دبور والاحتقان السياسي في اليمن
بقلم/ عثمان محمود أحمد
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 30 يوماً
السبت 20 سبتمبر-أيلول 2008 01:29 ص
"لا تربط حمارك جنب حمار الدبور يدبرك من دبوره"

استحضرت ذاكرتي القول السابق للحكيم اليماني علي ولد زايد عن الدبور عندما سمعت تعليق أحد الأصدقاء اليمنيين عن أسباب الاحتقان السياسي والمتعدد الأوجه في اليمن بأنه "الدبور" وهو "النحس والطالع السئ" الذي يطارد الشعب اليمني , وهو موضوع محبب في الثقافة الشعبية اليمنية حيث تسمع تعليق شخص على عدم ايجاد عمل بأنه "الدبور" لعنه الله أو قد يتمثل الدبور في أحد الأشخاص ليصبح سفيرا فوق العادة له بحيث يصبح الشخص نفسه "دبور بن دبور".

مازحت صديقي بالقول بأن الصومال ربما تكون الدبور الذي عناه بن زايد لذلك على اليمن ألا تربط حمارها جنب حمارنا فأجابني ضاحكا "يا عزيزي كلنا في الهوا دبور"!

وبعيدا عن الاسقاط فان الاحتقان السياسي اليمني بحاجة الى التأمل العميق هذا مع الأخذ في البال وجود مشكلات اقتصادية واجتماعية كبيرة تساعد في اشعال هذا الاحتقان وزيادة مده وجزره, مما قد يؤدي في حالة عدم معالجتها الى نتائج خطيرة لا نحب لليمن الدخول فيها لما لها من محبة في قلوبنا.

والملاحظ في ثنايا بعض حملات التناوش السياسي بين الفرقاء هو تمكن وسيادة لغة الاقصاء في الخطاب السياسي للطرفين فالطرف الأول يشعرك عند سماع خطابه السياسي بأن اليمن خالية من المشكلات وأنه ليس في الامكان أبدع مما كان وأن اليمن قطع بطاقة التأهل الى القرن الحادي والعشرين وربما هو الذي يقود سباق هذه البطولة ولذلك فانه لا يجب أن يعلوا صوت فوق صوت منجزات الحكومة والا "فالعصا لمن عصا".

أما الطرف الآخر فالكثير منهم يترحم على عهود خلت فمنهم من يترحم على الامام أو الحمدي ومنهم من يترحم على الاشتراكي وغيرهم فيما يرى آخرون أن اليمن استنفذ مرحلة التحرك الميكانيكي وأنه يتحرك الآن "دهفة", وأن المنجزات في بلادنا لا تصنعها الحقائق بل طبول السلطة وأن الحل هو العنف حالة غياب مبدأ التداول السلمي للسلطة.

وأتشارك مع الأغلبية الصامتة في عقم الخطابين السياسيين فمن المؤكد أن اليمن ليست كما يصوره الفريق الأول فهي من احدى الدول الثالث ويواجه المواطن مشكلات حياتية خطيرة من فقر وتردي خدمات, أبسطها حقه في مشاهدة قناة تحترم كيانه الانساني وأغلب هذه المشاكل لا يرى المواطن أن الدولة تعطيها الأهمية فليس من المعقول في القرن الحادي والعشرين أن نواجه نفس المشاكل التي واجهناها في منتصف القرن البائد من فقر وغياب القضاء والاحتكام الى رمي العمامات أمام الشيوخ نظرا لعدم الثقة في القضاء وقصور التعليم وسيادة قانون القبيلة على القانون المدني.

ولكن على الجانب الآخر فلا يمكن انكار أن اليمن قطعت شوطا مهما كان صغيرا في الاتجاه نحو المستقبل والتعددية السياسية في دولة صعبة المراس والتضاريس وشعب يتسلح ب 65 مليون قطعة سلاح وموارد اقتصادية محدودة .

اسأل شيخا مسنا في عمران أو الحيمة أو جعار أو الراهدة عن الماضي والحاضر ستخرج بجواب أن الماضي كان جميلا من حيث الترابط والتكافل الاجتماعي ولكن بلا خدمات مثل الطرق وغيرها وأن الحاضر صعب من حيث الهموم الحياتية ولكنه من المؤكد أنه سيجد فيه شيئا جيدا مثل أن أولاده يحظون بالتعليم وغير ذلك.

أعزائي لنتفق على أن اليمن يأتي أولا وأنه مهما كانت اتجاهاتنا السياسية والفكرية فاننا نضع مصلحة اليمن فوق مصالحنا وانتماءنا اليها فوق انتماءاتنا الأخرى وليكن نقدنا متجاوزا لالغاء الآخر ورميه حسبما جرت

العادة العربية في الدعوة لرميه في "مزبلة التاريخ" فمزبلة التاريخ أصبحت تفيض بمن فيها ولا تتسع للمزيد.واليمن لا يتحمل هزات سياسية كبيرة قد تؤدي الى فلتان الاستقرار السياسي الهش القائم في البلاد.

وفي حالة لم يكن الساسة الأجلاء مقتنعين فما عليهم الا النظر الى جارتكم الصومال التي أصابها "الدبور" في مقتل. أجاركم الله من الدبور الذي نصنعه بأيدينا.

"ومن عمله بايده الله بيزيده".

ـــ

* كاتب صومالي - السويد

somaliteacher@gmail.com