القُشَيْبِيُ … عميدُ الشُّهَدَاءِ وَعُكَازُ الجمهوريّةِ
بقلم/ علي محمود يامن
نشر منذ: 21 ساعة و 46 دقيقة
الثلاثاء 11 مارس - آذار 2025 12:55 ص
 

مَثَّلَ استشهادُ العميدِ الرُّكْنِ حَمِيْدِ القُشَيْبِي في 8 يوليو 2014م نقطةً فارقةً في تاريخ اليمن المعاصر، ومهّد الطريقَ لوصول مليشيا الحوثي الإرهابية لتخوم العاصمة صنعاء، وقد شارك تاريخياً في معارك الدفاع عن الثورة، وترسيخ دعائم النظام الجمهوريّ شاباً فتياً يافعاً في ستينيات القرن الماضي. 

     والقُشَيْبِيُ من أوائلِ القادةِ العسكريين البارزين الذين وقفوا في وجه الإمامة بنسختها الجديدة منذ انطلاق تمردها المسلح في مطلع العام ٢٠٠٤م، وهو صاحب المقولة المدوية قبل استشهاده في رفض العودة إلى عهود الظلام :

(سنقاتل حتى آخر جندي، وسنموت على ساحات الشرف، لن أخون شرفي العسكريّ، ولا نامت أعين الجبناء.)  

كان -رحمه الله- شديد الاعتزاز بذاته، وانتمائه للمؤسسة العسكرية، ومعتداً في الحفاظ على شرف القسم العسكريّ الذي ردده ذات يومٍ خالدٍ، يوم تخرجه من الكلية الحربية اليمنية المصنع الذي أنجب خيرة وأنبل شباب اليمن.

 

"أقسم بالله العظيم، باعتباري جندياً في القوات المسلحة اليمنية، أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوريّ، وأن أحترم الدستور والقوانين، وأن أراعي مصالح الشعب وحرياته، وأن أحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه، وأن أنفذ أوامر رؤسائي الحقة في البر والبحر والجو ..."

إن شرف الانتماء للمؤسسة الوطنية العسكرية تعبير صادق عن أسمى القيم الوطنية، وأنبل الغايات الإنسانية، ومن أقدس المعاني التي تتحلى بها الجيوش، وهي ركيزة من ركائز الإيمان بالله؛ حيث خلق الأوطان وحبّبها إلى نفوس أبنائها، والجندية الحقة من لوازمها حب الأوطان، والتفاني في الدفاع عن حياض الدين، وحماية المقدسات.

  هذه الفلسفة لمعاني والشرف

 الجندية، هي التي آمن بها الشهيد، وجسد معانيها العظيمة في سلوكه طوال حياته العسكرية، و وَفَى بقسم الدفاع عن الوطن، والذود على كل ذرات ترابه، وهو يستقبل عشرات من الرصاصات الغادرة في جسده المثقل بالجروح، وهامته المرفوعة التي هزمت القتلة المدججين بنيران الموت الغادر.

  وهو أحد الشخصيات الاجتماعية ذات العلاقات الواسعة، ويحظى بقبول عند مختلف الأطياف السياسية والقبلية في محافظة عمران، وحظي بارتياح واسع لمواقفه الوطنية الجمهورية على امتداد الساحة اليمنية.

  نقف في هذه السطور مع شذرات مضيئة من حياة الشهيد البطل حميد القشيبي.

 

أولاً: الميلادُ والنّشأةُ والجندية:

ولد في العام 1956م، في مديرية خمر، بمحافظة عمران، وفيها تلقى تعليمه الأولي، وعاش الحياة الريفية في المجتمع القبلي الذي يصنع الاعتداد بالنفس والقبيلة، وتشرب قيم التعاون والنصرة، وعمّق الانتماء للمجتمع.

   التحق بالقوات المسلحة اليمنية في بواكير العهد الجمهوريّ، وشارك في الدفاع عن ثورة سبتمبر المجيدة، والتحق بالدراسة العسكرية، وتـخـرج في الـكـلـيـة الـحـربـيـة عـام 1977م، وقد تعين قائد سريةٍ في قوات الحرس الجمهوريّ، وكان متفانيا وناجحا في عمله. 

  عمل في قيادة الحرس الجمهوري بالسواد: قائد كتيبة مدفعية، ثم أركان الكتيبة، ثم قائدها، ثم أركان حرب لواء مدفعية الحرس الجمهوري، وقائدا لقطاع دمت.  

