بناء الأوطان
بقلم/ د. عقيل المقطري
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و يوم واحد
الثلاثاء 11 سبتمبر-أيلول 2012 02:58 م

بسم الله الرحمن الرحيم

إن من أفضل نعم الله – جل وعلا- أن يكون للإنسان وطن يستقر فيه ويعتز بالانتساب إليه وإن من الابتلاء أو العقوبة أن يفقد الإنسان وطنه فيصير مشرداً ينتقل من بلد لآخر من أجل ذلك كان حب الوطن والدفاع عنه من الإيمان ومما يتقرب به إلى الله – جل وعلا – يشهد لذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – لما أخرج من مكة انعطف إليها انعطافة المحب لينظر إليها النظرة الأخيرة مودعاً لها وقلبه مكلوم ومحزون فقال : (والله إنك لأحب البقاع إلى قلبي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت ) كناية عن شدة حبه لوطنه ومسقط رأسه ومن أجل عز الوطن وأمنه واستقراره شرع قتال من يريد احتلاله وتدميره .

إن الوطن تجب حمايته من قبل أبنائه والدفاع عنه والعمل الدءوب لأمنه واستقراره وبنائه ونهضته، وما أكثر أولئك الذين يدعون حب الأوطان بألسنتهم لكنهم بأعمالهم يوجهون لها طعنات بخلاء من خلال نهب خيراته وثرواته ومن خلال إفساد مؤسساته وجعله مرتهنا لأعدائه وقليل هم الذين يهمهم استقلال الأوطان وبناؤها ويجهدون أنفسهم من أجل نهضتها .

إن من فضائل ثورات الربيع العربي أنها مايزت بين هذين الصنفين وجعلتهم فسطاطين فسطاط انكشف زيفه وادعاؤه حب الوطن لأن هذا الفسطاط قتل شعبه ودمر وطنه ونهب ثرواته وفسطاط أثبت حقا أنه يحب وطنه ويعمل من أجل استقراره وبنائه ونهضته على أسس حديثة فضحى بالنفس والنفيس من أجل ذلك .

إن من أعظم وسائل بناء وطننا بناء الإنسان البناء المتكامل القائم على ترسيخ القيم النبيلة ليكون هذا الإنسان متجرداً من المنافع والمصالح الذاتية ولا ينظر إلى ذاته ومصالحها بل ينظر إلى مصلحة الوطن الكبير بره وبحره سهله وجبله سواحله وسهوله مدنه وقراه فيعمل جاهداً من أجل بناء الوطن لا من أجل بناء ذاته .

إن القيم النبيلة هي التي تجعل تولي المناصب القيادية وجميع الوظائف مبني على التنافس وبموجب الكفاءات المهنية والأخلاقية بعيداً عن المحاباة والمجاملات وإن مما يجب اعتماده من أجل بناء الوطن وضع آليات للثواب والعقاب والمساءلة في جميع مؤسسات الدولة .

ومن وسائل بناء يمننا الغالي أن نعمل على تجاوز الصعاب والتحديات من خلال الاصطفاف والاتحاد والإخاء والأمر كما قال الشاعر :

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا فإذا افترقن تكسرت آحاداً

إن اليمن يواجه تحديات كثيرة ( داخلية وخارجية ) أما التحديات الداخلية فأهما ما تقوم به العصابات المسلحة والتخريبية من إقلاق للأمن وقتل الأبرياء وقطع الطرق وتفجير أبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز ومحاولة عرقلة التسوية السياسية ومحاولة جر البلاد إلى الاحتراب والانقسام وإثارة النعرات الطائفية والمناطقية .

