اليمن: الصراع حول البنك المركزي
بقلم/ مصطفى أحمد النعمان
نشر منذ: 8 سنوات و 3 أشهر
الأحد 18 سبتمبر-أيلول 2016 10:01 ص
يثير الاستغراب الجدل السياسي اليمني حول إصرار البعض «نقل» البنك المركزي إلى خارج العاصمة، لكن الأعجب هو الانشغال بهذه القضية وجعلها مسألة حيوية يمكن أن تحسم الحرب الدائرة، كما أن فريقا يديرها كمعركة سياسية بعيدا عن الرغبة في البحث عن وسائل لوقف تدهور الأوضاع الاقتصادية.
يكاد لا يختلف اثنان على كفاءة ونزاهة محافظ البنك المركزي محمد بن همام ويعلم البعض أنه كان أحد أوفر المرشحين حظا لمنصب رئاسة الحكومة خلفا للأستاذ محمد باسندوة الذي أصر الحوثيون على إزاحته من منصبه، لكن ابن همام اعتذر بعد أن استدعاه الرئيس هادي وشرح له العقبات والعراقيل التي سيواجهها من القوى القبلية والعسكرية النافذة حينها.
كتبت الباحثة اليمنية آمال ناصر دراسة حول الأوضاع المالية وارتباطها بالواقع السياسي وأكدت فيها أن جماعة (أنصار الله – الحوثيين) خلقت سوقا مالية خاصة بها تجلب لها موارد مالية ضخمة بعيدا عن سيطرة البنك المركزي وغير خاضعة لرقابته، وخلصت إلى أن البنك المركزي يقوم بمهماته المناطة به ولم يخل بأي من التزاماته تجاه المواطنين بحسب الإمكانات المتاحة وبدون موارد ترفد خزينته منذ أكثر من عام.
البنك المركزي ما زال يقوم بسداد خدمات الدين الخارجي، وأذكر هنا أن حجم السندات الحكومية التي يتحمل البنك مسؤولية ضمانها قد بلغت أكثر من خمسة ونصف تريليون ريال يمني؛ أي حوالى 20 مليار دولار ومعظمها أموال المتقاعدين والبنوك المحلية ومدخرات البسطاء، كما أنها تساوي إجمالي دخل اليمن من النفط والغاز في ٢٠١١، فهل فكر بهذا من يسعى لتنفيذ فكرة انتقال البنك؟ كما أن انتقال البنك لن يضير الحوثيين بل سيصيب المواطن البسيط مباشرة وهو ما يحاول ابن همام تداركه.
لا ينكر أحد أن سلطة الانقلاب في صنعاء لم تكن مستوعبة لأسس النشاط الاقتصادي والدورة المالية في البلاد وتعاملت مع الأمرين بطريقة اعتباطية بغير أسس علمية وتدخل مندوبو اللجنة الثورية في تسيير أعمال كافة المؤسسات بدون خبرة ولا دراية، وأصبحوا هم المسيطرين على حركة السوق فتحول النشاط إلى «سوق سوداء» لا تدر للدولة أية موارد بل كانت فوائدها تذهب إلى حسابات خاصة بعيدة عن الأعين.
المؤكد أن محافظ البنك المركزي كان يقوم بتوقيع الأذون الخاصة بمرتبات موظفي الدولة مدنيين وعسكريين ويتم إرسالها إلى مديري فروع البنك في المحافظات، وليس مسؤولا عن كيفية إنفاقها فليس ذلك من اختصاصه ولا من حقه، وقد لخص لي أحد أهم الاقتصاديين العرب المشكلة قائلا «ابن همام في موقف صعب. ما يفعله حاليا هو خدمة مصلحة الناس لكن الساسة المتحاربين المتفرجين لن يتفهموا ما يفعله وسيحكم عليه الجميع من منطلق سياسي بحت. عندما يرتكب الساسة الحماقات بغير إدراك للعواقب الاقتصادية فإن العبء يقع على الفنيين داخل الدولة ويتركون لهم أمر إصلاح الخراب».
في حقيقة الأمر كان من الممكن تفهم موقف المطالبين بانتقال البنك، أقول كان طبيعيا مثل هذا الإجراء لو أن الذين يسعون إليه بطريقة مثيرة للريبة في مقاصدها عادوا إلى الداخل لممارسة أعمالهم وإثبات القدرة على خلق نموذج يبعث على الأمل في مستقبل أقل قسوة، ولكن واقع الحال أنهم منشغلون بقضايا هي أبعد ما تكون عن هموم المواطنين.
بعثت لي طبيبة مقيمة من تعز رسالة قبل يومين، قالت فيها «الآن منزل أختي تدمر تماما بصاروخ كاتيوشا. الحمد لله سافروا إلى السعودية قبل شهرين. بيتي قصف قبلها. أخي استشهد وأربعة من أولاد عمي. والدتي توفيت مرضا وقهرا».
لا أدرى إن كانت رسالة الطبيبة اليمنية تستطيع أن تغير بوصلة المتحاربين من الصراع حول المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تدار بعيدا عن السياسة، وتوجهها في مسار ينهي هذا الجحيم اليومي في تعز خاصة، لكن كثيرين يقولون إن هذا غير ممكن!.