المجتمع المدني
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 17 سنة و 10 أشهر و 11 يوماً
الخميس 18 يناير-كانون الثاني 2007 09:56 م

مأرب برس – خاص

- مدخل :

المجتمع المدني هو أساس الحراك الحقيقي نحو التغير والنمو الطبيعي للوعي الإنساني على مختلف الأصعدة الثقافية والسياسية والاقتصادية و الاجتماعية ، وهو اللبنة ألتي تقوم عليها مجمل الأحداث المؤسسة للنخب الفكرية وبدونها يصبح الأمر شبيه بحالة فوضوية لا تقودها سوى ملامح ضبابية غير مفهومة أو معلنة .

فمن خلال المجتمع المدني يستطيع الإنسان أن يؤطر مداميك أهدافه ويكون عضو مؤثر نحو التمازج الطبيعي مع الحدث الذي يعيشه ويؤثر على حياته بشكل أو بآخر .

تعريف المجتمع المدني

لا يوجد تعريف محدد له ، لأنه يحتوي على أطياف ومشارب ورؤى متنوعة تغنيه وتزيد من حضوره ، والنظرة الشمولية اليه هي ولا شك قد تتجاوز الكثير من تفاصيله المهمة ، كون مكوناته هي جزئيات لا تنموا بذاتها دون مشاركة الآخر والتمازج معه في وعاء يضمن لها قانونيا ودستوريا حق البقاء والإدلاء والتأثير بالطرق السلمية .

لذا فالمجتمع المدني هو : أنّه المجتمع الّذي يقوم على المؤسّسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعدِّدة .

عليه فأن المجتمع المدني ومن خلال التعريف أعلاه يجب أن تتوفر به الشروط التالية:

 1 - ضرورة توفر دولة تقوم على المؤسسات المستقلة بذاتها دون اختلاط في الصلاحيات أو المهام.

2- استقلالية المجتمع المدني عن القوى المهيمنة في الدولة سواء كانت سياسية أو دينية أو اجتماعية ( قبلية )

3- أن تكون لها أغرض متعددة تمارس سبل تحقيقها دون أن تلغي الآخر أو تقصيه.

4- أن تتوفر لها المساحة الميدانية والإعلامية والحزبية في أجواء تنافسية ديمقراطية .

وكلما خفتت هيمنة الدولة لصالح المجتمع ، كلما برزت دور المدنية الفاعلة ، ليتحول الأمر تدريجيا من سلطة فوقية إلى قرار مدني ، ويرى الكثيرون بأن المجتمع المدني هو الوجود الثالث بين الفرد والدولة .

وعُرِّف المجتمع المدني أيضاً بأنّه : «مجموعة التنظيمات التطوّعيّة الحرّة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السّليمة للتنوّع الخّلاق»

ونرى في هذا التعريف التركيز على مبدأ الاحترام والتراضي والتسامح ، فالمدنية هي تضاد عكسي للقبلية أو النظام السياسي الشمولي أو النظرة الدينية للأمور التي تتسم في غالبها بطابع عنيف في الإرغام ونفي المعارضين ، ولا يستطيع هذا المجتمع المدني أن ينمو بأجواء غير سليمة ولا تتمتع بمناخ ديمقراطي لا يضمن لها القانون الحماية و لا يوفر لها الأمن .

وعُرِّف المجتمع المدني أيضا بأنّه ميدان وحيِّز يتكوّن من فعاليّة أناس يتمتّعون بحرِّيّة الانتخاب ، ويمارسون هذه الحرِّيّة في إطار القانون والقواعد العامّة ، وبشكل مستقل عن إرادة وقرار السّلطة السياسية أو الحاكم .

ويتحدّث جون لوك عن المجتمع المدنيّ فيقول : «وهكذا فحيث يؤلِّف عدد من النّاس جماعة واحدة، ويتخلّى كلّ منهم عن سلطة تنفيذ السنّة الطّبيعية التي تخصّه، ويتنازل عنها للمجتمع، ينشأ عندنا حينذاك فقط مجتمع سياسي أو مدنيّ .

فمبدأ المدنية هي أتفاق جماعة من الناس على هدف معين قد يكون سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي ، ومن خلال تعاونهم وتبادلهم للسلطة والتعريف بمبادئهم ، تنمو بذرة المجتمع المدني المتحضر الذي يتيح للأفراد الآخرون حينها حرية الاختيار والتمتع بفوائد البلاد دون هيمنة سلطوية أو تقسيم مبني على العرق أو الدين .

