آخر الاخبار

اللواء سلطان العرادة يدعو الحكومة البريطانية الى تفعيل دورها الاستراتيجي في الملف اليمني وحشد المجتمع الدولي للتصدي للدور التخريبي لإيراني .. تفاصيل الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم عاجل العميل الإيراني رقم إثنين .. الهدف القادم الذي ينوي الغرب والعرب استهدافه واقتلاعه.. ثلاث خيارات عسكرية ضاربة تنتظرهم ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة

مأرب والعرادة و جهة نظر اخرى 1-3
بقلم/ عبدالرحمن الرياني
نشر منذ: 5 أشهر و 9 أيام
السبت 06 يوليو-تموز 2024 04:32 م
 

قبيل أشهر قليلة على إندلاع الحرب في اليمن نشرت مقالاً مطولاً حول مأرب في أحدى الصحف اللندنية حينها كانت مأرب تخوض مواجهات عسكرية ضارية مع الحوثيين بعد أن تمكنوا من اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014 ، كان النقاش يدور همسًا بين العديد من الشخصيات بما في ذلك المُقربة من السلطة و المعادية للحوثيين بأن مأرب قاب قوسين أو أدنى من السقوط تحت سيطرة الحوثيين وأن المسألة هي مجرد وقت لا أكثر ولن يكون مصيرها أفضل من مصير المناطق التي سقطت في أثناء زحف الحوثيين نحو صنعاء ، يومها كان لي رأي مغاير بأن مأرب مدينة لا تسقط وأن الصراع بين مأرب والحوثيين تتحكم فيه عوامل عدة تاريخية وجغرافية وديموغرافية،ويكمن البُعد التاريخي بان مأرب كانت مركز القرار السياسي والعاصمة التاريخية لليمن القديم ومركزاً مهماً من مراكز المقاومة اليمنية ضد الغزو الحبشي والنفوذ الفارسي ، وديمغرافية بكون مأرب بعمقها القبلي لأحد أكبر قبائل اليمن "مذحج " القبيلة التي عُرفت عبر التاريخ بتمردها ورفضها لسيطرة "المركز " أينما حلت كانت من ضمن القبائل اليمنية المُحاربة التي أرسلها الخليفة أبو بكر الصديق ومن بعده الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما لفتح بلاد فارس فحطت رحالها في جنوب العراق وتحديداً أرض ذات رملة حمراء اقامت عليها " الكوفة " ، القبائل اليمنية التي عُرفت منذ ما قبل الإسلام بتمردها وجنوحها نحو الإستقلال ورفضها الانصياع للمركز نقلت هذه الصفة معها إلى مواقعها في الجغرافية المتحركة بعد أن اسلمت فرفضت الخضوع للمركز في المدينة المنورة وخرجت على الخليفتين عثمان وعلى رضي الله عنهما وفي العهد الأموي واصلت صراعها مع المركز وناؤت الولاة الأمويين على العراق الحجاج وزياد ابن ابيه وعبدالله ابن زياد وغيرهم وعندما خرج عبدالرحمن ابن الأشعث وهومن سلالة ملوك مملكة كِندة اليمانية على عبدالملك ابن مروان وواليه على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي كان معظم جيش ابن الأشعث من قبيلتي مذحج وخولان ، لقد نقلت القبائل الثائرة التي كانت لها ثقلها العسكري تحت قيادة خالد ابن الوليد في حرب المرتدين تمردها إلى العراق الساكن ومعظم الانتفاضات والثورات الشعبية المسلحة التي عرفها العراق ضد العثمانيين والفرس والإنجليز كان لقبيلة مذحج التي كبرت وتفرعت إلى العديد من العشائر في جنوب العراق نصيب الأسد منها ففي ثورة العشرين وتحديداً في 25 يونيو رفعت عشيرة "الظوالم " وهي فرع من بني "حجيم" التي هي فرع من مذحج في الفرات الأوسط راياتها معلنة الحرب على الإنجليز ، هذا البُعد التاريخي يمكن لنا توصيفه بالتأريخي بإضافة الهمزة كتأكيد على الإستمرارية ، سيكلوجية الثورة حد وصف "فرانس فانون " تنطبق تماماً مع سيكلوجية الرفض بما يجعل صراعها الأزلي مع النقيض يكتسب صفة الديمومة والإستمرار لدى الديموغرافيا المكون والتركيبة السكانية للمنطقة وطبيعتها الجغرافية فيأخذ الصراع اشكالاً متعددة منها صراع الصحراء والجبل فالجغرافيا حسب رأي " الأمريكي " روبرت كابلان " مؤلف كتاب " انتقام الجغرافيا" يكون لها الحسم في هزيمة العدو والمقصود هنا الجغرافيا التي عكست نفسها على سيكلوجية الفرد طوال قرون ، لهذه العوامل كنت أرى استحالة سقوط مأرب بما تحمل من رمزية لها دلالآتها وآبعادها كنقيض للطرف الآخر " الحوثيين " طوال خمسة عشر قرنً لم نجد في كتب التاريخ ما يؤكد وجود أي شكل من أشكال الهيمنة المُطلقة من الجبل على الصحراء وبالرغم من ذلك الصدام كانت هناك توافقات تاريخية بين الطرفين تفرضها طبيعة المنظومة المتحكمة في مركز القرار وطريقة تعاملها وإلى أي مدى كانت مرنة أو متشددة في رؤيتها للآخر .

