محمد العبار ..من الشوارع إلى قصور دبي
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 26 يوماً
الأربعاء 15 أغسطس-آب 2007 12:01 م

محمد علي العبار أو أبو راشد، اسم لا يخفى على أحد في عالم المال بالوطن العربي وخارجه، فهو واحد من الشخصيات الاقتصادية البارزة التي ساهمت بقوة في صياغة الصورة الذهنية عن إمارة دبي كواحدة من المراكز المالية والتجارية والسياحية العملاقة.

شغل أبو راشد، الذي يبلغ من العمر حاليا 49 عاما، م راكز ومناصب لا تعد، وبدأ حياته العملية عقب تخرجه في جامعة سياتل بأميركا، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الإدارة المالية والأعمال عام 1981 في المصرف المركزي قبل أن يتولى منصب مدير عام الخليج للاستثمارات.

ولعب العبار دورا كبيرا في تدعيم القطاعات غير البترولية فيها مثل صناعة الألومونيوم، عندما شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة ألمنيوم دبي المحدودة «دوبال»، وفي تدعيم صناعة المعارض والمؤتمرات إبان عمله نائبا لرئيس مجلس إدارة مركز دبي التجاري العالمي.

ويشغل العبار حاليا منصب مدير الدائرة الاقتصادية بإمارة دبي وعضو مجلس دبي التنفيذ وعضو مجلس هيئة الأوراق المالية والسلع في الحكومة الاتحادية، وهو صاحب فكرة مهرجان دبي للسياحة والتسوق الذي اجتذب الملايين إلى الإمارة، وفتح الأنظار في المنطقة على أهمية سياحة التسوق، كما أنه رئيس مجموعة إعمار العقارية ذائعة الصيت، والتي يخطط العبار لجعلها أكبر شركة عقارية في العالم من حيث القيمة السوقية بحلول عام 2010.

وقد غدت شخصية العبار مثار جدل في الفترة الأخيرة؛ ففريق يؤكد إعجابه الكبير ببراعته وعبقريته كرجل أعمال مبادر ومنطلق وصاحب رؤية ثاقبة، تلتقط موجات التغيير وتؤثر فيها في ذات الوقت ويذكرون بخاصة دوره في صناعة القوانين الاقتصادية في البلاد، والبعض الآخر احتار في «مغامراته ومشاغباته» التي عرضته للهجوم من شركائه في اعمار أحيانا، وسببت حرجا للسياسيين في دولة الإمارات العربية المتحدة في أحيان أخرى.

وعلى مدي ساعتين التقت «الشرق الأوسط» العبار منذ أيام في منزله الواقع في منطقة «ند الشبا» على أطراف دبي، وهو عبارة عن قصر فاخر تحيطه أشجار النخيل من كل جانب وتزينه الزهور والورود وحمامات السباحة والخدم من كل ناحية، واسترجع العبار تاريخه وتاريخ أسرته، وبدت الشخصية التي حفرت لها مكانا واسما في العالم العربي شديدة التواضع والصراحة لا تخجل إطلاقا من كونها بدأت من الصفر.

يقول العبار: أنظر إلى هذا المنزل الكبير الذي أعيش فيه وأشعر بنعمة رب العالمين عندما أتذكر إنني ولدت فقيرا وفي أسرة فقيرة بالرشيدية، لم يكن لديها منزل وكان والدي يعمل قبطانا لمركب صغير، ولكنه لم يتعلم القراءة، ويحكى العبار قصة طريفة يدلل بها على بساطة أسرته فيقول عن تاريخ ميلاده: سألت أمي ذات مرة عن تاريخ ميلادي فقالت إني أتذكر انه كان في شهر ربيع الثاني وعندما وضعتك كان أحد الجيران قد اشترى سيارة لاندروفر، وضحكت وقلت لها يا أمي تربطين يوم ميلادي بسيارة «لاندرو فر» والله عجيبة، وبالبحث في تاريخ السيارة والسؤال من الجيران استطعنا تحديد التاريخ ويبدو أنه كان عام 1958، كما أعتقد. وبرغم هذه البداية المتواضعة إلا أن إصرار العبار على التغيير والإرادة الصلبة التي تميز بها حققت له الكثير من الانجازات في مدة قصيرة جدا أهلته ليكون صديقا للرجل الأول في دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم الإمارة وباعث نهضتها والذي يقول عنه: يا الله هذا الرجل عظيم..وانأ أحبه وأخافه أيضا. للعبار مفاهيم خاصة في السياسة والصحافة والاقتصاد، إذ يقول إنه يجب على العالم العربي أن يتخلى عن روح الانهزامية، فكفانا جلدا للذات لا يجب أن نتمادى في الكلام عن أنفسنا، علينا أن نبدأ بالعمل وبسرعة، ويضيف انه برغم إعجابي بالأسلوب الأميركي في خدمة الزبون فاني أتوقف عند التجربة الصينية بإعجاب أكثر لأنها تجربة قريبة لنا ويمكن أن تلهمنا..الشعب الصيني لا يمشي مثلنا ببطء انه يقطع الخطوة في ألف خطوة، شيء عجيب جدا.

