الإمارات بين روح الأباء وجسد الأبناء
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 6 سنوات و 11 شهراً و 29 يوماً
الإثنين 18 ديسمبر-كانون الأول 2017 06:09 م


في ظلِ شعارِ " روح الاتحاد " احتفلت دولةُ الإماراتِ العربيةِ بالعيد ال ( 46 ) لتأسيسها . لقد كان الاتحادُ روحا رفرف بالخير على أمة الإسلام والعرب , وكان يوما تجسدت فيه روحُ القوةِ والسلام , والوحدة والحرية .
اليوم هل مازالت الإماراتُ تجسد روحَ (الأباء) ؟ , أم أنها أضحت جسدَ (الأبناء) , جسدا خاليا من أية روح ؟ .
ـ أيقن الروحُ وجوبَ إقامة كيان سياسي موحد قوي , يؤسس حياةً عزيزةً لمواطنيه وأمته ، فكان إتحاد الإمارات العربية في 2 ديسمبر71م . منتهجا سياسة خارجية أساسها العدل والحكمة , وتاجها الحق والرحمة .
ـ اليوم هيمن الجسدُ بنرجسيته على جوارح الاتحاد قاطبة , فأصبحت له الكلمة القوية النافذة , متفردا بالقرار دون مساءلة من أحد في الاتحاد . ومنتهجا سياسة قائمة على مخالفة روحِ المؤسسين الداعية للخير والسلام .
ـ تجسدت روحُ الاتحاد , حينما عمل الشيخُ زايدُ مع الشيخ جابر الأحمد " رحمهما الله " على تأسيس مجلس التعاون الخليجي . فاستضافت أبو ظبي في 25 مايو 1981م أول اجتماع قمة له .
ـ أما جسد الاتحاد فهو اليوم يعمل على تفتيت وحدة هذا المجلس الحيوي , وتفكيك انجازاته في كل مجال .
ـ حلقت روحُ الاتحاد في سماء الخير والسلام , حيث قدمت الإماراتُ مليارات الدولارات في مساعدة الدول الفقيرة . وفي تنمية عدد من مشاريع الخير لصالح أسر معوزة في عدة بلدان . كما نفذ مشروعَ إعادة بناء سد مأرب باليمن . وبكل إخلاص ساهمت في حل كثير من مشاكل العرب , حيث قامت إلى جانب دولة الكويت بالوساطة بين عُمان واليمن الديمقراطي أثر نزاع حدودي , نتج عنه توقيع مصالحة بالكويت في نوفمبر 82م . ومثل ذلك بين مصر وليبيا , كما نجحت في التوصل إلى حل خلافات وطنية أخرى , داخل البلد الواحد .
ـ والجسد يقوم اليوم بدك البنية التحتية لعدد من الأوطان , عبر تحريك أياديه وأدواته من خونة تلك الأوطان لتحقيق أهدافه التوسعية والخفية . كما ينفق البلايينَ ليبسط على حقوق شعوب أخرى , معطلا مصادر خيرها ومنافذ دخلها القومي , ليبقى هو حيا اقتصاديا على حساب حياة غيره . يتضح هذا من خلال تعطيل ميناء عدن , وتوقيف مشروع قناة السويس . وفي ندوة بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة ، قال المفكرُ الأمريكي نعومُ تشومسكي " إن الدراساتِ تؤكد على أن تنفيذَ مشروعِ تطوير قناة السويس يهدد الاقتصادَ الخدمي لموانئ الإمارات , وسيدمر دبي اقتصاديا خلال 20عاماً " . وبات الجسدُ اليوم عاملا فاعلا في التفريق بين أبناء البلد الواحد . وله يدٌ لا تخفى في فتنةِ مصرَ , ومحنة ليبيا , وحرب اليمن , وحصار قطر , وميل بوصلة السعودية .
ـ تألق الروحُ في مواقفه الوطنية العربية , واضعا كل إمكانياته لصالح معركة الأمة . ففي حرب أكتوبر 73م , قال الشيخُ زايد " إن البترولَ العربي ليس أغلى من الدم العربي " ، فتم قطعه عن الدول الداعمة لإسرائيل .
ـ والجسد الاتحادي اليوم , لا يبالي بتلك المواقف , فله أهدافٌ خاصة , وأجندة محددة ينفذها . ولا ندري أين يقفُ من الصراع العربي الإسرائيلي . هل دورُه في انقلاب العسكر بمصر , وإصراره على بتر سواعد حماس الدفاعية , ومحاربة كل من يدعمها , يخدمُ قضيةَ العرب وفلسطين ؟ أم يخدم إسرائيل وأعداء الأمة والدين ؟ .
