ماذا بعدك أيها الرئيس؟
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 7 أيام
الأربعاء 02 إبريل-نيسان 2008 05:01 م

مأرب برس - خاص

في الأفق البعيد، أرى عاتيات تتناسل سحب مخضبة بالإخصاب، وعند بشرى وصولها سنشرّع مواسمنا الخضرآء عبر إمتدادات الأحلام... من بدايات نزع الوجع الى نهايات اليقين.

ننتظر ميلاد وطن، لأن اليمن لاتزال تحمل وعدها، حبلى بالتحول.. بالبرق والرعود... عندما تنطلق صوب المخاض، عندها لن يستطيع أقزام جنح الليل مطاردة ولادة صبح الحياة الجديد.

بعدك... ستنهض اليمن من خرائبها.. وسنسبح حمداً لأنامل قدتك من صلصال قابل للتحلل إلى زوال... وحين يتفسخ كل ماحولك، كما جسدك مهترئاً في التراب. - قدرة بديعة تلك التي فصلتك كساعة رملية تستنفذ ذاتها في ذاتها حتى الصفر.

- سنتذكرك كمجرد حدث عرضي.. كطاعون انفلت عبثاً من أسمال بالية، حملت في ثناياها ما لايجوز ذكره.

ليس لأنك لست منا... بل لأنك لم تمنح الصبح فرصة! - تربعت على عرش من الزَّبد الوهمي، تعتصر خمراً عذابات الإنسان الجريح، وتشارك الأمر من يتلهون بالبصق على وجه الحرية الموءودة.

تحت هذه السماء، في وطن خيّر مغروس وسط ثروات لاحصر لها من المناهل، والجبال، والمناجم الراقدة بسهوله في سبات أهل الكهف.. وطن كان من الممكن ان يكون المصدر الأول بلا منافس لمكونات غابات الإسمنت المسلح، تلك التي تناطح عنان السحب في شبه الجزيرة كلها - حتى القرب فقط يؤهله للمنافسة -... صناعات كانت ستثري حساباتك السويسرية أكثر، وتبعد عن عمالته العاطلة والرخيصة رخص التراب على الأقل شبح الجوع.- لكنك تفاجئنا اليوم أننا على أعتاب "ثورتك الدخنية". عن أي دخن وصيد تهرف؟... في حين أنك لم تخرج بعد من عصرك الحجري، شاحتاً فتات هزيل، تأتي وتمنينا بالدخول في عصر الدخن الزراعي الذي سيجته بالجحيم والغوص البدائي الذي منعت عنه التنفس. - حتى ذلك أنت غير قادر عليه، وغير مؤهل له، بل نتحداك أن تعيد وضع اتيته وهو عامر على أحسن حال، قبل أن تسيس الكهل وتعسكر الرضع!

منذ ان سحبت الوطن من تحت اقدامنا، لاحشرجة لك يمكنها أن تبرر الأفعال التي سحقت ألق وجودنا فوق هذه الارض، ولا شيء يشفع لجريمة إغتصاب وتحريف "ثورة" إلى "ثروة". - وبالتحديد: ثروتك أنت!؟

- وقبل إنتهاء موسم خصي الرجال، ومطاردة الحكايات الشعبية عن الشجعان، سنشعل الف سؤال وسؤال.

ماذا فعلنا بكم حتى تلحقوا بنا كل هذا الأذى؟... ذلك كان سؤال أرملة ثكلى تبكي بمرارة امام عدسة فضائية، سيظل - إلى الأبد - سؤالها مدوياً في الضمير والآذان. - لتضيف: كيف يظل الناس على إنتمائهم - ويخيل لي أنها قالت إيمانهم - وذلك الفندم يطبخ لنا الكارثة تلو الكارثة على مدى ثلاثين عاماً؟

- لاعليكِ يا أُماه، الكل ينتظر سفور الآلام عن وجوهنا الصفراء من تعب الكوابيس. - إن شاء الله، ستتقدمين الجمع... كل الجمع، كهولاً وشباب إلى الوطن المرتجى، منتفضين على الآلام.. خالعين قمصان العويل والبكاء... لتعانقين الهواء القادم من فضاءات بِكر ما زالت تحفظ نقاوة اسلافنا.

فالتاريخ يا أُماه، مليء بسقوط الروايات الملفقة واهتراء حديد الترسانات المتكئة على شرعية اساطير مصطنعة... لاعليكِ، وعدالة السمآء أنه سوف يرحل رغم انفه، ومعه المفتونون بممارسة طقوس الشذوذ على جثث المطحونين.

- قري عيناً، لن تكنسنا الأحقاد يوم إحتشادنا.. إحتشاد الضحايا... بل سيكنس الإنسان المعذب بالأصفاد وحل اليوم، كما تكنس المدن القمامة العفنة من أرضها ويطهرها من الأوبئة.

صلي معنا - يا أُماه - من أجل الخلاص ودقي على أبواب وجدران الله، - إن عرش الفرعون يهتز عند مناجاة رب العرش العظيم -، وقيود القتلة تذوب امام نشيد الحياة الهادر بإستدعاءاتها الطالعة من اعماق التاريخ.

بعدك... سوف تمطر سماؤنا - مرةً اخرى - عرساً للأرض يلغي نشاز أوتار الكون... عرساً يملأ أقداح الدنيا خير وعطآء وحياة وصلوات.

بعدك... ستزرع الصحراء حدائق أمنها الغذائي، قمحاً وعنباً ونخلاً وابداعاً وانتاجاً وعلماً وفخراً.. وسوف يكون لنا أيام ومهارات وصناعات ونهارات جديدة ساطعة بالشموس تؤدي الى الجنتين... أرض أولوا القوة وأولوا البأس والحكمة... إلى وطن يشبه تاريخه على مر الأزمان.

abdulla@faris.com