إنهم ينفذون المبادرة «الإيرانية» وليس «الخليجية»
بقلم/ عادل الاحمدي
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين و يومين
الأحد 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 09:04 م

منذ بداية الجهود المتعلقة بتحقيق المبادرة الخليجية في اليمن التي قدمها قادة دول مجلس التعاون لمساعدة اليمنيين على انتقال سلس للسلطة يجنب البلاد تبعات الصراع (حفاظاً على أمن بلدانهم)..

منذ ذلك الحين بذل أصحاب المشروع الإيراني ووكلاؤهم في اليمن قصارى جهدهم لإفشال المبادرة الخليجية وحشد الرفض الشعبي ضدها، ذلك أنهم يجدون في الانتقال السلس للسلطة تفويتاً لمكاسب مؤكدة بالنسبة لهم، لأنه سيبقي على جيش البلد النظامي بشقيه المؤيد والمعارض للتغيير سليماً، الأمر الذي يُصعِّب المهمة على ميلشياتهم المسلحة، بل ويضع مستقبلها على كف عفريت حال استقامت الدولة على سوقها وسعت لبسط نفوذها على كل أراضيها.. كذلك سعوا بكل السبل لإفشالها لسبب ثانٍ يتمثل في ضرورة حرمان الجوار الخليجي من أن يكون صاحب فضل في مساعدة اليمن في ظرفها الانتقالي الصعب خصوصا وأن نجاح المبادرة هو انتصار غير مسبوق للدبلوماسية الخليجية بشكل عام والسعودية بشكل خاص.

وبعد مرور أشهر على طرح المبادرة الخليجية على طاولة اليمنيين باءت كل محاولات تحريض الساحات ضد المبادرة بالفشل، وبدأ وكلاء إيران بإتباع خطة جديدة مفادها إفشال المبادرة بحوادث أمنية وقلاقل تجرجر أطراف المبادرة للتمترس على هامش مواجهات بعيدة عن نطاق المركز وفشلوا أيضاً في ذلك فسعوا إلى تنفيذ الخيار الثالث وهو الأدهى بنظري، ويتمثل في جهد استثنائي لجعل محصول المبادرة الخليجية النهائي يصب في خانة المشروع الإيراني وتنفيذ ذلك بأدوات وطنية وليس بواسطة الأطراف العميلة التي تتبنى المشروع الإيراني جهرة وترى في المشروع اليمني تابوتاً لأحلامها العنصرية المتعفنة.

وعليه بدأ أصحاب هذا المشروع بتنفيذ الخطة الجديدة عن طريق إعادة التموضع والتغلغل في المكونات المعنية بإنجاح المبادرة الخليجية فتوزعوا فريقاً في المؤتمر وآخر في المشترك وثالث عند سفراء الدول الغربية والمنظمات الدولية ورابع بالقرب من دوائر القرار الملكي السعودي وخامس في هياكل وأطر تنفيذ المبادرة، ومارست جميع الفرق عملية تنويم مغناطيسي بالغة الدهاء لكل هذه الأطراف لتمرير شروط باردة في مقدماتها كارثية في عواقبها، مستغلين حالة الإرهاق والإعياء النفسي والذهني التي أصيبت بها الأطراف الوطنية، سواء المطالبة بالتغيير أو التي وقفت ضد التغيير بعد عام حافل بالتجاذبات والصراعات التي أرهقت الأعصاب واستنفدت من الفريقين "الوطنيين" حماس سنوات بأكملها.. فما إن دخلت المبادرة بتولي الرئيس هادي مقاليد السلطة الانتقالية بموجب انتخابات 21فبراير2012، طورها الثاني حتى كان المكون الوطني مقسماً بين طرفٍ منهك مربوك أمام تبعات الشراكة الجديدة.. مشغول بالاحتفال قبل أوانه. وطرف منهك أيضاً يترنح ويتحسس مواضع يديه وقدميه أملاً في أن يرد الصاع صاعين.. وبينهما طرف ثالث يمثله الرئيس هادي الذي أتقن دور "رئيس الفصل" الملتزم سراً وعلانية بتوجيهات أستاذه المشرف على تنفيذ المبادرة متعوذاً بالله من مجرد التفكير بالخروج عن نص هذه التوجيهات ولو قيد أنملة.

في الغضون نشطت مطابخ المبادرة الإيرانية في إنتاج كبسولات التنويم المغناطيسي لكل مكونات العمل الوطني وكذا إفساح الطريق نظرياً وعملياً أمام جعل مخرجات المبادرة الخليجية تصب في صالح المشروع الإيراني فكانت أسماء العديد من أعضاء لجنة الحوار هي أولى نتائج هذا المجهود ثم كانت العشرين النقطة المشؤومة هي ثاني هذه الثمار بعد أن تم تمريرها وإقراراها بأدوات وطنية إلى جانب أدوات عميلة للمشروع الإيراني.. وصولاً إلى إقرار المناصفة في التمثيل على أساس (شمال وجنوب) هذا الإقرار الذي لم يكن يحلم به أكثر الانفصاليين تفاؤلاً.. والذي مثل إلى جانب الـ20 النقطة، أرضية اعتراف كافية يتسلح بها أصحاب المطالب الانفصالية ويحاججون بها الأطر الدولية والمكونات الشعبية العريضة في جنوب اليمن وشماله الرافضة لمطلب التمزيق.

