القاضي الارياني…الثائر المثقف والزعيم المرن
بقلم/ علي محمود يامن
نشر منذ: أسبوعين و 5 أيام و 21 ساعة
الأحد 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2024 03:42 م
 

قدمت الرموز النضالية المنطوية في الحركة الوطنية منذ ثلاثينيات القرن الماضي تضحيات جسام ودفعت اثمان باهضة في سبيل انعتاق اليمن من الكهنوت الإمامي واستعادة دوره الحضاري .

 

الرئيس القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني الفقيه والشاعر والاديب والسياسي أحد أهم قيادات ورموز الحركة الوطنية في القرن العشرين، واول رئيس مدني حكم اليمن . وشكل مرجعية سياسية وقيمية للحركة الوطنية لاكثر من نصف قرن اتسم برجاحة العقل وسعة الإطلاع وغزارة المعرفة .

 

 نقف في هذه السطور مع مقتطفات من مسيرته الوطنية والثقافية والنضالية المترعة بالعطاء والإنجاز والتضحية:

 

اولا: النشأة والتكوين والعمل القضائي :

 

- ولد يوم 10 يونيو/حزيران 1910 في بلدة حصن إريان احد قرى بني سيف العالي التابعة لمديرية القفر، إحدى مديريات محافظة إب (وسط اليمن) الذي نبغ منها الكثير من علماء ومفكري اليمن ونشأ في أسرة اشتهرت بالعلم والأدب والشعر والاشتغال بالقضاء والافتاء فقد كان والده من أبرز علماء عصره،

درس القرآن على يد العلامة عبد الواسع بن محمد الإرياني رحمه الله، وكذلك مبادئ النحو والفقه والحديث على يد والده وأخيه الأكبر (علي). وفي مدينة درس مبادئ التجويد واللغة والنحو.

 

التحق بالمدرسة العلمية بصنعاء خلال 1925-1929، ثم درس اربع سنوات حتى أنهى مرحلة التحصيل 1936.

 

تعين حاكمًا شرعيًّا لقضاء النادرة بمحافظة إب لمدة سبع سنوات. ثم حاكمًا لقضاء العدين وحاكمًا لقضاء يريم، ولازم أمير لواء إب الأمير الحسن للمساهمة في حل القضايا . 

 

ثانيا : مرحلة النضال الأولى 

 

 بداء العمل الوطني في سن مبكرة في العام 1932 م من خلال تحرير المنشورات وكتابة القصائد الشعرية الوطنية وبثها في المساجد والطرقات. وارتبط بصلة وثيقة بعددٍ من رواد الحركة الوطنية وتأثر بهم ومنهم الاب الروحي لحركة النضال الوطني اليمنية المناهضة لحكم الإمامة وقائد التنوير محمد عبدالله المحلاوي واخرين من الرعيل الاول أمثال أحمد المطاع والعزي السنيدار، وغيرهم .

 . شارك عام 1944 في تأسيس النواة الاولى لأول جمعية سياسية ذات طابع نضالي منظم باسم (جمعية الإصلاح)، التي تخطت العمل الفردي وانتقلت الى العمل الجماعي وتواصل مع قيادات الحركة الوطنية في عدن، وعمل على استمالت الاحرار.

 . على اثر ذالك تم الزج به وبأعضاء الجمعية الى سجن قلعة القاهرة في حجة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1944، وفي السجن تشرب افكار الحرية وزادت قناعته بضرورة النضال لتخليص اليمن من حكم الكهنوت واستمر في المعتقل حتى 14 مارس/ آذار عام 1945،

 تعين عضوًا في هيئة تدقيق الأحكام بتعز، حتى عام 1947. وحرص على الاطّلاع على الصحف والكتب التي كانت تصلُ من مدينة عدن، والاستماع الى الاذاعات العربية والعالمية.

 

ثالثا: المشاركة في ثورة 84م وانتفاضة 55م :

 

قامت الثورة الدستورية في 17 فبراير/ شباط 1948م نتيجة اتصال بين حركة الأحرار اليمنيين، ممثلة بقيادتها في مصر أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري وحركة الإخوان المسلمين على القيام بثورة ضد حكم الإمامة.

