معارك مازالت تخوضها فصائل المعارضة السورية التي أطاحت بنظام الأسد معلومات جديدة حول هروب المخلوع بشار الأسد من سوريا أسماء الخلية الحوثية التي صدرت بحقها أحكام إعدام وسجن طارق صالح يتوعد عبدالملك الحوثي بمصير بشار ويقول أن ''صنعاء ستشهد ما شهدته دمشق'' تطورات مفاجئة… الجيش الروسي يطوق قوات أوكرانيا بلينكن يحدد شروط اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة دعوة إلي عقد مؤتمر مانحين عاجل لدعم اليمن وقف النار في غزة واتصالات سرية لإنجاز الصفقة شرطة كوريا الجنوبية تدهم مكتب الرئيس... ووزير الدفاع السابق يحاول الانتحار دول عربية تبدأ بإرسال مساعدات لدعم الشعب السوري بعد سقوط الأسد
الإهداء إلى مخبري بلادي المكلفين بإزعاج أحرارها.
لا يمكن للدولة المدنية الحديثة التي تنشد بناءها ثورة الشباب المجيدة، ان توجد دون استئصال حقيقي لمراكز القوى في الجيش والأمن، او على الاقل إنقاص أوزانها وتحجيم نفوذها بصورة تحقق غاية إخضاعها للدستور والقانون.
ثورة الشباب المجيدة، تناضل الآن من أجل إسقاط مراكز القوى الحديثة، وتحديداً تلك التي تخلقت عقب استحواذ الرئيس صالح على مجمل السلطات السيادية إثر إنقاصه لأوزان شركائه القدماء في المركز المقدس.
يدرك شباب الثورة، ألا سبيل لإنجاز اهم اهدافهم الثورية دون تفكيك المراكز النفوذية الحديثة (التوريثية) بوصفها العائق الأبرز الذي يحول دون بلوغ الثورة أعتاب النصر المستعصي، غير ان ذلك الإدراك الثوري لايبدو مكتملاً حين يتعلق الأمر بمراكز النفوذ التقليدية القديمة التي تدأب بعض القوى الثورية لإشاحة الرؤية عنها وتبديد اي تركيز ثوري قد يطالها.
في الواقع، تتفرع الرؤية لدى شباب الثورة الى فسطاطين، احدهما يدرك خطورة مراكز النفوذ التقليدية بذات إدراكه لمستوى خطورة المراكز التوريثية التابعة للأسرة الصالحية الحاكمة، والآخر يظن ان هذه المراكز التقليدية حليف استراتيجي للثورة وحارس امين على أهدافها وهو ما يعني انها لا تشكل خطراً على الثورة، ليس هذا فحسب، إذ يرى هؤلاء أيضاً ان الحديث عن هذه المراكز يجسد تقويضاً للثورة وتآمراً عليها وخيانة لها.
وإذا كان أرباب الفسطاط الأخير لا يرون في المراكز التقليدية تهديداً حقيقياً يستوجب اليقظة والاستعداد، فإن أرباب الفسطاط الأول يحبذون تأجيل الحديث عن خطورة مراكز القوى التقليدية لحين نجاح الثورة في إقصاء مراكز القوى (التوريثية) الحديثة، وحسب هؤلاء فإن عداء الثورة للمراكز القديمة قد يكون سبباً في استعصاء واستحالة بلوغ غاية النصر، إذ لابد أولاً من تحقيق النجاح البائن ضد المراكز (التوريثية) الحديثة قبل التفكير في تحجيم القديمة وبالأخص تلك التي أعلنت تأييدها لثورة الشباب المجيدة.
مخاوف ثورية تبددت سريعاً
حين أعلن كل من الجنرال علي محسن الاحمر والشيخ صادق الاحمر عن تأييدهما للثورة الشبابية، ظن البعض لبرهة ان الثورة قد أختطفت تواً، وتحولت إلى أداة لتصفية الحسابات بين مراكز النفوذ السلطوية بشقيها القديم والحديث.
احتدم الجدل وقتذاك، وأخذت صيحات التذمر والقلق تتعالى بنسق منتظم، وبدا لبرهة ان الثورة لم تعد فعلاً عفوياً كما أراد الثائرون لها أن تكون.
لم يدم التذمر طويلاً، إذ سرعان ما أتبع الجنرال محسن والشيخ صادق، اعلانهما، بالتأكيد على انهما لا يسعيان لاختطاف الثورة ولا يتطلعان الى قيادتها.