ويقول العبار عن الشخصية العربية: للأسف الإنسان العربي تربى في بيئة مزروعة بنبات الخوف منذ ولادته وحتى وفاته، تعودنا علي الخوف في الصغر من الأب والأم والمدرس وناظر المدرسة والعسكري في الشارع والشيخ في المسجد والخوف كذلك من الحاكم.. يا الله، يتعجب العبار ويقول: كيف يفكر المواطن العربي وكيف يبدع وقد تربى على ثقافة النواهي والخوف والقهر. لقد آن الأوان للتحرر من كل ذلك وتحقيق النهضة التي حلمنا بها أجيالا.

وعن أصدقائه يقول العبار: لي صداقات كثيرة في العالم العربي والخارجي، ولكن أبرز أصدقائي رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والمستشار الألماني السابق شرودر، وقد قابلت بيل جيتس وأعجبني تفكير هذا الرجل فهو شخصية عبقرية فعلا، واستطرد قائلا: ويا سلام لو جلست مع الرئيس الهندي شخصية هادئة وعميقة التفكير....

وعندما استوقفته «الشرق الأوسط» متسائلة «بلير»؟ رد على وجه السرعة نعم صداقتي لبلير منذ فترة طويلة قبل أن تبدأ الحرب على العراق.

ويقول العبار، لكن أهم صداقاتي على الإطلاق تلك التي تربطني بالشيخ محمد بن راشد، وهي صداقة بدأت منذ 15 عاماً، فيه صفات عديدة من الود والحب إلى الاحترام والخوف أيضا، فهو شخصية عظيمة فعلا، وأضاف، على فكرة الشيخ محمد هو صاحب فكرة إنشاء أكبر برج في العالم الذي تقوم اعمار بتشييده حاليا، ويتذكر العبار قائلا: استدعاني الشيخ محمد على عجل وقام برسم كروكي على ورقة وقال لي نريد أن يكون لدينا أعلي برج في العالم، وهو ما كان فعلا ليعكس هذا البرج إمكانيات إمارة دبي الكبيرة، وكل هذا التقدم لم يكن ليتم لولا روح التعاون التي تميز فريق المهندسين والعمال والمصممين الذين يعملون معا علي إنشاء هذا الصرح، ليكون علامة فارقة في تاريخ الهندسة المعمارية ليس فقط في الإمارات بل على مستوى العالم كله. وعن السياسة يقول العبار: أنا فاشل جدا في السياسة، وهى ليست طريقي على الإطلاق. وكررها مرات عندما سألته «الشرق الأوسط» لماذا لم تدخل انتخابات المجلس الوطني الاتحادي رغم أنه يضم الكثير من رجال الأعمال، فرد قائلا لأنني فاشل في السياسة، ويتوقف العبار عند نقطة مهمة في مسألة الصحافة ويقول: الصحافة العربية ما زالت أفضل بكثير من الصحافة الأوروبية، على الأقل من الناحية الأخلاقية، وهي نقطة مهمة أعترف بها رغم انني تعرضت كثيرا لهجوم على شخصي من الصحف الاماراتية في فترة من الفترات.