والمقصود ليس الاعتراض على إعطاء أبناء المحافظات الجنوبية 50%، بل الاعتراض على مبدأ الشطرية وإلا فليعطوا أبناء تلك المحافظات ولو 80% على أساس أنهم كفاءات يمنية وليس على أساس أنهم بيادق جهوية في معادلة (شمال جنوب).

وسلسلة الثمار هذه يُراد لها أن تكون لامتناهية من الهزليات، فمثلاً يُراد أن تصبح الفيدرالية إحدى منتجات مؤتمر الحوار يتم إقراراها عبر مكونات وحدوية أصيلة تعتبر قبول بعض الانفصاليين بالفيدرالية إنجازاً عظيماً وتعمى أو تتعامى عن أن الفيدرالية وفقاً لظروف الحالة اليمنية تعد تمهيداً أكيداً للتمزيق وإقراراً بعجز المشروع الوطني عن استيعاب التنوع، والفيدرالية في محصلتها البسيطة تفضي لإعطاء صبغة دستورية على سيطرة الحوثي على المناطق التي توسع فيها بقوة السلاح كما تتيح مناخاً تناحرياً وماراثوناً تنافسياً تتهافت فيه نفايات التاريخ المسرطنة على الإسراع باليمن إلى التمزيق بعد أن تكون الفيدرالية أتاحت مواطئ قدم لهذه النفايات للتخريب من الداخل، والشرح يطول وموضوع عدم صلاحية التقسيم الفيدرالي للواقع اليمني موضوع عميق وطويل، نناقشه بإذن الله في تناولات لاحقة، إذ لا يتسع المجال لذكره في هذا الحيز.

إزاء ذلك يتفرج الشعب بإنصات منتظراً إلى أين سوف تقود السياسيين عقولُهم. واضعاً كافة القوى المنخرطة في العملية التحضيرية للحوار في محك الاختبار واثقاً من قدرته على قلب الطاولة في التوقيت المناسب.

أكاد أجزم أنه لم يتناهَ إلى مسامع النخبة السياسية الجذلى بالعملية الحوارية أن الشعب ممثلاً بقواه الشبابية الحية المرتبطة بأحلامه لا بأحزابه.. يرون إن إعطاء مؤتمر الحوار خاصية التشريع لملامح اليمن الجديد من دستور وشكل دولة وخلافه، هو خيانة للشعب وسرقة لأهم حقوقه وهو حق التشريع وسن الدستور الذي هو لب الديمقراطية وجوهرها. إذ لا يوجد أية صفة قانونية أو شرعية تخول المشاركين في مؤتمر الحوار سن دستور جديد والبت في أمور مصيرية كشكل الدولة وشكل النظام، فهم ليسوا منتخبين من قبل الشعب بقدر كونهم ممثلين لقوى سياسية مفترَضة الحضور بعضها لا يمتلك أية مؤهلات وطنية غير امتلاكه السلاح وقد تأتي أولى انتخابات حقيقية بعد ثورة الشعب لتفاجئ هؤلاء جميعاً أن أحجامهم الشعبية ليست كما كانوا يعتقدون وبالتالي أية شرعية لقوى مجهولة الوزن بعضها مفروض بقوة السلاح وبعضها مفروض بقوة الخارج ليسُنَّ هؤلاء دستور البلد ويرسمون معالمه؟!

وبالقرب من التساؤل السابق يتربع تساؤل شبيه به على ناصية العقول السليمة: كيف يتواطأ فرقاء الداخل وسفراء الخارج على إلغاء الديمقراطية وسرقة الشعب أهم حق من حقوقه المنصوص عليها.. وهم جميعاً يتشدقون بالديمقراطية ليل نهار ويحركون الأساطيل من بحر إلى خليج إلى محيط لحماية حق الشعوب في تقرير مصيرها وها هم جميعاً يرهنون الحق الأبرز للشعب اليمني بيد شلة سياسية ثلثها آثم وثلثها دائخ والثلث الثالث عدو مبين؟!

يفترض أن تكون مهمة القيادة الانتقالية إعادة الأمن ووضع الأسس السليمة لعملية تنافسية انتخابية حرة ونريهة في 2014 ينتج عنها ممثلون لهذا الشعب يعدلون دستوره أو يصوغونه من جديد أو يبقون عليه كما هو.. ممثلون عن الشعب يشرعون للشعب نيابة عن الشعب بإلهام من عقيدة الشعب ورؤاه، وليس ممثلين عن أحزاب المبادرة وسفراء الدول العشر وميليشيات الكهنوت ونفايات التاريخ القابعة في فنادق القاهرة وبيروت وأسمرة الساعية لتمزيق اليمن.