ـ أثر غزو العراق للكويت , لجأ 66 ألف كويتي إلى الإمارات , وقد هيأت لهم سبلَ المواصلاتِ من حافلات وطائرات لحملهم إليها . وأمر حينها الروحُ بمنحهم سكنا لائقا , ومساعدات مالية وإعفائهم من دفع أي رسوم .
ـ وجسدُ الاتحادِ اليوم يحاصر شعبَ قطر من أجل إجبارها على التغريد ضمن سرب الكناري والببغاوات . وداخليا قام بسن قوانين جزائية تقيدُ المواطنَ وتقهرُ المقيمَ . ومن خلالها شن حملة اعتقالات وإجراءات نفي واسعة , طالت كل مشتبه في معارضته , من العلماء والدعاة والمثقفين والحقوقيين والمحسنين وغيرهم , مواطنا كان أو مقيما .
ـ أعطى الروحُ بحسه العربي الأصيل ، بعداُ قوميا لواجبات القوات المسلحة الإماراتية . ففي الحرب الأهلية بلبنان 75م , قال الشيخُ زايد لقواته المشاركة ضمن قوات الردع العربية , والتي أوكلت لها مهمة أمن لبنان وسلامته : " إننا جزءٌ لا يتجزأ من الأمة العربية ، لنا حقوق وعلينا واجبات وأول واجباتنا المشاركة بكل ما نستطيع للدفاع عن أمتنا والذود عن كل شبر من أرضها يتعرض لعدوان أجنبي " . وشاركت قواتُ الإماراتِ مع قوات حفظ السلام الدولية في كوسوفو , والصومال 93م . وفي كل ذلك كانت تعمل ضمن أطار هذه القوات ووفق برامج مهامها .
ـ اليوم يعطي الجسدُ بُعدا محدودا ضيقا لواجبات قواته المسلحة , فمشاركته ضمن قوات التحالف في اليمن لم تعد تهدف إلى حماية روح المواطن وحرية الوطن . حيث تؤكد تقارير دولية وشهادات موثقة , مسؤولية الإمارات عن تغييب مواطنين واعتقالهم قسرا إلى جهات مجهولة ؟ . وعن اغتيال علماء ودعاة , ورجال دولة وأمن , ورموز وطنية واجتماعية غيرهم . وطالبت وكالة أسوشيتد برس , ومنظمة هيومان رايتس , والعفو الدولية , وغيرهم , دولة الإمارات بالكشف عن معلومات حول معتقلات سرية وغير سرية , تحت إدارتها . حيث وثقت المئات من حالات سوء المعاملة بمراكز الاعتقال , في السجن المركزي بعدن ، ومطار الریان ، والقصر الرئاسي بالمكلا , وقاعدةٍ لها في إريتريا . ورجحت أن تكونَ معظم الاعتقالات من تنفيذ قوات " الحزام الأمني " في عدن , و" النخبة الحضرمیة " في حضرموت . وهما قوتان تأسستا في 2016م ، ويُفترض رسميًا تبعيتهما لوزارة الداخلية , والجيش اليمني ، إلا أنّ للإمارات اليد الطولى في توجيههما وتسييرهما , وفقًا لتقارير ووقائع أكدت عملهما خارج سلطة الحكومة اليمنية بشكل كبير . وتجلى هذا في التحدي السافر لرأس القيادة الشرعية , ففي فبراير2017م , منعت قوات حماية مطار عدن , الموالية للإمارات ـ عمدا ـ طائرة الرئيس (هادي) من الهبوط , وهو على متنها . الأمر الذي أدى بعدها إلى اشتباكات للسيطرة على المطار ، وحينها قصفت مروحيات الإمارات مواقع تتبع الحماية الرئاسية . فأي أهداف سياسية واقتصادية تريد الإمارات تحقيقها ؟, عبر تنفيذ أجندتها الخاصة , بعيدًا عن سير الشرعية والتحالف .
ـ قد يظن البعض أن هذا المقال دليل كراهية للإمارات وشعبها , والحقيقة أنه حبٌ وحنينٌ لروح الاتحاد الموءودة , وفخرٌ وعرفان لرجالها المؤسسين الكرام , وما قدموه بالأمس من بناء ودعم لشعبهم , وما جسدوه من مواقف عزة ونصرة لشعوب بلدان أخرى . واليوم بكل أسف يستخدم الجسدُ الاتحادي كلَ إمكانياته الماديةِ والعسكريةِ في التدخل بشؤون بلدان أخرى , تدخلا لا يخدم أمنَها واستقرارَها , ولا يحيي اقتصادَها وشعبَها .
كم نفتقد ( روح الإتحاد ) السامية , والتي لا نرى من ذكراها اليوم إلا جسدا متخبطا , يحطم البنيان ويقهر الإنسان . وجسد كهذا لن يلبثَ إلا أن يسقطَ متهشما . وهذا ـ واللهِ ـ الذي لا نتمناه لإمارات الخير والسلام .