أول دولة عربية ستُعيد فتح سفارتها في سوريا جلسة جديدة لمجلس الأمن تناقش الوضعين الإنساني والإقتصادي باليمن تصريحات جديدة ''مطمئنة'' للجولاني والبشير بشأن مستقبل سوريا ''في صيدنايا ما في داعي أبداً لوجود غرف سرّية لأن كل شيء كان يصير على العلن''.. الدفاع المدني يعلن عدم العثور على أقبية أو سجون سرية معارك مازالت تخوضها فصائل المعارضة السورية التي أطاحت بنظام الأسد معلومات جديدة حول هروب المخلوع بشار الأسد من سوريا أسماء الخلية الحوثية التي صدرت بحقها أحكام إعدام وسجن طارق صالح يتوعد عبدالملك الحوثي بمصير بشار ويقول أن ''صنعاء ستشهد ما شهدته دمشق'' تطورات مفاجئة… الجيش الروسي يطوق قوات أوكرانيا بلينكن يحدد شروط اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة
بينما تتجه الأنظار إلى طرفي الصراع في السودان، البرهان وحميدتي، والبحث في مآلات الحرب بينهما لتحديد مستقبل السودان، يبرز في المعادلة لاعب جديد، أربك حسابات الجميع، وهو الشعب السوداني نفسه.
الشعب السوداني يعاني ويلات الحرب، ويدفع وحده فاتورة حرب النفوذ بين الجنرالات، ويعيش أبناؤه ما بين نازح ومشرد، أو مقتول مغتَصَب المال والعرض، بسبب الممارسات الوحشية لميليشيا الدعم السريع، التي تضم مرتزقة أفارقة من خارج السودان، وتحظى بدعم إقليمي جعلها من القوة بما يكفي لإظهار ضعف وخور الجيش السوداني، الذي ينسحب من مواقعه الواحدة تلو الأخرى، ويعجز عن حماية المدنيين العزّل.
لكن الشعب المقهور قال كلمته، وأعلن عن بزوغ شمس المقاومة المسلحة، لحماية النفس والمال والعرض، على قاعدة «ما حَكَّ جِلْدَكَ مثلُ ظُفرك»، بعد أن تخلى عنه الجميع، ووقفت الدول العربية، خاصة دول الجوار صامتة صمت القبور عن تلك الكوارث التي ألمت بالشعب السوداني.
السودانيون أدركوا أن عليهم حماية أنفسهم بأنفسهم، وهم يرون الخيبات المتتابعة تظهر على أداء الجيش السوداني، بتسليحه الضعيف، وهزال آلته الإعلامية، واهتراء أدائه السياسي، واعتماده على الشعارات الجوفاء، مقابل التسليح القوي لميلشيات الدعم، ونشاطها الإعلامي الذي برعت فيه، والتحركات السياسية والدبلوماسية التي يقوم بها حميدتي باتجاه الدول الافريقية لدعم موقفه. جيش البرهان بدوره، رحّب بالمقاومة السودانية وباركها، ويبدو أنها كانت بمثابة طوق نجاة بالنسبة له، إذ ستكون ظهيرا شعبيا للجيش في مواجهة قوات الدعم السريع. وكالعادة في شأن بزوغ أي كيان تحرري، وُجد من يحاول إجهاضه، تشكيكا وتهوينا وتهويلا، وبرز فريق من المثقفين والناشطين والحقوقيين، والتجمعات النقابية والأحزاب السياسية، يعترضون على تسليح المدنيين، ويحذرون من مآلاته، وأرسلوا إلى الأمم المتحدة يطالبون بوقف تحشيد وتسليح المدنيين، منعا لوقوع حرب أهلية. ويعمل المعترضون على عدة محاور لوأد هذه المقاومة:
أولا: التهوين من شأنها وقدرتها على خوض المعارك، ويستندون في ذلك إلى إعلانات الاصطفاف لمئتي ألف مع القوات السودانية، التي سبقت اندلاع القتال الفعلي، وبمجرد اشتعال الحرب اختبأت تلك الأصوات.