بنيوية وتركيبة الدولة في اليمن والعراق أقرب للنموذج العُمري وليس للنموذج العلوي ونعني به عدم فرض الإيدولوجيا الدينية للدولة على الاقليات الدينية فعند فتح العراق وفارس لم يُجبر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأقليات الدينية بالدخول في الإسلام عنوة وهو ما لم يحدث في اليمن ، وتاريخ الدول التي قامت في اليمن الدولة الرسولية وبني نجاح وبني زياد وغيرها كانت اقرب للنموذج العُمري بينما دول الأئمة الزيدية التي اعتمدت في تكفير الناس كانت أقرب للنموذج العلوي ، ماسبق بالنسبة لي كان الترمومتر الذي يحكم ويتحكم بعلاقة مأرب القبيلة بمراكز الحكم عبر التاريخ ومع بداية تأكل الحُكم والدولة في اليمن وظهور بوادر للصِدام بين القبيلة الأقرب للنهج العُمري والخصم التاريخي اللدود الذي يعد الأكثر التصاقاً با النموذج العلوي بكل امتدادته الجغرافية بما في ذلك الإمتدادات الجغرافية في الإقليم ، لقد أعادة حرب اليمن إنتاج الصراع العُمري العلوي ومأرب نموذج حي على ذلك يمكن فهم مايجري بقراءة خارطة التحالفات لكل طرف على المستوى المحلي والإقليمي فعلى سبيل المثال نجد أن مأرب القبيلة تخوض صراعً مريراً مع أطراف عدة مع المتحكمين بمركز القرار في الداخل ونعني به القوى الداعمة للحكومة الشرعية تحت ذرائع وأسباب عدة يمكن التطرق لها في مقال آخر لكنها مرتبطة بالعامل الديموغرافي العمق الوطني لهوية اليمن القحطانية التي تعتبر مأرب الممثل الأبرز له في السياق التاريخي الراهن وهو مايظهر من تركيبة الخصوم ابتداءً من جماعة البين بين وتعني بذلك مزودجي الولاءات بين الشرعية وبين الحوثيين من هم إمتداد للحوثي في المحافظة أو للشرعية وفي السياق تخوض صراعاً آخر لايقل خطورة مع التحالف العربي الذي يعتبر مأرب مركزاً حيوياً حاضناً للتيار الإسلامي المغضوب عليه من النظام العربي الإقليمي الرسمي ، لكن بتحليل معمق للمشهد في مأرب بعيداً عما يتم الترويج له من قِبل الخصوم عبر وسائل الإعلام التابعة لهم ، كما جرت العادة في توصيف المنظومة الحاكمة في أي رقعة جغرافية أنها تتأثر وتؤثر سلبًا أو إيجابًا بالمحيط وفي المحيط الإجتماعي الذي تحكمه هذا يقودنا إلى قراءة متأنية للسلوك السياسي للسلطة الحاكمة في مأرب وهل اتصف السلوك السياسي للسلطة بعدم النضج والمراهقة السياسية التي تنتج عنها عادةً قرارات ضارة بالنطاق الجغرافي المحكوم بصورة مباشرة أو بالنطاق الجغرافي العام للجمهورية اليمنية ، المتتبع للحراك السياسي في مأرب وأعني بذلك مأرب سلطان العرادة إذ أنه لا بدلكل من ينحاز للحقيقة أن يتوقف أمام العديد من المسائل التي تمس عصب الحياة للمواطن اليمني ويطرح التساؤلات التي تفرض نفسها كدليل انصاف أو إدانة كيف تصرفت محافظة مأرب التي تعد الحاضن للثروة النفطية ولمحطات الكهرباء الغازية الأكبر في البلاد ؟ ماذا لوكانت تلك المقدرات تحت سيطرة فصيل موالي لطرف خارجي المجلس الإنتقالي " الإنفصالي " أو حتى طارق عفاش في الساحل الغربي أو الحوثيين أو مؤتمر حضرموت هل كانت تلك القوى ستتعامل مع الثروة الوطنية بكونها ملكًا لجميع اليمنيين كلنا يذكر ماقام به أحد الفصائل في حضرموت منذ سنوات عندما أقدموا على احتجاز ناقلات النفط ومنعها من التعبئة لبقية المحافظات ، وكيف أن الدور الوظيفي للمجلس الإنتقالي في عدن هو بيع مقدرات البلاد موانئها وشركات الاتصالات للقوى الأجنبية ، مسألة أخرى تتعلق بنزوح مئات الالآف من الناس ليس إلى صنعاء أو تعز أو العاصمة المؤقتة عدن لقد كان لمأرب النصيب الأوفر من النزوح في الداخل وصل العدد لقرابة المليونين ونصف لم يتعرضوا خلال سنوات النزوح لأي ممارسات تمنهن كرامتهم ولم تتعالى الأصوات المناطقية المعادية المطالبة بطردهم وترحيلهم بعيداً عن المحافظة أسوة بما كان يحدث في المناطق الواقعة تحت سيطرة المجلس الإنفصالي في جنوب اليمن لقد كانت مأرب سلطان العرادة حاضنة لكل اليمن .

 

*(كاتب مستقل )

-رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة