زيارة تجسسيه لمنزل حوثي..
بقلم/ نور ناجي
نشر منذ: 6 سنوات و 11 شهراً و 15 يوماً
الإثنين 01 يناير-كانون الثاني 2018 06:34 م

لا مكان للأسرار في اليمن، الجميع يدرك ذلك، نحن شعب هوايته اللعب على المكشوف، علم غالبيته نية الحوثي المبيتة لابتلاع اليمن حتى قبل أن يدخل دماج ولم يحرك ساكناً، أدرك روابط تحالف وشيك بين الحوثي والرئيس السابق وهو يتابع ببرود سياق الأحداث، ليصل لنهايته كما توقع..

 

وجميعنا اليوم يستقرئ السيناريو المعد سلفاً لهذه الأرض وما زال الصمت يلف الجميع، لعلنا نؤمن بأنفسنا لدرجة مهولة، فإرادة الشعوب هي ما يمنع تمرير اي خيارات لا تناسبه، قد ينجح شعبنا "ان أراد ذلك "، وقد ينال نصف نجاح ونصف فوضى، أن اكتفى بالمقيل والفرجة ..


لن يمنعني شيء من الذهاب لتلك الزيارة، وضعت أمام نفسي الكثير من المبررات كي لا يقعدني ضميري، أهم نقاط نجاحي في الإقناع كانت في البحث عن الأسرار التي نحن بأمس الحاجة اليها، استحضرت لحن مسلسل رأفت الهجان وقد استبدلت صوتي بصوت محسن بيه وهو يشد على كتف رأفت :" مصر محتاجة لك يا رأفت"، وتمتمت بصوت خافت :" اليمن محتاجة لك يا نور!"..

 

جلسة نسائية (ولاد) كما تسمى عند أهل صنعاء في منزل إحدى القيادات الحوثية، لا أعتقد بأنه ضمن القائمة ذات الاصفار المتجاوزة السته، ولكن ذلك لم يكن سبب دخولي الفناء الواسع بدون أدنى مشاعر للخوف، لا يضرب التحالف سوى الأبرياء، ولا أعتقد وجود الكثير منهم بين هذه الجدران، عدى المولود طبعاً..

 

فيلا فاخرة تسلب اللب كما يقال، رائحة الدهان ( الرنج ) الجديد طغت على رائحة العود والبخور، يبدو لي أن ذلك القيادي تجاوز سنوات فشله الاولى وذكرياته القديمة حين كان عاطل عن العمل وزوجته تنتظر ورقة الطلاق في منزل والدها!!، لم تفسد الحرب كل شيء، فقد عادت العائلة للم شملها مضيفة اليها أفراد جدد، مولود وردي صغير وزوجة يافعة جديدة في الفيلا المجاورة، المملوكة له أيضاً..


جلست على الفراش الوثير متبرمة من قوانين وشرائع الإنسانية التي تمنع السلب والنهب والغاءها لنظام الغنائم بعد الحرب، تقف تلك القوانين دائماً ضد ما يرجو ويتمنى "الإنسان"، لكني تنبهت فجأة لسر تفضيل الحوثي سكنى المغارة وابتعاده عن ضجة الحقوقيين ونشطاء السلام، لن يرتبط أحد بمثل تلك المواثيق الدولية إن لم يسمع بها..

 

فوجئت بالصور المعلقة على الحائط وأنا أتخذ مكاني، يعلقون صورة الإمام أحمد مجاورة للخميني وعبدالملك وشخص آخر لم اتبين ملامحه لكنه قريب الشبه من حامد كرزاي الرئيس الأفغاني، أخطأت حين لم أجلب نظارتي معي، تابعت تأمل الصور وقد سرح تفكيري في المولود الصغير، كيف ستكون نشأته تحت ظلال تلك الملامح؟، هززت رأسي غير مبالية فتربية الأطفال شأن خاص بالوالدين، المصيبة الكبرى أن يكون الطفل يتيماً بلا ظهر أو سند، يقاد للمعارك لعدم وجود من يهتم به او بمصيره، تجاهلت الصور بتلك الغصة وانا اطمئن نفسي" التاريخ يسير في دوائر متقاطعة، أرى اليوم صورة الإمام أحمد، وما يدريني ما الذي قد أراه غداً"..

 

حاولت المؤتمرية العريقة جواري مبادلتي الحديث المر، هامسة بالجريمة التي وقعت على الرئيس السابق، إلا أني ادعيت الصمم التام، لم آتِ هنا لأقيم صداقات، على الرغم أنه من الواجب علينا مراعاة مشاعر المؤتمريين، فمازالوا مستجدين على (الجعجعة) ، لكني طويت صفحة الرئيس السابق للأبد، فلا داعي لإعادة احياءها من جديد، انا في مهمة وطنية، لا أعرف حقاً ما الذي سيستفيد الوطن من جلستي، لكني حتماً سأخرج بفائدة ما؟!