 

  ارتبط بسلاح الدروع منذ وقت مبكر؛ فتعين أركان حرب اللواء السادس مدرع في القفلة بعمران، ثم أركان حرب اللواء الأول مدرع في العام ١٩٩٢م، ثم قائداً لذات الـلـواء الذي يعد نواة سلاح الدروع اليمنيّ، وتشكل في العام عـام 1973م كأول ألوية الدروع اليمنية بعد ثورة السادس والعشرون من سبتمبر، تكوّن من ثلاث كتائب دبابات تي ٥٥ روسية الصنع، وتطور بشكل كبير إلى أن وصلت إلى الفرقة الأولى مدرع، وكان لهذا اللواء أدوارٌ مفصلية وحاسمة في الأحداث المتتالية في العهد الجمهورية، وتم دمج اللواء مع اللواء الثالث مدرع عقب حرب صيف ١٩٩٤م؛ ليشكل اللواء ٣١٠مدرع ضمن تشكيل المنطقة الشمالية الغربية والفرقة الأولى مدرع. 

 

  زهاء نصف قرن عاش جنديا مخلصا لوطنه، متجردا في سبيل شعبه، مدافعا عن ثورة السادس والعشرون من سبتمبر المجيدة، مؤمنًا بأهدافها العظيمة، ومعتزا بانتمائه للقوات المسلحة اليمنية، 

وحرص على بناء قدراته العسكرية والعلمية منذ التحاقه بالكلية الحربية، وتأهيله المتواصل ضمن دورات تدريبية علمية متخصصة في المجالات العسكرية والإستراتيجية، 

وحصل على الماجستير في العلوم العسكري من كلية القيادة والأركان في العاصمة العراقية بغداد.

وقد تميزت حياته العسكرية كضابط محترف بالحزم، والانضباط، والالتزام بمعاير الكفاءة العسكرية، ومبادئ الجندية الصارمة، وكقائد بالمتابعة، ومراقبة الأداء، والاهتمام بالتدريب والتأهيل، والحفاظ على الجاهزية، وتفعيل أدوات المحاسبة والرقابة. 

 

ثانيا: مواجهة التمرد في محافظة صعدة:

 

عندما أطل التمرد الحوثي من جبال مران في صعدة في ٢٠٠٤ م؛ أذاق التمرد ويلات خروجه على الدولة، وتميز كقائد عسكريّ يعرف مواطن القوة والضعف الفكرية والعسكرية والبنيوية في أعدائه، وكان على دراية ومعرفة كاملة بخطورة المليشيات المتمردة، وتوجهاتها الطائفية ومشروعها الإماميّ، ومخاطر أذرع إيران على اليمن والجزيرة العربية، مدركا لحساسية وأهمية موقع اليمن المهم، ومحاولات إيران خلق مناطق خطيرة في الخاصرة السعودية الجنوبية.

 

   وقد قام عند اندلاع التمرد بتحريك الكتائب المسلحة من عمق مدينة عمران من اللواء ٣١٠ مدرع؛ ليدك معاقل التمرد في كهوف مران، وركز في تلك المرحلة على البناء المعنوي والعقائدي للقوات القائم على حفظ النظام الجمهوري، والدفاع عن السنة في وجه الزحف الطائفيّ الالشيعية.  

   قاد معركة مران بجسارة القائد، وفدائية المحارب، وعلى مقربة من ساقين تمركز بقواته؛ ليتقدم في معركة فاصلة وبخطة عسكرية محكمة، حيث قسم خلالها قواته إلى قوات هجوم، واقتحام بقوام ٣٠٪، وبقية القوات للتعزيز، وضمان استمرار تطوير الهجوم؛ فحقق نصرا أسطوريا في كبح جماح التمرد في عقر داره، ورفع علم الجمهورية على قمة جبل مران؛ أصيب في تلك المعارك بإصابة بليغة في العامود الفقري، كانت بالغة الخطورة؛ نتيجتها كانت ستؤدي إلى إقعاده عن الحركة، فشاءت إرادة الله له العافية؛ ليعيش بعرجة سيدخل بها جنة عرضها السماوات والأرض، مخلدا ذكرى مجد في أنصع صفحات التاريخ.

 

ثالثاً: قراءة لزحوف التمرد نحو العاصمة: 

 

 بدأت الحركة الحوثية منذ وقت مبكر وبدعم إيراني بالتخطيط، والإعداد، لإسقاط النظام الجمهوريّ، والإستيلاء على الدولة اليمنية؛ 

فقامت بالإعتداء على معسكرات القوات المسلحة، وإسقاط محافظة صعدة، والسيطرة على مؤسسات الدولة، وضرب البنية الاجتماعية والسياسية السنية في المحافظة، والتمهيد للسيطرة الكاملة للمليشيا الشيعيةالحوثية. 

فقد أعلنت الحكومة اليمنية في 1 فبراير/شباط عام 2013 م ضبط سفينة شحن قادمة من إيران محملة بأسلحة ومتفجرات، بينها صواريخ "سام 2" و"سام 3" المضادة للطائرات بغرض إنزالها بصورة سرية في الشواطئ اليمنية، وتسليمها لميليشيا الحوثي الارهابية.

وعلى الرغم من بدء جلسات الحوار الوطني برئاسة الرئيس هادي في 18 مارس/آذار من ذات العام، ومشاركة مختلف أطياف المجتمع بما فيهم حركة الحوثي المتمردة؛ إلا أنها أقدمت في أغسطس/آب 

على اقتحام مدينة دماج بمحافظة صعدة شمال اليمن، وسقط عشرات القتلى في مواجهات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين قوات الحوثي وطلاب العلم من الجماعة السلفية، مع تخاذل الحكومة، ورئاسة الجمهورية تحديدا في حماية مواطنيها ورد الصائل، وفي خطوة تفتقد لإرادة الدولة أرسلت لجنة وساطة، والتي توصلت في 

7 يناير/كانون الثاني إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإنهاء التوتر في محور حرض بمحافظة حجة بين الحوثيين والسلفيين، والقوى المقاومة للتمدد المليشياوي؛ وهو الاتفاق الجائر والمجحف؛ والذي هجر مواطني دماج في 15 يناير/كانون الثاني، ولعب رئيس الجمهورية المناط به دستوريا حماية مواطني الجمهورية دورا سلبيا في سرعة تهجير أبناء دماج، وإبقاء الأوضاع مضطربة؛ ليتسنى له الضغط على القوى السياسية التي تقودها نخب ضعيفة ولا تملك مخيلة سياسية وروح قوية لمراكمة التجربة ومتابعة السير في مشروع التغيير، فقامت تلك النخب في 25 يناير/كانون الثاني بالتمديد لرئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي لمدة عام آخر، وأقرت قيام النظام الإتحادي الجديد للبلاد في مؤتمر الحوار الوطني، الذي تم بموجبه تفويض هادي بتعديل الحكومة، وإعادة هيكلة مجلس الشورى؛ لمنح الجنوب والمتمردين الحوثيين مزيدا من التمثيل، كما منحه الإشراف على صياغة الدستور الجديد. 

أدت السياسة الرخوة للحكومة، وتقاعس القوى السياسية في مواجهة عودة الإمامة إلى سيطرت الحوثيون على مدينة خمر معقل قبيلة حاشد في محافظة عمران شمالي اليمن في 2 فبراير/شباط،

بعد معارك عنيفة مع المواطنين والقوى الجمهورية المقاومة.

 

وتجددت المواجهات في 6 فبراير/شباط بين الحوثيين والقبائل في منطقة أرحب شمال شرق صنعاء، بعد انهيار الهدنة التي وقعت في وقت سابق.

 

رابعاً: مواجهة المليشيا الانقلابية :

توالت زحوف المسلحين المتمردين على محافظة عمران، ودارت معارك ضارية لعدة أشهر، تصدى خلالها اللواء ٣١٠ مدرع للمتمردين، في ظل خذلان شديد من قيادة وزارة الدفاع، ورئاسة هيئة الأركان العامة، والذي صرح وزير الدفاع بأغرب تصريح لوزير دفاع في العالم عن حيادية الجيش في حرب ضد بعض قواته، وضد بوابة العاصمة الشمالية والنظام الجمهوري، الذي يعد أهم ركائز الدولة، وأقدس مرجعيات الشعب.

 دق الحوثي أبواب عمران في معركة غير متكافئة؛ خذلت فيها عمران من قيادة الدولة ونخب المجتمع، في غفلة من الزمن، وغياب تامٍ ومخزٍ للشعور بالمسؤولية الوطنية، ظلت الحكومة اليمنية طوال فترة الاعتداءات على مؤسسات الدولة، ومعسكرات الجيش والأمن تلعب دور الوسيط بين العميد القشيبي والمليشيات، دون أن تقوم بواجبتها في الدفاع عن كرامة الدولة.

 

هاجمت المليشيا مواقع الجيش والمعسكرات، وكان الواجب الوطنيّ يستدعي المواجهة؛ دفاعاً عن شرف المؤسسة العسكرية، وحفاظاً على الأمن والاستقرار والسكينة العامة والسلام الاجتماعي، وعلى مؤسسات الدولة، وممتلكات وكرامة وحرية المواطنين.

