آخر الاخبار

اللواء سلطان العرادة يدعو الحكومة البريطانية الى تفعيل دورها الاستراتيجي في الملف اليمني وحشد المجتمع الدولي للتصدي للدور التخريبي لإيراني .. تفاصيل الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم عاجل العميل الإيراني رقم إثنين .. الهدف القادم الذي ينوي الغرب والعرب استهدافه واقتلاعه.. ثلاث خيارات عسكرية ضاربة تنتظرهم ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة

إنهم يصلون ويقتلون
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 11 يوماً
الثلاثاء 03 يوليو-تموز 2012 04:09 م

إبان اشتداد حركة الاحتجاج في اليمن خلال العام الماضي ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، اتصلت من لندن بمسؤول أمني لأخذ وجهة نظره حول قمع المتظاهرين، وحالات القتل في أوساطهم. كان الوقت في صنعاء عصرا، قال مساعد له: «إنه يصلي العصر، وبالإمكان الاتصال به بعد ربع ساعة، مع السلامة». قلت في نفسي هذه بلاد عجيبة، تجتمع فيها الصلاة والقتل!

بعدها بفترة تواصلت من لندن كذلك مع أحد قيادات جماعة «أنصار الشريعة» التي دخلت مدينة رداع، وذلك لتغطية خبر دخولهم المدينة، ورد مساعد له: «يمكن أن تكلمه بعد صلاة المغرب»، وبعد المغرب اتصلت ولم يرد أحد، ثم كررت الاتصال فقال المساعد: «كنا نصلي العشاء، و(الأمير) مشغول، وأنا مخول بالحديث، وإن أردت الاتصال بعد ساعة فسيكون قد فرغ». أخذت بعض الردود على أسئلتي من مساعد «الأمير»، ولم أتمكن من الحديث إلى «الأمير»، ولن أتمكن إلى الأبد لأنه قتل ومساعده بعده بفترة قصيرة.

تذكرت قصة قديمة تروى عن رجلين كانا يحملان قرب الفجر لغما أرضيا ذهبا لزراعته في طريق يمر به بعض الجنود على حدود الشطرين أيام حروب الشمال والجنوب في اليمن قبل الوحدة، وعندما تهيآ لدفن اللغم قال أحدهما للآخر: «دعنا نصلِّ الفجر أولا». فرد الآخر في استغراب: «بل ننجز المهمة لأن الذين يقدمون على هذا العمل لا تنفعهم الصلاة»، وأضاف: «المصلون لا يدفنون الألغام التي لا تقتل غالبا إلا الأبرياء»، وانتهت القصة بعدولهما عن دفن اللغم، وعودتهما من دون إنجاز المهمة (في أثر جيد في ما يبدو للصلاة عليهما).

وعشرات القصص تروى عن مصلين دعاهم داعي الثأر القبلي، فخرجوا للتو من المساجد على متاريس عبس وذبيان، وسقطوا قتلى في حروب البسوس.

أين الخلل إذن؟ لماذا يصلون ويقتلون؟ ما الذي يجعل رجل الأمن بعد أن يفرغ من قتل المتظاهرين يعود إلى سجادة الصلاة بضمير غير مؤنب؟ لماذا يفرغ مسلح «القاعدة» من صلاته، ويتمنطق أقرب حزام ناسف ثم يتجه إلى مصلين مثله لتمتزج أعضاؤه بأعضائهم في لحن جنائزي رهيب قبل أن يسافر بهم في رحلة إجبارية إلى السماء؟

ما الذي يجعل رجال القبائل يخرجون من المساجد لقتل مسلمين مثلهم من قبائل أخرى بداعي ثارات بكر وتغلب قبل الإسلام؟ ما هذا المزج المقزز بين شعائر الإسلام، وتقاليد ما قبل الإسلام؟ أهي حالة الفصام المرضية التي تمر بها شعوب ما بين الماءين؟ أم هو ضرب من النفاق الديني والخلقي والاجتماعي الذي أصبح بدوره مرضا ملازما؟

هل الصلاة تأمر بالقتل أم تنهى عن الفحشاء والمنكر بالفهم الديني؟ لماذا كلما زادت جرعة التدين الظاهري زاد النزوع للعنف عند الذين يعانون من التخمة الدينية المبالغ فيها؟ لماذا توجه كل هذه الطاقات الروحية في الطريق الخطأ؟