كيف نقيم المجتمع المدني :

اليمن انموذجا

من خلال قرب ومعرفة ببوادر ظهور مجتمع مدني في اليمن إلا أني لا أستطيع أن أكون متفائلا بقدر كبير بذلك لأن التربة التي يعمل عليها الشباب مهترئة وبحاجة إلى قلبها وإعادة تخصيبها من جديد ، وهذا قد يواجه صعوبات عديدة ما لم يلازمها قرار سياسي يقر من داخله بضرورة التغير وإنهاء حالة الغوما المستديمة.

فعناصر الترهل في النظام السياسي والقوى الرجعية المهيمنة على الشارع مع اختلال واضح في تنفيذ القوانين الدستورية والحلف المستديم بين الفكر الديني والنظام الديكتاتوري ناهيك عن التخلف والأمية السائدة لدينا ووضع المرأة المقموع ، كلها أمور ترفض في جوهرها السماح بظهور مجتمع مدني حقيقي ، فسبعة عشر عام من الممارسة الديمقراطية التي أتسمت بتعرجات وإسقاطات كثيرة لم تفلح حتى الآن في المضي قدما نحو الحياة المدنية البعيدة عن هيمنة رجال الدين أو الساسة أو العرف القبلي ، برغم النضال الذي يدور الآن في اليمن لمقاومة التعسف الأرثي الكبير .

فالمجتمع المدني لا يستطيع أن يتحرك دون توفر شرطين أساسين أولهما النظام العلماني المبني على أسس إنسانية تتيح للفرد من خلال حريته الفكرية المطلقة أن يرفض أن يتم دلق أفكارا عليه غير مؤمن هو بها سواء كانت هذه الأفكار اجتماعية أو سياسية أو دينية .

والشرط الثاني هي الديمقراطية التعددية التي تسمح بتكوين التجمعات والتظاهرات والأعتصامات التي تجبر الدولة علي النزول عند رغبات المجتمع وتضمن حقوقه ، فليس كل دولة علمانية هي ديمقراطية بالضرورة ، ولكن كل دولة ديمقراطية هي علمانية ، وقياس هذه النظرية على اليمن ، يدل بأن النظام السياسي الذي يعلن بأنه يطبق الشريعة الدينية ويمارس الديمقراطية يعلن تناقضه الحقيقي لأن الدين يمتلك أهداف ووسائل وحيدة تؤدي إلى نتائج حتمية مطلقة ، ومن خلال هذا الفهم ، فهو يمارس نهج أحادي لا يقبل المساومة ويفرضها على المجتمع من خلال رؤيته و إحتهاده للدين ، مما يلغي أي معنى آخر للحديث عن مجتمع مدني متعدد الأفكار والتوجهات .

لذا ومن أجل إقامة المجتمع المدني علينا أولا أن نقوم بإبدال النظام الحاكم الذي يصر على تحييد القانون مقابل العرف ، فنظام يستمد بقائه من قوانين قد يكون في امتدادها مئات السنين الماضية هو نظام ولا شك فاقد القدرة على استيعاب التقادم الزمني مما يجعله يعيش ذهنيا في حضارة وزمان وتاريخ غير زماننا ، ومن حقنا أن نجد نظام سياسي يعيش أزماتنا وتطلعاتنا ويلبي حقوقنا ويفهم أن هذا العصر يختلف عن سابقه ولا يجوز تطبيق أعرافه وقوانينه على زمن هو يتسم بوتيرة مذهلة في التغير والتبدل ، لأن الزمن الماضي الذي أنتج قانونه راعي ظروفه الموضوعية والثقافية والسياسة وهو ولا شك تختلف عما نعاصره الآن .

العمل أولا في المجال السياسي لأجل تغيره وهذا مهم جدا ، ثم السعي نحو استغلال بوادر المجتمع اليانعة في اليمن ومنحها الجرأة على التعبير عن أفكارها والسماح لها بتنفيذ أهدافها دون استخدام القوة أو إلغاء الآخر ، فلا أحد يستطيع أن ينكر بأن هناك بقايا فلسفية في بعض التوجهات الثقافية تميل نحو الإقصاء أسوة بأصحاب الدين السياسي . والأهم من تلك الأمور كلها هو الغوص في هموم الشارع اليمني الفقير ومعايشة أوجاعه ومشاركاته طموحاته ثم تثقيفه مدنيا للحراك لأجل نيل ما يجب أن يناله ضمن حقوقه ، فالمجتمع المدني هو في أساس تكوينه فكر إنساني بحت نمت فكرته مع الحقوق الفردية المهمشة لأجل إعادة تكوين الإنسان بمفهوم معاصر ذو كرامة ويسر عيش وأمان وحرية .

benziyazan@hotmail.com