تفاصيل مروعة عن جريمة قتل فتاة في صنعاء 18شهيدا بغزة والاحتلال ينسف منازل بشمال القطاع وجنوبه ندوة حقوقية في مأرب تسلط الضوء على أوضاع المرأة اليمنية بعد انقلاب الحوثيين تحقيق 42 ألف مستفيد من خدمات الوحدة الصحية في القطاع العاشر بمخيم الجفينة تفاصيل حصيلة 3 أيام من الحرب و الاشتباكات في سوريا الكشف عن أكبر منجم جديد للذهب في العالم قد يقلب الموازين ويغير التاريخ عاجل: المليشيات الحوثية وتهدد بإعتقال مشائخ ووجهاء محافظة إب المعتصمين بدار سلم وتفرض حصارا بالاطقم المسلحة على مخيمات المعتصمين الباحث اليمني نجيب الشايع يحصل على درجة الدكتوراه بامتياز في مجال جراحة المخ والأعصاب الرئيس العليمي يصل الإمارات مليشيات الحوثي تواصل إرهاب الأهالي بمحافظة إب وتلجأ الى فرض الجبايات بالقوة والاكراه ومن يرفض يتم الاعتداء عليه
شهدت بداية الألفية بوادر تغير نوعي في مجال مصادر الطاقة العالمية؛ حيث برزت مؤشرات على حدوث تبدّل نسبي في المصادر المفضلة عالميًا للحصول على الطاقة. ويؤكد هذا التحول ما أشار إليه تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر في العام 2011 من أن العالم بدأ يدخل فيما أطلق عليه التقرير "عصر الغاز الذهبي"(1)
وكانت الوكالة نفسها قد توقعت في تقرير لها نُشر منتصف العقد الماضي أن يحل الغاز الطبيعي محل الفحم بحلول العام 2020 كثاني أكبر مصدر للطاقة الأولية في العالم بعد النفط، مستندةً في هذا التوقع إلى عدة اعتبارات موضوعية أبرزها الارتفاع المطّرد الذي أخذ يشهده الطلب على الغاز منذ مطلع الألفية الثانية، لاسيما من قبل اقتصادات الدول الآسيوية الصاعدة وبخاصة كلاً من الصين والهند.
وقد تعزز الحديث عن "العصر الذهبي للغاز" مع انطلاق ما يمكن تسميته بــ"ثورة الغاز الصخري" في الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما خلال العقد الأول من الألفية، حيث أثارت هذه الثورة شكوكًا حيال استقرار أسواق الغاز العالمية، ولا يزال الغموض يكتنف الآثار الجيوسياسية لـهذا العصر الذهبي، خاصة وأن تلك الآثار ترتبط بخصائص السوق كالعرض والطلب والتكلفة والسعر.
ونتيجة لثورة الغاز الصخري هذه، ينتاب المستثمرين حالة من الغموض والشكوك الكبيرة حول استثمارهم في إنتاج الغاز؛ فهل يستثمرون في هذه الصناعة؟ وهل يستثمرون في تشييد خطوط أنابيب جديدة أو بناء محطات ومستودعات لتخزين الغاز الطبيعي المسال وكذلك في بناء الناقلات العملاقة التي تستخدم في إيصاله إلى جميع أنحاء العالم؟ وهل يستثمرون في عقود إمداد طويلة الأجل... إلخ، وبالتالي قد تؤدي هذه الشكوك إلى تخفيض سقف الاستثمار مستقبلاً في صناعة الغاز.
وثمة عدة سيناريوهات حول المسار المستقبلي لهذا "العصر الذهبي" المرتقب للغاز. ففي حال استمرار ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية وامتدادها إلى دول أخرى، سيكون بوسع مستهلكي الطاقة توقع مستقبل زاهر يسيطر عليه الغاز الرخيص، ولكن في المقابل إذا ما انحسرت هذه الثورة في الولايات المتحدة الأميركية، وثبت أن هناك تضخيمًا لها، وتأكدت صعوبة استنساخها في دول أخرى من العالم، فسيكون من المتوقع حصول نقص كبير في إمدادات الغاز على المدى المتوسط.
في ضوء ما تقدم، يتناول هذا التقرير بالبحث أهم خصائص وتقنيات إنتاج الغاز الصخري، مروراً بعوامل نجاح ما يسمى بثورة الغاز الصخري في موطنها الأم "الولايات المتحدة الأمريكية"، وصولاً إلى انعكاساتها المتوقعة على الطلب العالمي على الطاقة، كما يُسلّط الضوء على الآثار المستقبلية لثورة الغاز الصخري على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتمد بشكل أساسي على تصدير موارد الطاقة في تحقيق إيرادات موازانة حكوماتها.
خصائص وتقنيات إنتاج الغاز الصخري
الغاز الصخري ( Shale Gas ) هو غاز طبيعي يتولد داخل الصخور التي تحتوي على النفط بفعل الحرارة والضغط، ويحتاج هذا الغاز إلى المزيد من المعالجة قبل تدفقه، ولهذا السبب يصنفه المختصون بأنه غاز غير تقليدي. وكما هي حال الغاز الطبيعي "التقليدي"؛ يكون الغاز الصخري إما جافًا أو غنيًا بالسوائل، ومنها الإيثان المفضل في صناعة البتروكيماويات.
ولتحرير الغاز الصخري لابد من القيام بعملية الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي على نطاق واسع وباستخدام الماء والرمل وذلك لتحقيق الحد الأمثل من اتصال السطح بمكامن الغاز من أجل المحافظة على زيادة المسامية.
وفي الوقت الراهن، فإن هذه التقنية المتطورة إلى حد كبير تتوافر في الولايات المتحدة الأميركية بشكل رئيس، وبمستويات أقل في كثير من دول العالم الأخرى لاسيما في أوربا.
وما يجب أخذه بعين الاعتبار في هذا الصدد، أن هذه التقنية تتطلب حقن كميات كبيرة من المياه المعالجة بمواد كيماوية، وبالتالي فلابد من التصرف بالمياه الناتجة والتي تُدفع إلى السطح، وهذا الأمر يثير القلق من احتمال تلويث المواد الكيماوية المستخدمة في استخراج الغاز الصخري مصادر المياه الجوفية، ما قد يشكّل عائقًا رئيسًا أمام تطوير هذه الصناعة مستقبلاً.
وتتسم معدلات إنتاج الغاز الصخري بتراجعها بنسب كبيرة خلال السنوات الأولى لبدء الإنتاج، حيث يكون أعلى معدل تراجع بعد السنة الأولى من الإنتاج ويصل إلى نحو 60% من أعلى مستوى للإنتاج، ثم يستمر في التراجع إلى أدنى مستوى له بعد سبع إلى تسع سنوات من بداية الإنتاج.
ومن شأن هذه الخصائص الطبيعية والإنتاجية للغاز الصخري أن ترفع من تكلفة إنتاجه؛ ما يؤدي إلى تخفيض ربحية الآبار المكتشفة منه.
ثورة الغاز الصخري وعوامل نجاحها في موطنها الأم
لقد أحدث اكتشاف وإنتاج الغاز الصخري ثورة في مجال صناعة الطاقة في العقد الأول من الألفية الثانية، خاصة مع اكتشاف احتياطات ضخمة منه في العديد من الدول.
فوفقًا لدراسة أعدتها مؤخرًا إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وغطت 41 دولة حول العالم، تبين أن الاحتياطات الأعلى من الغاز الصخري توجد في كل من: الصين بمعدل 1100 تريليون متر مكعب، تليها الأرجنتين بمعدل 802 تريليون متر مكعب؛ فالجزائر بمعدل 707 تريليون متر مكعب، ثم الولايات المتحدة الأميركية بمعدل 665 تريليون متر مكعب، وأخيرًا كندا بمعدل 573 تريليون متر مكعب.
