التحالف.. وإعادة رسم مستقبل اليمن
بقلم/ راكان الجبيحي
نشر منذ: 8 سنوات و 11 شهراً و 22 يوماً
الثلاثاء 08 ديسمبر-كانون الأول 2015 04:50 م
نجح المخلوع علي صالح ومعه الحوثي في توسع نطاق الحرب ولم يكتفي في حدود الجبهات في بعض المدن وتدمير البلاد وقتل الشعب وتصديع النسيج الاجتماعي.. مستغلاً بذلك انشغال التحالف في إعادة ترتيب اوراقه بخصوص الوضع في اليمن بصيغة محورية واستراتيجية مربوطة بأهداف السعودية والمنطقة بأكملها مع استمرارها بالعمل العسكري على الارض والتحرك وان كان يسير ببطء كبير وهذا الامر عائد على نظرية التحالف والسعودية خصوصاً وتعي تماماً ولربما يأتي ذلك بطبيعة الخطوات التي تتضمن امكانية التوازي والتنسيق مع استراتيجية الخليج والمنطقة برمتها .
سعى المخلوع بكل امكانياته.. الى كشف وتحريك ادواته وخلاياه النائمة المرتبطة به.. وعمل على احداث قلقلة امنية واغتيالات لشخصيات بارزة في عدن وغيرها.. واتساع رقعة الصراع الى القرى والارياف كضمانة لاستمرار الحرب فيما بعد مدركاً انه امام آخر سبيل له بالتوازي مع نهايته الحتمية بأي شكل وبأي وسيلة.. والذي كان الجميع يضع في الحسبان تلك الاوراق الى ظهورها فيما بعد.. لكنها اتت بسرعة غير متوقعة وهي هدية اكتسبتها الاطراف الشرعية ودول التحالف .
كان تدخل دول التحالف العربي في اليمن لردع تدخل ايران وعدم السماح بتماديها في المنطقة وبتر اجندتها.. واجتثاث انقلاب علي صالح والحوثيين واهداف أخرى غير واسعة المحور.. وكان من منظورها المحدود ان ذلك لن يستغرق وقتاً طويلاً وهو الشيء نفسه الذي كان يتوقعه الكثير من المتابعون وكاتب هذه السطور احدهم.. غير مدركة لحساسية الوضع. وخصوصاً ان المخلوع والحوثي لا يمتلكان القوة العسكرية والقتالية فحسب.. وانما يسندون ظهرهما على خشبة ايران ودول أخرى تلعب على خلط الأوراق من تحت الطاولة .
ما ان فُتحت الآفاق والمحاور امام السعودية وهي تتجه صوب مهمة تاريخية ورؤية مستقبلية للمنطقة .. حتى اعادة النظر في رسم هيكل اليمن الجديد التي تسعى الى نضجه بالطريقة المتماثلة.. وحددت نماذج وخطوات تتقارب بين الوضع اليمني وبين رؤيتها المستقبلية. وان كان هناك فارق زمني بإطالة امد العملية العسكرية والذي لا شك ان السعودية والتحالف بشكل عام يعي ذلك الأمر.. وأخذ بعين الاعتبار كل الردود الايجابية والسلبية.. وعزمت على استكمال المشوار حتى النهاية وان كان هناك بطء.. ذلك ان التحالف يمضي حسب خطواته الذي وضعها لسير العملية سواءَ سياسياً او عسكرياً مستخدماً بذلك جميع الجوانب والحسابات العميقة لدى جميع الأطراف اليمنية. وطبيعة المعارك على الأرض .
يمتلك التحالف الذي تقوده السعودية رؤية عميقة صوب مستقبل اليمن ودول المنطقة بشكل عام وخصوصاً مع التقارب الكبير مع تركيا.. وان كانت تلك الرؤى محدودة التباين في ظهور معالمها حالياً. إلا ان الوضع الراهن يوشك على وضع بنود وأُسس تلك الرؤى الهادفة والتي ترى المملكة من منظورها انه لا يمكن خروج اليمن من المعادلة القياسية والشبكة الموسوعة والتي يتم بلورتها كجزء لا يتجزأ من المشروع التاريخي القادم الذي يتم تحظيرها من ثلاثي دول المنطقة "السعودية قطر تركيا بجانب مصر الذي لربما يتم النظر في بعض سياستها بما يخدم شعبها ويخدم ذلك المشروع .