الواقع أن التساؤلات المطروحة ما هي إلا تكثيف لحالة التشظي والتشوش الذهني والمعرفي السائدة على المستوى الديني في اليمن وخارجه. لا يمكن الاكتفاء بالقول إن عناصر «القاعدة» - الذين يقدمون على قتل أنفسهم وقتل غيرهم - «إرهابيون» وكفى، هذا تسطيح للمسألة المعقدة بأبعادها الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية كذلك. المنابر التي تولاها دعاة غير فقهاء مسؤولة، انصراف معظم الإسلاميين إلى العمل السياسي وترك الجانب التوعوي الديني للهواة، أصحاب الحناجر الغليظة والأصوات العالية الذين لديهم قدرة يحسدون عليها على الشحن العاطفي من دون نظر إلى مآلات الخطاب المتخم، هذا الاهتمام بالسياسة على حساب التوجيه الديني الصحيح مسؤول عن حالة التطرف التي وصلنا إليها.

المزج غير السديد بين ما هو ثقافي وما هو ديني أدى إلى غياب الحدود الفاصلة بين الدين في جوهره الروحي القائم على الإيمان من جهة والموروث الثقافي القائم على العادات والتقاليد من جهة ثانية. المزج بين «الإسلام والقبيلة» إذن هو الذي أدى إلى هذه الخلطة المعقدة من الالتواءات والتشوهات التي أخذ بها كثير من الشباب ومضوا يقاتلون في سبيلها في وقت يظنون فيه أنهم يقاتلون في سبيل الله. هذا في جانب القتل على أساس ديني، والشيء ذاته يمكن أن يقال عن قتل رجل الأمن للمتظاهرين (على أساس وطني)، حين يقتل رجل الأمن من دون أن يشعر بحرج ديني أو خلقي، وذلك لأنه يتدرب وفقا لعقيدة أمنية وعسكرية تقوم على مبدأ طاعة ضباطه وتنفيذ أوامرهم.

أذكر أنني مرة سألت أحد رجال الأمن عن شعوره وهو يواجه المتظاهرين العزل، فقال «نحن ننفذ الأوامر، ونؤدي الواجب، وإذا كان هناك ذنب فهو على القادة الذين يصدرون الأوامر». وهذه حالة مشابهة لحالة رجل «القاعدة» الذي ينفذ أوامر «الأمير» عندما يأمره بالقتل من دون الإحساس بذنب، لأنه إنما ينفذ أمر «أميره» الذي يعد ولي أمره الذي تحرم معصيته، والذي تعد طاعته من طاعة الله. ورجل الأمن الذي ينفذ من دون نقاش كرجل «القاعدة» الذي ينفذ من دون مراجعة، وهما نسخة كربونية من رجل القبيلة الذي ينطلق وراء داعي الثأر لمجرد أن شيخ قبيلته أمره بذلك من دون حرج من ضمير أو وازع من روح.

ما الفارق إذن بين رجل الأمن الذي يقتل المتظاهرين، ورجل «القاعدة» الذي يقتل المخالفين، ورجل القبيلة الذي يقتل خصومه القبليين.. ما الفرق بين هذه الأصناف الثلاثة التي تتوجه إلى الصلاة حال فراغها من القتل أو قبيل البدء بهذه المهمة (المقدسة)؟! على المستوى الشخصي أحس في الصلاة عالما من الأحاسيس الجميلة التي تجعل المرء يشعر بانتمائه لقوة أكبر يطمئن إليها في بحر هادر من أمواج الأحداث والاختلالات والاختلافات، لكني لم أشعر في لحظة واحدة بأن الصلاة يمكن أن تكون وسيلة شحن للقتل والتدمير. وإذا كانت هذه هي وظيفة الصلاة، فإن الذين يصلون ويقتلون يؤدون عملين متناقضين في وقت واحد، وهذا دليل وجود خلل ما في طريقة التفكير، وفي زاوية النظر إلى الصلاة ومنظومة العبادات والشعائر الإسلامية الأخرى بشكل عام.

* الشرق الأوسط