لا شيء يجبر الشعب اليمني على أن يفرط في أهم حق من حقوقه وهو التشريع ورسم معالم المستقبل. ولن يقيم الشعب وزناً لمن يراهم اليوم بأم عينيه، يتبولون في حياض الثابت المقدس سواء كان وحدته أو حريته أو نظامه الجمهوري كخلاصة لنضاله الطويل في سبيل اللحاق بعجلة الحياة.

ويقيني أن نخبتنا السياسية ستسمع بمشيئة الله، من الآن فصاعداً، من أفواه الشعب، كلاماً جامعاً مانعاً يعكس وعيه بحقوقه وتمسكه بمكتسباته وثوابته التي دفع مراراً ثمنها غالياً.. وبكل سخاء.

نخبتنا السياسية اليوم بمؤتمرها ومشتركها، يمينها ويسارها، تبذل جهوداً جبارة لإرضاء نفايات التاريخ الفاشلة التي يُعاد تصنيعها اليوم لتكون أدوات بديلة أكثر قابلية للطرق والسحب.

هذه النفايات التاريخية تنوء بحمولة ثقيلة من الأحقاد، وبسجل حافل من الخيانات، وبأرصدة متضخمة من أوراق البنكنوت.. وأحقادها ليست موجهة ضد خصومها السياسيين بل ضد الشعب الذي عرقل مخططاتها البائسة في أكثر من منعطف.. والدليل أنك ترى هؤلاء الخصوم والفرقاء يرتصون في طابور واحد، وينتقلون من خانة العداوة إلى خانة التحالف بكل سلاسة، ومن اليمين إلى اليسار، ومن موسكو إلى واشنطن، ومن الرياض إلى طهران، بمهارة بهلوانية فائقة، دونما جلبة أو ضجيج، جراء تعاملهم الذكي مع عامل الوقت وعامل الإعلام ومهارات التنويم المغناطيسي التي يجيدونها بكل اقتدار.

ولمن يقرأون بواطن الأمور فإن المشروع التمزيقي الطائفي في شمال اليمن وجنوبه يقوده منتمون لذات السلالة بل هو مشروع عائلي عريض يشمل الجزيرة العربية بأكملها كتكفير من قوى متعددة عن حالة الخذلان التي نتجت عن مراسلات (الحسين - مكماهون 1915-1916)، مع اقتراب الذكرى المئوية لهذه المراسلات ولنا على سبيل المثال أن نرى كيف أن "السيد" خالد مشعل قطف ثمرة البرنامج الوثائقي في قناة "الجزيرة" الخاص بعملية استهدافه من الموساد الصهيوني وثمرة صمود عزة في عدوان الأيام السبعة الأخيرة ووضعها في سلة إيران بمجرد كلمات.. وحديثاً قالوا: "إذا عُرف "النسب" بطل العجب".

لا أعتقد أن القوى الإسلامية والقومية الحية سيكونون فريسة سهلة في فخ المخطط الكبير ليكونوا مجرد أداة انتقالية يتم إفشالها قبيل وضعها في متحف التاريخ مغضوباً عليها مستنفدة فرصها.. كما هو مخطط لها من قبل القوى التي فاجأها الربيع العربي فسعت جاهدة للتموضع في مربعات متقدمة للتحكم بمخرجاته عبر خطة يحسبون أنها مضمونة النتائج.

ولا أعتقد أبداً أن الحل الذي يفرض نفسه أمام الرئيس عبدربه منصور هادي في حماية حق الشعب وتفويت محاولة إلغاء الديمقراطية وسرقة الحق الشعبي الأبرز المتمثل في التشريع.. لا أعتقد أن الحل يكمن في إلغاء مؤتمر الحوار بل في وضعه في إطاره التاريخي الصحيح ليكون ورشة عمل وطنية كبرى تشير ولا تشرِّع.. تنير ولا تسن.. تثري ولا تُلزم.. بحيث يأتي المجلس التشريعي الجديد المنبثق عن إرادة الشعب ليستأنس بمخرجات مؤتمر الحوار، وأثناء ذلك يتم إحراز معالجات عملية ملموسة في ملفي الجنوب وصعدة، ومن تمام الفائدة، من وجهة نظري، الاستغناء عن تزامن الانتخابات النيابية مع الرئاسية، بحيث يتم تأخير الرئاسية لتتم لاحقاً وفق معايير ومهام حددها المجموع التشريعي المنبثق عن الانتخابات النيابية.

عدا ذلك فإن الشعب الذي أزاح الرئيس علي عبدالله صالح بكل قواته وسلطاته وهيلمانه وأقصاه عن الحكم قادر ولاشك، على وضع الرئيس عبدربه منصور هادي وقادة الأحزاب في قفص المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى والتفريط الجسيم بمكتسبات الشعب التي ثار من أجلها مراراً وقدم في سبيلها أزكى التضحيات.