اللواء سلطان العرادة يدعو الحكومة البريطانية الى تفعيل دورها الاستراتيجي في الملف اليمني وحشد المجتمع الدولي للتصدي للدور التخريبي لإيراني .. تفاصيل الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم عاجل العميل الإيراني رقم إثنين .. الهدف القادم الذي ينوي الغرب والعرب استهدافه واقتلاعه.. ثلاث خيارات عسكرية ضاربة تنتظرهم ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة
مأرب برس ـ اشرق الأوسط
هل ورثت الملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا السابقة بعض ممتلكات ملكة سبأ بلقيس في اليمن السعيد؟ يبدو كذلك, فما زالت مدينة عدن، كبرى مدن جنوب اليمن، ورغم مضي قرابة أربعة عقود على استقلال جنوب اليمن عن ا
لاستعمار البريطاني (1839 ـ 1967)، تحتفظ بالشيء الكثير من إرث المستعمر السابق، الذي أثر كثيرا فيها وفي سكانها، بدءا بسلوك أبناء عدن الراقي في التعامل والذي لا يخلو من كلمات ومصطلحات إنجليزية، مرورا بالتأثر بالنظام الإنجليزي وخصوصا المروري ووجود سيارات ما زالت بالسكان (المقود) اليمين، وليس انتهاء ببعض الأماكن التي ما زالت تحمل أسماء منذ عهد الإنجليز أو هكذا جبل الناس على التعامل معها وكذا بعض المواقع التي تظل شاهدة على حقبة مهمة من التاريخ اليمني .
لا يمكن لأي زائر لمدينة عدن ـ إن كان مهتما ـ أن يغفل حي التواهي وما به من ارث بريطاني قديم لم يستطع الحكم الاشتراكي الذي تسلم زمام الحكم في «اليمن الجنوبي» منذ ما بعد الاستقلال وحتى الوحدة اليمنية (1967 ـ 1990) من طمسه. ففي حديقة حي التواهي أعيد مؤخرا نصب تمثال ملكة بريطانيا فيكتوريا لينتصب مجددا وسط الحديقة مع جدل بشأن اتجاه التمثال: هل باتجاه البحر ومرسى القادمين عبر البحار أم باتجاه ساعة «ليتل بن» أو «بيج بن الصغرى» المنصوبة فوق جبل مطل على البحر والميناء.. وبالمناسبة فإن «ليتل بن» هي نموذج بريطاني مصغر لساعة «بيج بن» الشهيرة في قلب العاصمة البريطانية لندن، ولا يوجد لها مثيل سوى في عاصمة جنوب أفريقيا جوهانسبرغ فقط، والتي بنيت عام 1870، مما يعطيها قيمة تاريخية خاصة.
ورحل البريطانيون في الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1967 وخلفوا وراءهم معالم أخرى كثيرة مثل الكنائس المنتشرة في عدن، وكذلك المعابد الهندوسية واليهودية، إضافة طبعا إلى دور العبادة الإسلامية بصورة تجعلها مدينة متفردة في المنطقة، ففي عدن توجد حوالي ست كنائس كاثولوكية وبروستنتية، وكذلك مقابر ما زالت شاهدة على تاريخ المدينة مثل مقبرة الفرس ومقبرة النصارى، وهي المقبرة التي دفن فيها القتلى من الجنود والمدنيين البريطانيين. ومن أهم المعالم التي تميز مدينة عدن حتى اليوم، المجلس التشريعي إبان الاستعمار وهو مبنى كان عبارة عن كنيسة، قبل أن يتحول إلى مجلس تشريعي بمبناه الجميل الذي يتربع قمة هضبة جبلية في حي «كريتر».