وحول خذلان وتآمر قيادة وزارة الدفاع، ورئاسة هيئة الأركان العامة العامة، يقول الشهيد القشيبي في تسجيل له: إنه كان يتواصل مع قيادات وزارة الدفاع، ويرفع لها تقريراً كل يوم، وإن الجماعة تريد دخول عمران، ثم دخول صنعاء، ولكنهم كانوا يتجاهلونه، ولا يتعاملون معه بجدية، بل ذهبوا إلى إعلان موقف الحياد مما يجري.

يقول عنه الشهيد الشدادي من موقعه كمسؤول للشؤون المالية عمل تحت قيادة الشهيد القشيبي لمدة اثني عشر عاما:

 

" إن استشهاده بالنسبة للعسكريين الوطنيين المدافعين عن شرف الجيش والقوات المسلحة يمثل ثورة قيم وطنية، ولقد كان يعمل على حل المشاكل، وتقديم ما يستطيع محافظا على نزاهته لا يأخذ شيئا لنفسه، وشهادة للتاريخ لم يقبل لنفسه أي شيء من رديات الوحدات العسكرية التي يتولى قياداتها، وكان من أنزه وأعف القادة ".

 

 وبعد معارك طاحنة تصدى فيها اللواء ٣١٠ مدرع ومنتسبيه الأبطال ومجاميع وطنية مقاومة، قامت المليشيا في يوليو/تموز 

بالـسيطرة على محافظة عمران شمال اليمن بعد قتال أدى لنزوح آلاف اليمنيين، وقامت المليشيات بتدمير منازل معارضيها، والاستيلاء على مؤسسات ومقرات التجمع اليمني للإصلاح، والقيادات السياسية والقبلية المرتبطة به. 

 قاتل القشيبي متكئاً على عصاه التي تشكّل حاملاً موازياً لجسمه الذي أصيب وهو يقاتل مليشيات الحوثي الإمامية على تخوم محافظة صعدة، وفي عمق كهوف الكهنوت مدافعاً عن الجمهورية المبدأ الأسمى والأحب لأبناء الشعب اليمنيّ، شكّل درعا قوياً وحصينا للجمهورية في زمن الخذلان الكبير للرجل الأقوى في شمال الشمال لعقود مضت من عمر الجمهورية، وهذا ما ضاعف الحقد عليه من فلول الكهنوت الإماميّ. 

   كان آخر تصريح له أنه سيقاتل، وسيدافع عن مبادئ وأهداف الثورة والجمهورية، وعن مدينة عمران، وعن شرف العسكرية اليمنية، مهما حصل من خيانات وتآمر، وقد أوفى بعهده ووعده، وصدق الله والوطن.

 جسد القشيبي نموذج المناضل الصلب، والقائد الفذ المسكون بوطنه، والمليء بعنفوان الجمهورية إلى ذلك الحد من الصمود الأسطوري واليقظة والإنتباه، وهو يدافع عن البوابة الشمالية لعاصمة البلاد، ويدير الحرب منفردا، محافظا على الأبعاد الوطنية لمعركة الكرامة التاريخية لليمنيين، مع خذلان وتآمر الجهات العليا. 

 مات القشيبي ميتةً تليق ببطل وطنيّ، ورمز جمهوريّ، ومحارب شريف، قدم ورفاقه الميامين دروساً تاريخيّة في الصمود والتضحية والفداء؛ ليبقى في الذاكرة الوطنية رمزا تاريخيا، وأيقونة جمهورية لنضال الأحرار في مواجهة الكهنوت الإمامي الأرعن.

 

  فقد اليمن بكل تجلياته كوطن ومؤسسات أحد قادته العظام، وأبطاله المغاوير الشجعان، وقدمت القوات المسلحة اليمنية أحد أشرف ضباطها، وخيرة قادتها شهيدا مجيدا في الذود عن حياض وكرامة الوطن، الشخصية الوطنية السامقة، ومن أخلص العسكريين لمبادئ وأهداف الثورة والجمهورية والوحدة،

كتب بدمه النداء المدوي للأمة العربية حول مخاطر التمدد الإيراني الصفوي، ودون بأحرف من نور ونار اسمه في سجل العظماء الخالدين.

 

كانت المعركة الأخيرة وجهاً لوجه، ومن المسافة صفر مع ما تسمى بـ كتائب الموت الخمينية في حوش الاتصالات. 

  صمد فيها الرجل، وقاتل هو ومن معه من الأبطال حتى آخر طلقة، وصمد حتى آخر نفس، لقنوا خلالها عصابات الموت دروسا في الشجاعة والإقدام والثبات على المبادئ والقيم والمواقف الوطنية، وقتلوا منهم العشرات حتى استشهدوا في الثامن من يونيو 2014م، في ملحمة بطولية عظيمة.