 . عُيّنَ سكرتيرًا أول لمجلس الشورى بعد الثورة التي فشلت لأسباب مختلفة. 

. 13 مارس/ آذار 1948 سقطت صنعاء بيد قوات القبائل المناصرة للإمام أحمد، وفي يوم 14 مارس تم القبض على القاضي عبدالرحمن، وتم إيداعه سجن نافع بحجة، ومن ثم نقله إلى سجن القاهرة. ونهبت بيوت أسرته في منطقة إريان.

حول السجن الى مدرسة للمعارف ومحضن للتربية والثقافة الف خلالها الكتب وكتب الشعر والنثر وشهدت فترة سجنه تواصلًا مع روافد الحركة الوطنية في عدن حتى تم إطلاق سراحه عام 1954م إثر مشاركته في الدعوة لولاية العهد للأمير محمد البدر (نجل الإمام) في مواجهة عمه (الأمير الحسن)، بل هو مَن وضع صيغة الولاية وهي البيعة التي قسمت الأسرة المتوكلية الإمامية إلى: بدريين، وحسنيين، وفتحت ثغرة في جدار الأسرة الإمامية ومن ثم عاد إلى عمله السابق في تعز في الهيئة الشرعية.  

 

 . اعتقل في 6 أبريل/ نيسان 1955م في تعز عقب فشل حركة 55 بقيادة احمد الثلايا ليتم إطلاق سراحه لاحقًا، ليعود إلى عمله في الهيئة الشرعية…

 

 شارك في نوفمبر/ تشرين الثاني 1956م ضمن وفد المملكة المتوكلية اليمنية، برئاسة سيف الإسلام البدر في القمة العربية، في بيروت، وتم خلال تلك الرحلة زيارة مدينة القدس في 18 نوفمبر 1956م.

خلال الفترة من 1956 إلى 1958 عمل الإرياني مع المعارضة اليمنية على وضع ما أسموه برنامج العمل الوطني،  

شارك ضمن الوفد اليمني في جلسات مباحثات الاتحاد الفيدرالي بين مصر والسعودية، والتي تمخض عنها توقيع اتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا واليمن في دمشق في 8 مارس/ آذار 1958. 

وسافر مع الإمام أحمد في رحلته العلاجية إلى إيطاليا في 16 أبريل 1959م،  

ترأَّس القاضي عبدالرحمن بعثة الحج اليمنية من عام 1960 حتى قيام الثورة.  

 

رابعا : المشاركة في الثورة سبتمبر الخالدة:

  عند اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962م كان في تعز ضمن المهام الوطنية لإنجاح الثورة وتعيين وزيرًا للعدل (1962- 1964)، وعضوًا في التشكيل الثاني لمجلس قيادة الثورة، وترأّس وفود الجمهورية الوليدة للأقطار العربية لشكرها على الاعتراف بالثورة.  

 في 13 أبريل/ نيسان عام 1963م، عُين عضوًا في مجلس الرئاسة، ثم تولى رئاسة المجلس التنفيذي ونائبًا لرئيس الجمهورية في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1963م.

 

خامسًا:النشاط النضالي والسياسي بعد الثورة 

كان القاضي عبدالرحمن الإرياني شوكة ميزان في الخلافات والصراعات التي شهدتها قوى الثورة. وانحاز لحركة الإصلاح التي كان أهم دعاتها، ولم يقطع حبل التواصل مع المشير عبدالله السلال – قائد الثورة، وبقية الأطراف الجمهورية.

 

انتقد ممارسات القيادة المصرية وهيمنتها على القرار السياسي، والعمل على نقل الصراعات القومية وخلافاتها إلى اليمن، واستمر في التواصل معها، وتقديم عشرات الرسائل إليها، والتي تمثل قراءة عميقة، وتوثيقًا حقيقيًّا للأحداث وتقديم جملة من مقترحات الحلول.