ويعد مبنى المجلس التشريعي لعدن واحدا من أهم معالم المدينة. فهذا المبنى، كان في الأصل كنيسة بنيت عام 1871 وكانت تسمى كنيسة «القديسة ماريا» وفي عام 1947 تحولت الكنيسة إلى مقر للمجلس التشريعي الأول من نوعه في الجزيرة العربية. وكان المجلس يتكون من ثمانية أعضاء يمثلون طوائف عدن، وكانت كل طائفة تنتخب ممثلها، وكان في أول تشكيل له يتكون من: المستر تايلر، والخان بهادر محمد عبد القادر مكاوي، والخان بهادر محمد سالم علي، والسيد عبده غانم ، والمستر دانشا خورجي، والشيخ محمد عبد الله المحامي، وجودا مناحيم يهودا والمستر كارتن. وظل المجلس يمارس مهامه حتى عام 1966، عندما قام بإحراقه اليمنيون في انتفاضة شعبية ضد البريطانيين، ورغم انه أعيد ترميم المبنى، إلا انه وبعد الحرب الأهلية عام 1994، سلم إلى المباحث الجنائية التي لم تهتم به.. ويقول الصحافي ايمن محمد ناصر إن محافظ عدن أحمد الكحلاني، أصدر مؤخرا قرارا بإعادة ترميم المبنى بطابعه الإنجليزي القديم وتحويله إلى ملكية المجلس المحلي لعدن والاستفادة منه في عقد الاجتماعات الكبيرة للمجلس.
ويقول الكاتب المتخصص في تاريخ عدن نجمي عبد المجيد، إن معظم المعالم في عدن نفذت تحت إشراف مهندسين بريطانيين، وإن مساكن عدن كانت وما زالت ذات طابع إنجليزي، يهودي، فارسي وعربي .ويعتقد عبد المجيد أن ابرز ارث للاستعمار البريطاني في جنوب اليمن، هو مصافي عدن التي بنيت بين الأعوام 1952، و1954 والتي حضرت إلى عدن الملكة اليزابيت لافتتاحها. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، أن عدن ومنذ مطلع الخمسينيات بدأت تشهد نقلة نوعية وكبيرة، حيث رصفت فيها الشوارع والتي من ابرزها الشارع الرئيسي او شارع مدرم، وبنيت مناطق مثل البريقة والقلوعة وبني المستشفى الملكي، مستشفى الملكة اليزابيت (الجمهورية حاليا)، وتحولت عدن إلى قاعدة اقتصادية كبيرة بالنسبة للتاج البريطاني، وكان ميناء عدن تدخله في السنة نحو سبعة آلاف باخرة، فيما شهد مطار عدن الدولي حركة كبيرة، وكان يستقبل تقريبا حوالي 13 ألف طائرة (إقلاع وهبوط) في العام .
ويعيد الاهتمام البريطاني بعدن في الخمسينات بعد أكثر من 110 أعوام من الاحتلال إلى انتقال مستعمرة عدن في عقد الثلاثينات من إدارة شؤون المستعمرات في الهند إلى إدارة شؤون المستعمرات في لندن «وهنا بدأ الاهتمام بها يزيد وبدأت تأخذ حضورها كمدينة حديثة واثر ذلك حتى على الجانب العلمي والثقافي، فقد تخرج الكثير من الرواد منهم مثلا الدكتور محمد عبده غانم، الذي كان أول خريج جامعي في الجزيرة العربية (تخرج عام 1936 من الجامعة الاميركية في بيروت)، وعلي محمد لقمان الذي كان أول خريج صحافة في الجزيرة العربية أيضا (تخرج عام 1946 من الجامعة الأميركية في القاهرة). ثم يقول إن «الناس وبكل صراحة ما زالوا يذكرون مرحلة بريطانيا بكل خير وتقدير، وهذا ليس مجاملة أو نفاقا لأنه وبكل أسف ما جاء بعد 1967 (الاستقلال) كان اكبر كارثة على عدن، دمرها ودمر أشياء كثيرة كانت جميلة».
ويعرب في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» عن حزنه لقيام الجبهة القومية، التي تسلمت الحكم من البريطانيين بعد الاستقلال بمحو بعض المعالم مثل «المحفل الماسوني» الذي تأسس في عام 1850، وهدم مبناه في سبعينات القرن الماضي أثناء الحكم الاشتراكي، وبنيت على أنقاضه إحدى البنايات هي اليوم مكتب محافظة عدن. ويُذّكر بأن «عدن كانت ثاني اكبر ميناء في العالم، بعد ميناء نيويورك»، وبعد 1967، أغلق الميناء عندما أغلقت قناة السويس بعد نكسة 67 وفقدت عدن أهميتها كميناء، وقيل حينها إنها أصبحت عبئا على الخزينة البريطانية، فقامت بريطانيا بتسليم عدن إلى الجبهة القومية لتتخلص من ذلك العبء، رغم أن كثيرا من الدراسات تذكر أن بريطانيا كانت تأخذ 85% من دخل عدن وتنفق عليها فقط 15%، هذا عوضا عن الاستفادة الكبيرة التي نالتها الشركات البريطانية والأوروبية في عدن«.
