عاجل: المبعوث الأممي إلى اليمن يكشف أمام مجلس الأمن عن أبرز بنود خارطة الطريق اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة بدعم امريكي .. البنك المركزي اليمني يعلن البدء بنظام جديد ضمن خطة استراتيجية يتجاوز صافي ثروته 400 مليار دولار.. تعرف على الملياردير الذي دخل التاريخ من أثرى أبوابه أول تهديد للقائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع قيادة العمليات العسكرية تصدر قرارا يثير البهجة في صفوف السوريين أول تعليق لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد فوز السعودية باستضافة كأس العالم دولتان عربيتان تفوزان بتنظيم كأس العالم الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية بجنيف تصدر كتابًا حول الجهود السعودية لدعم الاستقرار والسلام في اليمن اليمن ..انفجار قنبلة داخل مدرسة يصيب 7 طلاب ويكشف عن مأساة متفاقمة في بيئة التعليم مليشيات الحوثي تعتدي على مختل عقليا في إب بسبب هتافه بتغيير النظام- فيديو
كان القرن العشرين بالنسبة للعرب نقطة تحول حادة، نحو قرن من الزمن للنظام الإقليمي العربي حسب "سايكس بيكو" وأفول نجم الخلافة العثمانية واستقلال اليمن وسواها. وبرزت للوجود دول من العدم في الجزيرة العربية، واللافت هو تزامن تلك البدايات بتراجع اليمن فحلت جدلية لعنة الزمان وعبقرية المكان. فبينما مجتمعات في جواره لا تحمل ميزات التاريخ والجغرافيا التي حظي بها اليمن جانب التراث، نهضت مجتمعات قبيلة وبدوية خلال عقود مضت.
فشل النُخب الحاكمة لليمن بين عصرين ملكي وجمهوري كان السمة المشتركة للفترتين، وحتى تداعيات الربيع العربي أتت في حالة ضعف وتقهقر لمقومات الدولة. فاليمن السعيد يُراد له ان ينخرط في لعبة الأمم منذ الستينيات، وتكالب عليه القريب والبعيد كما تتكالب الأكلة على قصعتها، ويغدو أفغانستان الجزيرة العربية، فقد صور الرئيس السابق اليمن كبؤرة إرهاب كي يضمن دعما دوليا أكثر وديمومة لحكمه ولم يدرك خطورة ذلك على مستقبل اليمن بحيث كانت نظرة العالم الآخر لليمن من زاوية أمنية لا تنموية. واليمنيون اليوم يدفعون ثمن ذلك السلوك الخاطئ طيلة فترة الأربعة عقود الماضية.
في تاريخ الأمم على اختلافها دروس وعِبر، ويربط علماء الاجتماع بين جدلية قدسية المكان وتداخلها بعبقرية قاطنيه، حيث من الممكن ان يتولد الإبداع، وآنذاك تنشأ الحضارات، وتتلاقح الثقافات، حتى أن كانت في أصقاع متباعدة. وفي أسفار التاريخ غدا اليمن السعيد أسطورة تداولتها الأجيال على مر التاريخ. فطريق الحرير كانت تقود إلى تخوم الصين شرقا، بينما عرفت طريق البخور إلى اليمن جنوباً، كما ذكر القرآن رحلة الشتاء والصيف (لليمن والشام) وتلازم تاريخهما بالفتوحات شرقا وغربا حتى حدود بلاد الفرنجة في شمال الأندلس، وفي الهجرة تطبعوا بالتجارة من سواحل أفريقيا وحتى جنوب شرق آسيا.
اليمن الذي يقع بين بحار وصحارى لم يمنعه ذلك من التفاعل مع الآخر خارج حدوده، وهو بموقعه الجيوبولتيكي يتحكم بمداخل أهم طرق البحار، وكان عرضة لأطماع وطموحات حضارات سادت ثم بادت، ابتداء بالأحباش ومن ثم الفرس وحتى الرومان الذين وصفوها بالعربية السعيدة، مرورا بالعثمانيين وقوى غربية أخرى. ربما ولدت هذه المعادلة رؤية انعزالية لحكام اليمن عبر التاريخ، وانعكس ذلك في ضميره وذاكرته الجمعية.
