نعم للصمت ثمن ولكن كيف ندفعه
بقلم/ صادق عبد الرزاق
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 3 أيام
السبت 30 يوليو-تموز 2011 04:45 م

(1)

كل الأورام الخبيثة المستوطنة في جسد اليمن صعدت إلى السطح, وبقدر جسامة تلك الأورام وتداعياتها , إلا ان بروزها ظاهرة تشبه ظهور الدمامل الغليظة الفاسدة الناتجة عن جراثيم ومواد فاسدة في الجسم, ويمثل هذا الظهور حالة طرد لما تكدس من تلك المواد الفاسدة, وإعلان الجسم ساعة الخلاص منها, وما ان تظهر حتى تبدأ بإطلاق إفرازاتها العفنة ترافقها الآلام المبرحة, ولا يطول الأمر حتى يتخلص الجسم من المراكمة الفاسدة , وذات الأمر يحدث حين يثور الشعب على ركام الماضي وفساده , ومع حالة التثوير يكشر النظام عن انيابه معلنا المواجهة , فيكشف عن كل ما لديه من أوراق ويحرك كل ما تطاله يده , فتظهر نتوءات وعاهات وعلل ومصائب جمة أنتجتها عقود من الحكم الفاسد, انه ميراث ثلاثة عقود من الحكم العسكري ثم العائلي المستبد , تلك العقود الثلاثة لم تكن لبناء اليمن بل كانت لتجذير الحكم وتثبيت أركانه, والقيام بكل ما من شأنه الحفاظ على كرسي السلطة وجعل الاقتراب منه عملية مستحيلة , دونها خرط القتاد , وفي سبيل تامين الكرسي مارس عمليات تصفيات للذين مثلوا تهديدا لأمن الكرسي ,اوجد ثقافة وطنية محورها شخص الرئيس وليس الوطن واختفت المواد الوطنية لتحل محلها مواد التمجيد والتطبيل للزعيم الملهم حتى صار يحمل عشرات ألقاب التمجيد,

نهج طريق شراء الذمم والولاءات , خلق طابور من الطفيليين المنتفعين لترتبط مصلحهم بالنظام فيقاتلون دونه, افرغ المؤسسات من محتواها ليكون هو المؤسسة الوحيدة, مارس سياسة فرق تسد وأشعل حروبا متتالية, فرض سيطرته على التجارة والثروة واحتكارهما أعاد بناء الجيش وفق الولاء لشخصه وأسرته , أعاد إحياء مراكز النفوذ والتسلط الاجتماعي كحلقة تحكم وسيطرة مباشرة على الرعية, أقام تحالفات مع قوى الإرهاب والتخريب, دمر الاقتصاد العام لدولة ليزدهر الاقتصاد العائلي , منح إطراف دولية فوق ما تتصور من تسهيلات وتنازلات استباحت السيادة الوطنية لضمان ود تلك الإطراف من اجل الحصول على صك الاستمرار في السلطة , تفنن في المراوغة والكذب والاستجداء والتضليل, أنتج الأزمات تلو الأزمات , استرخص كل شيء في سبيل الكرسي وتحصينه حتى لو كان الشعب والوطن هو الثمن.

(2)

عند تناول تلك الممارسات لنظام صالح يفرض سؤال نفسه بقوة اين كانت القوى الفاعلة في المجتمع لماذا سكتوا كل تلك المدة , ورغم أهمية السؤال , الا ان التعامل معه خارج سياق اللحظة الراهنة لا يمثل سوى جلد للذات و بكاء على الأطلال , وتأخذ كلمة " لو" حصتها في الجلد بلا رحمة , ان مثل هذا التعامل لا يخدم الثورة لأن مجرى الحديث سيتحول إلى استعراض الأفعال وتبادل التهم في قالب من الجدل البيزنطي , فيما الواقع يتطلب التعامل مع السؤال من زاوية أخرى ذات صلة باللحظة الراهنة ومتطلباتها , هذه الزاوية تجسد معاني التقابل للصبر فإذا كان الشعب بكل مكوناته استمر ثلاثة عقود يشاهد ويرقب النظام وهو يحصن كرسي الحكم ويسقط مكتسبات الثورة والجمهورية و الوحدة ( لاحقا ) حلقة تلو الأخرى ويفتأت حقوق الشعب أليس من الحكمة الصبر وتحمل المسئولية ألان في مقارعة موروث الصمت الذي أنتج تحديات أللحظة الراهنة , وينبغي ان يخلق ماضي الصمت دوافع التحدي والصمود , فالصبر على الحق اوجب من الصبر على الباطل , لاسيما وان بوادر خلاص الوطن من بقايا النظام تلوح في الأفق.

(3)

من ثقافة الصمت يتسلل سؤال محاولا استغلال لحظة عناء ليقول "أليس الوضع السابق أفضل مما نحن فيه؟", ويعتقد صاحب السؤال أنه جاء بالحكمة التي لم يدركها غيره, وهو لا يعرف انه يقطر غباءً وسذاجةً وجهلاً بصيرورة الإحداث في سياقها التاريخي, فالسلوك ألانسحابي نتائجه كارثية دائما, لو قلت لأحدهم في عام 1990م اليوم كيس القمح بمائة ريال وفي عام 2009م سيكون سعر كيس القمح 2000ريال حتما سيصعق وسيقول لك لابد من ثورة وما ا ن يأتي عام 1009م ويرتفع سعر القمح إلا ان صاحبنا لم يثور ولن يثور لان الارتفاع تراكمي و ممرحل لا يثير موجة فزع عارمة وهكذا تتضاعف الأعباء بالتدرج وتتسع رقعة الفساد والتخريب والتجويع يوما بعد يوم دون توقف وصولا الى كارثة لا تبقي ولا تذر, فالصمت كلما طال كلما كانت فاتورة الحساب اكبر كمثل فاتورة الكهرباء كلما امتنعت عن سدادها تضاعفت الفاتورة القادمة علما ان الدفع في الأخير مسألة حتمية لا بد منها , فإذا كان دفع فاتورة الصمت لا مفر منه , فعلينا ان ندفعها ألان وليس غداً, لان ثمنها سيكون اكبر, وكلفة بقاء النظام اكبر بكثير من كلفة إسقاطه والتاريخ غدا سيحك.

مشاهدة المزيد