويحسب لأسعد طه الذي أحب بيجوفيتش وتعلق به من أول لقاء فله كل الاحترام والتقدير.

ما سبق مجرد خواطر كان لابد أن تفيض بها ذاكرتي تحية واجبة لأستاذي في ذكرى رحيله أما حقه علينا فهو كبير ولن توفيه مقال أو منشور ولعل الله يمد في أعمارنا حتى نصل إلى المستوى الذي يؤهلنا للكتابة عن بيجوفيتش بالمستوى الذي يليق به ويستحقه.. رحمه الله.