شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا أميركا تطلب من عُمان طرد الحوثيين من أراضيها مؤشرات على اقتراب ساعة الخلاص واسقاط الإنقلاب في اليمن.. القوات المسلحة تعلن الجاهزية وحديث عن دعم لتحرير الحديدة تعرف على ترتيب رونالدو في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم
إن أردنا أن نرصد البداية الحقيقية للتمرد الحوثي في اليمن بشكل موضوعي لا بد أن نعود إلى لحظات انتصار الثورة الإيرانية عام 1979م التي جاءت بأول قيادة دينية لبلد إسلامي في القرن العشرين فأحيت بالتالي آمال كثير من التيارات والحركات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها الفكرية وانتماءاتها المذهبية وأساليبها الحركية والتنظيمية في مختلف أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي... ورغم التأييد الشعبي الإسلامي خلال الأشهر الأولى في كل مكان للثورة التي قامت ضد حكم الشاه الاستبدادي، فإن هذا التأييد أخذ يتراجع شيئا فشيئا بعد بروز الانتماء المذهبي للثورة وطموحاتها المعلنة بتصدير تجربتها لكل المنطقة المحيطة بها وتعاطفها المعلن مع كل ما هو شيعي في المنطقة بالدرجة الأولى، الأمر الذي جعل العواطف الشعبية المتأججة معها تخمد وتنطفئ، بل تحولت في أحايين كثيرة إلى قلق واضح من شعوب المنطقة ذات الانتماء السني على أوضاعها في بلدانها.
لا يوجد في اليمن شيعة اثنا عشرية بالتأكيد لكن فكرة مجيء (إمام دين ومذهب) على رأس الحكم في بلد مسلم ألهبت مشاعر المتعصبين من بقايا عهود الإمامة الذين أذعنوا عن غير قناعة للنظام الجمهوري الذي كان عمره في ذلك الحين سبعة عشر عاما فقط، وأحيت لديهم الآمال بإمكانية عودتهم مجددا للحكم، مدركين أن بإمكانهم فتح خط للحوار مع قيادات الثورة الإيرانية من ناحية واستلهام تجربتها السياسية من ناحية أخرى، بمعنى أنه بالإمكان إقامة نظام إمامي جديد بغطاء جمهوري بعيدا عن أسرة حميد الدين التي كانت تحكم اليمن حتى عام 1962م لإدراكهم أن عودتها لن تكون مقبولة من الشعب اليمني... ويمكن القول إن هذه الطموحات خمدت وظلت تعمل كالجمار المتوقدة تحت الرماد وذلك بسبب مساندة حكم الرئيس علي عبد الله صالح في شمال اليمن حينها بصورة معلنة للعراق في حربه ضد إيران التي استمرت حتى عام 1988م، إذ لم يكن من الممكن إبداء أي طرف يمني تعاطفا مع إيران... وما هي إلا عامين فقط بعد نهاية تلك الحرب حتى توحد شطرا اليمن في 22 أيار (مايو) 1990م وقام نظام سياسي ديمقراطي تعددي يقف على رأسه قيادة وحكومة مكونة من الحزبين اللذين كانا يحكمان شطري اليمن قبل الوحدة، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن النظام اليساري الذي كان يحكم جنوب اليمن قبل الوحدة كان يقف إلى جانب إيران في حربها ضد العراق، بمعنى أن هناك طرفا سياسيا مؤثرا ومؤيدا لإيران أصبح يتقاسم الحكم في اليمن الموحد، وهو ما أدى إلى قيام تحالف قوي بين هذا الطرف (الحزب الاشتراكي اليمني) وبين الأحزاب التي نشأت على أساس زيدي مذهبي كحزب الحق وهو تحالف استمر أثناء وجود النظام الاشتراكي في الحكم وتعمق منذ خروجه من الحكم وحتى الآن.