لقد أكدا ذلك مراراً، لدرجة ان الشيخ صادق الاحمر تعهد بذلك على الملأ وأمام عدسات التلفزة الفضائية.
حينها فقط، تراجعت نبرات التذمر الثورية، ورغم ان القلق ظل حاضراً إلا ان ثنائية التفهم والاستيعاب سرعان ما وجدت طريقها الى عقول الشباب.
التزامات وضمانات خطية
في الواقع، لم يكن حدث الانضمام من قبل الجنرال والشيخ قابلاً للاستيعاب على الصعيد الثوري لولا جهود أحزاب اللقاء المشترك التي أسهمت في تبديد المخاوف واحتواء ردود الأفعال التلقائية على الحدث.
التطابق في الرؤى والتوجهات بين المشترك من جهة والجنرال والشيخ من جهة أخرى، لم يجسد دافعاً وحيداً لجهود التبديد والاحتواء المشتركية، فالجنرال علي محسن حين اعلن تأييده للثورة الشبابية أصر على تقديم إلتزامات وضمانات خطية للمجلس الأعلى لاحزاب اللقاء المشترك تؤكد –على نحو غير قابل للتشكيك- بأنه جاد في إسناده للثورة وعدم الالتفاف عليها او استخدامها كمطية لإعادة انتاج الذات سلطوياً في مرحلة ما بعد النجاح المستعصي للفعل الثوري.
بهذا نال محسن وصادق ثقة الثوار
سيناريو إبداء حسن النوايا، لم يقتصر على ذلك فحسب، إذ ألح القائد العسكري العتيد على تضمين التزاماته الخطية بنوداً أخرى ذات طابع تطميني لعل ابرزها بند ينص على رغبته في التقاعد عقب تحقيق النصر للثورة المجيدة.
بالتزاماته تلك، نال الجنرال محسن ثقة معظم القوى الثورية، وهي ثقة سرعان ما تعززت حين تنازل محسن لوزير الدفاع السابق عبدالله عليوه عن حقه الطبيعي والواقعي في رئاسة المجلس العسكري الأعلى لجيش الثورة الذي جرى تأليفه تحسباً لأي مواجهات عسكرية مع فلول الحرس الجمهوري.
الشيخ صادق الاحمر بوصفه كبير حاشد وزعيمها، استطاع ان ينال الثقة الثورية ايضاً حين تقدم بالتزام متلفز للثوار –عن نفسه وعن اخوته- يقضي بعدم السعي للتواجد ضمن التركيبة القيادية لنظام ما بعد الثورة وعدم التطلع للزعامة الثورية او محاولة اعادة انتاج النفوذ الحاشدي على حساب قيام الدولة المدنية الحديثة التي ينشدها الثوار.
إقصاء التقليديين مرهون برحيل التوريثيين
بالنسبة للثوار، لا تبدو إلتزامات الجنرال والشيخ، قابلة للتنفيذ إلا في حالة واحدة فقط، ألا وهي نجاح الثورة في إقصاء مراكز القوى والنفوذ الحديثة المتمثلة بجيل الأبناء من الأسرة الصالحية الحاكمة، إذ لا يعقل ان يقبل الثوار بأي سيناريو اقصائي للجنرال محسن والشيخ صادق واخوته في ظل وجود الأسرة الحاكمة وتحديداً رجال التيم التوريثي الذين يقودهم الوريث احمد (نجل صالح) بالاشتراك مع انجال عمه الثلاثة عمار ويحيى وطارق.
يصارع الجيل التوريثي في محادثات التسوية الجارية خلف الكواليس من أجل بقائه ضمن التركيبة القيادية لنظام ما بعد الثورة مستنداً في ذلك إلى صموده امام مد الثورة العاتي وما يحظى به من إسناد لامرئي من قبل المؤسسات السيادية في الولايات المتحدة الاميركية وجناح الملك عبدالله في النظام السعودي.
وبما ان الأبناء يرفضون قطعياً القبول بأي تسوية يمكن ان تحولهم من شركاء إلى موظفين قابلين للعزل والاقالة والنقل، فإن الحديث عن تنفيذ التزامات الجنرال والشيخ لا يبدو منطقياً البتة، إذ يجب ان يظل وجودهم قائماً لحين نجاح الثورة في التخلص من الأسرة الحاكمة وإقصاء الاولاد اولاً.
