الزحف خيارنا الأقل سوءاً.. وعلى الخليج والعالم تحمل مسؤولياته
بقلم/ رياض الأحمدي
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و يومين
الجمعة 13 مايو 2011 09:15 ص

فشلت المبادرات الداخلية والخارجية في إقناع الرئيس علي عبدالله صالح بالتنحي عن السلطة استجابة لمطالب الشعب، وتجنباً لإراقة المزيد من الدماء، وتحولت المبادرة الخليجية من حيث تدري دول الخليج أو لا تدري إلى سبب في التوتر وليس الإنقاذ..

ويمكن القول إن المبادرة الخليجية فشلت ليس الآن ولا منذ إعلانها ولكن بعد تعديلها للمرة الأولى، لأنها راعت ملاحظات صالح التي من الصعب تنفيذها على الواقع وأهواء الأمريكيين، ولم تعد مخرجاً كما كانت في البداية، عندما نصت على التنحي الفوري مقابل عدم الملاحقة، والرؤية الأولى أطلقتها دول الخليج وهي تعرف الواقع اليمني وتعرف استحالة بقاء صالح.

وصول المبادرة إلى طريق شبه مسدود بعد أكثر من شهر، ومئات الآلاف من اليمنيين في الشوارع ليلاً ونهاراً، وعصابة صالح تنهب وترتب أوراقها طوال كل تلك المدة، جعل اليمن أمام خيارات صعبة مفتوحة، إذ أن النظام الذي استنجد في البداية بمبادرة لإنقاذه ارتفعت مطالبه بعد أن تعاملت المعارضة مع المبادرة بطريقة أو بأخرى، أما شباب الثورة في مختلف الساحات فقد صبروا الكثير، وأصبح الاعتصام وقتل اليمنيين أمراً معتاداً لا يستدعي الخبر الأول في النشرات، وكذلك المسيرات..

هناك لم يعد أمام الشباب إلا الخيارات الصعبة.. إذ ماذا بقي لصالح كي يرحل؟.. الرجل لم يعد مسيطراً حتى على 20% من مجريات الأوضاع في اليمن حسب دراسات دقيقة، بقدر ما أصبح مسلحاً قادراً على القتل، لا البناء، أصبح الشعب كله ثائر بما فيه القوات المسلحة والأمن ونصف الحزب الحاكم تقريباً، لم يعد لديه حكومة ولا برلمان.. كل ما لديه هو أنه يعبث بمقدرات البلاد، ويحاول صناعة الصراعات والفتن..

هذا النظام أو العصابة الحاكمة، تقوم بتوزيع السلاح على المجرمين لقتل الناس، وتعبث بأموال الشعب، وتلعب بالنار، وتجهز عسكرياً لحرب، وتفتعل يومياً أزمات جديدة، وتراوغ وتحرض وتقتل.. والمواطن اليمني أصبح يعاني كثيراً نتيجة الأزمة، وقطع المواد التموينية بشكل عام، شرعية الشعب فرضت نفسها على الواقع، ولم يعد هناك أي سيطرة لهذه العصابة، الثورة السلمية استخدمت كل أساليب التصعيد السلمي وأسقطت النظام عملياً؟ فما الذي بقي لهذه الثورة؟

إلى متى تتحمل البلاد هكذا وضع؟ من أين يأكل ويعمل مئات الآلاف من المعتصمين ومن أين يأكل المواطن بشكل عام؟..

ملخص الوضع اليمني هو أنه لم يعد هناك نظاماً يخاف على الاقتصاد أو يتأثر بالاعتصامات وتعطل الحياة العامة.. فهو يبادر إلى العصيان وقطع الطرقات والمواد التموينية، قبل الثوار، وهو من يصعد وليس الثورة؟ ... وهو من يسعى إلى تقسيم البلاد وليس الثورة؟

ختام ننتظر السلمية؟ وكيف فعلت بنا المبادرة الخليجية كل ذلك؟ وأوصلتنا إلى هذا الوضع؟

أصبحنا أمام خيارات صعبة، فالانتظار موت للثورة السلمية، واندلاع الثورة المسلحة، ووصول البلاد إلى ما لا يمكن تصوره، لأن الجيش أو أغلبه، أصبح في صف الثورة، والقبائل في صف الثورة، والذين قدموا لهذه الثورة ما قدموه.. أصبح عليهم النصر أو الموت، في كل الأحوال.. أو الزحف كخيار صعب ومكلف، لكنه أفضل الخيارات السيئة.. الرجل يرفض التنحي، أما الموت البطيء للثورة أو الزحف إلى الرئاسة.

ليس هناك مؤسسات حكومية أو وزارت فاعلة لكي تصعد سلمياً أو تعطلها، بقدر ما ستقدم الكثير من الشهداء أمام هذه المؤسسات، وليس هناك نظاماً خائفاً من العصيان المدني أو توقف الحياة بشكل عام... وشخصياً كنت أرفض فكرة توسيع الاعتصام أو التوجه إلى رئاسة الوزراء، للأسباب السابقة، ولشعوري أن النظام سيحاول إفشال ذلك مهما كلف الثمن، كـ"مجزرة استباقية" (كما وصفها الأستاذ محمود ياسين)، تجعل من خيار الزحف إلى القصر الرئاسي بعيداً، وتكسر عزيمة الشباب.. كما يفكر هذا النظام..