 خامساً: الشهيد في ضمير رفاق دربه:

 نعت هيئة أنصار الثورة الشبابية الشعبية السلمية بقيادة الفريق أول ركن/ علي محسن صالح نائب رئيس الجمهورية السابق الشهيد في البيان التالي :

  " قال تعالى ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون)) صدق الله العظيم

ببالغ الحزن وعميق الأسى، وبقلوب مكلومة، وأعين دامعة تنعي هيئة أنصار الثورة الشبابية الشعبية السلمية استشهاد البطل العميد الركن/ حميد حميد منصور القشيبي قائد اللواء 310 مدرع، الذي استشهد بمحافظة عمران أثناء أداء واجبه الوطني، والذي قتل غيلة وغدراً بعد اتفاق بإيقاف إطلاق النار على أيدي جماعة الحوثيين المتمردة، في مسلسل الغدر وخيانة الوطن وثورته وتضحيات أبنائه الأبرار.

وإننا في هيئة أنصار الثورة الشبابية الشعبية السلمية إذ نعبر عن بالغ حزننا، وعميق أسفنا لاستشهاد أحد قادتها الأفذاذ الشهيد البطل العميد الركن/ حميد القشيبي -رحمه الله وتقبله في مسالك الشهداء الصادقين الوعد مع ربهم-.

لقد كان الشهيد البطل -رحمه الله- من مناضلي ثورة 26 سبتمبر الخالدة، وممن ساهموا في تفجيرها والدفاع عنها في مختلف المواقع البطولية وجبهات القتال، والتصدي لفلول الإمامة وأعداء الجمهورية والثورة، والمدافعين عنها بكل استبسال وتضحية، ولقد كان رحمه الله أسداً هصوراً، ورجلاً بمقدار أمة، لم يخش في الله لومة لائم، ولم تلن له قناة، ولم تفتر له عزيمة أمام تآمر المتآمرين، وحقد الحاقدين على الوطن وثورته ونظامه الجمهوريّ، عرفناه رجل مواقف، جلداً في الشدائد، صابراً عند المحن، محتسباً عند الابتلاء، ذلك هو الشهيد البطل العميد الركن/ حميد القشيبي، الذي يصدق فيه قول المولى عز وجل ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)) صدق الله العظيم، والذي باستشهاده فقد الوطن وقواته المسلحة أحد أبطاله وأبنائه الأبرار ورجالاته المخلصين، والذي كرس حياته رحمه الله ثائراً من ثوار سبتمبر، وابناً باراً بوطنه وأمته وشعبه، مدافعا عن الوطن وثورته ونظامه الجمهوري وأمنه واستقراره، استرخص روحه رحمه الله أمام واجباته تجاه وطنه وأمته.

ولقد كان رحمه الله قائداً فذاً، وعسكريا فريداً في التزامه واحترامه للمؤسسة الوطنية التي ينتسب إليها، وواحداً من أبرز القيادات العسكرية المشهود لها بالنزاهة والتضحية والفداء، وكان 'رحمه الله- محمود الخلائق معدن للعطاء، ليثاً إذا عدا، خيره مأمول، وعدوه مغلول، وبره موصول، أفعاله -رحمه الله- كأخلاقه وأخلاقه كأعراقه الحميدة، كان-رحمه الله- كالمسك إذا خبأته عبق، وإن نشرته دفق، حميد في صفاته ونبله كما اسمه، متسامح ودود، رحيب الصدر، عظيم القدر، جريء خطار، جسور هصار يغشى الوغى، ويقتحم حومة الردى، أخلاقه رضية، وأعراقه زكية، وشيمته ذكية، وهمته علية، كان -رحمه الله- يتواضع عن رفعة، ويزهد عن قدرة، وينصف عن قوة.

ولقد كانت له من الأدوار البطولية الكثير والكثير في مضمار الدفاع عن الثورة والنظام الجمهوريّ وعن سيادة الوطن وأمنه واستقراره وسيادة النظام والقانون، ولا يسعنا في هذا المقام تعدادها لكونها سفراً طويلاً من البطولات الخالدة التي سيسجلها له التاريخ بأحرف من نور.

ولقد تدرج الشهيد البطل في العديد من المناصب منها: أركان حرب اللواء السادس في القفلة بعمران، ثم أركان حرب اللواء الأول مدرع، ثم قائداً لنفس اللواء الذي تحول اسمه إلى اللواء 310مدرع، وقائدا لمحور سفيان -رحمة الله تغشى روحه الطاهرة-.".