إب.. اللواء الأخضر يذبل في رمضان
بقلم/ رهف الشرجي
نشر منذ: 5 ساعات و 12 دقيقة
الجمعة 28 فبراير-شباط 2025 07:02 م
 

إب، تلك المدينة التي كانت تُلقب بـ"أمريكا اليمن"، حيث الجمال الأخضر وسط القفار، حيث الأجواء العليلة التي كانت تبعث في زوارها راحة النفس وسكينة القلب، لم يكن رمضان فيها مجرد شهر عبادة، بل كان موسما للفرح والتجمعات العائلية والأسواق النابضة بالحركة، حيث تتزين الأزقة برائحة الخبز الطازج وتشتهر بالمرق، وتزدهر المحلات بألوان التمور والمكسرات والبهارات، ويجوب الأطفال الشوارع بفرح المنتظرين لأول فوانيسهم الرمضانية.

 

اليوم، تغير المشهد تماما الأسواق التي كانت تزدحم بمتسوقي رمضان، باتت شبه مهجورة، والمحلات تُغلق أبوابها مبكرا بعد أن عجز التجار عن توفير البضائع وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة، أما الباعة الجائلون، فقصصهم تحمل وجوه القهر والتعب، حيث تتراكم عليهم الجبايات التي تفرضها سلطات الأمر الواقع، فتلتهم أرباحهم القليلة، وتدفعهم إلى حافة الإفلاس.

 

المشهد الأكثر قسوة هو وجوه المواطنين، أولئك الذين كانوا يتباهون بجودهم وكرمهم في رمضان، والذين باتوا اليوم يخشون قدومه وكأنه موسم جوع إضافي، الأوضاع الاقتصادية المتدهورة جعلت تأمين لقمة العيش تحديا يوميا، وأصبحت الطوابير أمام محلات بيع السلع الأساسية مشهدا مألوفا يترجون الدين او ببعض من الرهائن او البدل. 

 

التعب يكسو ملامح المدينة، لكن صوت الشكوى خافت، فالخوف من القمع والتنكيل جعل الكثيرين يفضلون الصمت على مواجهة المجهول، أصحاب المحلات والتجار الصغار يتبادلون نظرات الحسرة، بينما المتسولون يملؤون الطرقات بحثا عن لقمة، في مشهد لم تعهده المدينة بهذه القسوة من قبل.

 

المدينة التي كانت تحتضن الجميع، باتت اليوم مدينة طاردة لأبنائها، ترفض احتضان المغتربين، وتخنق سكانها بالفقر واليأس، وبينما يترقب الجميع حلول رمضان كعيد روحي، يبدو أنه أصبح في إب موسما آخر للمعاناة، حيث يحل الشهر الكريم، ولا تحل معه البركة، بل تضاعف الأعباء والمآسي.

 

أتساءل ما هذه الايام التي وصلت لها هذه المدينة؟! ماذا يجري لها؟! من يسعي لقتل جمالها؟! لماذا تخاف من قدوم هذا الشهر؟ 

 

اسئلة بسيطة وجوابها بسيط، لم يكن هذا التغير المفاجئ وليد الصدفة، بل هو نتيجة حتمية لسياسات جماعة الحوثي التي أحكمت سيطرتها على المدينة منذ سنوات، فحولتها من حاضنة للحياة إلى مسرح للبؤس والمعاناة، كان أول مسمار في نعش "اللواء الأخضر" هو توقف صرف مرتبات الموظفين منذ استيلائهم على السلطة، مما أدى إلى أزمة معيشية خانقة دفعت الكثير من الأسر إلى الفقر المدقع.

 

وفي الوقت الذي توقفت فيه الرواتب، تضاعفت الجبايات التي تفرضها الجماعة على التجار والمحال التجارية، حيث أصبحت الأسواق في إب ساحة مفتوحة للنهب المقنن، تُفرض الإتاوات تحت مسميات متعددة "المجهود الحربي"، "دعم المناسبات الطائفية"، "المسيرة القرآنية"، وغيرها من الشعارات التي لم تجلب للمدينة سوى الخراب، لم يعد يكفي التجار مجرد دفع الضرائب الرسمية، بل صاروا مجبرين على تقديم مبالغ مالية طائلة، وإلا فمصيرهم المصادرة أو الإغلاق القسري، ما دفع العديد منهم إلى الهروب أو إعلان الإفلاس.

 

أما المواطن البسيط، فقد بات رهينة لهذه السياسات الجائرة، يعاني من تردي الخدمات وانعدام الأمن الغذائي، وأصبح رمضان الذي كان موسما للعطاء والتراحم، شهرا يثقل كاهل الأسر التي باتت عاجزة عن توفير أساسيات المائدة الرمضانية، بينما تعيش القيادات الحوثية في بذخ واضح، تقام لهم الولائم العامرة، ويتم صرف الأموال على الفعاليات الطائفية، تاركين أبناء إب بين فكي الجوع والقهر.

 

لم تعد إب المدينة التي تعرفها الأجيال السابقة، بل صارت شاهدة على مأساة وطن بأكمله، ضحية لجماعة جعلت من قوت الناس أداة للثراء والاستغلال، وبينما يسود الصمت خوفا من البطش، تتحدث ملامح المدينة المنهكة عن واقع لا يحتاج إلى كثير من التفسير، فالجواب حاضر في كل زقاق مهجور، وكل سوق خالٍ، وكل وجه شاحب، وفي كل طابور انتظار على أبواب الأفران ومحلات المواد الغذائية.

 

رمضان في إب لم يعد كما كان، فلم تعد الأنوار تتلألأ في شوارعها، ولا موائد الإفطار تمتد بسخاء كما اعتادت، بل أصبح الشهر الفضيل موسماً آخر للقهر في مدينة كانت يوماً جنة اليمن، لكنها اليوم تحتضر تحت وطأة الفقر والجوع والظلم.