الوحدة والانفصال ... مطايا ركوب
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 10 سنوات و 3 أسابيع
الأربعاء 19 نوفمبر-تشرين الثاني 2014 10:14 ص
حظيت الوحدة اليمنية بالاهتمام ودخلت حيز المتابعة منذ وقت مبكر من مراحل النضال الوطني التحرري، الذي تبنّته القوى السياسية الثورية في اليمن، فقد جاءت مؤكداً عليها في أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962م كهدف خامس والذي جاء فيه: (العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة)، كما نص عليها الميثاق الوطني للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل كهدف خامس أيضاً وبما نصه: (إن إعادة وحدة شعبنا العربي في إقليم اليمن شماله وجنوبه سيراً نحو وحدة عربية متحررة مطلباً شعبياً وضرورة تفرضها متطلبات الثورة ويجب أن تتم على أسس شعبية وسلمية).
وبالرغم من تفاوت دقة الوضوح في صياغة تلك الأهداف، إلاّ أن القاسم المشترك بينها يؤكد الاهتمام البالغ بمسألة الوحدة كأهداف ثورية لا بد من الوصول إليها باعتبارها من أهم الركائز التي تعتمد عليها القوى السياسية في مخاطبة الجماهير ونيل ثقتها ومساندتها لتلك الأهداف، غير أن الوصول إلى السلطة قد أعاق تحقيق المضامين الشعبية للوحدة اليمنية بعد تلك الثورات والتضحيات الجماهيرية، وغدت الوحدة أسلوباً ووسيلة للمزايدة بين تلك الأنظمة، حتى وصل الأمر إلى نشوب حربين بين شطري اليمن، مما يؤكد عدم رغبة الأنظمة الحاكمة في تحقيقها على غير الأسلوب الذي يحقق الكسب والمصالح الضيقة بعيداً عن آمال وتطلعات الجماهير، إذ كان كل نظام يرفض التوحّد مع الآخر بسبب التوجهات الفكرية والسياسية والاقتصادية المتعارضة للنظامين الشطريين، اللذين يتهم كل منهما الآخر بأفضع الاتهامات التي تجاوزت المصطلحات المحلية إلى مصطلحات عالمية ينتقص كل منهما الآخر بسببها.
وعلاوة على ذلك فقد جاء اتفاق الوحدة وتنظيم الفترة الانتقالية بما يؤكد حالة الطمع في الحفاظ على المصالح والمنافع التي تسعى للوصول إليها الجهات الممثلة للشطرين بعيداً عن كل ما له صلة بمصالح وحقوق الجماهير، ذلك الاتفاق الذي اشتمل على عشر مواد فقط كان هو النظام الذي سارت عليه دولة الوحدة خلال الفترة الانتقالية، وقد خلا ذلك الاتفاق من كل ما من شأنه حماية حقوق ومصالح المواطنين، عدا ما يتعلق بحقوق القيادات السياسية والحزبية والعسكرية فقط.
وتأسيساً على قاعدة التقاسم والمناصفة التي تضمنتها الالتزامات الخاصة فقد انهارت اتفاقية الوحدة وما ترتب عليها عند ما تعرضت تلك المصالح للخطر وشعرت القيادات بفقدان الأمل في الاستحواذ على كل شيء، جرياً على عادة التقاسم السابقة، فكان قرار الانفصال، وهو القرار المبني على أساس تلك المصالح، لأنه لم يكن مبنياً على رغبة جماهيرية أو منطلقاً منها، الأمر الذي أفقده المساندة والدعم الشعبي لابتعاده عن تحصيل حقوق ومصالح الجماهير سابقاً ولاحقاً.
واستخلاصاً مما سبق يمكن القول بأن الوحدة والانفصال كانت وما زالت مطايا ركوب لأصحاب المصالح الذاتية الذين لم يجدوا سوى اللعب على حبال الوحدة من جهة والمطالبة بحق تقرير المصير من جهة ثانية، وهذا واضح جلي في كثير من المواقف والممارسات التي يشهدها واقعنا المعاش، والتي يمكن الإشارة إلى بعض منها لغرض الدلالة والبيان، حتى لا يظل أصحابها في مأمن من عدم الكشف والتعري أمام جماهير الشعب.
فعلى سبيل المثال: فقد كان للثورة الشبابية الشعبية السلمية دورها وأثرها الكبير في كشف جزء من تلك الممارسات المستورة، حيث اتضح جلياً أتجاه كثير من قيادات وقواعد المؤتمر الشعبي العام والجنوبية منها بالذات إلى دعم عملية الانفصال إن لم يكن علي عفاش الحميري على قمة هرم السلطة لدولة الوحدة، وهذه السلوكيات والممارسات مشاهدة في واقع الحال ولا يستطيع إنكارها أحد، وصور وكلمات ومشاركات تلك القيادات تشهد بذلك، إلى جانب خطابهم الإعلامي التحريضي والدعائي بين أوساط الجماهير الذي يؤكد ذلك.