ثانيا: التشكيك في نشأة المقاومة، حيث يدور الحديث في أوساط المعارضين عن كوْن النظام السوداني السابق، هو من يقف خلف هذا التحشيد، لتصفية حسابات سياسية.
عندما ينتقل الشعب من خانة المُساق باستسلام للذبح، إلى خانة المقاوِم دفاعا عن نفسه وعرضه وماله، فحق لمن يعتدي عليه أن يخاف
ثالثا: الترهيب من اندلاع حرب أهلية بسبب تسليح المدنيين، بحجة أن دعوات المقاومة تنطلق من أساس إثني وجهوي، ومن الممكن أن تتحول إلى عمليات انتقامية ضد الأعراق والأجناس السودانية المختلفة.
والرد على المسوغات واحد هو، أن الشعب السوداني بات لا يصارع من أجل مجرد إنهاء الحرب والاستقرار السياسي، الشعب السوداني الآن يحمل السلاح من أجل البقاء، من أجل حماية الأنفس والأعراض والأموال، التي صارت حمى مباحا لقوات الدعم الهمجية، فليس هناك من شيء يسبق ذلك المنحى في ترتيب الأولويات. الشعب السوداني ليس لديه ما يخسره، هل يخشى حربا أهلية؟ فالحرب موجودة بالفعل بين الجنرالات، تأكل الأخضر واليابس. عندما تتحدث عن الخطر الوجودي، وعن تهجير الملايين وقتل عشرات الآلاف واغتصاب النساء ونهب الأموال، وتدمير هائل للبنية التحتية من مرافق الكهرباء والمياه والجسور، وانهيار القطاع الصحي، فلن يمثل فارقا معرفة مصدر هذه الدعوات، سواء كانت من قبل النظام السابق أو من داخل الجيش السوداني، أو من القوى المدنية، فأنت تتحدث عن قضية دفاع مشروع عن النفس. السودانيون في كل الأحوال يموتون، فلا أقل من أن يموت المرء وهو يدافع عن نفسه وعرضه وماله. حميدتي لم يعمل حسابا لظهور هذا اللاعب الجديد، ومن ثم جعل يتوعد المقاومة ويصف عناصرها بالانقلابيين، وله أن يخاف، فعندما ينتقل الشعب من خانة المُساق باستسلام للذبح، إلى خانة المقاوِم دفاعا عن نفسه وعرضه وماله، فحق لمن يعتدي عليه أن يخاف. كما أن ظهور المقاومة الشعبية أربك حساباته العسكرية، فعندما دخلت الميلشيات في حربها مع الجيش السوداني، تعلم أن الجيوش النظامية التي تعتمد على المواقع والتموضع يصعب عليها مواجهة حروب الميلشيات والعصابات، التي تعتمد على الكر والفر والعمليات الخاطفة، لكن قوات حميدتي سوف تجد نفسها بعد اليوم في مواجهة مقاومة مسلحة غير نظامية، تعتمد على الأسلوب نفسه تقريبا.
وعلى الرغم من أن نشوء المقاومة يصب في صالح الجيش السوداني، إلا أن عمل هذه المقاومة غير مرتهن بحساباته السياسية، وأنها سوف تقاتل من أجل البقاء والدفاع عن النفس، أينما ووقتما وجد الخطر.
الخطوة التي ينبغي أن يقطعها الجيش السوداني لاستثمار هذا الحدث وإنهاء الحرب بشكل يؤمن مستقبل السودان، أن يقوم بالرعاية الكاملة لتسليح المقاومة، بحيث تكون لديه قاعدة بيانات بعدد قطع الأسلحة وأسماء من يحملها وتوعية القبائل والأهالي بأنها حالة خاصة اضطرارية، وأن مصلحة الدولة تحتم تسليم السلاح بعد انتهاء الحرب، وتوثيق هذا الاتفاق مع زعماء العشائر والقبائل والوجهاء. أعلم مدى الخطورة التي يمثلها تسليح المدنيين، لكن الصراع المُبيد، لم يترك للسودانيين خيارا، فقد حشرهم في زاوية الدفاع عن النفس، أعيش أو لا أعيش، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
* المصدر القدس العربي