وقد عززت هذه الاحتياطيات من الغاز الصخري بدء إنتاجه بكميات كبيرة نسبيًا في الولايات المتحدة خلال الأعوام القليلة الماضية. ومن مصطلح "العصر الذهبي للغاز"، إلى الحديث عن "ثورة الغاز الصخري" يقودنا ذلك إلى طرح التساؤل التالي: إلى أي مدى سيكون ممكنًا إعادة إنتاج تجرية ثورة الغاز الصخري التي انطلقت في الولايات المتحدة الأميركية والبدء باستخراج المخزون الطبيعي من هذا المنتج في أماكن أخرى من العالم؟
تبقى الإجابة على هذا التساؤل ليست بالبسيطة نظرًا لاختلاف الظروف التي رافقت حدوث تلك الطفرة في الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك الإطار التنظيمي الذي يدعم تطوير تقنية إنتاج الغاز الصخري وتلك المتاحة في دول أخرى؛ ما قد يؤدي إلى عرقلة إعادة تكرار التجربة الأميركية في مناطق أخرى من العالم.
يعود السبب الرئيس في نجاح تجربة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية إلى العديد من العوامل التي قد لا تتوفر في دول أخرى، وأهمها : العوامل الجيولوجية، والإعفاءات الضريبية، وتوافر الصناعات الخدمية النشطة.
لذا تبقى الشكوك قوية حيال إمكانية استنساخ مثل هذه الظروف المؤاتية خارج الولايات المتحدة الأميركية، لاسيما في دول أوربا الغربية التي لا تتمتع بإعفاءات ضريبية، كما أن صناعة الخدمات المتعلقة بالحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي متأخرة فيها إذا ما قارناها بتلك الموجودة في الولايات المتحدة الأميركية، عدا أن الظروف الجيولوجية فيها غير مساعدة كثيرًا.
كما أن ثمة عائقًا آخر؛ حيث يتعلق الأمر بالمعارضة الشعبية لأعمال التنقيب عن الغاز الصخري في الدول الأوروبية؛ وذلك لسببين رئيسين: الأول يتعلق بالأضرار البيئية، والثاني له علاقة بأن الحكومات هي من سيجني الفوائد من الاستثمار في صناعة الغاز الصخري وليس مالكي الأراضي كما هي الحال في الولايات المتحدة الأميركية. يضاف إلى ذلك الظروف ذات الصلة بالقوانين التنظيمية والضغوط التي تمارسها بعض المؤسسات غير الحكومية وبشكل خاص في القارة الأوروبية لمنع الشروع بعمليات استخراج الغاز الصخري نظرًا للأضرار البيئية المرافقة خاصة تلك التي تتعلق بالتلوث البيئي.
وخلافًا لما عليه الحال في الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بتقنيات (الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي)؛ تخضع هذه التقنيات الفنية في أوربا لتدقيق مكثف من قبل مؤسسات بحثية محلية للحد من تأثيراتها السلبية على البيئة؛ حيث تُبذل الجهود للتريث في أعمال الحفر ريثما يتم التوصل إلى نتائج دراسات الأثر البيئي السلبية نتيجة استخدام هذه التقنيات.
كما تعاني المناطق الأخرى خارج الولايات المتحدة - ومنها أوروبا- من شح المياه اللازمة لعملية الحفر لاستخراج الغاز الصخري، وعمق رواسبه، والافتقار إلى المهارات التقنية والفنية، وصعوبة تحديد المواقع الجغرافية للآبار.
كذلك، يتطلب الاستثمار في الغاز الطبيعي، تقليديًا كان أم صخريًا، عقودًا طويلة الأجل، إذا أُريد لهذا الاستثمار أن يكون مجديًا؛ إذ يتطلب أي مشروع استثماري في الغاز الطبيعي ضمانًا للإمدادات لضمان التشغيل بالطاقة الكاملة، وعليه تُعد العقود طويلة الأجل أفضل خيار لتحقيق ذلك.