أما فيما يتعلق بدور الحراك الجنوبي في تبنّي عملية الانفصال فالأمر لا يحتاج إلى مزيد من الشرح والبيان، لأن الممارسة خير شاهد على ذلك، ولكن الذي يهمنا في هذا الجانب أن نقف متسائلين مع إخواننا الجنوبيين الراغبين في الانفصال لاستيضاح الأمر، باعتبار الانفصال خيارهم الوحيد لاستعادة حرية وكرامة المواطن الجنوبي، ومن أهم التساؤلات: لماذا التفرق والاختلاف وتعدد المسميات التي تتبنّا عملية الانفصال في حين أن الهدف الجامع لها هو تحقيق الانفصال القائم على إعادة الاعتبار للحقوق التي افتقدها الشعب الجنوبي في ظل دولة الوحدة حسب ما يرون؟ وتساؤل آخر ما هي دولة الجنوب التي يجب أن تؤول إليها سلطة الحكم!! أهي دويلات ما قبل الاستقلال السياسي الذي تحقق في عام 1967م؟ أم أنها دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية؟ أم أن هناك دولة جديدة بنظام جديد يجب أن تسود؟
هذه الخيارات جعلت الجماهير في حيرة من أمرها وتاهت بها الخيارات المتعددة والمجهولة المصير، وحتى نعيد للجماهير ثقتها في أي خيار ترغبه، يتوجب تحديد الرؤية التي تقوم عليها عملية المطالبة بالانفصال من خلال تحديد شكل الدولة المراد لها السيادة والسلطة والنفوذ، وعلى أساس الفرضيات التالية: الفرضية الأولى العودة إلى عهد ما قبل الاستقلال وفقاً ومنهج دعاة (الجنوب العربي) وهذا يؤيد تقسيم الجنوب إلى ثلاث وعشرين سلطنة ومشيخة وإمارة وبالتالي فإن أصحاب الحكم والسلطة والأولى بها هم السلاطين والأمراء والمشايخ لأن لكل منهم حدوده المتعارف عليها مع الآخرين، ويجب التسليم لهم بذلك على اعتبار حقهم في تسيير أمور مواطنيهم على الكيفية التي تناسبهم ويتفقون عليها.
والفرضية الثانية العودة إلى عهد دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهذه الدولة نشأت وترعرعت على يد التنظيم السياسي الجبهة القومية ثم التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية وأخيراً الحزب الاشتراكي اليمني، وهذا يعطي الحق في الأولوية لهذا الحزب الذي تحمّل أعباء بناء تلك الدولة وساقها إلى أحضان دولة الوحدة بالرضاء والاختيار ومن حقه أن يعود بها إلى ما كانت عليه قبل ذلك.
وأما الفرضة الثالثة فبناء دولة جديدة وهذا يتطلب وجود عقد اجتماعي ينظم وجودها.
ولكي يتضح لنا موقف الجهات والوجهات التي تتبنّا عملية الانفصال، ومدى تعاملها مع مطالب وحقوق ومصالح الجماهير، يجب عليها تحديد شكل الدولة التي تقوم على أساسها عملية الانفصال، وهذا يعني أن دويلات ما قبل الاستقلال يجب أن تظهر قياداتها المطالبة بها والممثلة في عدد من السلاطين والأمراء والمشايخ حتى يتمكن جمهور كل دولة من مخاطبة ولاة الأمر فيها بما يرونه مناسباً لهم في إعادة صياغة نظام الحكم ومتطلباته، وهنا ينتفي دور بقية الجهات ولم يعد لها الحق في تحديد مصير الآخرين.
 وأما دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية فيجب أن تتبناها قيادات وقواعد الحزب الاشتراكي اليمني ولا حاجة لبقية الجهات في أن تجعل من نفسها وصياً على كائن حي يرزق وكامل الأهلية القانونية والعرفية، ولديه من القدرات والإمكانات ما يتيح له تسيير شؤون الدولة بكل اقتدار، وسيكون للناس معه وقفات فيما يتعلق بمستجدات الأحداث على المستوى الوطني والإقليمي والدولي التي تتطلبها عملية الشراكة الوطنية.
وفيما يتعلق بالفرضية الثالثة المتعلقة بالدولة الجديدة فلا بد للداعين للانفصال من تقديم رؤية متكاملة عن طبيعة نظام الحكم والأسس التي تقوم عليها العملية السياسية في تلك الدولة الوليدة حتى يضعوا للجماهير مسار محدد وخيار جذاب يساعدهم على التفكير فيما ينبغي فعله في هذه القضية، وبما يحفظ للناس حقوقهم ويحدد واجباتهم بشكل واضح يعيد للجماهير ثقتها بمن يتبنى همومها وقضاياها بجدية ومصداقية عالية بعيداً عن المتاجرة بآلامها ومعاناتها في ظل متغيرات متسارعة ومطامع واسعة لم تعد للجماهير فيها مصلحة أو منفعة مباشرة.
وخلاصة القول ستظل عملية الانفصال، كما كانت الوحدة من قبل، مطايا ركوب لأصحاب المصالح والنفوذ، وللجماهير الخطابات الرنانة والوعود الكاذبة ولا شيء سوى ذلك طالما والتفرق هو سيد الموقف والتجربة أكبر برهان.