وإذا ما تجاهلنا الراي الشبابي الذي يرى في إقصاء مراكز القوى التقليدية خيانة ثورية، فان المبدأ الآنف يحظى بإجماع لافت لدى شباب الساحات، إذ ان التفكير بإنهاء مراكز القوى التقليدية في الدولة مرهون بنجاح الثورة في إقصاء المراكز النفوذية الحديثة المتمثلة في الاسرة الحاكمة ورجال التيم التوريثي (الاولاد).
السياسي يتأهب لملء فراغات القومي
حين نتحدث عن مراكز القوى التقليدية في الدولة، لاتبدو المشكلة الفعلية منحصرة في الجنرال محسن والشيخ صادق واخوانه، إذ ثمة معضلة تبدو أكثر عمقاً وتجذراً ألا وهي وجود رموز الحرس القديم من رجال الظل وتحديداً في جهاز المخابرات التقليدي المسمى (جهاز الامن السياسي).
في دولة كاليمن، يظل جهاز عتيد وتأريخي كالأمن السياسي محتفظاً بشبكة معقدة من النفوذ على المستويين المركزي والمحلي.
ورغم ان الامن السياسي تعرض -خلال العقد الأخير من حكم صالح- لاستهداف منهجي يترجم الرغبة الاميركية الصالحية المشتركة في تقويضه وتحجيمه لصالح الجهاز الأسري ذو الصبغة المناطقية والتبعية الاميركية المطلقة المسمى (جهاز الامن القومي)، إلا ان الامن السياسي لازال محتفظاً بوجوده الفعلي في معادلة الأمر الواقع على الصعيدين النفوذي والتنظيمي.
وبالتالي فنجاح الثورة في إلغاء وحل جهاز الامن القومي يعني ان جهاز الامن السياسي سيملأ جميع الفراغات وسيستعيد جل السلطات وسيسعى لترميم مراكزه النفوذية بشقيها المحلي والمركزي.
قيادة الجهاز هي المشكلة
في شأن الامن السياسي باعتباره احد المراكز النفوذية التقليدية الرئيسية في الدولة، لاتبدو المشكلة في الجهاز نفسه كمؤسسة وطنية تأريخية بنيت على انقاظ جهازي المخابرات في الشطرين الجنوبي والشمالي.
المعضلة الحقيقية في الواقع تبدو منحصرة في القيادة التأريخية للجهاز ممثلة بالجنرال غالب مطهر القمش ومعاونيه.
لنفترض جدلاً ان الثورة نجحت في إقصاء الاسرة الحاكمة وتم تنفيذ إلتزامات الجنرال محسن والشيخ صادق عقب انتهاء المرحلة الانتقالية، وبقي اللواء القمش رئيساً لجهاز الامن السياسي، هل ستتمكن الثورة في هذه الحالة من تحقيق غايتها المتمثلة في بناء الدولة المدنية الحديثة؟
سبق لنا ان بينا في استهلال هذه الاسطر، حجم العائق الذي تشكله المراكز النفوذية امام اي توجه حقيقي لإنتاج دولة مدنية حديثة، وبالتالي فوجود القمش يعني بالضرورة الإبقاء على مركز نفوذي عتيد قادر على إعادة بناء مراكز نفوذية كبرى يمكن ان تعوق بناء دولة مدنية حديثة لاسيادة فيها سوى للدستور والقانون.
بوسعنا الاعتراف مبدئياً ان غالباً يعد من أخلص رجال الدولة وأكثرهم حرصاً على البلاد وتفهماً لمطالب الثورة والشباب، غير ان ذلك لا يعني القبول بوجوده على رأس جهاز المخابرات في حال نجاح الثورة في إقصاء الأسرة الحاكمة.
صالح يهدد بإحراق القمش!
حتى اللحظة، لم يعلن غالب القمش تأييده لثورة الشباب المجيدة وذلك رغم موقفه البطولي الإضطراري في العدوان الغاشم الذي تعرض له منزل الشيخ صادق الاحمر بالعاصمة صنعاء.