وهذه العوامل مجتمعة ستؤدي بالنتيجة إلى رفع كلفة التنقيب عن الغاز الصخري "غير التقليدي" إذا ما تمت مقارنتها بنظيرتها المتعلقة بالغاز الطبيعي "التقليدي".
لقد أدى اجتماع عدد من العوامل إلى إعطاء دفعة قوية لتطوير موارد الغاز الصخري "غير التقليدي" في الولايات المتحدة الأميركية، كان من أهمها:
الخبرة الجيولوجية: حيث تتموضع مكامن الغاز غير التقليدية في كثير من الحالات فوق التموضعات التقليدية التي تم استكشاف الكثير منها على نطاق واسع مسبقًا، وهذا يساعد كثيرًا في تحديد أماكن الحفر. لقد حظيت الولايات المتحدة الأميركية طوال أكثر من قرن ونصف القرن من الزمن بخبرة كبيرة في الحفر لاستخراج موارد الطاقة الأولية من النفط والغاز الطبيعي، وهذا يمنحها السبق عند البحث عن مواضع الصخور التي تحتوي على الغاز.
قدَّم قانون ضريبة الأرباح غير المتوقعة من النفط الخام في العام 1980، تخفيضًا ضريبيًا بديلاً على إنتاج الوقود غير التقليدي، قدره 3 دولارات لكل وحدة حرارية بريطانية من برميل النفط، أي ما يعادل 53 سنتًا لكل 1000 قدم مكعب.(2)
التطورات التقنية في الحفر الأفقي والتكسير الهيدروليكي التي تمتلكها الشركات المختصة في الولايات المتحدة الأميركية.
تحرر عمليات استخراج الغاز غير التقليدي من التشريعات الملزمة والمقيدة على المستوى الفيدرالي وكذلك على مستوى الولاية نفسها.
وسبب ذلك هو أن التقنيات المستخدمة في استخراج الغاز الصخري تختلف عن تلك المستخدمة في العمليات التقليدية والتي هي ليست جزءًا من التشريعات القائمة. رغم ذلك تبقى مخاوف احتمالات تلوث المياه الجوفية قائمة نتيجة المواد الكيماوية المستخدمة في عملية التكسير الهيدروليكي.
إن احتمال صدور تشريع بيئي في الولايات المتحدة الأميركية أكثر تشددًا قد يعرقل بشكل كبير استخدام تقنية التكسير الهيدروليكي. ونظرًا لقوة التحركات الشعبية المناهضة للإضرار بالبيئة، فإن مسألة التلوث المحتمل للمياه الجوفية بدأت تخضع للدراسة، حيث تعتبر قضايا المياه الجوفية حساسة جدًا في الولايات المتحدة الأميركية، ويجري الآن قدرٌ كبير من البحوث لتقويم الأضرار المحتملة.
طبيعة حقوق ملكية باطن الأرض في الولايات المتحدة الأميركية؛ حيث إن هيدروكربونات باطن الأرض ملك لصاحبها، على عكس الحال في دول غرب أوروبا ودول أخرى من العالم، التي تعتبر هذه الملكية حقًا للدولة.
توفر صناعة خدمات دينامية وتنافسية قادرة على الاستجابة لمتطلبات المستثمرين في مجال صناعة الغاز الصخري.(3)
إنَّ عدم توفر الشروط أعلاه في دول أخرى من العالم قد يؤدي إلى إعاقة استنساخ ثورة الغاز الصخري الأميركية.
انعكاسات ثورة الغاز الصخري على الطلب العالمي على الطاقة
نظرًا إلى مخاوف المستثمرين المشار إليها أنفًا، فإن الاستثمار في إمدادات الغاز المستقبلية سيكون أقل من المطلوب في حال لم تنجح ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، أو على الأقل في حال لم تتقدم كثيرا.