 

شارك في الدعوة لمؤتمر عمران برئاسة القاضي محمد محمود الزبيري، والذي عُقِد في 2 سبتمبر 1963م… والذي تمخض عن إصدار دستور مؤقت، وإلغاء الدستور القديم، وأقر تكوين مجلس جمهوري بدلاً عن المجلس الرئاسي، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وقد عززت مقرراته موقف المعارضة المناوئة للرئيس السلال وأنصاره .

. سافر على رأس وفد للقاهرة في أكتوبر 1963م لشرح الموقف اليمني، بعد رفض الرئيس السلال المصادقة على مقررات مؤتمر عمران فوافقت القاهرة على بعض المقررات،  

 

عُين عضوًا في المكتب السياسي في 8 يناير/ كانون الثاني 1964 ضمن قيادة جماعية مكونة من تسعة أعضاء مُنِحت سلطات تشريعية وسياسية..

. 23 أبريل/ نيسان 1964، عُيِّن نائبًا لرئيس الوزراء للشؤون الخارجية والعدل والأوقاف ومسؤول عن الرقابة على أجهزة السلطة التنفيذية، في مجلس للشورى .

. قدّمَ استقالته من منصبه مع القاضي محمد محمود الزبيري – وزير المعارف، ومعظم حكومة حمود الجائفي، وأحمد محمد نعمان (رئيس مجلس الشورى) بعد فشل لقاء أركويت الذي عُقد في السودان في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 1964 بين الجمهوريين برئاسة القاضي محمد محمود الزبيري، والإماميين برئاسة أحمد الشامي… 

 

.خلال 22 – 24 أغسطس/ آب 1965م 

 في جِدة اجتمع بالرئيس المصري جمال عبدالناصر والملك السعودي فيصل ابن عبدالعزيز ، وتم توقيع اتفاقية جِدة، التي تدعو لوقف إطلاق النار في اليمن وانسحاب القوات المصرية من اليمن بحلول عام 1966م، وإنهاء الدعم السعودي العسكري للإمامين وإقامة حكومة مؤقتة، والتحضير لإجراء استفتاء شعبي في نوفمبر عام 1966م ، 

 

. حضر اجتماع القاهرة بين الرئيس عبدالناصر القيادة اليمنية برئاسة الرئيس السلال ورئيس الوزراء محسن العيني وأحمد محمد نعمان – رئيس مجلس الشورى، والقاضي الارياني وآخرون رفضت القيادة اليمنية اتفاقية جدة الذي يشكل خطرًا على مصير النظام الجمهوري… وجمدوا الخلافات في ما بينهم، وشكّلوا لجنة للتوعية بمخاطر الاتفاقية،

 

(23 نوفمبر/ تشرين الثاني – 24 ديسمبر/ كانون الأول 1965) ترأَّس القاضي الإرياني الوفد الجمهوري المكون من 25 عضوًا، لمؤتمر حرص وترأس الوفد الإمامي أحمد محمد الشامي – وزير خارجية حكومة الإمامة في المنفى، وبحضور ممثلين من مصر والسعودية مندوبون مراقبون، لكن المؤتمر انتهى بالفشل، 

 

في 11 أغسطس/ آب 1966، عاد الرئيس عبدالله السلال من مصر واشتد الخلاف داخل الصف الجمهوري، وقد قاد هذه المعارضة رئيس الوزراء حسن العمري … ونتيجة لتأزم الموقف ورفض القوى السياسية المناوئة للرئيس السلال التعاون معه سافر القاضي الإرياني على رأس وفدٍ للقاهرة يضم الفريق حسن العمري رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة ومجموعة من ضباط الجيش والمشايخ وأعيان اليمن، بلغ عددهم سبعين شخصًا للقاء الرئيس جمال عبدالناصر، ، وبعد ثلاثة أيام من وصول الوفد إلى القاهرة (9 – 12 سبتمبر 1966) تم اعتقال جمع اعضاء الوفد لأكثر من عام، فيما وضع القاضي عبد الرحمن الإرياني في منزل بالقاهرة، تحت الإقامة الجبرية، حتى وقوع نكسة 5 حزيران 1967. 

