مديرة بنك سعودي تتحول إلى متسولة
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 23 يوماً
الأحد 18 مارس - آذار 2007 08:47 م

من مديرة فرع نسائي لأحد البنوك، تحولت سيدة، في العقد الرابع من عمرها، إلى متسولة تجوب شوارع جدة، مستجدية عطف المارة، وذلك بعد أن فصلت من عملها، الذي كانت تتقاضى فيه راتباًً يبلغ عشرة آلاف ريال، وقبل أن تخسر أموالها بعد ذلك في سوق الأسهم.

«سيدتي» تابعت قصتها من وجهة نظرها:.

«أنا ضحية غدر الزمان، وتواطؤ المجتمع»، هذا ما قالته حنان، وتابعت: «بحثت وراء الحقيقة التي جعلت مني متسولة في الشوارع، فقصتي قد توقظ الكثيرين، وتوقفهم عن ظلم الناس، ولا أظن أن أحداً يجهل عقوبة الظلم، ولكن الكثيرين ينسونها أو يتناسونها، ويتساهلون فيها، سواء أكان الظلم من رئيس لموظفيه، أو قاض لمن اشتكى له، أو أبناء لآبائهم».

حرماني من التوظيف!

بدأت «حنان» شرح سبب معاناتها، التي أوصلتها لهذا الوضع، وقالت: «نتيجة لعدم موافقتي على الاستقالة، رغم الضغوط التي مورست عليّ، من قبل إدارة البنك، بتقديمهم لي بعض المغريات الواهية، تم إنهاء خدمتي بفسخ العقد، مما زاد من معاناتي، لأن شهادة إنهاء الخدمة التي حصلت عليها من البنك، حرمتني من فرصة العمل في أي مصرف آخر، لما تضمنته من عبارات تحمل مدلولات معروفة لدى المصارف، فلا تجيز توظيفي، رغم ما أملكه من خبرة، وما أحمله من شهادات الشكر والتقدير، التي حصلت عليها وأنا على رأس العمل».

وتؤكد المديرة المفصولة، وهي مطلقة وأم لطفلين، على أنها صاحبة خبرة لأكثر من ست سنوات، وقد تدرجت في عملها بالبنك، من متدربة إلى مسؤولة خدمات العملاء، حتى تسلمت زمام إدارة الفرع النسائي في البنك، وأصبحت مسؤولة عن التمويل العقاري في المنطقة الغربية.

فصل مفاجئ!

وتضيف: «مع بداية 2004 م، كنت على ثقة بأن إدارة البنك تود إخراجي من العمل، بسبب الضغط الممارس عليً، حتى أنهم تعمدوا نقلي بين المدن أثناء عملي، مما كان السبب وراء طلاقي من زوجي، إلى أن حضرت يوماًً للعمل لأجد «فاكس» يشمل قرار فصلي، بحجة تدني مستواي الوظيفي، ولتعدي على زميلة لي، ولعدم تجاوبي مع أي تنبيه من الإدارة. كل هذا وأنا لم يسبق لي يوماً أن تلقيت لفت نظر، أو خطاب إنذار خطياً أو شفهياً، بل إن خطابات الشكر كانت تأتيني بشكل مستمر».

مصائب الأسهم!

وتابعت: «تقدمت بطلب شمولي للضمان الاجتماعي، فرفضوا، لأنني موظفة سابقة، وأملك راتب التقاعد من التأمينات الاجتماعية، عندها سحبت مبلغ التأمين، بالإضافة لما تقاضيته من مكافأة نهاية الخدمة 56269 ريالاً، ووضعت كامل المبلغ في سوق الأسهم، ليكون لي دخل ثابت، لكن ما حصل كان عكس المتوقع، فقد ذهبت تحويشة العمر أدراج الرياح، مع انهيار مؤشر السوق المتتالي».