فإذا واصلت ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية ازدهارها وتم استنساخها في أماكن أخرى من العالم، فلن يكون الانخفاض في هذا الاستثمار مؤثرًا بشكل كبير، وسيكون بمقدور المستهلكين التطلع إلى مستقبل وافر بكميات كبيرة جدًا من الغاز الطبيعي الرخيص وذلك مع قيام الغاز الطبيعي غير التقليدي بسد النقص.
وفي المقابل، إذا أخفقت ثورة الغاز الصخري في تلبية التوقعات المأمولة، فستواجه إمدادات الغاز في المدى المتوسط قيودًا كبيرة، وستتدخل الأسواق لتحل الإشكالية من خلال قاعدة العرض والطلب؛ حيث سيعمل ارتفاع الأسعار على إحياء الاستثمار في إنتاج الغاز التقليدي، ونظرًا لأن معظم مشروعات الغاز تتطلب مدد تسليم طويلة فقد تطول مدة مواجهة المستهلكين لارتفاع الأسعار.
كما أنه يمكن رصد إشكالية أخرى تتعلق بالاستثمار في الطاقة المتجددة لتوليد الكهرباء، وهذا يعكس الاتفاق حول التوجه العام للمجتمع الدولي نحو تحويل العالم إلى اقتصاد منخفض الكربون وذلك إذا ما أُريد السيطرة على التغيرات المناخية؛ وسيعزز هذا الأمر - بكل تأكيد- الشكوك حيال أسعار الكربون المستقبلية.
لقد ضاعفت المخاوف التي أثارتها ثورة الغاز الصخري شكوك المستثمرين؛ حيث من الممكن توفير مادة خام (الغاز الطبيعي) نظيفة نسبيًا وبسعر رخيص، وبالتالي سيكون من الصعوبة بمكان إيجاد مستثمرين لتسديد مبالغ مالية طائلة ثمنًا لمعدات باهظة الثمن بهدف الحد من انبعاثات الكربون.
إنّ الكثافة العالية للغاز الطبيعي المسال وتكاليف نقله المنخفضة "بحرًا"، تبقى دعامةً رئيسة لتجارة الغاز العالمية. عليه، تعتبر القدرة التنافسية من حيث التكلفة لهذا الغاز "المسال" - والتي تقل عن تكلفة غاز الأنابيب- وقدرته على الوصول إلى أسواق لم يكن الوصول إليها ممكنًا، فضلاً عن مرونته الكبرى في تعزيز أمن الإمدادات؛ عوامل رئيسة في جعله نموذج السلعة الأسرع نموًا والأكثر تداولاً في العالم (حالة قطر مثالاً).
تأثير الغاز الصخري على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي
حسب تقرير صدر في يونيو/حزيران 2013 عن مؤسسة "آسيا للاستثمار"، من الممكن أن يؤدي النمو في المعروض من الغاز الطبيعي في الأسواق الدولية إلى انخفاض في أسعار مصادر الطاقة التقليدية من الغاز والنفط على حد سواء، لكن ذلك لن يؤثر سلبًا وبشكل ملحوظ على الأسواق العالمية.(4)
وبالنظر إلى التطورات التكنولوجية المستخدمة في استخراج الغاز الطبيعي "التقليدي"، وانخفاض التكلفة وإمكانية انحسار الآثار البيئية السلبية؛ فمن المتوقع أن يتجاوز النمو في استهلاك الغاز التقليدي خلال العقدين المقبلين النمو في استهلاك النفط.
ودون أدنى شك، فإن الإمدادات الجديدة من الغاز الناجمة من استخراج الغاز الصخري ستؤثر بشكل سلبي على كبار مصدّري الغاز الطبيعي "التقليدي" في المنطقة كقَطر وإيران، وستؤدي إلى زيادة الضغط باتجاه انخفاض أسعار النفط.
