ما هي الشرعية التي ندافع عنها؟
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 7 سنوات و 9 أشهر و 8 أيام
السبت 11 مارس - آذار 2017 11:01 ص
جرت خلال العامين الماضيين مياه كثيرة تحت الجسر في اليمن، جرت أحداث، جرت مواقف، وامتزجت دماء كثيرة بدمع غزير.
وفي هذه الحالة من عدم الاستقرار الأمني والروحي والفكري والسياسي، وفي خضم كل تلك الأحداث التي تعصف بوطننا، وتستهدف نسيجنا الاجتماعي، وتلاحمنا الوطني، لا يجوز أن تغيب الرؤية، ولا أن تضيع البوصلة.
يجب في تصوري أن نقف ضد الانقلاب، ومع الشرعية دون أي تردد.
للشرعية أخطاء بلا شك، لكن الانقلاب هو الخطيئة، للشرعية مشاكل بكل تأكيد، لكن الانقلاب هو المشكلة الأدهي في تاريخنا المعاصر.
هذه مسألة بالنسبة لي على الأقل مفروغ منها، ولكن...
نحن بحاجة إلى أن نعرف:
ما هي الشرعية التي نقف معها؟
الشرعية - في فهمي – هي شرعية الفكرة، شرعية السلوك، شرعية المؤسسة، شرعية القانون والدستور، شرعية الدولة التي ما زال شعبنا يناضل في سبيلها نضاله العجيب. هذه هي الشرعية التي سنظل نطالب بها، وننتقد من حاد عنها، مهما كان منصبه أو حزبه أو توجهه.
نحن مع شرعية المؤسسات لا الأفراد، مع شرعية الشعب لا العصابة، شرعية الوطن لا الكنتونات الطائفية والمناطقية والسلالية البغيضة، شرعية التخلص من الحوثية كفكرة سلالية، لا التخلص من الحوثي كمكون وطني.
وبناء على التوصيف السابق، فلسنا مع شرعية قائد في الجيش الوطني اشترى عدداً من الشقق الفاخرة في تركيا مؤخراً، ولا شرعية آخر اختلس مبالغ طائلة، ولا شرعية مسؤول استغل منصبه للحصول على أموال من دول التحالف ثم حولها لحسابات خاصة. والقائد العسكري المنتمي للشرعية، والذي اشترى عقارات فاخرة بعد تعيينه، لا يختلف أبداً عن نظيره في صف الانقلاب الذي باع عقاراته بعد الحرب، وبيض أمواله خارج البلاد.
لسنا مع شرعية أولئك الذين يتسابقون على شراء العقارات في مصر، والذين يغالون في شراء الأراضي في عدن من طرف الشرعية، والذين لا يختلفون أبداً عن أولئك المشرفين الحوثيين الذين يحولون صنعاء وما حولها إلى مستعمرات طائفية وسلالية.
لا يجب أن نكون مع أولئك الذين جيروا المنح العسكرية، ومنح التعليم العالي لأقاربهم وذويهم، في صف الشرعية. لا شرعية لوزراء يقيمون حفلات وسفرات خاصة من أموال مخصصة لمشاريع حكومية، لا شرعية لمن عينوا أقاربهم في مناصب حكومية لا لشيء إلا لأنهم أقارب، لا شرعية لتعيينات عشوائية، سخر منها الكل، ودس المعينون رؤوسهم في رمال الصمت بسببها، لأنهم يعرفون أنهم شركاء في الجريمة التي ترتكب باسم الشرعية، بقبولهم بمثل هذه التعيينات، التي هي أقرب إلى سلوك العصابات، منها إلى سلوك المؤسسات.
لسنا مع قيادات عسكرية تمضغ القات كل يوم في المقايل، وترسل صور الـ"سيلفي" لبعضها البعض عبر الواتس، فيما المقاتلون في صرواح ونهم والساحل الغربي والجوف وبيحان يحتاجون لدعمهم في الجبهات، والجرحى يمرون بأصعب الظروف واللحظات.
لسنا مع شرعية تلك الجهات التي تفاخر بطردها عصابات الفساد المنتمية لمتنفذين في النظام السابق، في عدن وتعز ومأرب، لا لشيء إلا لكي تحل محلها بكل ببساطة. لسنا مع المقاولين باسم المقاومة، ولا مع المتسلقين باسم الشرعية، ونبرأ من كل ما يتم باسمهما، ونرفض أن يجير دفاعنا عن مؤسسة الشرعية إلى دفاع عن الفاسدين تحت مظلتها.
لسنا مع شرعية أولئك الذين حفيت أقدامهم وهم يراوحون للحصول على وظيفة وزير أو سفير أو وكيل. لسنا مع شرعية أولئك الذين لم يرتقوا إلى مستوى الوجع الوطني، مستوى الجرح العميق الممتد من جبال صعدة المكلومة إلى سواحل عدن الجريحة، لسنا مع هذا كله.
عندما نقف مع الشرعية، فنحن لا نقف مع أشخاص في الشرعية، مكانهم الطبيعي هو معسكر الانقلاب، وسلوكهم الطبيعي هو سلوك انقلابي بامتياز.
نحن نقف مع مبدأ الشرعية، وكل من خرج عن هذا المبدأ، فهو خارج عن الشرعية، ولا شرعية له، ومكانه أن يكون مشرفاً حوثياً في إحدى وزارات "جماعة الحق الإلهي" ومرتزقتها، الذين تطاولوا في البنيان بعد الحرب، وتسابقوا على شراء السيارات الفاخرة، في الوقت الذي أرسلوا فيه البسطاء في حروب أوهموهم أنها للدفاع عن اليمن، فيما هي للدفاع عن الكرسي والوظيفة والسوق السوداء و"الركبة المقدسة".
نحن في الأول والأخير مع الشرعية وضد الانقلاب، ولكن يجب أن نعرف أن الشرعية والانقلاب سلوك، فمن تخلق بسلوك الانقلاب من معسكر الشرعية، فهو انقلابي، ولو أقسم اليمين الدستورية، وعين بقرار جمهوري، وحلف برأس عبدربه منصور هادي.
هل اتضح الكلام؟