مع نشأة التعددية السياسية والحزبية وجد تيار المذهبية الزيدية (الهادوية) متنفسا للتعبير عن نفسه وتأسيس نشاط سياسي تعليمي تربوي في آن واحد عبر عدة واجهات، ويمكن القول إن هذا التيار استفاد كثيرا في بداية نشأته من أساليب النشاط التنظيمي والسياسي لحركة الإخوان المسلمين اليمنية التي أعلنت عن نفسها بعد الوحدة باسم (التجمع اليمني للإصلاح) وهي من الناحية الفكرية والسياسية والمذهبية تقف على النقيض من تيار الهادوية السياسية الذي كان ولازال يبدي إعجابا شديدا بالثورة الإيرانية تجربة وحكما، لكن هذا الإعجاب والتأثر تحول بنسبة كبيرة إلى تجربة (حزب الله) اللبناني من جميع جوانبها السياسية والتنظيمية دون التأثر بالجانب المذهبي الاثني عشري... وفيما تأسس حزب الحق عام 1990 كواجهة سياسية تنظيمية لهذا التيار بقيادة تاريخية يتصدرها اثنان من كبار علماء صعدة، فقد تأسست لاحقا جماعة (الشباب المؤمن) كتيار تعليمي تربوي معني بتدريس المذهب الهادوي في الحلقات المسجدية والمراكز التعليمية، وقد كانت محافظة صعده في الحالتين هي موطن نشاط حزب الحق وتيار الشباب المؤمن باعتبارها المحافظة اليمنية الوحيدة التي ظلت شبه مغلقة على أتباع المذهب الهادوي لعدة أسباب، منها أنها كانت منطلق دعوة الإمام الهادي قبل ألف ومائتي عام، وأنها كانت المكان الذي تنزوي فيه الدعوة الهادوية عبر التاريخ إذا خرج حكم اليمن من يد الأئمة، وأنها كانت أقل محافظة شهدت عملية اندماج اجتماعي بعد الثورة، كما أن تنظيمات سياسية ودينية حيوية كالإخوان المسلمين والسلفيين والبعثيين والناصريين لم تستطع أن تصنع لنفسها قاعدة سياسية وتنظيمية تذكر منذ الثورة وحتى الآن... ولم يحظ حزب الحق بتمثيل في مجلس النواب عام 1993م إلا عبر هذه المحافظة بينما فشل في بقية المحافظات التي تصنف جغرافيا بأنها محافظات هادوية، ولم يستطع الحزب أن يحقق نجاحا في العمليتين الانتخابيتين اللتين جرتا في عامي 1997، 2003 لكن عددا من الشخصيات المقربة منه فازت في صعدة فقط إما كمستقلة وإما ضمن قائمة الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام مثل مؤسس الحركة الحوثية (حسين بدر الدين الحوثي) في عام 1997 وأخيه (يحيى بدر الدين الحوثي) في عام 2003م.
وككل مذهب أو تيار فكري لا بد أن يظهر بداخله عناصر ترغب في إحداث حركة تجديد بغرض الحفاظ عليه من ناحية وتوسيع تأثيره وانتشاره من ناحية أخرى، وفيما يخص المذهب الهادوي فقد برز في صفوفه عدد من الشباب الذين أدركوا المأزق الذي يعيشه في ظل التغيرات الهائلة الحاصلة في اليمن والعالم من حوله، واتجه هؤلاء لإنشاء تيار الشباب المؤمن كحركة تعليمية تربوية تعمل على إحداث حراك فكري وفقهي داخل المذهب المتجمد منذ قرون حظيت بدعم مالي محدود من الدولة (ألفي دولار شهريا) بغرض تشجيع هذا التيار ومساندته في عملية إخراج صعدة من عزلتها والمذهب من مأزقه، لكن هذه الحركة التجديدية سرعان ما واجهت معارضة من داخلها انتهت بانقسام في صفوفها يقوده حسين بدر الدين الحوثي في أواخر التسعينيات يرفض المساس بأهم مبدأين ميزا المذهب الهادوي عن غيره من المذاهب وهما مبدأ حصر حق الحكم في البطنين (ذرية الحسن والحسين رضي الله عنهما) ومبدأ (الخروج على الظالم بالقوة)... وبموجب المبدأين بدأت خلايا التمرد في التشكل شيئا فشيئا في غفلة من الدولة التي لم يدر بخلدها لحظة واحدة أن هناك من يمكن أن يقود تمردا بغرض استعادة ما يعتبره حقا شرعيا له في الحكم، رافعا راية الخروج على الظالم بالقوة متأثرا بتجربة الثورة الإيرانية وحزب الله في العمل السياسي... وللحديث بقية...