شهدت المنطقة مطلع التسعينيات تحولات تحررية واستقلالية، وكان حكام اليمن في الخمسينيات وحتى مطلع الستينيات تحت تأثير هذه الرؤية المحافظة الانعزالية، من دون الاعتبار لضرورة التفاعل مع الآخر الخارجي وفق رؤية مدروسة، وهو ما سارت عليه أكثر البلدان المحافظة في المنطقة إلى اليوم ولو بصورة متفاوتة. ولعل صدمة الحداثة وانفتاح اليمن على العالم في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي بعد انغلاق طويل. تزامن مع اغلب بلدان المنطقة قد خلق جملة من التعثرات والإخفاقات متلازماً مع اندفاع قوى وطنية قليلة الخبرة وسعيها للتغيير الراديكالي، في الوقت الذي لم تحمل فيه مشروعا أو رؤى للتغيير في مواجهة مخططات قوى خارجية جعلت من اليمن محورا للاستقطاب وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية قسمت صف القوى الصاعدة. وهكذا كان قدر اليمن منذ نحو عقود مضت، فقد تطبع اليمن في أسوأ محطات مسيرته في أكثر من علامة فارقة جعلته على حافة الهاوية. وبقدر ما تكون قدسية المكان مصدر الهام فقد لازمته من حين لآخر لعنة الأزمات. وتدفع بعض البلدان الثمن غاليا من استقلالها ورفاهيتها وأمنها عندما تكون ضحية صراع السلطة ومراكز القوى من جهة، وفي ما بينها، إضافة تربص الإقليم والقوى الكبرى.
ظل اليمن منغمساً في همومه الداخلية منذ ما يقارب القرن بعدما استقل عن الاحتلال العثماني، وأكثر من نصف قرن لثورة الجنوب التي انتزعت الاستقلال من أنياب الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت إطاحة مجموعة مغامرة من المؤسسة العسكرية بالنظام الملكي الذي اتبع سياسة العزلة عن العالم، مبررا كافيا لاندلاع ثورته، ولكن الثوار رغم وطنيتهم ونقاوتهم لم يتعاملوا برفق وتسامح مع عامة الشعب، وكان للثورة أخطاؤها وهو الأمر الذي غير مزاج اليمنيين وموقفهم من النظام الجمهوري. وقد أتت المصالحة بين الفريقين متأخرة وفي الوقت الضائع، ناهيك عن أن من قاموا بثورة 1962 كانوا غير متجانسين فكريا ويجمعهم عدم وجود رؤية موحدة للمستقبل. ومعلوم أن انجح الثورات هي التي تتوافر على مشروع وقيادة فذة استثنائية وتحظى بتوافق الأمة، وهذه الخصائص لم تكن متوفرة في ذلك التحول المهم، مما استدعى التدخل الخارجي، وكان ذلك بداية لدخول اليمن بؤرة الصراع الإقليمي والدولي، وهو الأمر الذي خلق جملة من الإشكالات لم ندرك أبعادها وخطورتها وتأثيراتها إلا بعد عقود، فكانت أيضاً بداية لشق الصف الوطني الذي استهل مسلسلا من الأحداث الدرامية التي شهدها اليمن على مدى عقود مضت، فما أن يخرج من أزمة حتى يلج إلى أزمات وهكذا، ويعزى الخطأ الأول الى إقحام الجيش بالسياسة وتغييب القوى المدنية، ومن تجارب الجمهوريات العربية يستنتج أنه لا يفلح قوم ولوا أمرهم العسكر.
منذ ان عرف اليمنيون بلدهم مستقلا قبل نحو قرن من الزمان كان نحو ثلث هذا الزمن في عهد ملكي عفن، وقد ثار الشعب اليمني مطلع الستينات على أمل نظام جمهوري عادل، لكننا عشنا عقودا بعدها على مفاهيم خادعة من جمهورية وديمقراطية، والفصل بين السلطات وبرلمان، وكلها مجرد قيم افتراضية ليس إلا!
* فالأولى غداة استقلال الدولة اليمنية بعد رحيل العثمانيين على هامش تداعيات الحرب العالمية الثانية، لم يستغل حكام اليمن تلك الفرصة التاريخية وهي اقل زمنا من فترة الرئيس السابق على عبدالله صالح الذي جثم على تطلعات اليمنيين لنحو أربعة عقود.
تخلل العهد الملكي انعزال مُبالغ فيه مقارنة بجيرانه كالسعودية وهزائم امام طموحات الدولة السعودية الوليدة في ثلاثينات القرن الماضي فاستقطعت أقاليم يمنية وكرست فترة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح ذلك الواقع بالتنازل عن الأقاليم المنتزعة باتفاقية جدة في التسعينيات مقابل وعود بدعم حُكمه وتوريث ابنه.
* المحطة الثانية هي قيام ثورة سبتمبر التي لم تُهيئ لها الظروف المناسبة وكانت بإيعاز من مصر عبدالناصر الذي يحاكيه اليوم تدخل الملك سلمان، وكانت تداعياتها كارثية لمصر في هزيمة يونيو 67م وعلى اليمن. فلم يتحقق أمل اليمنيين مرة أخرى من التحرر من استبداد النظام الملكي ولم تتحقق مبادئ ثورة سبتمبر انتهت تلك الحقبة بتسوية المتناقضين نهاية الستينيات فكان نظام سياسي مُسخ افرز فترة الثمانينات وما بعدها. فلو كان اليمنيون يتكهنون بمستقبلهم وما آلت اليه ثورتهم لما تحمسوا لتلك الثورة التي تعثرت وأفرزت مرحلة السبعينيات التي بدورها أنتجت اخطر حقبة لازلنا نعاني تبعاتها لأربعة عقود مضت لاحقه لما بعد الرئيس الراحل الحمدي.
