الرئيس السلال … ربان السفينة السبتمبرية الظافرة
بقلم/ علي محمود يامن
نشر منذ: شهرين و 5 أيام
الأربعاء 25 سبتمبر-أيلول 2024 06:26 م
 

الثورات الناجحة في التاريخ تاخذ المدى الزمني المناسب لنجاحها وفقا لمعطيات كثيرة اهمها مدى النضج في الوعي الشعبي والاستعداد الجماهير لدعم الثورة وقدرة النظام الذي قامت عليه الثورة على المقاومة وتغلغله في البنية السياسية والاجتماعية ومدى وجود قوى خارجية مناهضة

من خصائص وسمات الثورات انها تحمل مشروع للتغيير الجذري للاوضاع البائسة التي يستحيل معها التغير بالوسائل السلمية وتحمل اهداف عظيمة 

 

ترتكز على منظومة متكاملة للعدالة والمساواة والنماء والتطور 

وتقوم بها طليعة ثورية واعية ومتحمسة وتسندها نخبة سياسية واجتماعية مثقفة 

و تحضى بتأييد شعبي واسع من مختلف شرائح المجتمع وفئاته ومستوياته وتكون تعبيرا صادقا عن ضمير الأمة ومعتقداتها وقيمها 

 

وقد استوفت الثورة اليمنية في السادس والعشرين من سبتمبر في العام 1962م شروط نجاحها الموضوعية والذاتية ومرت بثلاث مراحل اساسية بداءً بمرحلة التخطيط والاعداد والتنظيم والتي تعد اهم المراحل وهو ما ادركه الضباط الاحرار بقيادة الشهيد علي عبدالمغني من خلال تأسيس تنظيم الضباط الاحرار والقيام بالاعداد والتخطيط للثورة ومن ثم التنفيذ بدعم ومؤازرة من القيادة العربية المصرية، 

 

وتلى ذلك مرحلة حماية الثورة: بقيادة الرئيس عبدالله السلال والضباط الأحرار الشباب والوحدات العسكرية الجمهورية والجيش العربي المصري الذي وصلت طلائعه إلى ميناء الحديدة يوم 28 سبتمبر وقدم تضحيات جسام امتزج فيها الدم العربي اليمني بدماء اشقائه من ابناء جمهورية مصر العربية.

 

ومن ثم الشروع في "بناء جيش وطني قوي لحراسة البلاد وحماية الثورة ومكتسباتها" بتعاون 

 وبدعم من القوات المسلحة المصرية ومن عوامل نجاح الثورة 

،تشكيل مجلس قيادة الثورة برأسه الزعيم السلال 

ومجلس رئاسة مكون من 19 شخصة وطنية مؤمنة بالثورة ومستعدة للدفاع عنها 

في مطلع 1964م تم تشكيل المكتب السياسي من تسع شخصيات وطنية ، هم:

الرئيس عبدالله السلال 

اللواء العمري، 

القاضي عبدالرحمن الإرياني، 

القاضي محمد محمود الزبيري، الاستاذ محمد أحمد نعمان، القاضي عبدالسلام صبره،

محمد مطهر، 

عبدالقوي حاميم 

ومحمد علي عثمان.

 وصولا الى مرحلة بناء النظام النظام الجمهوري الجديد 

 

الجمهورية هي بوّابة اليمن الى العالم المعاصر وسفينة العبور الى المستقبل المنشود ورافعة التغير نحو الحرية والكرامة  

 

 اعلن السلال ورفاقه الميامين قيام الجمهورية العربية اليمنية مؤذنا بولادة دولة وطنية يمنية العمق عربية الانتماء غيبت الإمامة دورها الريادي منذ مجيء الكاهن الرسي الى صعده في عام 284 هجرية.

