دموع باسندوة والحصانة بالعدالة الانتقالية
بقلم/ صحفي/محمد الخامري
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 4 أيام
الأربعاء 25 يناير-كانون الثاني 2012 07:12 م

قبل أن أتحدث عن سعادتي بما تم في البرلمان السبت الماضي، والتعديلات التي أدخلت على قانون الحصانة الذي كان يشكل فزاعة يمارسها البعض ضد علي عبدالله صالح من المنظمات الحقوقية والقوانين الدولية، أريد أن أعرج على الدموع الغالية التي سكبها رئيس حكومة الوفاق الوطني أمام أعضاء المجلس، والتي كانت اصدق دموع سكبها رجل ملء السمع والبصر.

بكى الكثير من الناس لبكاء باسندوة وضحك آخرون لايعرفون ما تعنيه تلك الدموع، ولو عرفوا لبكوا كثيرا، شدتني دموعه إلى التفكير فيما سيصير إليه البلد لو لم يتم إنجاح الحل السياسي ودخلت اليمن لاسمح الله في حرب أهلية، حينها أيقنت أن دموع الرجل كانت نبيلة وصادقة ورائعة بروعته، ورهافة قلبة، والأروع أيضا تجاوب أعضاء المجلس الذين منحوه الموافقة المطلقة لجميع الأعضاء باستثناء واحد (لا اعلم من هو) لكن ربما كان خارج القاعة.

وعودة إلى القانون الذي بموجبه غادر صالح اليمن، وبدأت عجلة العمل السياسي تدور، واستعاد الريال اليمني بعض النقاط أمام العملات الصعبة، وتحسنت مؤشرات التفاؤل في بورصة المنتديات اليومية لليمنيين "المقيل"، وأعلن عن ترشيح رئيس جديد لليمن بدلا عن الصالح الذي كنا والى عهد قريب لا نتصور أن يحكمنا غيره في اليمن بسبب قبضته الحديدية على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة، وإمساكه بخيوط اللعبة الدولية والمحلية، وبراعته في تفصيل الخارطة الديمغرافية والقبلية واللعب على المتناقضات وإجادة الرقص على رؤوس الثعابين كما كان يفاخر دائما، لكنها إرادة الشعب التي هي من إرادة الله عز وجل.

القانون الجديد أعطى حصانة كاملة للرئيس فقط عكس ماكان عليه قبل التعديل، حيث كان يعطي حصانة لكل أفراد نظامه، لكنها كانت حصانة هشة وغير صحيحة ويمكن نقضها بحكم محكمة قضائية أو بجلسة برلمان أو بغيرها من الأدوات القانونية والدستورية والقضائية، لكن الذي حصل مؤخراً ان الرئيس باعتباره لم يكن في يوم من الأيام فاعلا أصليا لشيء محدد فقد أعطيت له هذه الحصانة بالتوافق كمخرج سياسي وإنقاذا للبلاد من الدخول في حرب أهلية.

أما من عمل معه من أركان حكمه ونظامه في السلكين المدني والعسكري فإنهم سيتم محاسبتهم وفق مبادئ وقوانين العدالة الانتقالية والمصالحة الشاملة التي ستصدر قريبا من البرلمان، والتي من أهم بنودها وقيَمها أن لا احد محصّن ويجب فتح ملفات الجميع لكن الآلية تختلف، إذ لا تفتح الملفات أمام المحاكم والقضاء والأجهزة الأمنية، لكنها تفتح في إطار المركز الدولي للعدالة الانتقالية واللجان التي سيشكلها للتحقيق والاستقصاء حول كل ملف وكل قضية دون اللجوء إلى التشهير او المحاكمات او السجن او الإقصاء او غيرها من الأساليب المخيفة والمستهجنة في قيم وأخلاقيات ونهج العدالة الانتقالية..

وتقف العدالة الانتقالية على مسافة واحدة من الجميع.. من الظالم والمظلوم، من الجاني والمجني عليه، من القاتل والمقتول، لا تتحيز لطرف منهما مهما كانت الجرائم بشعة او الانتهاكات مروعة، فهي تعمل وفق هدف محدد وهو المصالحة الشاملة وبناء وضع جديد خال من الاحقاد والعقد السياسية والجنائية، وبالتالي لابد ان تكون صارمة في معالجة تلك القضايا وفق آلياتها المحددة سلفا بالقيَم الأخلاقية التي تكفل العدالة للجميع وفق مبدأ لا ضرر ولا ضرار.

تقوم بالتحقيق مع أفراد النظام المنتهكين للحقوق والمتهمين بالقتل، بل والقتلة أيضا والبلاطجة وكل من ثبت او تم الادعاء عليه بشيء، تقوم بالتحقيق معهم عبر لجان خاصة قد تكون يمنية وقد تكون غير يمنية، الأهم أنها تحقيقات شفافة غير مقبول فيها الكذب والتدليس لأنهم يريدون أن يخرجوهم الى طريق جديد، ولا يريدون إدانتهم وحبسهم او الاقتصاص منهم، وبالتالي فان أي مدان او متهم عندما يعرف انه لن يحبس ولن يُشهّر به ولن يقدم للمحاكمة ولن يُقتل او يُعدم ان كان قاتلا فانه سيكون صادقا ليجد المخرج الصحيح لإسقاط تلك التهم عنه وتغيير حياته والبدء بحياة جديدة..

بعد ذلك يذهبون الى الجانب الاخر وهم الضحايا، او أولياء الدم، او المنكوبون بسرقة أموالهم او أراضيهم او أي شيء آخر، ويقدمون لهم تفاصيل وافية عن اعترافات الجاني ومبرراته، وهنا تبدأ مرحلة التفاوض بين الطرفين عبر اللجان برد الممتلكات مثلا، او التعويضات ان كان الجاني يستطيع التعويض، وإذا لم يستطع هنا تتدخل آليات العدالة الانتقالية، فهناك استعداد لدى المركز وبعض الجهات والمنظمات الدولية، والدول الكبرى لدعم هذا التوجه وتمويل أي تعويضات يتم الرفع بها مقابل المصالحة الشاملة في البلاد، وإخراج اليمن إلى طريق جديد، بعيدا عن المناكفات والحساسيات والأحقاد والثارات، وبالتالي فان الشهداء سيعوضون بمبالغ كبيرة جدا يتم تمويلها من المجتمع الدولي، وستعاد الحقوق إلى أصحابها وفق هذه الالية التي تحمستُ لها كثيرا وناديتُ بها العدد الماضي، واحمد الله أن وافق دعوتي لها تعديلا لقانون الحصانة سيء الذكر، واستبداله بالقانون الجديد فنحن بحاجة الى يمن جديد خال من الانتقام والأحقاد والثارات ولن يكون هذا اليمن إلا بالعدالة الانتقالية، ويمكن لمن أحب أن يستزيد من معرفة هذه الالية قراءة ماعمله العملاق نيلسون مانديلا‏ في جنوب أفريقيا وقضائه على أعتى نظام عنصري عرفته البشرية..‏ هذا الرجل الذي استحق بجدارة أن يسمي عملاق القرنين‏..‏ العشرين والحادي والعشرين‏.‏.