ويتذكر العبار إحدى مغامراته فيقول: كنت عضوا في غرفة التجارة وكان التعامل مع المستثمرين سيئا للغاية ولم يعجبني هذا الحال، فاقترحت فكرة الشباك الواحد، وحققت الفكرة نجاحا هائلا، ولكنها كانت السبب في طردي من الغرفة لأن الوضع الجديد لم يعجب رئيسها، حيث لم يدخل أي مستثمر الغرفة من بعد الشباك، ولذلك يقول العبار علينا أن نبدأ ونعمل ونبدع ولا نركن إلى الكلام فقط. وحول تحميله مسؤولية التراجع في سعر سهم إعمار يرد العبار: المساهمون يريدون أن يحصلوا على كل الأرباح دون يتركوا للشركة أي شيء للتوسعات والاستثمارات الجديدة، في حين أن المستثمر الشاطر يطمح إلى النمو، لا بد أن يستثمر وينمو وينظر للأمام ويراعي مصلحة الشركة والمساهمين على المدى البعيد.

وعن تجربته في الأسواق العالمية التي تدخلها اعمار وخاصة من جانب الشركاء المحليين، يقول العبار: أحيانا يوقعك سوء الحظ في شريك يكون مسمارا في ظهرك منذ أول يوم، وأحيانا يوقعك في شريك يقول أكتب عقد الشراكة ودون فيه ما تريد وأرسله لي كي أوقعه فوراً، لأن الثقة التي تولدت بيننا بسرعة جعلت ذلك ممكنا، واستطرد قائلا: لقد تعلمنا درسا كبيرا بعد دخولنا السوق المصري وهو ضرورة دراسة شركائنا والتحري عنهم جيدا قبل اتخاذ القرار.

وكان للعبار دور مميز في مجلس الأعمال العربي بعد لقاءات مع آخرين في منتدى دافوس منذ سنوات، وقد تركه منذ فترة قصيرة، ويقول أشك أن هذا المجلس سيستمر بعد خروجي ودعونا ننتظر.

وعن أهم مشاريعه يقول العبار إن أكبر مشروع لدينا في اعمار حاليا من بين استثماراتنا في 16 دولة نعمل فيها حاليا هو مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، فخططنا في هذا المشروع ممتازة والنمو الموجود في المشروع مميز، مشيرا إلى أنه تم الانتهاء من تخطيط المنطقة الصناعية وستبدأ عملية البناء خلال الأشهر المقبلة.
 

يؤمن العبار بأهمية التعليم في حياة الشعوب وتقدمها، وهو السبب الذي قاده إلى الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، حيث تخطط اعمار لتطوير وإنشاء مجموعة من المعاهد التعليمية ضمن مجمعاتها السكنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشبه القارة الهندية.

ويقول: تأتي مبادرة اعمار التوسعية نحو قطاع التعليم في إطار رؤية الشركة الاستراتيجية لعام 2010 في أن تصبح أكثر الشركات قيمة في العالم، وسوف ترتكز مبادرة إعمار على توفير أرقى مستويات التعليم للطلاب عبر مناهج دراسية متكاملة معترف بها عالميا، وأوضح أن استحواذ اعمار على مؤسسة «رافلز كامبوس» يعد تجسيدا لالتزامها بتوفير خبرات أكاديمية دولية في جميع مراكزها التعليمية المستقبلية، التي تأتي تلبية للطلب المتزايد على التعليم الممتاز في أسواقنا الرئيسية. محمد العبار متزوج ولديه ثلاثة أولاد وأحيانا ما تراه بالزي الإماراتي المعروف «العقال والدشداشة» وكثيرا بالبدلة والكرافتة في جولاته الخارجية ولقاءاته وأحيانا بالجينز والتي شيرت في مواقع العمل، وقد لمحته «الشرق الأوسط» في صباح اليوم التالي من اللقاء وهو ينزل من سيارته المرسيدس السوداء الفخمة مسرعا باتجاه بوابة فندق «المنزل» المواجه لمشروع برج دبي للقاء فريق المعاونين والمشرفين على المشروع، وعندما شاهد المحرر أبطأ من سرعته وقال: «إحنا ما بنجلس في المكاتب... في مواقع العمل وفي عز الحر» وانطلق الرجل مسرعا كعادته دائما.