اليمن وغسيل الأموال
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 26 يوماً
الخميس 19 يوليو-تموز 2007 12:16 م

عندما وصل الرئيس علي عبد الله صالح الى الحكم في نهاية 1978م ، كان الاقتصاد اليمني في قمة ازدهاره ، حيث كانت معدلات النمو التي تتحقق تفوق المخطط لها ، ولاسيما ما حققته الخطة الخمسية الأولى في ظل حكم الرئيس اليمني الراحل إبراهيم الحمدي من معدل نمو وصل الى 7% ، بينما كان المخطط هو 6% ، وهكذا كانت الأوضاع الاقتصادية تسير من حسن الى أحسن ، بما في ذلك ارتفاع متوسط دخل الفرد السنوي الى ما يقرب من 700دولار وثبات قيمة العملة وتوسع الاستثمارات وتحسن الخدمات التعليمية وارتفاع مساهمة الجهود الشعبية في العملية التنموية من خلال الحركة التعاونية ، ولكن عندما بدأ الفساد يبسط ذراعيه بدأت الأوضاع الاقتصادية تسوء وبدأ الاقتصاد اليمني يتعرض لهزات سياسية ومنها إقصاء المخططين والموظفين المخلصين وإلغاء التخطيط العلمي للاقتصاد وتعريض الحركة التعاونية للإصابة بالشلل، ولم يأتي عام 1985 م من القرن الماضي إلا ومؤشرات الانهيار للوضع الاقتصادي قد بدأت.

وتؤكد الأرقام التي تواصل الصحافة الوطنية نشرها اليوم وبصورة مستمرة بأن الاقتصاد اليمني يعاني من آفة الفساد بمختلف مسمياته كالتهريب وتجارة المخدرات وغسيل الأموال وانتشار الرشوة والاختلاسات المالية والرشوة ونهب موارد الدولة من عائدات النفط .

وقد أثبتت دراسات علمية بأن مابين 70 إلي 80 % من السلع المستوردة في السوق اليمنية بما فيها سلع خطيرة كالأغذية والأدوية تهرب عبر منافذ متعددة وبعض هذه السلع يصل الى المستهلك وقد فقد قيمته ، ولاسيما الأغذية التي انتهت صلاحيتها والأدوية التي تتسبب في الكثير من الأمراض للمتعاطين لها .

 وكانت الحكومة الأمريكية قد وجهت انتقادات شديدة للحكومة اليمنية بسبب تقصيرها الواضح في عملية مكافحة غسيل الأموال، وقالت مصادر 'الصحوة نت' بأن وزارة الخزانة الأمريكية طالبت الحكومة اليمنية بتوضيح أسباب عدم تفعيل الوحدات المعنية بمكافحة غسيل الأموال وخاصة وحدة جمع المعلومات التي تفتقر لقاعدة معلوماتية، كما وجهت وزارة الخزانة عدداً من الاستفسارات المتعلقة بنفس الموضوع مطالبة الحكومة اليمنية بسرعة الرد عليها.

وأضافت المصادر بأن محافظ البنك المركزي اليمني أعد ردوداً على استفسارات الحكومة الأمريكية تضمنت مغالطات كبيرة وأكاذيب فاضحة، منوهة الى أن رئيس الوزراء وعدداً من الوزراء أبدوا استياءهم الشديد من ردود البنك المركزي خلال مناقشتهم لها في اجتماع الحكومة المنعقد مطلع شهر مايو الماضي ، خاصة المعلومات الخاطئة التي تضمنتها ردود محافظ البنك والتي أكد فيها بأن البرلمان لازال يناقش عدداً من القوانين المتعلقة بغسيل الأموال ، بينما البرلمان قد أقر هذه القوانين وصدرت بها قرارات جمهورية.

وجاءت هذه الانتقادات والتساؤلات الأمريكية بشأن قضية غسيل الأموال بعد أن كشفت العديد من التقارير المحلية والدولية الكثير من جوانب الفساد والاختلاسات في عدد من القطاعات الحكومية الهامة خاصة قطاع النفط والقطاعات الإرادية الأخرى إلى جانب اتهام عدد من المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة لليمن بالاتجار بالمخدرات وتهريب الأسلحة إلى جمهورية الصومال وعدد من الدول المجاورة .

 ويؤكد العديد من خبراء الاقتصاد وعدد من نواب المعارضة أن سوء الإدارة والفساد السياسي والاقتصادي والعشوائية وعدم الدقة في تنفيذ الخطط الخمسية والبرامج الاستثمارية في عدد من المجالات الاقتصادية هي السبب الرئيسي في تدني الإنتاج في عدد من القطاعات الاقتصادية .