 

بعد انعقاد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم (29 آب/ أغسطس – 11 أيلول/ سبتمبر 1967)، شهدت الأزمة اليمينة انفراجًا وتشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء السوداني محمد أحمد محجوب من أجل المصالحة الوطنية بين الإمامين والجمهوريين في اليمن، وتقوم اللجنة بضمان انسحاب القوات المصرية من اليمن ووقف المساندة العسكرية التي تُقدمها السعودية للإمامين …

 

 التقت اللجنة الثلاثية برئاسة محمد أحمد محجوب مع القاضي عبدالرحمن الإرياني في القاهرة لاستطلاع رأيه في ما يخص الأزمة اليمنية، وارسل رسالة إلى أمين هويدي – وزير الحربية آنذاك – يطلب إطلاق سراح المعتقلين دون استثناء، وتم إطلاق سراحهم، وعودتهم إلى اليمن في 27 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1967، 

 

سادسًا : الفترة الرئاسية 

 

 إثر انقلاب قوى التيار الجمهوري التقليدي على الرئيس عبدالله السلال خلال سفره إلى العراق… في 5 نوفمبر 1967.

ترأَّس القاضي عبدالرحمن الإرياني المجلس الجمهوري تحت مبداً (الحكم الجماعي)، وتألف المجلس من أربعة أعضاء، هم (عبدالرحمن الإرياني، والفريق حسن العمري، وأحمد محمد النعمان، ومحمد علي عثمان)، وتم تشكيل حكومة برئاسة محسن العيني.

 

واجه الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني في بداية عهده تحديًا داخليًّا تمثَّل بحصار العاصمة صنعاء خلال (28 تشرين الثاني/ نوفمبر1967 – 2 شباط/ فبراير1968)، مستغلين انسحاب القوات المصرية، حيث هاجمت القوات الإمامية العاصمة، فتوحدت القوى الجمهورية بمختلف تكويناتها مع قوى المقاومة الشعبية من كافة الفئات والتيارات ونظّمت صفوفها، واستطاعت تحقيق النصر في ملحمة السبعين التاريخية. 

بعد انتصار القوات الجمهورية وانتهاء حصار صنعاء بالفشل تم إلغاء فِرق المقاومة الشعبية، ووقعت احداث مارس وأغسطس المأساوية عام 1968م، وعلى اثرها تم نفي عددٍ من الضباط للجزائر وعودة المقدم عبدالرقيب عبدالوهاب وقتله وسحله في ميدان التحرير..

تم تكليف عبدالله الكرشمي بتشكيل الحكومة في الأول من سبتمبر 1969، وتكرس من خلالها سيطرة القوى المحافظة المتحالفة مع القبائل على مقاليد السلطة والنظام الجمهوري.

 

أدرك القاضي باكرًا خطورة الحرب وأثرها المدمر على اليمن، فعمل على إنهاء الحرب بين الجمهوريين والإماميين (1962 – 1970) بالمصالحة  

وتم إيفاد وفد إلى السعودية يحملُ الموافقة على مشاركة الإمامين في المجلس الجمهوري والحكومة والمجلس الوطني مقابل اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري، وإنهاء حكم الإمامة،

وعودة بعض الشخصيات الإمامية البارزة إلى اليمن، ومنحها مقاعد في أجهزة السلطة، مع عدم عودة أفراد أسرة حميد الدين إلى اليمن، وتم اعتراف السعودية بالنظام الجمهوري في 22 يوليو/ تموز 1970. 

 

سابعا: اهم الانجازات في عهد القاضي الارياني :

 

شهدت فترة رئاسته استحداث المجلس الوطني كهيئة تشريعية، ومن ثم انتخب مجلس الشورى برئاسة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وتعزيز الشركة والمؤسسية في السلطة.