غير ان عدم إعلانه الانضواء للثورة لا يعني بالمقابل عدم تأييده لأهدافها من الباطن، فالرجل ذو توجه وطني، ومن القلائل الذين جاهروا برفضهم لمشروع التوريث ووقفوا بصمود لمجابهته ومقاومته لدرجة انه –اي غالب القمش- تحول شخصياً الى هدف لقوى التوريث الرجعية التي حاولت اغتياله اكثر من مرة، وكان اخر تلك المحاولات ما تعرض له من قصف صاروخي اثناء وجوده في منزل الشيخ صادق الاحمر، هذا عدا عن التهديدات التي كان يتلقاها باستمرار والتي كان آخرها المكالمة التلفونية الشهيرة بينه وبين الرئيس صالح اثناء وجود غالب القمش في مقر القيادة المركزية للفرقة الاولى مدرع (مكتب علي محسن) قبل اكثر من ثلاثة اشهر، حيث هدده الرئيس –وفق مصادر مقربة من القمش نفسه- بالقول: إذا لم تغادر مقر الفرقة حالاً فسأحرقك براجمات الصواريخ انت وعلي محسن..!!
القمش هل سيرافق محسن في تقاعده
بالنسبة لسلطوي ضد التوريث كغالب القمش، ثمة إدراك كلي لمخاوف شباب الثورة من استمراره على رأس جهاز المخابرات في مرحلة ما بعد نجاح الثورة بإقصاء الأسرة الحاكمة (الاولاد)، وهو إدراك يجعلني اسأل صاحبه بالقول: لماذا لاتبادر يا سيادة الجنرال غالب بتقديم تطمينات الى شباب الثورة على غرار تلك التي تقدم بها كل من الجنرال محسن والشيخ صادق..؟
من حق الثوار عليك وانت المساند لمطالبهم من الباطن، ان تقدم إليهم التزامات خطية بعدم رغبتك في استغلال الثورة لإعادة انتاج سلطتك ونفوذك المرعب، ومن حقهم عليك وأنت السباق منهم الى النضال ضد التوريث ان تتعهد لهم برغبتك في اعتزال العمل المخابراتي بعد إقصاء الأولاد، لترافق صديقك (صاحب البلاد) الجنرال محسن في تقاعده الذي وعد بتنفيذه عقب نجاح الثورة.
ادرك ان الرجل ليس مجبراً على الإلتزام بشيء لكونه لم يعلن تأييده لثورة الشباب المجيدة علناً، غير ان خطوة كهذه بقدر ما ستبدد كل المخاوف الراهنة تجاهه، فإنها بالقدر ذاته ستلحقه بموكب الرجال الأبطال الذين أعلنوا تأييدهم للثورة المجيدة وقدموا لشبابها وساستها في المشترك إلتزامات خطية بعدم رغبتهم في استغلال هذه الثورة او الالتفاف عليها او توظيفها لخدمة مآربهم الخاصة.
وماذا بعد؟
بالطبع لسنا ضد وجود الجنرال القمش في نظام ما بعد الثورة، ولكن ينبغي ان يكون وجوداً شرفياً بعيداً عن العمل التنفيذي المخابراتي.
هنا، بوسع القمش مثلاً ان يكون عضواً في مجلس الشورى او حتى في النواب وذلك لضمان حصوله على حصانة برلمانية تحمية من المسألة القانونية والملاحقة القضائية، غير ان وجوده على راس جهاز مخابرات ما بعد الثورة يظل مرفوضاً إن لم يكن بدافع الحرص على الدولة المدنية الحديثة التي ننشدها جميعاً، فبدافع الرغبة في التشبيب وإتاحة الفرصة لقيادات الصف الثاني في جهاز الامن السياسي الذين ملوا من الانتظار لتحمل المسؤولية.
باختصار، لسنا نطالب القمش سوى بتعهد كذلك الذي قطعه الجنرال علي محسن الاحمر على نفسه، فهل هذا التطمين البسيط كبير من قائد بحجم القمش على رجال بحجم شباب الثورة وساستها في المشترك..؟
التأكيد هنا على رمزية التعهد ضرورية، إذ لايمكن لشباب الثورة ان يسمحوا بتاتاً بإقصاء غالب القمش او الجنرال محسن او غيرهما من مراكز النفوذ التقليدية وذلك قبل التأكد من محاكمة ورحيل احمد علي عبدالله صالح وعمار ويحيى وطارق ابناء العمومة وكل من تلطخت ايديهم بدماء ثورتنا المجيدة وكفى!
*ينشر بالاتفاق مع صحيفة حديث المدينة.
al_leswas@hotmail.com