امتلأ المكان بالنساء، لا تستطيع تمييز الصديق من العدو، استوقفتني سهام حقد متبادلة بين اثنتين شاءت الصدفة أن تلبسا نفس موديل الفستان، لا أقسى من هذا الموقف ولا أكثر منه مدعاة لإعلان بداية حرب، تلفت حولي، "في أي طرف من الخندق علي الجلوس !"، لا شيء يميزنا عن بعضنا البعض، ربما تلك التي تقبع منزوية قريبة الشبه من ملامح القائد العظيم، غضضت عنها طرفي بعد أن اكتشفت أنها ليست من اليمن ولا تتحدث العربية مطلقاً، كان من المخيب لي عدم وجود معمل لتحليل الدم في الجوار للتأكد من نقاء السلالات لتفريقها عن غيرها، مهمة شاقة على الإنسان أن يضطر لتسلق أشجاراً وهمية باحثاً عن قيمة ونقاء..

 

بدأت المغنية بضرب أوتارها على ما يشبه النغمات، من باب العلم تقام على أرض اليمن منذ سنوات طويلة "مذبحة" في حق البشرية من خلال ما يسمى بالمغنيات، حاولت إيصال صوتي للمختصين بلا جدوى، اهتز الديوان مع سؤال "المغنية" عبر الميكرفون الصغير :" ايش تشتين اغني؟!"، تمنيت طلب أغنية "ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء"، إلا أن المؤتمرية صاحت وخلاياها تنتفض من فرط الحماسة، "هاتي الصرخة أول!!"، لم اندهش لطلبها، أخبرتكم سابقاً عن حالة التذبذب التي تنال منهم، كما أن النفس البشرية قد تطورت في هذا العصر واكتسبت مقدرة كبيرة على تلوين وتغيير ملامحها إن اضطرت، ( ندعت) الصرخة في المكان "بلا بلا بلا"، وقد اتخذت جانباً امناً كي لا يصيبني ارتدادها العنيف، لا تنظروا الي بهذه الطريقة، "يا روح ما بعدك روح، جالسين بنهم سنتين ما أحد حاكاكم، ولا قال وين أنتم!!".


انطفأ صوت المغنية لتبدأ النساء في حديثهن السياسي، لا تتحدث جماعات النساء عن شرور الرجال، يرجئن البوح عنهم حتى يصبح العدد أقل..
أنصت لما يقال، لا أسوأ من النساء حين تتغول السنتهن بالسياسة، لن يستطيع ترامب مثلا تفهم دعوة تلك البدينة :" جعل له مكسر"، أو الأخرى التي تتغزل في أصابع عبد الملك " فدوا بي عليهن!"، أعرف بانكم قد تتهموني بالمبالغة، لكنها الحقيقة المرّة، اقسم بأنها تغزلت بأصابعه، القات المبودر يعمل اكثر من كذه..


لم يستثنَ الرئيس الغالي عبد ربه من الحديث، لن أسرد بالطبع ما سمعت، لكن المدهش وجود شخصية تكن لها غالبية النسوة عداء أشد واقسى، تهتز طبلة أذني على نبرة خوف وارتعاش بين حروف تهديدهن للجنرال العجوز(علي محسن)، لا أنكر استغرابي لهذا الحدث، سأحاول لاحقاً معرفة السبب الخفي والسر وراءه، فلا مزاج لي الآن للبحث عن الأسرار!!


عادت المغنية لتشويه الأغاني وتضييق الخناق على صدري، فقررت المغادرة وأنا اشعر بالكراهية تجاه نفسي لادعائي الوطنية، اصدقكم القول، لقد كان الفضول وحده ما جعلني اتحمس للزيارة، لا أكثر منه، وقد أخذت جزائي مضاعفاً بثقل ذرات الهواء على رئتي، لن أعيد تكرار مثل هذه الزيارات، أعد نفسي وأعدكم.


بينما كنت أستعد للمغادرة سمعت كلمة" تعز" في أرجاء المكان، أحد ما قتل في ضواحيها، عادت اللعنات على حالمتي الغالية تعز لتصدح بقوة فاقت صوت المغنية، حقد أسود ثقيل يخرج من بين الأفواه ليتعلق قليلاً بالهواء قبل أن يسقط!، وكأن قناصاً "مبنطل" يعبث بصيد تلك اللعنات في الركن قبل وصولها للسقف..
مدينة عجيبة، تشد إليها الجميع محب وكاره، جفت حلوق النساء وعاد حلق المطربة للزئير المهدد بابتلاع من في ( الديوان)..


ربما لم أكن في مهمة وطنية لكني شعرت بعد خروجي بالانتصار، دون رفع سلاح أو فتح فمي بحرف واحد، فمعي من الجنود ما يكفي لنصرة تعز ونصرتي..