 يذكر بأن مجلس النواب ناقش في مطلع الأسبوع الحالي تقريرا أعدته لجنة الزراعة والأسماك حول مستوى تنفيذ الخطة الخمسية الثانية والبرامج الاستثمارية للعام 2001- 2005م فيما يتعلق بالثروة السمكية.

وقال النائب عبد الكريم شيبان أن إيرادات ميزانية الدولة من عائدات الثروة السمكية لا تمثل سوى ربع الواحد في المئة, وتأثيرها على الناتج القومي المحلي لا يقارن بإمكانياتها مرجعا ذلك إلى مجموعة من الأسباب, وفي مقدمتها سوء الإدارة وسوء تنظيم الإصطياد وتسريح الكوادر المتخصصة وتجميدها , وكذا إهمال وإتلاف التكوينات الرأسمالية, وعدم تشجيع الصيادين والمستثمرين, بالإضافة إلى تعطيل مركز الأبحاث في القطاع السمكي.

يشار الى أن تقرير وزارة الزراعة أكد تدني مستوى تنفيذ الخطة الخمسية في جانب القطاع السمكي, وعدم وضوح كمية المخزون من الثروة السمكية الذي تمتلكه اليمن, وغياب الدقة في رصد المخصصات للقطاع السمكي .

 الجدير بالإشارة أن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة كشف في تقرير له مؤخرا عن اختلال جسيمة وإهدار لمئات الملايين من الريالات والإضرار بالمال العام في فرع شركة النفط بمحافظة تعز، وكذلك اختفاء كميات من (البنزين) والمشتقات النفطية من المستودعات.

 وطالب الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في تقرير صدر مؤخراً بضرورة مساءلة المختصين بالشركة الذين قاموا بارتكاب تلك المخالفات!.

 

 وعن نتائج الفحص المستندي لحسابات فرع شركة النفط بتعز كشف التقرير عن'ظهور انخفاضات في مستودعات المواد البترولية بمنشأة سد الحبيلين لمادتي (السولار) و(البنزين) للأعوام 2004-2005-2006م وعدم قيام إدارة فرع الشركة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لبحث أسباب ظهور العجز الذي قدر بمبلغ وقدره (31.021.640) ريال.

ومن خلال الفحص والمراجعة من قبل الجهاز المركزي للرقابة لحساب المدينين لوحظ قيام فرع الشركة بتقييد مبالغ بالزيادة عن ما هو مستحق للمتعهد توفيق عبد الرحيم وبشكل مخالف للتعليمات الإدارية العامة للشركة وبالمخالفة لقرار وزيري المالية والنقل والشئون البحرية، الأمر الذي أدى إلى تكبد الشركة خسائر كبيرة وتعرض المال العام لأضرار كبيرة وعلى سبيل الذكر تم صرف مبلغ (155.176.104) ريال زيادة للمتعهد توفيق عبد الرحيم عن ما هو مستحق له مقابل أجور نقل حيث تم احتساب فئة أجور النقل للبرميل 280 ريال بغض النظر عن المسافة بالمخالفة لقرار وزير المالية ووزير النقل والوارد إلى الإدارة العامة برقم (305) وتاريخ 20/7/2005م والذي يحدد فيه فئات أجور النقل بمبلغ (0.87) للبرميل/ كيلو، وقد اعتبر الجهاز المبلغ المصروف إضراراً بالمال العام.

وكشف تقرير الجهاز للرقابة والمحاسبة صرف الشركة لملايين الريالات بدون وجه حق ، حيث تم صرف مبلغ وقدره (13.904.233) ريال للمتعهد توفيق عبد الرحيم بالزيادة عما هو مستحق مقابل أجور نقل مادة السولار المورد لمؤسسة الكهرباء لشهري إبريل ومايو2006م و طالب الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة باستعادة كافة المبالغ التي تم صرفها بدون وجه حق ومساءلة المختصين الذين قاموا بإصدار التعليمات المخالفة.

كما تحدث التقرير عن قيام إدارة فرع شركة النفط بمنح تسهيلات كبيرة لتوفيق عبد الرحيم وبموجب توجيهات وزير النفط بتاريخ 26/7/2004م والمتضمنة منحه تسهيلاً لمدة خمسة وأربعين يوماً دون وجود أي ضمانات مالية تضمن استردادها وقد خالف فرع الشركة التعليمات الواردة من الإدارة العامة برقم (962) بتاريخ 17/5/2006م والمتضمنة توجيهات وزير النفط عطفاً على توجيهات رئيس الجمهورية بالبيع نقداً إلا أن الجهاز وجد ارتفاعاً كبيراً للتسهيلات الممنوحة لتوفيق عبد الرحيم خلال أشهر وعدم تصفية هذه التسهيلات التي وصلت في بعض الأشهر إلى نسبة 45 %- 50% من إجمالي بيع فرع الشركة ، إضافة إلى عدم سداد المذكور للمديونية عليه حتى 31/12/2006م والبالغ قيمتها (238.180.009) ريال مما يعد إضراراً بالمال العام وتعريضه للمخاطر نتيجة هذه التصرفات.

وأضاف التقرير أنه عندما ناقش المختصون هذه المخالفات كان الرد من قبلهم بأن التسهيل الممنوح للمذكور تم بموجب توجيهات من السلطات العليا، واعتبر الجهاز بأن هذا الرد سلبي كون التوجيهات صريحة حول عملية البيع نقداً إضافة إلى أن المديونية لا زالت قائمة على المذكور ولم يتم سدادها حتى 28/2/2007م حيث بلغت في ذلك التاريخ مبلغ (318.559.109) ريال، ما يعد إضراراً واضحاً بالمال العام وقد طالب الجهاز بمساءلة المختصين في الشركة والمسئولين عن منح هذه التسهيلات للمذكور، وإعادة النظر في التعامل معه حتى يتم سداد المديونية التي عليه.

 

 يذكر بان الشركة تكبدت خسارة وقدرها (109.149.948) ريالا بسبب منح المتعهد توفيق عبد الرحيم تسهيلات خدمية ومالية بموجب توجيهات عليا ً.

وعلى صعيد العمولات ، تبين للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الإضرار بالمال العام بمبلغ وقدره (47.494.224) ريالاً نتيجة لقيام فرع الشركة باحتساب عمولة للمتعهد توفيق عبد الرحيم عن كميات السولار المنقولة بواسطته لمؤسسة الكهرباء لشهري ابريل ومايو 2006م على الرغم من عدم استحقاقه لهذه العمولة.

وحول النفط ونضوبه في بعض الآبار والتلاعب به وباءيرادته شكك اقتصاديون بالأرقام التي تضخها وزارة النفط، واعتبر الكثير منهم أن مشكلة الأرقام الصحيحة لما تستخرجه اليمن من النفط وتصدره هي المشكلة الأكبر منذ اكتشافه وحتى اليوم.. !! ولذلك كانت تصريحات المسئولين طوال تلك الفترة والى اليوم مشوبة بالتناقض بين الحين والآخر ، وهناك دراسات محاسبية كثيرة توضح هذا التناقض وتكشف التلاعب بالموارد والعائدات المالية للنفط بالعملتين اليمنية والأمريكية( الدولار) .

 وكانت تصريحات لمسئولين يمنيين كبارا قد أكدت أن الثروة النفطية في اليمن تقترب من النضوب واستندت معلومات النضوب على أمرين : الأول تقرير للبنك الدولي، أكد فيه أن بلادنا استنزفت ثلثي المخزون النفطي حتى العام 2003م، وأن الناتج المستخرج من النفط، سيتدنى إلى النصف، بينما الأمر الثاني، بدأت بتأكيده تقارير البنك المركزي اليمني وبشكل واضح منذ بداية العام الحالي 2007م ، إذ كشف البنك المركزي عن انخفاض عائدات النفط المصدر(حصة الحكومة ) خــلال الفترة : يناير- ابريل 2007 وصل إلى 789.48 مليون دولار مقارنة بـ مليار و (488 ) مليون دولار خلال يناير- ابريل 2006م، أي بانخفاض قدره 43.32% في الكمية و 46.97% في القيمة.

 وعزا ذلك إلى تراجع الإنتاج النفطي إلى (13.46) مليون برميل في الفترة يناير - ابريل المنصرم مقارنة بـ ( 23.74) مليون برميل في الفترة ألمقابله له من العام الماضي، وتراجع معدل سعر البرميل إلى (58.66) دولار مقارنة بـسعره السابق ( 62.71 ) دولار في الفترة المقابلة له من العام الماضي.

 والغريب أن هذا التقرير الرسمي جاء ليؤكد توقعات البنك الدولي، ويكذب بوضوح تصريحات المسؤلين اليمنيين، من أصحاب الشأن، الذين ظلوا حتى أسابيع قريبة من الآن يصرون على وجود اكتشافات نفطية جديدة وكبيرة سترفع من كمية الإنتاج اليومي، وليس العكس، كما جاء في تقرير البنك المركزي الأخير.