وأما التحديات الخارجية فأخطرها التدخل الإيراني في شأن بلدنا ومحاولة تفجير الأوضاع عسكرياً بواسطة عملائهم الحوثيين وعلي سالم البيض والحراك المسلح وبعض النفعيين الماديين من الاشتراكيين وغيرهم كعائلة علي صالح وبعض أركان نظامه فإيران تريد القيام بثورة مضادة لأن أكبر قيادات الثورة اليمنية كانت إسلامية سنية وكون الحوثيين سمعتهم محروقة ولا يمكن أن يسلمهم الشعب مقاليد الأمور لأنهم دمويون وكونهم لم يشاركوا في الثورة إلا مشاركة شكلية فقد كانوا أثناء الثورة رجلاً في الثورة والأخرى مع النظام السابق يقاتلون معه في نهم وأرحب بل وفي مواجهة شباب الثورة فهم يريدون ثورة شيعية مضادة ولقد أثبتت التحقيقات الأمنية أنهم كانوا ضمن المقاتلين في أبين وغيرها من أجل إعادة حكم الإمامة بالاشتراك مع من ذكرنا ولقد قال شاعرهم من أبناء الوزير من قبل وهو يخاطب فهداً آل سعود :

قل لفهد وللقصور العوانس إننا سادة أباه أشاوس

سنعيد الحكم للإمامة إما بثوب النبي أو بأثواب ماركس

فإذا خابت الحجاز ونجد فلنا إخوة كرام بفارس .

إن إيران تريد من خلال تدخلها السافر في شأن بلدنا تخفيف الضغط على نظام الأسد في سوريا كما تريد إيجاد موضع قدم فيما لو سقط نظام الأسد وموقع اليمن الاستراتيجي يسيل له لعاب القوى الإقليمية والدولية فواجب على أبناء اليمن أن ينتبهوا لتلك المخاطر ومنها الخطر الفارسي الوافد على اليمن وواجب عليهم أن يعملوا على إفشال ذلك المخطط وألا ينظروا إلى ما في أيدي الحوثيين وعملائهم فإن أول من يكتوي بنارهم أولئك الذين ينقادون لترهات الفارسيين وعملائهم وإنني لأتعجب من بعض الأكاديميين بل وبعض من ينتسب للعلم الشرعي وبعض المفتين في بعض المحافظات السنية كيف يرضون لأنفسهم أن يعودوا لتقبيل الأيدي والركب ؟

 وكيف يقبلون من يكفر ويسب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم – ويطعن بأزواج رسولنا الكريم – صلى الله عليه وآله وسلم- ؟

وكيف يضعون أيديهم بأيدي من يمزق القرآن ويحرقه ويعتقد أنه ناقص ومحرف ؟

 وكيف يقبلون بمن يسفك الدماء ويدمر المنازل على أهلها ويزرع الألغام في طريق الأبرياء من أبناء اليمن وهو يرفع الشعار الكاذب ( الموت لإسرائيل الموت لأمريكا ) وما سمعنا عنهم أنهم جرحوا أمريكياً أو يهودياً .

إن الوقوف صفاً واحداً لمواجهة كل المخططات ومنها :

مواجهة المد الرافضي والتنبه لخطرهم هو الذي سيفشل مخططاتهم وهو الذي سيوجد الأرضية لأمن واستقرار اليمن .

إن الواجب على أبناء يمننا الحبيب أن يستشعروا بالمسئولية وأن يتعاطوا مع القضايا والمشاكل والهموم الوطنية بنظرة ثاقبة وبعيدة تستشرف ما وراء المظاهر السياسية الخادعة وليعلموا أن أيه ممارسة تسبب زعزعة الأمن والاستقرار وتهدد السلم الاجتماعي سيكون القائمين بها أول ضحاياها ومن هنا أقول لكل من يسعى لإثارة الفوضى ويريد من أبناء اليمن أن يعودوا للاحتراب وإلى الماضي المؤلم إن الشعب اليمني قد شب عن الطوق وصار شعباً واعياً متعلماً متمدناً وأن ما يفكرون به ليس له وجود إلا في تفكيرهم المريض الموتور والمنجذب إلى الماضي .

إن إثارة الفوضى وتأجيج الأحقاد لا تخدم الوطن ولا تبنيه وإنما تبنى الأوطان من خلال تعميق روح المحبة والتآخي والتسامح والاحتكام لمبدأ الحوار والعمل على ترسيخ الوحدة الوطنية فلا مكان في اليمن لأصحاب المشاريع التدميرية والتخريبية فاليمن بحاجة لمن يقدم مشاريع تصنع الحياة ولا مكانة فيها للمشاريع التي تصنع الموت .

والله الموفق