ترك التحالف الوضع القائم في اليمن بين قالب الكر والوفر دون نتيجة لأي طرف وبين الغموض المُبهم بعدما أعلن عن انطلاق تحرير مدينة تعز. ومن ثم توقفت العملية بصورة غامضة وتغيير مفاجئ لخوض سير العملية العسكرية.. تماماً كما انه "أي التحالف" ظل صامتاً بُرهاً لمعادلات قادمة.. دون الاقدام في ذلك الوقت في اللعب على الارض سياسياً وعسكريا.. واحداث نوع من التوازنات لإيجاد فوراق جوهرية في عملية دول التحالف والذي لعبها الطرف الآخر من خلال ترك تلك الثغرات.. ذلك انما دليل على وجود لدى التحالف رسم خارطة اليمن المستقبلي كجزء من مشروع نهضة المنطقة الذي يتم رسمها حديثاً بأدوات عربية لا اوروبية كما كان في السابق .
يدرك التحالف انه لا يمكن الابتعاد كثيراً عن العملية العسكرية في البلاد وان كانا حاضرين بطبيعة الدعم المحدود وعدم جدية التقرب وقراءة مشهد المعارك والترتيب عن قرب.. تماماً كما يدرك انه لا يمكن ترك الغموض الجاري واثارة التساؤلات لدى المجتمع اليمني والشرعية أيضاً.. بطبيعة التحضير على الارض لمعركة صنعاء وقيادتها وتسيير العملية وان كان إعلامياً كجزء مبدئي.. بجانب المعركة الاهم والتي تعتبر معركة استعادة الدولة الذي لا بد من حسمها حتى يتبعها ما تبقى من المدن.. وهي معركة تعز التي اُعلنت من قبل التحالف بدء حسمها وتحركت القوات ومن ثم فجأة توقفت على بعد عشرات الكيلو مترات من مداخلها بدواعي مُريبة وغير مُجدية نفعاً للمتابع الذي اصبح اكثر معرفاً بالوضع .. وعلى اطلاع كبير لسير المعارك ومجريات الاحداث.. تاركاً قيادة المقاومة والجيش الشرعي في تعز امام غموض وشيك. وتساؤلات مُثيرة .
لا بد للسعودية وللتحالف أجمع.. النظر وبتمعن الى تداعيات الوضع الغامض في خط سير المعركة وخصوصاً تعز. والتداخل المزدوج الذي قد يجر العملية وخطوات سيرها الى كارثة وخيمة وغير مقبولة. ويحرف مسار المهمة التاريخية، ويهدم رؤى وبُنيان المشروع الذي يتبنا نهوض المنطقة والذي يواجه صعوبات وإعاقات كبيرة من دول عدة .
على دول التحالف التي تقوده السعودية والمعنية اساساً وأولاً وأخيراً بالوضع.. ان لا تبتعد كثيراً عن معركة تعز ومعركة استعادة ما تبقى من البلاد. وان لا تسمح بحدوث اعاقات في العملية الذي تكفلت بها ان كانت فعلاً تريد الحسم بطبيعة خطواتها المندرجة ضمن جدول ترتيباتها العامة.. والتعامل مع المتواجد على الارض بجدية صارمة حتى لا تتوارث العواقب سلباً والتي قد تَتَسبب في قلب التوازنات في المعركة بمجرد وجود أي شكوك بين قيادة المعركة وبين التحالف بنية حسم المعركة.. دون الرهان على تعز خشية وجود عملية سياسية في ظل تعنت وعدم استجابة الطرف الآخر.. لكونها محل اهتمام لجميع الاطراف وهي المعركة الوحيدة الدائرة في البلاد. ومفتاح لتحرير صنعاء والوصول الى اجتثاث المليشيات متى ما صحّ عزم ونية التحالف !