رغم أن هناك الكثير من المصطلحات الإنجليزية، التي خلفها الاستعمار البريطاني بدأت تتآكل وتنقرض بحكم أن معظم الناس الذين كانوا يتداولونها ويستخدمونها رحلوا عن هذه الحياة، لكن ما زالت هناك مصطلحات وكلمات إنجليزية تستخدم حتى الآن من قبل السكان في الجنوب اليمني وفي عدن خصوصا .
وفي الوقت الذي أعيد ترميم الكنائس وافتتاحها في عدن أمام من يعتنقون الديانة المسيحية أو الأجانب فلا يمكننا الحديث عن النشاط التبشيري، فلم ينجح النشاط التبشيري في عدن خلال الاستعمار البريطاني، كما يقول نجمي عبد المجيد «خلال 129 عاما من الاحتلال سوى في تنصير أربعة أشخاص فقط، أبرزهم الدكتور عفاره، الذي كان يمتلك مشفى باسمة، والذي تخرج من إحدى الجامعات البريطانية».
وتعمل في عدن ثلاث كنائس من أصل ست، اثنتان كاثوليكيتان والثالثة بروستانتية وهي كنيسة «رأس مربط» الشهيرة والتي توجد بها عيادتان طبيتان الأولى للعيون والثانية للأمهات والأطفال. ويدير هذه الكنيسة الأب البريطاني بيتر كروكس الذي التقته «الشرق الأوسط» وتحدث بالانجليزية عن أهل عدن، وقال إن الناس في عدن «لطفاء جدا، واعتقد أن بعضهم لديه صورة رومانسية عن بريطانيا»، رغم انه قال إن الناس في عدن كانوا قبل الاستقلال في عام 1967، يريدون التخلص من بريطانيا لكن «الكثير منهم وبالأخص المعمرين ينظرون إلى أيام الاستعمار، بأنها كانت ذهبية»، ويقول انه يتلقى أسبوعيا وشهريا العديد من الرسائل البريدية والرسائل الالكترونية من مختلف أنحاء العالم من أناس عاشوا في عدن إبان الاستعمار البريطاني، يكتبون «بأنهم كانوا سعداء في عدن كما يعربون عن سعادتهم لنشاط عيادة العيون لأن هناك غرباء يحاولون تقديم المساعدة للناس». ويرتاد هاتين العيادتين حوالي عشرين ألف مريض سنويا وتجرى نحو 1300 عملية للعيون، ويعمل فيها 23 يمنيا وأربعة أجانب منهم الأب كروكس وزوجته، والذي يقول إن الصلاة تقام في الكنيسة كل جمعة، لأن الجمعة هو يوم الإجازة في اليمن، وان ستة إثيوبيين مسيحيين يؤدون الصلاة يوميا في الكنيسة، قبل الذهاب إلى العمل، وأن ما بين 40 إلى 50 شخصا يشاركون في القداس الأسبوعي، وهم من جنسيات عربية مثل العراقيين والمصريين والفلسطينيين ومن جنسيات أخرى مثل الأميركية والكندية والألمانية والكينية ومن جنوب إفريقيا.
ويتحدث الأب المسيحي، الذي يعيش في عدن، عن نظرته إلى المعالم التي خلفها المستعمر البريطاني، ويقول انه يشعر بسعادة كبيرة عندما يرى سيارتين بريطانيتين منذ الاستعمار ما زالتا تجوبان شوارع عدن، لكنه لا يعتقد أن إعادة تمثال الملكة فيكتوريا إلى حديقة التواهي في عدن يمثل له شيئا، وعلى العكس من ذلك يشعر بارتياح كبير عندما يمر من أمام المقبرة البريطانية الكبيرة في «حافون» بحي المعلا والتي تضم جثامين الجنود والمدنيين البريطانيين الذين قضوا في عدن خلال الفترة 1865 وحتى 1965، مشيرا إلى أن والده كان جنديا في عدن في عام 1960، وعندما يمر بالمقبرة التي تضم حوالي الف جثة ويرى الأسماء يتذكر بريطانيا رغم انه يعرب عن أسفه لقيام بعض المسلمين، وإبان احتلال العراق بتدمير أربعة قبور في تلك المقبرة.