وعن فكرة عملها كمتسولة في الشوارع، تقول: «بعد خسارتي أموالي لم أستطع توكيل محام، لأن راتبي كان قد توقف، وليس بمقدوري سداد أتعابه، فاستعنت ببعض الإدارات الحكومية والقانونية لإنصافي، لكن دون جدوى، وقد ساءت حالتي الصحية والنفسية جراء الظلم الذي لحق بي، وانقطعت عن المجتمع وزميلاتي، لأنني أصبحت في نظر الكل مختلسة ومزورة، فلم أجد أمامي سوى التسول، فهي المهنة الأشرف بنظري، لأنها لا تحتاج إلى مقابل»!.

رسالة منها

 طلبت حنان الإنصاف ورد إعتبارها أمام المجتمع الذي لا يرحم، معتبرة أن البنك حاك ضدها مؤامرة في أن مطلع 2003 م، وقالت: «أود إرسال سؤال نيابة عن كل امرأة سعودية تعمل بالقطاع الخاص، خاصة البنوك: أين الأمان الوظيفي؟ وهل من حق البنك الاستغناء عن سيدة في العقد الرابع من عمرها، بعد أن أفنت وقتها وجهدها للنهوض بمصلحة البنك، فتكافأ بالفصل، ليأتوا بواجهة من الشابات اللواتي لا يتميزن بالخبرة.. أتمنى أن تنصف المرأة وتأخذ حقوقها بالفعل، بعيداًعن إلقاء الشعارات الوهمية التي لم أجد منها ما ساندني في محنتي».

جهلها بالقوانين أوقعها!

وعن أبعاد القضية الخاصة بحنان، أوضح المحامي والمستشار القانوني أحمد جمعان المالكي، الذي بادر بنفسه للوقوف على قضيتها، وذلك بعد سماعه لها وقال: «إن مسألة تثبيت راتبها منذ 1/7 / 2001 م، يعد قرينة واضحة على أن النية مبيتة من البنك ليتم فصلها في عام 2004م، وبسبب جهل حنان بالإجراءات القانونية، وقعت بخطأ قانوني، إذ أنه من المفروض تقدمها فور فصلها إلى اللجنة الابتدائية لتسوية الخلافات المالية، في منطقة مكة المكرمة، لتطلب إيقاف قرار فصلها عن العمل خلال 15 يوماًً من تاريخ القرار، وتضمين طلبها العودة، الأمر الذي سيقود اللجنة الابتدائية إلى بحث شرعية قرار الفصل بأكثر جدية مما فعلت، وذلك في حال طلبت من اللجنة الابتدائية رغبتها العودة إلى العمل، أو التعويض عن الضرر.

وأضاف المالكي: «إن العقد الذي كان بينها وبين البنك غير محدد، ومن حق أي من طرفيه فسخه، بشرط توافر السبب المشروع وبيانه للموظف، بمدة لا تقل عن 30 يوماً، وإلا فإنه من حق الموظف التعويض وفقاًً للمادة 75 من نظام العمل، والواضح من القرار الأول من جانب الهيئة الابتدائية، أن السبب غير مشروع، مما دفعها إلى الحكم على البنك بالتعويض، وذلك قبل أن تعدل الهيئة العليا القرار وتلغي التعويض، لأنها اعتبرت سبب فصلها قانونياً، وهو اجتهاد خاطئ».

خبر غير متوقع!

أثناء إعداد التحقيق، اتصلت بنا حنان لتزف لـ «سيدتي» بشرى حصولها على وظيفة، إذ قالت: «بعدما ذاعت قصتي وتفاصيل ما حدث معي، فوجئت باتصال معهد أكاديمي خاص في محافظة جدة، ليتكفل بتوظيفي تحت مسمى «مديرة إدارية» للقسم التعليمي للتصوير الطبي والطب الشرعي، في قسم الفتيات، بمرتب شهري قدره 6800 ريال، بالإضافة إلى البدلات والحوافز التي يقدمها المعهد فور مباشرتي العمل مع مطلع العام الجديد 2007م.

