آخر الاخبار
الإبائية الغاء للعقل وسجن للحاضر
بقلم/ د. عبده سعيد مغلس
نشر منذ: 8 سنوات و 6 أشهر و 26 يوماً
الخميس 26 مايو 2016 07:27 م

في كل مراحل التاريخ عندما يصدع الأنبياء والرسل بالحق يواجهون الرفض من قِبل الناس وحجتهم واحدة في مختلف الأزمان وعند مختلف الرسل والأنبياء والمصلحين وهي لن نترك ما الفينا عليه أبائنا والأباء كمصطلح قرأني يعني الأباء والأجداد والقادة السياسين والدينين والأبائية لا تعني الأشخاص بعينهم ولكنها تعني سلوكهم ونتاجهم المعرفي والثقافي والأخلاقي والقيمي والإجتماعي المرتبط بزمانهم ومكانهم ومعرفتهم وأدواتها .

 هذا النتاج المعرفي مرتبط بزمان

محدد ويعالج مشكلات ذالك الزمن.

ويجب التفريق هنا منعاً للخلط بين دين الله والرسالة الخاتم التي حملها الرسول عليه الصلاة والسلام للناس كافة والصالح لكل زمان ومكان وبين فهمه المرتبط بزمانه ومكانه ومعرفته.

والزمن من قوانين الله وسننه فهو قانون متحرك يتجه اتجاه تصاعدي دون توقف يحمل لكل فترة من فتراته معارفها وعلومها وأدواتها يكشف فيها الله سبحانه قوانين تسيير الوجود لعباده العاملين عليها وفق سننه وتسخيره فيكتشفون ما استقر فيها من إنباء (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) الأَنْعَام ٦٧. وهكذا تتجه المعارف والعلوم تقود الإنسان وفق نسبيته المعرفية في كون معارف الله المطلقة الى منتهى الأمر حين تأخذ الأرض زخرفها ويظن أهلها بقدرتهم المطلقة بأنهم قادرون على تسيير دفتها بما وصلوا اليه من تطور ومعارف وعلوم وهنا يأتي أمر الله ليعيد الأمر الى مشيئته فهو المطلق المعرفة القادر على كل شيئ سبحانه.

ولن نجد وصفاً دقيقا لهذا الحدث أشمل وأدق وأفصح من قوله تعالى ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) يونس ٢٤.

لذالك فالأبائية مرض يصيب المجتمعات بالجمود والإندثار لأنها سعت للعيش خارج لحظتها الزمنية بما تحويه من معارف وعلوم وتطور وتوقفت عند لحظة زمنية من الماضي حيث أن معارفها وعلومها ومشاكلها لا تتسق ولا تتناسب مع لحظتها الزمنية المعاصرة ومشاكلها ومعارفها.

وهذه احدى مشكلات الأمة المسلمة اليوم فهي تعيش القرن الثاني الهجري بمشاكله ومعارفه وعلومه وشخوصه في زمن القرن الخامس عشر الهجري فتوقف الزمن بالمسلمين والغوا عقولهم وسجنوا حاضرهم بماضيهم فلا حاضر صنعوا ولا مستقبل وعاشوا على هامش الحضارة عالة عليها مستهلكين لمنتجاتهاغير منتجين لحضارة وغير مبدعين لبعدهم عن لحظتهم الزمنية الراهنة ومعارفها وعلومها وأدواتها يتخطفهم الطير وتمزقهم الخرافات والعصبيات يقتلون بعضهم البعض بأيديهم وأيدي أعدائهم ولم يفهموا سياق التاريخ وتطوره فعاشوا خارج لحظتهم التاريخية فخرجوا من التاريخ.

ولن يستعيدوا لحظتهم التاريخية الا حين يعيشوها هي لا لحظة غيرهم التي هي لأهلها وليست لهم وقد أوضح الله سبحانه في محكم تنزيله تحذيرا ووصفاً دقيقا لعلاقتنا بالأمم السابقة وحذرنا من اتباعها بعقول مُقيدة وعيون مقفلة بل الواجب أن نأخذ منها ما يفيد واقعنا لنبني عليه معارفنا وعلومنا.

وكذالك حذرنا سبحانه في التنزيل الحكيم من داء الأبائية ووصفه لنا وصفا دقيقا لنكون على وعي بمخاطره وبدورنا بالإستخلاف والشهادة على الناس.

لكننا هجرنا القرآن وبذالك هجرنا صناعة التاريخ بلحظاته المستمرة وعلومها ومعارفهاالمتجددة دوماً فخرجنا من التاريخ والحضارة.

وتعرف الأبائية التي كلف الله رسله وأنبيائه بمواجهتها والتصدي لها بأنها (اعتقاد الصواب المطلق في اجتهاد الآباء وآرائهم لحد يبلغ القداسة، بحيث يفضي اتباعهم وتقليدهم إلى الجمود، مع رفض ومهاجمة كل محاولات التجديد ودعوات مراجعة تراث الآباء ونقده).

ولنبحر معاً في رحاب أياته سبحانه لندرك ما هو مكتوب بين أيدينا عن علاقتنا بالأمم السابقة لنا وعن داء الأبائية ولم نستفد منه ولم نستوعبه.

ففي علاقتنا بالأمم السابقة يقول الله في محكم كتابه وقرآنه: 

(تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) البقرة ١٣٤/١٤١.

(قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ) الأعراف ٣٨.

وفي علاقتنا بمرض الأبائية يقول الله في محكم كتابه وقرآنه: 

(فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ) المؤمنون ٢٤.

 (فَلَمَّا جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ) القصص ٣٦.

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) البقرة ١٧٠.

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) المائدة ١٠٤.

(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْش