نساءٌ إيرانيات حول الكعبة!!
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 8 أيام
الخميس 24 يونيو-حزيران 2010 07:29 م

لم تعد الكعبة المشرفة والمسجد الحرام ومكة المكرمة، على النحو الذي عهده الناس، من الخلوة بالنفس، والتعلق بالدار الآخرة، بل اختلطت في عصرنا هذه المشاعر الربانية، بألوان شتى من الزينة وحب المتع الدنيوية، حتى أنّ بعضاً من الناس يقصد البقاع المقدسة ليجد فيها متعة الحياة وجمالها، وزينة الدنيا وبهرجها، وليجد الأبراج من العمران، والسلام والأمن، وشتى ألوان الفواكه والثمار التي أنعم الله بها على أهل هذه البلاد المباركة، بعيداً عما ينبغي أن يكون عليه الحال أو يجب ويفترض، من الإقبال على الله عز و جل والتجافي عن دار الغرور .

ولعلّ من أعظم الفتن التي تواجه كل قاصد للبيت الحرام فتنة النساء، خُص منهن بالذكر، النساء الإيرانيات والتركيات، ومن في حكمهن، اللواتي كنّ ولا يزلن محل فتنة عبر التاريخ، بما متعهن الله به من روعة الجمال مع القوة والصلابة، حتى أنك لترى المرأة العجوز منهن ذات ال 60 أو70 عاما وكأنها ابنة العشرين ربيعاً، أشبه بدبابة الميركافا، زاد من جمالهن جمال النفس وطيب الروح وسربال الحجاب والستر والحشمة اللاتي امتزن بها ، جعلهن الله قرة عين لأهليهن وأزواجهن.

وقد تطرق العلامة ابن القيم في كتابه القيم \\\"روضة المحبين\\\" إلى شيء من بيان أوصاف النساء، حيث أسرف كثيراً جدًا في مدحهن وبيان أوصافهن وجمالهن الأخّاذ، فبعد أن ذكر مذاهب الناس وطرائقهم المختلفة والمتعددة في تقدير مواضع الجمال والفتنة فيهن، فذكر أن من الناس من يفتن بوجه المرأة وبياضه وصفائه، ومنهم من يفتن بالطول والحمرة منهن، ومنهم من يفتن بسمنتهن أو نحالتهن...الخ، ثم رجّح رحمه الله أنّ أكثر النساء فتنة هن التركيات المشرئبات بالبياض الصافي مع الحمرة، وأنصح كل من ابتلي بمرض العشق والهوى أن يقرأ هذا الكتاب من أوله إلى آخره، وأن يكرر قراءته كل ما سنحت له الفرصة ووجد الوقت، ففيه من متعة الروح وبهجة النفس ما لا يوصف.

وأما في كتابه القيم زاد المعاد فقد بيّن فيه رحمه الله ، أن من أعظم الفتن في مواسم الحج والعمرة، الفتنة في الطواف حول البيت العتيق حيث تتجرد المرأة من كل ما يستر وجهها، تعبداً وتذللا لله عز وجل، وفي بعضهن من الفتنة ما لا تقوى معه كثير من النفوس على التحمل والثبات، فتتبع النفس العين نظراً واستراقاً، وتسقط في الفتنة كثير من النفوس، إلا من عصم ربك ورحم، وقليل ما هم .

قلت : ولربما عاد بعضهم من الحرم وقد ترك عقله وحسه وقلبه مع امرأة في الحرم تعبث به وتلهو كيفما تريد، وربما كان الوداع الأخير بين الرجل وقلبه، ولعلّ هذا بعينه هو الذي منع ابن عمر وبعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من الإقامة في مكة المكرمة، لما يخشى من تضاعف السيئات وتعاظم الخطايا والزلات.

ما نود التطرق إليه في هذا المقام هو الحديث عن العواصم من الفتنة في الحرم سيما مع اقتراب موسم العمرة والحج، وتسابق الناس من كل فج عميق نحو زيارة البيت العتيق، حيث يرى صاحب هذه الأسطر أنَ من العواصم من الفتنة ما يأتي:

1) أن ينظر العاقل بعين البصيرة إلى مواضع المناتن من المرأة، وألا تغلبه عينه ونفسه الأمّارة بالسوء، بالتأمل في طول المرأة وعرضها وبياضها أو حمرتها وما حباها الله به من الزينة الظاهرة والجمال المستعار، فمن تأمل باطن المرأة وما تحمله من الخبث والخبائث والأنتان والقاذورات، انكسرت نفسه عن طلبهن والميل إليهن، وانهمرت دموعه سحاً شوقاً إلى لقاء ربه وإلى نعيم الجنة وما فيها من الحور العين، اللواتي سلمن من كل الخبائث والأنتان، بل لو بصقت إحداهن في البحر لصيرته عذباً زلالاً، ولو اطلعت إحداهن على أهل الأرض من السماء الدنيا لأضاءت ما بين المشرقين، كما في الحديث الصحيح، في البخاري وغيره، نسأل الله الكريم من واسع فضله وإنعامه.