وضمن معالم عدن ذلك المنزل الذي سكنه الشاعر الفرنسي الشهير ارثر رامبو، الذي وصل إلى عدن في الـ17 من أغسطس (آب) 1880، وعاش فيها لعشر سنوات كان يسافر خلالها للتجارة إلى الحبشة وبعض مدن القرن الأفريقي.. هذا المنزل الذي كان تقرر أن يكون متحفا يحمل اسم الشاعر، وفعلا كانت بدأت فعاليات سنوية تعقد فيه بمشاركة شعراء من فرنسا، أغلق فجأة ثم قام صاحبه بتحويله إلى فندق.. وكما هو الحال بالنسبة لمنزل رامبو فإن أحد السواحل بمنطقة «جولد مور» والذي يحمل اسم «ساحل رامبو» حتى اليوم ويرتاده الناس، بات قطعة ارض بعد أن استولى عليه احد النافذين، وربما يتحول إلى مشروع استثماري بعد بيعه مباشرة كما تدل الشواهد حاليا .
وعرفت مدينة عدن اليمنية الصحافة والطباعة والنشر والسينما والاذاعة والتلفزيون مبكرا على مستوى المنطقة، وكانت اول مطبعة وصلت إلى المدينة في عام 1953، وكانت بريطانية قادمة من الهند، كما ان اول جريدة صدرت في عدن تحمل نفس اسم المدينة وكانت يومية وصدرت عام 1900، تحت اشراف الكابتن بيل، نائب المقيم البريطاني، وفي عام 1954، تأسست اذاعة عدن ثم في عام 1964 تأسس تلفزيون عدن.
ولا يمكن للمرء وهو يتحدث عن معالم عدن أن يغفل ما تتعرض له من بسط من قبل النافذين، مثالا يرفع الصحافي ايمن محمد ناصر صوته عاليا، ويطالب بان تستعيد مدينة عدن مبنى إذاعة عدن التاريخي الذي صرف لأحد المتنفذين.
ويعتقد أيمن محمد ناصر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن ارث الاستعمار البريطاني هو «ما تركه في أبناء وسكان المدينة من سلوك مدني وحضاري والتزام بالقوانين والحياة المدنية، ولا ينحصر ذلك الإرث في المعالم أو الكنائس أو غيرها، فهناك الكثير من الشواهد على حضرية هذه المدينة».
وكما استنسخ البريطانيون «بيغ بن» إلى عدن، فقد عمل الهنود أيضا على وضع لمسات في هذه المدينة التي عاشوا فيها بكثرة، فمثلا بوابة ميناء التواهي للسياح، هي نموذج مصغر لبوابة ميناء بومباي وبنفس الطراز وقد بنيت في ابريل (نيسان) عام 1904، وأطلق عليها في البداية اسم «رصيف أمير ويلز «ويدعو أيمن محمد ناصر إلى عدم محو ارث الاستعمار البريطاني، ويقول «هذا جزء من تاريخ المدينة وتاريخنا وهو حقنا فإذا كان تركه الاستعمار فقد اخذ دمائنا، وعدن مدينة دولية متعددة الأعراف والثقافات ولها خصوصيتها وعلينا احترام تنوعها، وهي مدينة أكدت على مر الزمان أنها تستطيع أن تستوعب الجميع، من اليمن ومن خارج اليمن وتؤثر عليهم بإيجابياتها وكل من يفد إليها يشعر بحبها وبضرورة الالتزام بناموسها».. كما يدعو إلى الحفاظ على الطابع المعماري المتنوع في المدينة، بعد أن أصبحت تشهد عشوائية في البناء وأبنية تنشأ على حساب أبنية بطرازات قديمة .