آخر الاخبار
طبيعة الصراع
بقلم/ عبدالله دوبله
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 30 يوماً
الأربعاء 19 أكتوبر-تشرين الأول 2011 04:26 م

الطالب ( أ ) الأقوى يدخل في صراع مع الطالب (ب) الذي بدوره يستعين بزمرة من الرفاق إلى المشاركة ما يعدل النتيجة لصالحه، الطالب ( أ ) بدوره سيسعى لتوسيع الصراع بدعوة زمرة أخرى من الرفاق، كأمر يجعل من فناء المدرسة ساحة صراع محتملة، وهو أمر سيستدعي تدخل قوة أكبر ممثلة في إدارة المدرسة لفض الصراع..

بهذا النموذج البسيط يشرح الأستاذ "تشا تشنايدر" وهو من أهم "الجيو سياسيين" طبيعة القوة وتوسع الصراع، بمعنى "أن طبيعة أي صراع في العالم لا تتوقف فقط على قوة الطرفين المتصارعين، وإنما مرهونة أيضا بالأطراف الأخرى التي ستتدخل كلما اتسعت ساحته".. نقلا عن كتاب "الجغرافيا السياسية في عالمنا المعاصر" من ترجمات سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية.. 

ويمكننا من خلال النموذج بإسقاط بعض الدول أو مجموعات الصراع داخل الدولة نفسها محل الطالب "ألف" والطالب "باء" وعناصر القوة محل زمرة الرفاق من الطرفين، وقوة فض النزاع الدولية والإقليمية محل "إدارة المدرسة"، لفهم طبيعة الصراعات بين الدول أو بين الأطراف المتصارعة داخلها..

في الحالة اليمنية يمكن التدليل بالنموذج على طبيعة "الصراع" الراهنة بين السلطة وعناصرها من جهة، وبين المعارضة وعناصرها من جهة أخرى، والإشارة إلى قوة فض الصراع ممثلة بالجيران في الخليج، أو العالم من خلال مجلس الأمن.

فطبيعة الصراع وساحته هنا "اليمن" ليس بمعزل عن المنطقة "الإقليم" الخليجي، والعالم لطبيعة الموقع الجغرافي الذي تشغله، ونظرا للتهديدات المحتملة لتنظيم القاعدة.

كما يمكن القول أن طبيعة الصراع الراهنة "الثورة 2011" ليس بداية الصراع اليمني وإنما قمة ذروته، فهو في نظري يمتد إلى ما قبل هذا التاريخ بكثير، ربما إلى طبيعة الصراع داخل الشطرين القديمين الشمال والجنوب منذ "الثورتين سبتمبر وأكتوبر"، في داخلهما من جهة، أو فيما بينهما كطرفين من جهة أخرى.

مرورا إلى بداية "الوحدة" والطريقة التي تمت بها، وما أسفرت عنه من أزمة حرب صيف (94)، وصولا إلى شكل الأزمة الأخيرة الذي تمثلت بين مشروعين أحدهما تبناه اللقاء المشترك لدعم الديمقراطية والمشاركة بحزمة من الاصلاحات السياسية الشاملة، ومشروع السلطة المقابل ممثلا في "التوريث والتمديد"..

فقد كانت الأزمة الأخيرة واضحة جدا خلال السنوات الأخيرة 2000_ 2010 ، وصولا إلى أزمة انتخابات 2009 وتأجيلها الى 2011 وما مثلته كمحور وقضية رئيسية لطبيعة الصراعين "المشروعين" لعبور إحداهما إلى المستقبل "الإصلاحات السياسية" أو "التمديد والتوريث".

أذكر أني كتبت في ديسمبر 2010 مقالا بعنوان "2011 معركة فاصلة" كان في سياق توقع مآلات طبيعة الصراع اليمني المحلي، قبل الموجة الراهنة لثورات الربيع العربي.