فيالله ما أعجب تلك النفوس الصغيرة ويا لله ما أجهل هذا الإنسان، ويا لله ما أضعف هاتيك العقول، التي تؤثر الدنيا الدانية على الآخرة الباقية، والخبيث على الطيب!!.

ويا لله ما أروع وأصدق كلام العلامة ابن القيم حين قال : \\\" من النفوس من تطوف حول الكرسي والعرش، ومنها من يطوف حول الأنتان والحش\\\".

فمن تأمل هذه المعاني وهو في ضيافة الرحمن الرحيم في بيت الله الحرام هانت عليه الفتنة، وكان ذلك أدعى له أن يتوب إلى ربه وأن يخشاه وأن يتوكل عليه، وأن يبكي ليله ونهاره شوقاً إلى ربه ومليكه وخالقه وما عنده من نعيم ومنّة، وما نراه في هذه الدنيا من نعيم نسبي أو جمال مستعار أو فتنة ظاهرة، إنما ذلك دليل على النعيم الذي لا ينفد، والجمال الحق الذي أعده الله لمن أطاعه من عباده، في دار كرامته ومستقر رحمته، فغض بصره عن الحرام وصبر عن الفتنة، فعاش طيب النفس سليم القلب، جميل الروح قرير العين، سعيد الفؤاد، مرتاح الخاطر ، كريم المقام .

قال تعالى : { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } يوسف90.

فكلما حدثتك نفسك بالمعصية - سيما مرضى الهوى والعشق - فاتلُ هذه الآية وكررها ، تهن عليك بإذن الله المعصية .

2) غض البصر وكف أذاه، كما قال تعالى : {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }النور30.

ومن اللطائف التي ذكرها علماء التفسير حول هذه الآية أنّ هذه الآية الكريمة تلاها قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النور35.

قالوا فمن غض بصره عن الحرام أبدله الله نوراً من عنده، يجده في بصره وبصيرته وعلمه وفهمه وكشفه، كما قال تعالى : {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الأنبياء79.

ولعلنا هنا نفهم بعضاً مما وقع لبعض الصحابة من الكشف والكرامات، كما وقع للفاروق عمر رضي الله عنه، حين قال في خطبته وهو على منبر رسول الله في المدينة، يا سارية الجبل، فسمعه سارية وهو في الشام فانحدر نحو الجبل ونجا بجيشه.

وكم من الكشف والكرامات والإلهامات التي وقعت للصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم، الذين أنعم الله عليهم بغض الطرف عن الحرام، فوهبهم الله بذلك قوة النظر وقوة البصيرة، وكشف لهم كثيرا من الحجب، ومنحهم كثيراً من العلوم والمعارف، لا تزال الأجيال المتعاقبة تنهل من علومهم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

على أن الكشف الذين نعنيه هنا إنما هو الإلهام الإلهي والذكاء الخارق الذي يهبه الله لمن شاء من عباده الصالحين الذين أطاعوه وعبدوه، فأبدلهم عز وجل بالجهل علماً وبالضعف قوة، لا ما تتحدث عنه بعض المتصوفة اليوم، الذين أهلكهم الجشع وحب الدنيا، وصارت الدنيا في قلوبهم وأيديهم وكانوا أبعد الناس عن التصوف والزهد في الدنيا، وصاروا قارونيين أكثر من قارون .

3) أن يتذكر الزائر لبيت الله الحرام سير الأسلاف وتاريخ هذه البقاع المقدسة التي تعاقب عليها الناس والحضارات والدول، وأنها جميعها بادت وانقرضت، وأن الموت نهاية كل حي، وأن مصير هذه الجموع الطائفة والساعية، والراكعة والساجدة، هو الموت، بلا فرق بين رجل ولا امرأة ولا غني ولا فقير، ولا ملك ولا مملوك، فعليه أن ينشغل في طريقه إلى الله بالحياة الباقية وأن ينصرف عن الدنايا والمزابل والقمامات، فتصير الفتن عندئذٍ في طريقه أشبه بالدمى المكسوة بألوان الزينة والحلي، إلا أن ذلك لم يغير من حقيقتها القبيحة شيئاً، فهي دمى وإن اكتست بالحلل والحلي ورصعت بألوان الفضة والذهب .

4) أن ينشغل الزائر لبيت الله الحرام بالطاعات والقربات، فالنفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية .

5) من علم من نفسه العجز عن مقاومة الفتنة وغض البصر فعليه ألا يقرب البيت الحرام، بل عليه أن ينصرف إلى أنواع أخر من الطاعات كالصدقات وطلب العلم والتعبد في جوف الليل وصلة الرحم، ونحو ذلك من العبادات الكثيرة، ولله الحمد .

هذا والله تعالى أسأل أن يهلّ علينا شهر رمضان بالخير والبركات والنصر والعزة والتمكين، وأن يمنحنا فيه البر والتقوى ومن العمل ما يرضى، وأن يجعلنا ممن يصومه إيماناً واحتساباً، وأعتذر عن العزو إلى المصادر، حيث كتبت هذا المقال وأنا مسافر، ولم يتيسر لي العودة إلى المراجع الأصلية، والحمد لله رب العالمين،،،.