إلا أنه من المرجح ألاَّ يتأثر الدور الرئيس للطاقة التقليدية من النفط والغاز على حد سواء في الاقتصاد العالمي خلال العقدين القادمين بسبب النمو المطرد في زيادة طلب الاقتصادات الناشئة، لاسيما الآسيوية منها (الصين والهند بشكل خاص)؛ ولن يكون بوسع دول القارة الآسيوية التحول بسهولة إلى مصادر الطاقة غير التقليدية كالغاز الصخري مثلاً أو تلك المتعلقة بالطاقة المتجددة (الرياح، وأمواج البحر، والطاقة الشمسية)، بل ستبقى تعتمد في نموها على مصادر الطاقة التقليدية، وذلك لأسباب تقنية تتعلق بمنصات المعالجة الموجودة في تلك الدول، وكذلك لأسباب تعود إلى نوعية ومكونات المادة الخام لموارد الطاقة التقليدية من النفط والغاز والتي تختلف خصائصها عن نظيراتها غير التقليدية.
وعلى صعيد اقتصاديات دول الخليج، تعد آسيا أكبر شريك تجاري لدول المنظومة الخليجية، ومن المتوقع أن تبقى المصدر الأول لنمو الطلب العالمي على موارد الطاقة التقليدية في العقود القادمة. تلك الموارد التي تعتبر بمثابة العمود الفقري لاقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي والمصدر الرئيس لدخلها الوطني.
وحسب تقرير الربع الثالث لعام 2013 الصادر عن مؤسسة "آسيا للاستثمار"، تستورد الدول الصاعدة اقتصاديًا في آسيا حاليًا ما نسبته 43% من صادرات دول الخليج من الطاقة بعد أن كانت نسبة مشترياتها من دول مجلس التعاون الخليجي في عام 1990 أي قبل نحو ربع قرن من الزمن، 15% فقط من مجموع صادرتها.
في السياق ذاته، وفي ما يخص الكتل الاقتصادية العالمية الكبرى (اليابان، وأوربا، والولايات المتحدة الأميركية)، فقد كانت مؤشرات عام 1990 تشير إلى أنها استوردت ما نسبته 45% من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي، بينما انخفضت حصة هذه الكتل مجتمعة إلى 23% فقط من مجموع صادرات دول الخليج بعد أكثر من عقدين من الزمن.
ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، لا سيما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على الاستفادة من احتياطاتها على نحو يمكّنها من أن تتحول من كونها المستورد الأول للنفط في العالم إلى مصدّر له في العام 2017، وأن تكون مكتفية ذاتيًا من منتجات الطاقة بحلول العام 2030.
أما من حيث التأثيرات غير المباشرة لثورة الغاز الصخري على اقتصاديات الدول الخليجية، فتجدر الإشارة إلى تحذيرات الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات التي وجهها إلى قطاع التصنيع في منطقة الشرق الأوسط عمومًا وفي منطقة الخليج بشكل خاص، من التداعيات التي قد يشهدها قطاع البتروكيماويات خاصة ما يتعلق بمستقبل قطاع الأسمدة؛ حيث يتوقع أن يتأثر قطاع الأسمدة في دول مجلس التعاون الخليجي سلبًا نتيجة لنمو إنتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، لما يتيحه ذلك من حصول المصانع الأمريكية على المواد الأولية الداخلة في تركيب الأسمدة مثل النتروجين والكبريت بأسعار منخفضة، والذي قد يعرّض الشركات المنتجة في منطقة الخليج إلى التراجع.
عليه، يمكن للشركات الخليجية ونظيراتها الآسيوية العاملة في مجال التنقيب، والتكرير، ونقل وتوزيع منتجات الطاقة كالفحم والنفط والغاز المسال الاستفادة من هذا الاتجاه العام من خلال العمل على بناء شراكات متميزة بين الطرفين.
وبالتالي، فإنه سيكون من المرجح كنتيجة لما تقدم أن تحتفظ دول الخليج بدورها المحوري، بوصفها الرائدة في المنطقة المصدرة للطاقة في العالم.