 

في سبتمبر المجيد دك الاحرار عرش الامامة براسة المشير عبدالله السلال   أول رئيس للجمهورية العربية اليمنية في الفترة 1962 – 1967، الميلاد في قرية شعسان مديرية سنحان محافظة صنعاء عام 1917م،

 

  عاش السلال طفولة في حالة من اليتم وشظف العيش وفقدان الاب في سن مبكرة، فكفلته والدته ثم أخيه الأكبر محمد، والتحق بمدرسة الأيتام بصنعاء عام 1929م،واجتهد في التحصيل الدراسي وحقق نبوغ تعليميًا في تلك المرحلة ثم واصل تعليمه الثانوي بمدينة الحديدة

 

وعاد الى صنعاء ومنها سافر إلى عدن ، وأتم المرحلة الثانوية، ثم سافر للعراق عام 1936 ضمن البعثة العسكرية الأولى . وهناك تفتح وعيه الثوري مدركا حقيقة الاوضاع الكارثية التي تعيشها اليمن ، ومدى الفارق الحضاري الشاسع بين اليمن والاقطار العربية 

تخرّج من الكلية العسكرية في العراق برتبة ملازم ثان عام 1939م.

بداء تاريخه النضالي مبكرا كان احد ثوار 48 ودفع ضريبة انتمائه لها سنين من عمره في سجن حجة مع كوكبة من احرار وفكري وعلماء اليمن 

وعند قيام حركة اللقية والعلفي والهندوانة ضد الطاغية احمد كان السلال مديرا لمشروع بناء ميناء الحديدة وثائرا متواصلا مع الاحرار المتطلعين لخلاص اليمن من الطغيان 

 

وفي فجر ميلاد اليمن الجديد 

وقع اختيار الضباط الاحرار عليه لقيادة الثورة وتراس الجمهورية الوليدة كان احد اقطاب الحركة الوطنية، وفي القلب من المؤسسة العسكرية وأكبر الضباط الأحرار رتبة في الجيش، واحتكاكًا بمختلف القوى الاجتماعية 

واظهر الحماسة والاستعداد لقيادة الثورية. وتحمل المسؤولية الوطنية وتولي مهام رئاسة مجلس قيادة الثورة فكان عند بطلا على قدر التحدي ومسؤول على درجة عالية من الوعي والنضج والادراك لحجم التحديات وقدر الدور الوطني المناط به محقق امال وتطلعات الشعب 

ورد في كتاب "وثائق أولى عن الثورة اليمنية" عن الرئيس السلال قوله :

 

" أن الشهيد علي عبدالمغني أكد له موقف التنظيم من ترشيحه. كما تحدث المشير السلال أيضاً عن مراسلاته هو الآخر مع الرئيس جمال عبدالناصر للتأكد من موقف الجمهورية العربية المتحدة بالنسبة للثورة وأرسلها مع الشيخ عبدالغني مطهر -وأكدها مطهر في مذكراته- وتلقى منه جواباً عليها "

 

وقاد الجمهورية الفتية في مرحلة تاريخية بالغة التعقيد وشديدة الخطورة بلغت فيها التجاذبات الدولية ذروتها والتنافس الاقليمي اوجه والصراع العربي الاسرائيلي في ذروته 

وقد وصف الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني في مذكراته، الاوضاع عشية الثورة : 

" ترك الإمام ( احمد ) البلاد في وضع متخلف لا نظير لتخلفه في العالم، فلا جهاز حكومي ولا مدارس ولا مستشفيات ولا طرقات ولا أي شيء من مقومات الحضارة الحديثة. لم يخلّف في البلاد مشروعًا حيويًّا واحدًا، بل خلف السجون والمعتقلات والأغلال والأصفاد، ترك الفقر والجوع والجهل والمرض والرشوة والفساد، ترك كل ما يمسخ مقومات الأمة ويفسد أخلاقها، فكان لزامًا على الجمهورية الفتية أن تبتدئ كل شيء من الصفر لإعادة البناء من جديد"

في صباح يوم الثورة، ونظرا لموقعه المتقدم في قيادة الجيش اصدر السلال اوامر بفتح قصر السلاح وإمداد الثوار بكل ما تحتاجه من الأسلحة والذخائر وكل الدعم اللوجستي واصدر اول قرار جمهوري  

 

وعن ذلك يقول الدكتور المقالح: "لو لم تحدث المعجزة ويستطيع الأمر الموقّع من السلال أن يفتح قصر السلاح، لكانت الثورة قد انتهت في ظهر ذلك اليوم".   

بعد قيام الجمهوريه بثلاثه ايام، اي في تاريخ 29سبتمبر 1962م.. وقد نص القرار على الغاء كلمه »السيد او سيدي« في كل الخطابات والمعاملات والمذكرات، وتم تجريم هذه الصفه وتحديد عقوبه بالسجن على كل من لم يلتزم بالقرار. 