* والمحطة الثالثة هي الوحدة اليمنية التي كانت وحدة مصالح للنظامين فوأدت بيد صانعيها. فالقبائل الماركسية هربت للأمام خشية ثورة شعبية ضدها رغم ان الحزب الاشتراكي وقياداته في عهد حكم الجنوب كان يؤمم أملاك الشعب لمصلحة الدولة. تسلم الرئيس السابق اليمن "الموحد" وجنوبه بلد خام ظلم فيه زعيم الفساد وعاث فيه فسادا ونشر فيه ثلاثية القبائل والقات والسلاح وادخل الإسلام السياسي والولاء للقبيلة والفساد بكل أصنافه ولهذا يعتبر حكام الجنوب وقتها من أولياء الله مقارنة بعتاولة ساسة وقبائل الشمال.
* أما المحطة الرابعة والأخيرة هي التي نعيش فصولها أي محاولة الثورة على أسوا نظام حكم عرفته اليمن منذ قرن مضى، والذي افسد الفترة الانتقالية رغم انه منح بحصانة لم يكن يحلم بها أي دكتاتور عربي في ثورات الربيع العربي.
ما بٌني على باطل ينتج بداهة فشلاٌ محققا، واليمنيون لا يتعظون من أخطاء الماضي، وغياب رؤية ومشروع وطني نهضوي في دولة مدنية تسعى لتنمية اليمن وكرامة المواطن في سياق وأجواء سياسة خارجية منفتحة دون تفريط في السياسة، تلك بداهة كانت أهداف ثورة الستينيات التي غدت كغيرها من المفردات مجرد قيم افتراضية نتغنى بها.
لقد كانت الوحدة اليمنية مطلع التسعينيات أمل اليمنيين في انبلاج عهد جديد لكنها وئدت بيد صانعيها. فبعد حرب 1994 زاد الأمر سوءا فاستأثرت السلطة بيد اولغاركية انتهازية في نظام ديماغوجي انحصر اهتمام القيادة آنذاك بتقوية نظام على حساب تفسخ الدولة فكانت بداية تكوين للدولة العميقة التي نشهد تداعياتها في هذه الظروف المتداخلة بعد أكثر من عقدين من تلك الوحدة الارتجالية اتجه النظام السياسي للعب على التناقضات وسياسة فرق تسد وانحصار رؤيته في إرضاء الخارج ومهادنة الداخل
ماذا يتوقع من فساد أربعة عقود أسفر لاحتواء ثورة اليمنيين في فبراير من 2011 التي تأمر عليها الإقليم بالمبادرة الخليجية السيئة الصيت والتي حملت بذور فنائها في طياتها بمنح حصانة يحلم بها أي دكتاتور عربي.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فيُخشى محاكاة أخطاء حرب الستينيات بتقاسم السلطة تحت عنوان "التوافق" وهذا بداهة لا يعني سلاما مستداما بل ترحيل الصراع وتلغيم المستقبل بحروب مستمرة. فقد اعتاد اليمنيون أن حرباً تلد أخرى، فيكفي ان نقول انه في الأربعة العقود الماضية مرت نحو خمسة عشر حرباً. فتجربة المجرب ضرباً من الحماقة. فإذا كانت المرحلة الانتقالية الفاشلة غداة الربيع العربي في نسخته اليمنية قد أسفرت لبقاء نصف الدولة العميقة لإجهاض المرحلة الانتقالية فأنه يُخشى تسوية هشة لإدخال مكون جديد يعتمد على الغلبة وكان سببا في كوارث اليمن منذ سقوط صنعاء وقبلها ستة حروب عبثية.
بعد أكثر من ثلاث سنوات على سقوط صنعاء، يبدو الإشكال في ان الإعلام المتداخل مع أجندات يتعمد بأن الإشكال خلاف سياسي وليس بين شرعية وبين جهة انقلابية، فبداهة يفترض إعادة الدولة ولاحقاً يكون رؤية الإطراف حول شكل الحكومة المستقبلية.
نكبة اليمن اليوم هي ان الشعب ضحية التنكيل به من قبل الغازي الوطني والخارجي، بين شرعية ضعيفة وتحالف متخاذل شن الحرب تحت لافتة تختلف كليا عن ما يجري اليوم على واقع المشهد السياسي والعسكري، فالهزيمة المعنوية الكبرى الذي تلقاها اليمنيين كانت بسبب ركونهم على التحالف.