وعن مشاعرها حين وصلها الخبر تقول: «لم أتمالك نفسي حين وقعت عقد العمل الجديد، فقد كنت واثقة من كفاءتي وخبرتي الطويلة، التي قدرها المسؤولون في المعهد، بعد اطلاعهم على شهادة الخبرة التي تحمل سنوات من عمري».

وتضيف: «بعد حصولي على وظيفة سأبدأ حياة جديدة، وأنا إنسانة مؤمنة بالقدر، وأن ما مررت به ما هو إلا امتحان من عند الله، وأحب أن أقدم شكري لكل المسؤولين في المعهد الطبي لمساعدتهم لي في حل أزمتي، التي كادت تعصف بي وبمستقبل أطفالي».

امرأة فاعلة

وفي المقابل، أكد رئيس المعهد التعليمي للتصوير الطبي والطب الشرعي، الدكتور صالح الزهراني، أن تعيين حنان لم يأت بداعي الشفقة عليها، كما قد يعتقد البعض، بل جاء بعد الاطلاع على سيرتها الذاتية، التي تحمل الكثير من الخبرات التي تخولها لأن تكون امرأة سعودية فاعلة في المجتمع، خلافاً للتزكيات التي صدرت من عملها السابق، والتي تحمل العديد من شهادات الشكر والتقدير، ومكافآت مالية كبيرة، نظير مجهودها الإداري في العمل.

القضية مفصولة!

رفض مسؤول في البنك التعليق على موضوع حنان مع أي جهة إعلامية، معللاً ذلك بأن القضية تم الفصل فيها من جانب وزارة العمل، ممثلة في اللجنة العليا لتسوية الخلافات، التي أقرت إعطاءها مكافأة نهاية الخدمة، وراتب بدل الإنذار، وتعويضها عن فسخ العقد، والأضرار، إذ تم تسليمها مبلغاً قدره 56269 ريالاً.

أسباب فصل

يلحق المالكي خطأ أسباب فصل حنان من وظيفتها بما يلي:

1ـ إن وصول حنان لمناصب قيادية عدة خلال تسعة أعوام، وما تلقته من خطابات شكر وتقدير، خلاف المكافآت المالية، يجعل الأمر لا يقبل الشك في جدارتها وتميزها.

2ـ استناد الهيئة العليا على درجات التقويم خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، لم يكن في محله، بل إنه، ومن باب أولى، إلزام البنك بضرورة توضيح أسس التقويم والوصف الوظيفي لمنصبها، ومقارنة أدائها الوظيفي مع المهمات التي كلفت بها تلك الأثناء.

3ـ أغفلت الهيئة ما تعرضت له حنان من تنقلات من فرع إلى فرع، ومن محافظة إلى أخرى، خلال هذه الأعوام، ولهذا الأثر الأكبر على تدني مستواها وأدائها العملي.

4ـ إهمال البنك لتدريبها، رغم أن ذلك من الالتزامات التي يوجبها عليه النظام.

5ـ لم تحكم الهيئة العليا لتسوية الخلافات المالية لها بما تكبدته من نفقات، جراء متابعة قضيتها، وذلك وفقاً للمادة 226 من نظام العمل والعمال.

6ـ جهل حنان بالقانون، فهي لم تقدم على طلب ذلك التعويض.

وقد ألمح المالكي بموجب ذلك لما يلي: «من المفترض أن قرارات الهيئة العليا قرارات نهائية، بموجب المادة 216 من نظام العمل والعمال، ولا يمكن الطعن فيها أمام ديوان المظالم، باعتبارها قرارات إدارية، إذ لا يجوز إثارة النزاع مرة أخرى أمام أي جهة قضائية أخرى، بموجب المادة 225 من ذات النظام، وقد سبق أن أعلن وزير العمل، عن أن الهيئة العليا مستقلة بذاتها، وقراراتها نهائية، ما يعني أن التظلم الذي يصل إليه يعتبر غير مجد».