 

يقول الشهيد جار الله عمر عن السلاّل: "كان رجلًا عسكريًّا طيب القلب وتلقائيًّا، مخلصًا للثورة، واضطلع بأعباء كبيرة أثناء الحرب الأهلية وقيادة المعارك، وكان يتمتع برباطة جأش؛ لأنّ المعارك كانت مستعرة في كل مكان تقريبًا"، مضيفًا خلاصة رأيه بوضوح: "لا أظن أحدًا كان يستطيع القيام بالدور الذي قام به السلال؛ لأنّ الحرب والمعارك ضد الملكيين كانت هي القضية الأساسية، إذ لم يكن هناك في الحقيقة أية اهتمامات أخرى لا في مضمار التنمية ولا في أي مجالات أخرى". أما عن الدور المصري في اليمن، فيؤكد جار الله أنه إلى جانب المشاركة في الحرب، فقد خلق هذا التواجد "نواة الإدارة لأول مرة في اليمن، كما ساهم في انتشار التعليم الإعدادي والثانوي بمناهجه الحديثة، وكان هذا عملًا تحديثيًّا وحضاريًّا كانت اليمن بحاجة إليه، لأن التخلف كان شاملًا ومتمكنًا من كل حياة اليمن". وعن علاقة السلال بعبدالناصر وتمسكه بالوجود المصري يقول: "كان ]السلال[ سياسيًّا واقعيًّا، فقد كان يدرك أنه لولا التأييد المصري للثورة، فإنها كانت سوف تسقط في عامها الأول"

 

سال الرئيس السلال صحفيًا ذات يوم ماذا تمثل ثورة ٢٦ سبتمبر يا فخامة الرئيس؟ فاجاب "إنها قفزة الألف عامٍ في ليلةٍ واحدة

 

خاض الرئيس عبدالله السلال  ومعه القوى الثورية والاحرار الجمهورين ومنسبي الجيش السبتمبري حربًا ضروسًا، ضد القوات والقوى الإمامية ، وشيد مداميك الدولة الجديدة التي لم ترث من الإمامة اي بنية ادارية او تنموية او مشاريع حديثة وكون وحدات الجيش الوطني؛ على اسس علمية حديثة   فتم فتح أبواب التجنيد والتطوع العام في القوات المسلحة في كلّ المحافظات.. وكان دور القوات المسلحة المصرية محوريا في تدريب وتاهيل الوحدات العسكرية الجمهورية 

  من خلال الخبراء وفتح أبواب الكليات والمعاهد العسكرية المتخصصة ومراكز التدريب وهيئات التخصص العسكرية لمنتسبي القوات المسلحة في اليمن، فقد تم تدريب وإعداد أربعة ألوية مشاة كاملة التشكيل في معسكرات وهيئات الجيش المصري، وهي: ( لواء الثورة، الكتيبة الأولى من لواء النصر، لواء الوحدة، لواء العروبة)، وبحلول عام 1966 مع عودة آخر لواء مشاة من مصر كانت النواء الأولى للجيش اليمني الجمهوري الحديث قد تشكلت وحداته وقياداته وبنيته الادارية والتدريبية والعملياتية وتشكيل هيئة أركان حرب القوات المسلحة ورئاستها، وإنشاء عددٍ من الهيئات القيادية، وكانت هيئة العمليات الحربية هي أعلى سلطة عسكرية بعد القائد العام للقوات المسلحة”. وتم إعادة فتح الكلية الحربية وكلية الشرطة، وافتتاح معهد تاهيل القادة في مدينة تعز..مع العمل على بناء موسسات الدولة المدنية 

وقد استمر في قيادة الجمهورية حتى حركة الخامس من نوفمبر عام 1967م. وغادر البلاد 

وسلم العهد الاب عليه ومنها الطائرة الرئاسة وبدلته العسكرية وأوسمته ونجوم رتبته العسكرية للحكومة اليمنين

 

انتقل بعدها للإقامة في مصر التي ظل فيها حتى صدور قرار الرئيس علي عبد الله صالح في سبتمبر/ ايلول 1981 بدعوته مع القاضي عبد الرحمن الإرياني للعودة إلى الوطن، حيث توفي بمدينة صنعاء في 5 مارس 1994

رحمة الله تغشاه 

المجد للثورة والرحمة للشهداء والعزة لليمن .