ففي 15 يناير- كانون الثاني 2007م، توقع رئيس هيئة استكشاف وإنتاج النفط اليمنية الدكتور أحمد عبد أللاه - في تصريحات لصحيفة 26 سبتمبر، أن يشهد العام 2007 ارتفاعاً في عدد القطاعات النفطية الاستكشافية من 26 إلى 47 قطاعا تديرها شركات عالمية من مختلف الجنسيات .

وبحسب نص الخبر : قال رئيس الهيئة أن خطة الهيئة ستتركز على التنقيب عن النفط في البحر ووضع عدد من الامتيازات في المنافسة الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر ، مشيرا إلى وجود حقول غير مستغلة حتى الآن ومنها قطاع (اس1) في محافظة شبوة الذي تشير الأرقام إلى أنه يحتوي على نصف مليار برميل من النفط الثقيل . وأوضح أن الاحتياطي النفطي لليمن يقدر حاليا بحوالي 9.7 مليار برميل والإنتاج بـ(370) ألف برميل يومياً .. متوقعاً زيادة قريبة في الإنتاج بعد دخول عشرة آبار جديدة خطة الإنتاج..' وأكد أن الهيئة تهدف لإعادة الإنتاج إلى ما كان عليه في حدود 400 ألف برميل يوميا. ..!!

مثل هذه التناقضات ، جعلت الكثير من المراقبين يؤمنون أن وراء الأكمة ما وراءها.. خصوصا إذا ما ربطنا ظهور قصة النضوب، عقب بروز أصوات تنادي بضرورة معرفة الأرقام الحقيقية للناتج والمصدر، وضرورة احتساب فوارق الأسعار العالمية ( بعد ارتفاعها بشكل كبير) وضمها إلى الميزانية..!! وأخرى نادت بضرورة إخضاع الشركات النفطية اليمنية المشاركة للتنافس الحقيقي، في الحصول على امتيازات المشاركة مع الشركات الأجنبية، خصوصاً إذا ما عرفنا أن معظم تلك الشركات اليمنية، يمتلكها مسئولون أو أبناء مسئولين كبار في الدولة.

كما كشف تقرير برلماني عن اختلالات كبيرة رافقت تنفيذ مشاريع الطرق الممولة بقروض خارجية, مؤكدا تعثر الكثير من المشاريع المركزية والمحلية لأسباب كثيرة منها مخالفة وزارة الأشغال العامة لقانون المناقصات بالتكليف المباشر لتنفيذ المشاريع.

ووجه التقرير البرلماني جملة من الانتقادات إلى وزارة الأشغال العامة والطرق بسبب إسناد الوزارة عدداً من المشاريع لمقاولين لا يمتلكون الإمكانيات والخبرات والكفاءة الفنية ما أدى إلى تعثر الكثير من المشاريع المركزية والمحلية.

وقال التقرير المقدم إلى مجلس النواب من لجنة الخدمات إثر نزول ميداني إن إجمالي مشاريع الطرق المدرجة في البرنامج الاستثماري لعام 2004م بلغت (292) منها (222) مشروعاً متعثراً تم ترحيلها من سنوات سابقة.

واستشهد التقرير على المشاريع المتعثرة بطريق ذمار- الحسينية مشيرا إلى أن الانجاز فيه لم يتعد 20%، وكذلك طريق مدينة الشرق- الدليل (المرحلة الثانية) توقف الإنجاز عند28%.

 وكشفت لجنة الخدمات عن إنفاق مبالغ طائلة لتجهيز طرق ترابية للسفلتة تركت حتى انهارت بفعل الأمطار، وأصبحت بحاجة إلى إعادة تأهيل من جديد وبتكاليف مضاعفة، ما يعني إهدار أموال إضافية، إلى جانب غياب الصيانة الدورية لمعظم مشاريع الطرق داخل وخارج المدن.

وقد تسببت كل مظاهر الفساد المنتشرة والتي تدل عليها كثيرا من المؤشرات والدلائل التي أوردناها بأن معدل النموالسنوي تراجع الى مستوى 5ر2% وانخفض متوسط دخل الفرد السنوي الى 250 دولار امريكي.. وتجاوزت نسبة البطالة ال40% من نسبة القوى العاملة الموجودة والقادرة على العمل وانتشر الركود الاقتصادي وأقفلت العشرات من المصانع وتسربت أموال المستثمرين اليمنيين الى الخارج واتسع نطاق الفقر وارتفعت نسبة الجرائم وتدمرت الطبقة الوسطى والتي تلعب دورا بارزا في التنمية وأصبحت مؤسسات التعليم الابتدائية عاجزة عن استيعاب مايقرب من ثلاثمائة الف تلميذ في سن التعليم سنويا هذا بالاضافة الى تسر عشرات الآلاف من التلاميذ الذين تعجز أسرهم عن تعليمهم .

عن / الشورى نت