لكن ما يمكن قوله الآن، أنه ومع بداية تشكل موجة الربيع العربي في تونس وفرار بن علي في 14 يناير مطلع العام الجاري، وقبل أن ينزل الطالب "ب" الذي نرمز به إلى "المعارضة" إلى الشارع للمطالبة بالتغيير، ذهب الطالب ( أ ) الذي نرمز به إلى "السلطة" الى إستعراض عناصر قوته ممثلة في اللقاء الموسع الذي عقده الرئيس مع قيادات الجيش بعد أسبوع من فرار بن علي، في رسالة قصد منها أن ما حدث في تونس كان إنقلابا عسكريا، وأن الجيش لا يزال تحت سيطرته هنا، لثني المعارضة عن التفكير في فعل مشابه..

كما ذهب إلى استعراض عناصر قوة أخرى ممثلة في اللقاءات التي عقدها الرئيس مع زعماء لقبائل عدة حول صنعاء،" يناير، فبراير، مارس" وتوزيع المال والسلاح عليهم، كما ذهب إلى الإستعانة بورقة العلماء أيضا، في إجراء طلب وساطة لجنة الزنداني التي فشلت حينها أن تكون في صالحه..

غير أن الطالب (ب) المعارضة والشباب في الشارع وجدوا بعد مجزرة الكرامة في 18 مارس الماضي، دعما من ذات العناصر _التي ذهبت السلطة في إستعراضها كأحد علامات قوتها في البداية_ ممثلا في إنضمام ودعم جزء كبير من الجيش بقيادة اللواء علي محسن الأحمر، وجزء مهم من القبائل بقيادة الشيخ صادق الأحمر..

وهذا النوع من الدعم الذي توفر للطرفين، والذي كانت السلطة السباقة إلى توظيفه واستعراضه، أوجد إحتمالات كبيرة لتوسع دائرة الصراع، وقوتها وخطورتها على ما هو أبعد من المساحة التي تدور عليها، وهو ما شهدنا عنده بداية تدخل واضح من الجيران في الخليج، بداية "إبريل" بطلب من الطالب ألف نفسه "الرئيس"، الذي كان قد طلب وساطة دولية قبل ذلك في مارس عن طريق السفير الأمريكي.

...

في الحقيقة لا يمكنني الحكم الآن على صوابية أو خطأ إنضمام جزء من الجيش والقبائل لساحة الصراع، فهو من جهة قد يكون خطأ، فيما يراه البعض أنه أفقد الثورة الشبابية أهم نقاط قوتها ممثلة في سلميتها، وفي هذا القول بعض الحق.

إلا أنه يمكن القول أيضا أنه بدون إنضمام هذين المكونيين لتوسيع ساحة الصراع وتوازنها، كان يمكن للثورة اليمنية أن تكون أشبه بما يجري في "سوريا" الآن، من قتل أكبر في صفوف المتظاهرين السلميين، وعجز عن التأثير، لطبيعة أحادية القوة التي ينفرد بها النظام هناك..

وقد بدى لنا أن سلمية الصراع لم تكن وحدها كافية في سوريا وليبيا، وهما كنموذجين أقرب إلينا من ناحية طبيعة الجيش العائلي المرتبط بأسرة الحكم، بعكس الجيشيين في نموذجي مصر وتونس. كما يبدو جليا عجز المجتمع الدولي عن التأثير في سوريا لعدة أسباب ليس المجال لذكرها الآن، ولولا النفط والثروة لما تدخل عسكريا في ليبيا.. 

ليمكن القول هنا في اليمن، وفق نموذج "فناء المدرسة" إن توسيع ساحة الصراع وتوازنها، بين الطالب ألف والطالب باء كان أمرا جيدا لإستدعاء تدخل إدارة المدرسة، وقد وجدنا المبادرة الخليجية التي تهدف لفض الصراع بشكل آمن وسلمي من جهة، وتحقيق المطالب المشروعة في التغيير من جهة أخرى، والآن في الدعم الدولي لها من خلال تدويلها في مجلس الأمن..

في حالتنا الراهنة أجد من المهم جدا تدخل " إدارة المدرسة" من جيران ومجتمع دولي لفض الصراع المحتمل، ومنعه من أن يتخذ أشكالا واسعة ومدمرة تهدد البلد والجيران والمجتمع الدولي أيضا..

ربما بات عليها "الإدارة، المجتمع الدولي" اسراع الخطى والضغط، منفردا، أو في مجلس الأمن، للوصول قبل تدمير المدرسة.