كما شهدت فترة حكم الرئيس القاضي الإرياني إصدار قرارات بإنشاء عددٍ من مؤسسات الدولة مثل البنك المركزي ومصلحة الضرائب ومصلحة الآثار ومصلحة السياحة والمؤسسة العامة للمياه والمجاري والمؤسسة الاقتصادية العسكرية وأول جامعة ممثلة بجامعة صنعا والمجلس الأعلى للتخطيط، وغيرها من المؤسسات.

 

اسهم في الدفع بمشاورات إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين الشطرين على الرغم من اختلاف نظاميهما وتوجهاتهما، وتم خلال عهده تشكيل لجان لتوحيد الأنظمة، وعقد عدد من اللقاءات، بين قيادات الشطرين، بدأ فيه التفاوض بشأن تحقيق الوحدة اليمنية وأسُسها، من خلال اتفاقيتيْ "القاهرة" و"طرابلس" بين شطريْ اليمن آنذاك.

 

. تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية وعدد من الدول الأجنبية، وتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون مع عديد من البلدان، ملتزمًا سياسة حيادية في علاقات اليمن الخارجية. 

  

ثامنا: مرحلة الصراع وازاحة القاضي عن السلطة :

 

من الظروف التي كانت غير مؤاتية لصالح القاضي الارياني انه تولى السلطة في فترة تحول حركة القوميين العرب الى الاتجاه الماركسي وظهور الجبهة الوطنية واعلانها النضال المسلح لتحقيق الوحدة اليمنية بالقوة وفرض خياراتها الأيديولوجية وكانت تسقط المناطق بشكل سريع تعامل مع تلك الاحداث بالكثير من الحكمة والتريث نتيجة تراكم التجارب والخبرات منذ ثورة 48م ذات المفاهيم الراقية والاهداف الدستورية النبيلة والتي مثلت نقلة كبيرة وفقا لمعطياتها الزمنية والموضوعية وما تلاها من احداث تاريخية ونضالية وهو ما اخذته عليه القوى المناهضة لليسار 

 

 ادى تخوف بعض الأطراف من انفراد الرئيس الإرياني بالحكم من خلال إصدار قرارات بتعيين أقارب له في مواقع قيادية في الجيش، والتقارب مع التيار اليساري وتغلغله داخل أجهزة الدولة والتوجس منه والتفكير بالإطاحة به من خلال تحالف القوى القبلية مع مراكز النفوذ داخل القوات المسلحة.

ازدادت حدة الصراع بين الرئيس القاضي الإرياني وخصومه بعد انضمام الشيخ سنان أبو لحوم – محافظ الحديدة إلى صف المعارضين… ما أدى إلى وضع المعارضة خطة انقلابية ضد الرئيس القاضي الإرياني، وتنفيذه من خلال الجيش بتاريخ 13 يونيو 1974م، وهو ما تقبّله الرئيس القاضي الإرياني الذي كان زاهدًا بالسلطة وغير راغب في اراقة الدماء مقابل الحفاظ على كرسي الحكم فقدم استقالته إلى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر – رئيس المجلس الشورى، والذي قام بدوره بإرسالها مع استقالته من رئاسة مجلس الشورىإلى العقيد إبراهيم الحمدي – نائب رئيس الوزراء؛ وتوجه من صنعاء إلى تعز.مع عدد كبير من الشخصيات، ومن ضمنهم المقدم إبراهيم الحمدي وتوديعه عند مغادرته إلى سوريا بناءً على رغبته في مساء 13 يونيو 1974، ومن ثم أُذيع البيان الأول للحركة، وتشكيل مجلس القيادة الذي حل محل المجلس الجمهوري برئاسة الرئيس إبراهيم الحمدي.

 

تاسعًا: قراءة في شخصية القاضي :

 

القاضي الارياني شخصية وطنية ذو خلفية متمايزة قاضي وعالم وثائر ضد الائمة ومثقف وشخصية مخضرمة جمع بين الرزانه الثورية والعراقة الحضارية والالتزام التقليدي الذي كإن الموروث الشعبي مقيد ومقدس لذلك الموروثة ومتمسك بتقاليده . 