خاتمة
على الرغم من التوقعات الكبيرة بأن يُحدث الغاز الصخري "ثورة" في مجال الطاقة في حال إمكانية استنساخه في دول أخرى من العالم، فإن هذه التوقعات ربما تجد لها سقفًا محدودًا بالنظر إلى عوامل عديدة، أهمها:
ارتفاع تكلفة استخراج الغاز الصخري (غير التقليدي) مقارنة بنظيره الطبيعي التقليدي.
التوجه العام نحو إنشاء إطار تنظيمي أكثر صرامة لعملية التكسير الهيدروليكي المستخدمة في إنتاج الغاز الصخري نظرًا لما يرافق هذه العملية من أضرار بيئية خطيرة.
ازدياد الطلب الآسيوي على منتجات الطاقة التقليدية (النفط والغاز) بسبب النمو الاقتصادي المتسارع في العديد من دول هذه القارة.
إنّ كل ذلك سيكون –دون أدنى شك- عائقًا لعملية تغيير المشهد الراهن المستقر لخارطة الطاقة العالمية في المدى القريب.
وبافتراض ازدياد إنتاج النفط والغاز الصخريين في بعض الدول كالولايات المتحدة الأميركية وبعض دول أوربا الغربية مستقبلًا، فإنَّ لدول الخليج ميزة لا يمكن منافستها في هذا المجال، ألا وهي ميزة انخفاض تكلفة الإنتاج؛ حيث يبقى المحدد الرئيس للجدوى الاقتصادية لأي منتج في العالم هو تكلفة الإنتاج. فالتكلفة التقديرية لإنتاج النفط من المكامن الصخرية في الولايات المتحدة الأمريكية تترواح بين 50-75 دولارًا للبرميل الواحد، بينما لا تزيد تكلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط في منطقة الخليج عن الــ 15 دولارًا،(5) ويعود ذلك لأسباب عديدة أهمها قرب مخزون النفط من السطح.
وفي هذا الصدد، يُتوقع أن تكون صادرات دول مجلس التعاون الخليجي لمنتجات الطاقة التقليدية مستقرة إلى حد كبير خلال العقدين القادمين، بسبب ازدياد الطلب الآسيوي المتنامي، على الرغم من احتمال انخفاض هوامش أرباح تلك الدول نتيجة تناقص احتياجات الطاقة الخارجية المتأتية من دول مستهلكة أخرى.
من جهة أخرى، استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي اجتياز انعكاسات وآثار الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عصفت بالعديد من الدول العربية في إطار ما بات يُعرف بــ "ثورات الربيع العربي" خلال السنتين الماضيتين من خلال الزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي الذي تعتمد موازنته على أموال العائدات من تصدير موارد الطاقة من النفط والغاز، وذلك بضخها في مشروعات البنى التحتية والمنح والمساعدات الاجتماعية.
وسيكون ناجعًا أن تبدأ الشركات الخليجية الرائدة في صناعة النفط والغاز ومشتقاتهما، بالتفكير مليًا وعلى محمل الجد بدراسة إمكانية الاستثمار في إنتاج الغاز والنفط الصخريين في الولايات المتحدة الأميركية ومناطق أخرى من العالم، لاسيما أنها تمتلك الخبرات الواسعة التي تراكمت على مر العقود الماضية وتطورت بشكل كبير إلى أن أصبحت الشركات الخليجية العاملة في مجال الطاقة تصنف ضمن الشركات الرائدة عالميًا في هذا المجال.
وختامًا، يمكن القول: إنه سيكون لثورة الغاز الصخري انعاكاسات بدأت آثارها بالظهور في سوق الغاز العالمية؛ حيث زاد العرض من كميات الغاز الطبيعي ما أدى إلى انخفاض الأسعار، لكن تبقى القضايا المتعلقة بالمستقبل غير مؤكدة، كالكميات التي يمكن إنتاجها وتأثير ذلك -إيجابًا أو سلبًا –على مستويات الأسعار في السوق العالمية.
* د. جمال عبدالله، باحث متخصص في الشأن الخليجي