من هنا أصبح الزحف هو الخيار السلمي السهل والصعب، وتنطلق فكرته من أن يتوجه مئات الآلاف بصدور عارية إلى منطقة السبعين والاعتصام جوار دار الرئاسة، وهناك يكون صالح أمام الانتحار أو الرحيل.. 

ومما يزيد من مخاوف هذا الخيار هو أن المبادرة الخليجية التي أجلت الزحف، مكنت النظام من الإعداد العسكري والدموي لمواجهة هذا الخيار، إذا قام النظام بتوزيع القناصة والمسلحين بالزي المدني على مختلف الشوارع والمباني المؤدية إلى السبعين، وسيحاول قدر الإمكان القيام بمجزرة في جولة "عصر" وجولة "كنتاكي"، وغيرها، لحيلولة دون وصول الحشود المليونية إلى السبعين وما جاورها.. بالتوازي مع ذلك يقوم بتهديدات مكثفة على قيادات المعارضة والجيش المؤيد للثورة، وتهديدهم بقصف مواقعهم ومنازلهم في حال بدأ الزحف.. ويلعب على الوقت لتفريق الصفوف..

وهناك قوى في صفوف الشباب، أصبحت تعمل بطريقة أو أخرى بما يخدم توجهات النظام، ومن ذلك الذين لن يصلوا أهدافهم، إلا إذا تقاتل الناس وتدمر الجيش، وفكرتهم السياسية تتعارض كلياً مع الدولة المدنية التي تهدف إليها الثورة.. وهي المساواة والديمقراطية والعدل... الخ. وهم قلة يعرفون أن بقاء صالح أصبح في حكم المستحيل، لكنهم يرون أن انفجار الوضع قد يكون مصلحة مستقبلية لمشاريعهم القاصرة.

مع ذلك يبقى الزحف المنظم والمخطط له هو الخيار الأسهل صعوبة، أمام الشعب اليمني وثورته السلمية.. فخيار الزحف ليس خياراً انتحارياً أو مرفوضاً من حيث المبدأ كما يفكر بعض الحريصين على أرواح الناس، لكنه يحتاج إلى دراسة وتنسيق سياسي وتخطيط ميداني لتخفيض التكاليف، يخرج اليمن من مأزق الحاضر ومخاطر المستقبل القاتمة.. ولقد كان الزحف أسهل قبل المبادرة الخليجية عندما لم يكن النظام قد رتب أوراقه الدموية، وكان أفضل ما يرجوه حينها هو الرحيل عن السلطة مع عدم الملاحقة..

هذه اليمن أمام الخيارات الصعبة، مع أمل أن إرادة المولى عزوجل ستحفظ اليمن وأهله، ويأتي اليسر بعد العسر.. فالشعب الذي أراد الحياة وطرد الظلام والفساد واتبع أفضل الوسائل الحضارية والمشروعة سوف ينتصر بأقل الإمكانيات بإذن الله.. وهو ما نتمناه، ونفكر بما عداه. وعلى دول الخليج أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية من خلال الوقوف إلى جانب الشعب ومحاصرة صالح، بعد أن كانت سبباً جعل اليمنيين أمام هذا الخيارات الصعبة. وكذلك المجتمع الدولي، ولن يتهاون اليمنيون مع كل من قام أو تواطئ بإراقة الدم اليمني. وإذا كان من مبادرة بعد الآن، فعليها أن تضيق الخناق على صالح وعصابته تماماً وتطالبه بالرحيل الفوري مقابل العمل على عدم الملاحقة فقط.

وكم كان جميلاً لو خرج هذا الفساد بشرفه، وقام بالمنجز العظيم وهو الرحيل دون إراقة دماء الأبرياء وتدمير البلاد، لكن الله أراد له أن يظهر على حقيقته، ونحن عندما خرجنا إلى الشوارع للمطالبة برحيله، لم نكن نعتقد أنه بهذا السوء، لكن كل يوم يمر يجعلنا أكثر نقمة عليه، وكل يومٍ يمر يرفع مئات الآلاف من اليمنيين أيديهم إلى السماء ويدعون عليه بالهلاك، وكل يوم يمر يدفع فيه المواطن ثمن بقاء الرئيس هذا اليوم..

 فأي رئيسٍ هذا الذي كلفنا وجوده كل هذا، وأي شرفٍ ينتظره، وأطفال ونساء ومظلومون يزداد عددهم يومياً يدعون عليه، و"دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب".. إنه لبئس المصير.

قال تعالى: "ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء".. ولذاك ،ربما، لم تتحقق إرادتنا بخروجه المشرف، وأصبحنا أمام الزحف المكلف..