يحظى باجمع كبير وكان لدية تقدير كبير للمصلحة الوطنية وتمتع بفضيلة الزهد في السلطة على الدماء رغم وجود قيادات عسكرية ووحدات تدين له بالولاء ما شكل لديه قدرة على خوض حرب للبقاء في السلطة لكنها فضل الرحيل من السلطة حفاظًا على المصلحة الوطنية العليا.

 

ياخذ عليه انه كان يسعى لإرضاء الجميع والبعد على الالتزام الاداري بمعناه الحديث 

وكان لديه غموض في الجانب الفكري يصنفه الكثير انه شخصية ليبرالية ومتحرر فكريا خلافا للخلفية المحافظة والامتداد الديني الشرعي الذي يمثله كقاضي ويرى الكثير انه كان قريب من الاتجاه اليساري والتوجه البعثي 

 

الارياني الحاكم المدني الوحيد في العهد الجمهوري منح اليمن تجربة راقية وثرية في الجانب الديمقراطي والشوروي والعمل في ظل مؤسسات ألدولة وتوزيع السلطات وفقا للدستور والقانون لم يكن متطلع للسلطة بشكل قوي او زاهد فيها بدرجة كبيرة تعامل معها بتوازن ورشادة وطنية عالية وياخذ على فترة الرئيس الارياني تمدد مراكز النفوذ القبلية والعسكرية على حساب انحسار سلطات ألدولة وتواجد القانون خصوصا في السنتين الاخيرتين من حكمه ما ادى الى عدم تطوير التجربة الديموقراطية المدنية والعودة الى الحكم العسكري

 

عاشرًا: مؤلفات ومذكرات القاضي الارياني :

 

تعد مذكرات القاضي الإرياني من اهم المصادر التاريخية للثورة اليمنية في مختلف مراحلها واحد اهم وثائق الثورة اليمنية في الفترة ما بين عشرينيات القرن الماضي وسبعينياته.

 

وتقع الصادرة منها في ثلاث مجلدات بالقطع الكبير ، مزودتا بالوثائق والصور، والملاحق ومقدمة ضافية للأستاذ مطهر علي الإرياني 

 

يغطي المجلد الأول الفترة من 1910، وحتى العام 1962م، أما المجلد الثاني فمكرس للفترة من 1962م، وحتى العام 1967م. ويتناول المجلد الثالث فترة الــ 5 من نوفمبر1967، وحتى العام 1972م. 

 

فقد دوّن الأحداث بلحظاتها الزمنية ومعطياتها المرحلية ورصد الوقائع والأحداث بقدر كبير من الموضوعية مع دقة التحليل وامانة النقل .

ومن مؤلفاته العلمية والأدبية "الشريعة المتوكلية والقضاء في اليمن" نشره باسم صديقه أحمد بن عبد الرحمن المعلمي، وديوان شعر بعنوان "ملحمة من سجون حجة".

 

وفي مجال التحقيق حقق ونشر عددا من الكتب، منها: "هداية المستبصرين بشرح عدة الحصن الحصين" لوالده، و"السيف الباتر لأعناق عباد المقابر لأخيه عقيل الإرياني، و"تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد" للعلامة محمد بن إسماعيل الأمير.

 

 من كلمة للرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني عام ١٩٦٨: 

"إن النظام الجمهوري هو نظام الإسلام الصحيح والإنسانية الكاملة، والتقدم والتطور، وليس فيه حق إلهي لفرد ولا لأسرة ولا لجماعة أن تحتكر السلطة، وإن نظرية الحق الإلهي المقدس التي فرضتها الإمامة بعيدة كل البعد عن الإسلام.."

 ((الثورة بالنسبة لشعبنا عملية إنقاذ من الفناء وانتصار لانسانية الإنسان ولابسط حقوقه ككائن كرمه الله))

 

توفى رحمه الله يوم 15 ذي القعدة 1418 هـ الموافق 14 مارس/آذار 1998 في مدينة دمشق، ونُقل جثمانه إلى صنعاء