وداعا ملهم الجمهورية
بقلم/ د شوقي الميموني
نشر منذ: سنتين و 11 شهراً و 26 يوماً
الأربعاء 15 ديسمبر-كانون الأول 2021 05:22 م
 

 تأخرت متعمدا الكتابة عنه لأن خبر استشهاد قائد يحجمه ومنزلته حجب عن مخيلتي الحروف والكلمات وربما العربية كلها..

فالمصاب جلل. بكت مأرب وغشّاها شُحوبُ *

ومأرب بالأسى ثكلى تذوبُ أتى خبرٌ بجنحِ الليل يسري

* وأرَّق مضجعي خطبٌ رهيبُ أُسائلُ يا صحابي هل مجيبُ *

يُقلِّبُ، عَلَّهُ خبر كذوبُ فيرجع بالصدى صوتٌ أسيفٌ *

بلى قد غابَ، فارَقَنا الحبيبُ نعم فارقنا الحبيب، فارقنا القائد، فارقنا المربي؛ فارقنا الأب الحنون لأفراد الجيش الوطني والمقاومة نعم فارقنا وكانت بالنسبة لي صدمة شديدة حينما وصلني الخبر، لكن بعد أن استجمعت عقلي وسكنت نفسي وعاد الي صوابي استغفرت ربي واسترجعت قلت في نفسي الأصل أن أعجب من بقاءه حيا فقائد مثله لا يغيب عن دنيانا الا واقفا. تابعت ردات الأفعال على استشهاد القائد العظيم ابو منير على مستوى اليمن بجميع أطيافه وألوانه فوجدت أن أفراد الشعب اليمني قاطبة سمع عن ابو منير من خلال مواقفه وجهاده وصولاته وجولاته ووجدت أن أفراد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية عرفوا أبا منير وهناك فرق بين من سمع عن إنسان ومن عرفه والقليل القليل الذين غاصوا في حياته يعرفونه أكثر فأكثر.

كلما قيل عنه وكتب مجرد حواشي لكتاب عملاق يحوي قصة فريدة قل ما يجود بها الزمن. أجمع السواد الأعظم من المجتمع اليمني على حبّ أبا منير وصوابية مواقفه وأختلفت النخب في ذلك فالبعض مؤيد محب والبعض الآخر كاره والسبب بسيط ومعروف لأن أبا منير قائد استثنائي وجد في وقت عز فيها القادة، ولأنه بمواقفه وأفعاله واقوله أحرجهم، فالبعض لم يفهم أو لم يريد أن يفهم أن المشاركة في المعركة بذل واقدام وليس أخذ واحجام، وأن التنافس في المعركة إنما يكون على المشاركة وليس التنافس على المشاهدة، ولم يفهم أيضا أن المعركة أفعال وليست أقوال أومجرد تحليل على وسائل الإعلام، فأفعال ومواقف القائد ابو منير أظهرت الفارق الطبيعي بين القائد الفعال وبين مدعي القيادة.

ربما كان أبو منير من نوع القائد المستبد الايجابي(وهذا النوع يعرفه المتخصصون جيدا ) هذا النوع من القادة يشبه الأب الحريص على أبناءه يحبهم ويشفق عليهم ويشاركهم الهموم والأحزان ومن خوفه عليهم ينفذ معهم المهام الصعاب التي أوكلت أليهم يرافقهم خطوة بخطوة يعلمهم ويصوب خطأهم، لأنه بما آتاه الله من ملكة أدرك أن الظرف الذي يمر به الجيش الوطني والمقاومة يحتاج هذا النوع من القيادة. آآآآآآه يا أبا منير لقد اتعبت من بعدك وتركت فراغ لا يملئه الا قائد يحمل قلبك ويحمل همتك.

اليوم الذي استشهد فيه كنت مع بعض رفاقي في نفس المكان في البلق الشرقي ورأيت الأسود الضواري التي رباها عائدة من المهمة بعد تحرير نفس الموقع الذي سيكون بعد ساعات فقط المكان الذي سيغيب فيه قائدنا عن دنيانا الى الأبد، كانت هممهم ليس لها حدود ورؤوسهم شامخة ليس لها ند، في زيارتي اليوم الثاني يوم استشهاده رأيت الحزن مخيم على المكان كله، الوجوه شاحبة والأشجار ذابلة والاحجار منكسرة، أما الأسود الضواري فوجدتهم يعيشون دورين في نفس الوقت، دور المتألم الحزين الصابر الراضي بقضاء الله وقدره، ودور الصامد المتأهب الذي يعد الثواني الباقية للانقضاض على العدو.

.

أول مرة سمعت فيها عن ابو منير العام 2015 كان في ذلك الوقت قائد اللواء 133 وكان ابني الأكبر حينها أحد أفراد اللواء وبلغني أنه حبسه في الشرطة العسكرية والسبب أن ابني اختلف مع زميله فحدث بينهم شجار فلكم إبني زميله فاغمي عليه فأحاله القائد ابومنير إلى الشرطة العسكرية عقابا له، حاولت التدخل فوجدته صلبا لا يتراجع بسهوله لكن بعد التحقيق ومعرفة المخطئ توطدت العلاقة بينه وبين ابني واستمرت حتى استشهاده، عرفت أبا منير عن قرب وعرفت تفاصيل دقيقة عن حياته وعرفت أن الهمة العالية التي يحملها ستتعب جسده وصدق الشاعر حينما قال واذا كانت النفوس كبارا.. تعبت في مرادها الأجسام. نم قرير العين واسرح في جنان الخلد ولا تخش على المهام التي خلفتها وراءك فقد تربى على يديك الكثير كلهم يحملون قلبك وهمتك متأهبين ومتحفزين لمواصلة مشوارك الذي بدأته مع من سبقك من القادة العظام. ثق يا أيها الهمام في مرقدك أن الأمانه التي تركتها انتقلت الى أيادي هي نفس يديك فاهنأ بما أعده الله لك فجزاءك لا يقدر عليه غير الله ولهذا نقلك من دار البلاء والشقاء إلى دار السعادة والنقاء.

في يد الله أيها القائد الملهم، في ضيافته وكرمه واحسانه، ولا نقول الا ما يرضي ربنا، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها.