الفقيه.. تمخّض الجبل فولد فأراً!!
بقلم/ صحفي/عبدالله السالمي
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 14 يوماً
الخميس 16 أكتوبر-تشرين الأول 2008 12:11 ص

(.. الحوار للديمقراطية مثل الوضوء للصلاة.. لكن الأحزاب لا يمكن أن تشغل نفسها بالحوار والحوار فقط, فالوضوء في آخر المطاف لا يغني بحد ذاته عن الصلاة..)!!

(.. سأدرس بجدية خيار الالتحاق بعبدالملك الحوثي , لان شرعية ما يقوم به ستكون أقوى من شرعية مجلس الآباء الذي ستفرزه وزارة التربية)!!

(.. أقصى ما استطيع فعله هو النظر إلى السماء ورؤية السحب السوداء التي تنذر بالعواصف والأعاصير, أما أين وكيف ومتى ستضرب تلك العواصف ففي علم الله)!!

..بمثل هذه المرجعية الميتافيزيقية , التي يغلب عليها الصدور عن الماورائيات في التعاطي مع الواقع, ما يزال الدكتور عبدالله الفقيه – الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة صنعاء – يقدم نفسه كمفكر رائد ومحلل سياسي إليه يرجع القول الفصل في ما سيئول إليه حال اليمن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وامنيا – وعلى مختلف الصعد..

ثلاثية الخطر

ففي حواره مع صحيفة (العاصمة) المنشور بتاريخ 12/10/2008م والذي ابتدأه ردا على سؤالها الأول: كيف تقرؤون المشهد السياسي , بالقول:( خطر.. خطر.. خطر..) جاءت العبارات السابقة في ثنايا أحاديثه الطويلة كخلاصة ما ينصح به هذا الخبير لتجاوز خطر خطر(ات) كلماته الثلاث الأول.

لقد سارع الفقيه في مستهل الحوار للتبشير بـــ( أن احتمال اندلاع حرب أهلية طائفية في اليمن خلال المدى القريب قد ارتفع إلى حوالي 80% ).. وكما لم تتناسب هذه النسبة مع صخبه، الذي وجد نفسه يمضي في تأجيجه تحت وطأة جرجرة أسئلة المحاور، فإنه ما كاد يصل في الحوار إلى منتصفه حتى سارع لرفعها إلى (95%).. والمضحك المبكي في هذا السياق هو أن السائل – الذي استغرب النسبة الأولى وجعل الفقيه يضحك حينما توقع انه ليس إلا مازحا – عاد ليمزح بسؤال عن مشاركة الحوثي في الانتخابات فيتلقف الدكتور المزحة لا ليضحك منها هذه المرة , وإنما ليضحكنا جميعا ويبكينا في آن واحد حينما يؤكد أن تحقق هذه المزحة ( فيظل مشاركة المشترك ..) ( سيمثل نصرا للبلاد وللحزب الحاكم ..).. بينما أنه في العكس ( يرفع احتمال قيام حرب طائفية إلى 95% ..)!!

الضحك بعقلية (الفقيه)!!

لعل هذا هو ما يضحك في الحكاية.. أما ما يبكي فهو أن حوار (العاصمة) إياه مع الفقيه الذي وصفته بــ ( أحد الأركان السياسية المستقلة في البيت اليمني ) قد ابتدأ في مناقشته لــ ( العديد من مستجدات القضايا السياسية على الساحة اليمنية ) بالمزح وانتهى به.. وما بين ضحكة البداية التي جلجل بها الدكتور الفقيه ومزحة محاوره في المنتصف حتى طلب الكلمة الأخيرة ضاع الجد ومراعاة المسؤولية في التناول، والعمق في التفكير، والدقة في التعبير؛ لبدائل من نوع التعاطي مع أعقد القضايا الوطنية باللامبالاة، والتسطيح، وسوق الجمل المتعارضة، والتلاعب بالألفاظ،.. وقبل ذلك وخلاله وبعده النظر إلى الواقع من زاوية الغيب، والخوض في متطلبات عصرنة السياسة والاجتماع بعقلية (الفقيه) الذي لم يستوعب الفرق بين المعطى الفردي والحالة الشخصية التعبدية للعلاقة التكميلية للوضوء بالنسبة للصلاة، وبين الحراك الكلي والعملية الجماعية المعاملاتية لديمقراطية الحوار وحوار الديمقراطية، التي لا تجعل من توقف أحدهما على الآخر سببا وحيدا فيه وسابقا عليه، بقدر ما يشكلا استمرارية تكاملية يلزم فيها الدور..

ثبات التوازنات أم سقوطها.. أم ماذا؟!

لقد عزى الفقيه احتمال اندلاع حرب أهلية في اليمن خلال المدى القريب - بتلك النسبة التي يبشر بها – إلى ما اسماها تطورات قال إنها ( أطاحت، وتهدد بالإطاحة، بالتوازنات السياسية والاجتماعية الدقيقة والهشة بطبيعتها..).. يأتي هذا بعد أن أكد على أن ( السقوط السريع للتوازنات السياسية والاجتماعية داخل الدول وبين الدول يقود في الغالب إلى اندلاع الحروب..).. ومن هذا الربط الذي يجعل من سقوط التوازنات سببا في اندلاع الحروب، كما يرى أستاذ العلوم السياسية، فإن من الطبيعي أن يفهم من منهجه ارتباط العكس بالعكس، أي انتفاء الحروب بثبات التوازنات جريا على تقابل العلة في القياس من جهة, وتوسيع قاعدة ورود النتائج تبعا للمقدمات من جهة أخرى..

ومع التذكير مرة أخرى بأن هذا هو ما يمكن أن يتبادر إلى الذهن كمفهوم بديهي وطبيعي لحديث الدكتور الفقيه عن ارتباط اندلاع الحروب بسقوط التوازنات، إلا أنه وبما يؤكد بعده عن المنهجية، قد ذهب في سياق آخر إلى وصف سياسة التوازنات بـ(أنها مصدر لعدم الاستقرار..)، وما بين الحديث عن سقوط التوازنات كسبب في اندلاع الحروب، ثم جعل التوازنات مصدراً لعدم الاستقرار يظهر ما عليه أستاذ العلوم السياسية،من تناقض فكري بدأ معه كم هو في حاجة إلى الرؤية المنهجية التي كان يمكنه، لو امتلكها، تجنب السقوط في إثبات الشيء ونقيضه..

وإذا كانت سياسة التوازنات مصدراً لعدم الاستقرار، فكيف يسبب سقوطها اندلاع الحرب، وإذا كان سقوطها يسبب اندلاع الحرب، فكيف ينتج عن ثباتها عدم الاستقرار؟!.. وطالما وأن النتيجة سيئة في كلتا المعادلتين حسب ما يقرر الفقيه سواء من حيث اندلاع الحرب، أو عدم الاستقرار، وبما يجعل من سياسة التوازنات مشكلة في حالتي الثبات والسقوط على حدٍ سواء، فلماذا يفترض في سقوطها هنالك اندلاع الحرب، وبتلك النسبة المهولة، مع علمه بما سيقرره لاحقاً من ربط ثباتها بعدم الاستقرار؟!.. ألم يكن على بينة من أمر سياسة التوازنات هذه، حتى يتجنب التناقض الذي وقع فيه تحت وطأة سؤال ما كان يدري أنه في محاولة الإجابة عليه لم يزد على ترديده؟! أم أن ذات الترديد، وإن بدا متناقضاً، هو المتفق عليه؟!

المحايد على طريقتهم!!

وبعيداً عن هذا التناقض الذي يجرد الفقيه، وبلسانه هو، من مصداقية ما ابتدأ به من الصراخ بخطر(اته) الثلاث، وما تبعها من كون اليمن قاب قوسين أو أدنى من الحرب الأهلية وفق ما تفتق ذهنه المتناقض عن سبب أبطله فيما بعد من حيث لا يشعر.. بعيداً عن هذا فإن ما تضمنه حديثه من دعوى أن السلطة هي التي تسعى إلى تعطيل الآلية الديمقراطية ينم عن مغالطة لا تتفق والمنهجية العلمية الأكاديمية التي يفترض بالدكتور الفقيه الصدور عنها والاحتكام لها، ذلك أن ما وصفه به محاوره من كونه أحد الأركان السياسية المستقلة في البيت اليمني كفيل بدفعه لو كان منصفا للوقوف على الحياد، لا أن يدفع ثمن الوصف بترديد ما يريده الذين يقفون وراء الواصف طمعاً في استحقاق أوصاف الاستقلالية والنزاهة والحياد التي يمنحها ( الإخوان) في المشترك لمن يتماهى معهم على قاعدة (نحن أولياء الله وأحباؤه)..

إن القراءة المنصفة لمجمل الحيثيات التي رافقت ما استقر عليه حال الآلية الديمقراطية، ابتداءً بحوار المؤتمر الشعبي العام مع المعارضة، ثم قرار مجلس النواب بخصوص لجنة الانتخابات، وانتهاء بإسناد مهام لجانها المعنية بانتخابات المرحلة القادمة إلى وزارة التربية والتعليم، لتؤكد أن معارضة المشترك وفي الوقت الذي لم تتعاط فيه بإيجابية مع كل الخيارات المنطقية التي يبادر المؤتمر إلى الدعوة إليها من أجل حل توافقي لهيكلة الآلية الديمقراطية، فإنها في الوقت ذاته دفعت باتجاه التضييق عليه، وحجب كل الخيارات أمامه، بغية تأجيل الانتخابات أو إلغائها، إلى الحد الذي وجد المؤتمر فيه نفسه – كحزب حاكم تقف وراءه الأغلبية الدستورية - ملجأ إلى المحافظة على المكسب الديمقراطي واستمرارية أدائه كجزء من التزاماته الأساسية من ناحية، وإثبات فشل المراهنين على تراجع هذا المنجز من ناحية أخرى..

ولقد كان يمكن للدكتور الفقيه التحقق من هذه الأبعاد لو التزم الحياد، ولم يشترك مع (المشترك) في هدف تأجيل الانتخابات أو إلغائها.. وبالتالي فإن توقع أن تكون له وجهة نظره الخاصة التي قد تتعارض مع الأحزاب إياها لهو أمر مستبعد، يؤكد هذا حرصه على الحديث عنهم كما لو كانوا رسل الخلاص..

فبدلاً من أن يهتدي إلى أن قول أستاذه الآنسي عن أحزاب المشترك بأنها (لن تقاطع ولن تشارك) لا يحمل في طياته إلا الحيرة والتيهان، الذي يريد هؤلاء للبلد الولوج فيه، إذا به يجعل من هذا التناقض –هو الآخر- فضيلة للمشترك يرى معها أنه (يحتفظ بخياراته مفتوحة) حدّ قوله.. وكذلك الحال في سياق آخر عندما أرجع تيهان المشترك إلى حرصهم الشديد على البلد، متناسياً أنه يتحدث عن جماعة ليسوا صفحات بيضاء بقدر ما خضعوا للتجارب التي أثبتت فشلهم، وصدورهم عن المواقف الانتهازية، خدمة لأطماعهم الشخصية ولا شيء سواها..

تواصل.. تناقض.. تلاعب.. لغط!!

أما إصراره على استبدال مصطلح الحوار بالتواصل، فلا يبدو أنه يتجاوز به اتصال هاتفي بين اثنين يسأل أحدهما (كيف الحال؟)، ويجيب الثاني (ماشي الحال).. وفي اختزال ما كان قد تم إنجازه عبر آلية الحوار بين الحاكم والمعارضة بهذه الطريقة من التواصل يؤكد الدكتور الفقيه أنه، مع المشترك، لا يمكن لهم التسليم بأية نتيجة يسفر عنها أيما حوار ما لم يكن مؤداها تقاسم السلطة مع الحاكم، حتى وإن لم تؤهلهم قاعدتهم الجماهيرية إلى استحقاق أدنى مراتبها.. وبمثل هذه المزاجية التي يحلو لهم فيها توصيف الحوار بغير اسمه، إذا لم يرتضوا نتيجته، جاءت عبارات الفقيه التي حرص فيها على إبراز موهبته اللغوية في التلاعب بالألفاظ..

لقد قال الدكتور إنه (خلال التواصل بين المشترك والسلطة كان هناك طرفاً في السلطة يعارض بشدة ذلك التواصل)، مضيفاً: (إن الذي أسقط الاتفاق حول قانون الانتخابات ليس نفس الفريق الذي اتفق مع المشترك).. ولما أدرك أن هذا التلاعب اللفظي لا يحمل أية دلالة معقولة عاد ليعزو عدم عقلانيته إلى (اليمن) الذي أراد أن يقول أنه هو –وليس ذهن الفقيه- من يحتمل المتناقضات والعجائب غير المعقولة، مؤكداً بطريقة الأعمى الذي يرفض أن يعترف بأن ما يمنع عنه رؤية النور ليس عدم طلوع النهار، وإنما ذهاب بصره.. فيقول: (أنت في اليمن) ويضيف بذات التلاعب: (وهناك في السلطة منهم أقرب إلى المعارضة منهم إلى السلطة، في حين أن هناك في المعارضة من هم أقرب إلى السلطة منهم إلى المعارضة)!!.

ومرة أخرى.. فما بال الفقيه يعيد إنتاج لغطه وتناقضه؟!! ألم يكن في سياق سابق قد حصر السلطة في شخص الرئيس لوحده، وردد مقولة أن المؤتمر الشعبي العام ليس حاكماً؟! فهل يصح بعد هذا أن يتحدث عن طرف في السلطة اتفق مع المشترك، وعن طرف آخر أسقط هذا الاتفاق، في الوقت الذي يؤكد فيه واحدية السلطة في شخص الرئيس، نافياً أن يكون المؤتمر طرف فيها؟! ثم كيف يمكن لطرفين لا يحكمان أن يتفق أحدهما مع المعارضة ويلغي الآخر الاتفاق؟!

تمخض الجبل فولد فأراً!!

ثم نأتي إلى ما هو أغرب من كل ذلك، فالدكتور الفقيه يرى فيما يتحدث المشترك عن اللجوء إليه من الحوار مع الشارع، أو ما يسمى بـ(الحوار الوطني الشامل) (فكرة ممتازة)، (شريطة أن يكون آخر الكي، وألاَّ يتم اللجوء إليه إلا بعد التأكد من أن الآلية الانتخابية قد أغلقت تماماً) حسب ما يقول..

أما متى يمكن التأكد من أنها قد أغلقت فحين تبدأ لجان وزارة التربية والتعليم مباشرة عملها، كما يؤكد ولكن بعبارات أخرى من تلك التي يجيدها..

إذن فأستاذ العلوم السياسية يرى أنه لا بد من اللجوء إلى الكي والخروج إلى الشارع، ورغم تأكيده على أنه لم يتكون لديه حتى الآن تصور واضح حول الحوار الوطني الشامل الذي ينوي المشترك تنفيذه، إلا أنه يقول: (وبحكم تخصصي استطيع القول إن اللعبة السياسية خلال السنوات السابقة قد كانت أشبه ما تكون بمباراة كرة قدم بين فريقين، وسيكون الحوار الوطني الشامل أشبه بدعوة جماهير المتفرجين للنزول من المدرجات للمشاركة في اللعب)!!

وأخيراً تمخض الجبل فولد فأراً.. فها هو المفكر الرائد والمحلل السياسي، رغم إقراره بأنه لم يتكون لديه تصور واضح حول حوار المشترك مع الشارع، يصفه بالخوض في اللغط الذي تتداخل معه المواقف والأصوات والرؤى حدّ أن لا يستبين الشخص فيها رأسه من قدمه..

وإذا كان من الواضح أن نزول جماهير المتفرجين من المدرجات إلى الملعب للمشاركة في اللعب تعني، فيما تعني، إثارة الفوضى والانفلات والتدافع الذي لا يحمد عقباه، وبما يفسد جو اللعبة ويستبدل بنظام الملعب شريعة الغاب، فهل يقصد الدكتور الفقيه قياس حوار المشترك مع الشارع على هكذا لعب نظراً لتشارك اللعبتين في الأصل المقيس عليه والفرع المقيس في العلة الجامعة، وهي الفوضى والانفلات؟!

إن كان يعني ذلك فقد أصاب، وسيكون أكثر إصابة عندما يعي أن قيادات المشترك ينبغي أن يظلوا متفرجين، وأن لا يلقوا بلغطهم وانفلاتهم على الشارع، حتى لا تفسد اللعبة، تماماً كما هو القياس على صحة مباراة كرة القدم ببقاء جماهير المتفرجين على المدرجات وعدم مغادرتها!!