الحرب الخفية
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: سنتين و 3 أشهر و 4 أيام
الأربعاء 07 سبتمبر-أيلول 2022 06:42 م
 

قصة قصيرة

في بيتنا الريفي كنت أضع رأسي على الفراش لأنام وأنا أستمع إلى شخير إخواني يختلط بصرير الجدجد ومع هذا فأنام ملء جفوني ، لكنني منذ سكنت المدينة صرت أشمئز من رؤية الحشرات ، وإذا رأيت حشرة في المطبخ فإني أظل لأيام أشتري الطعام من المطاعم المجاورة ، زوجتي أعجبها الأمر وكلما طلبت منها أن تعد لي بعض الوجبات ترد علي : ـ

أخشى أن أعد الوجبة ثم ترى الحشـ أقاطعها : ـ

خلاص سنشتري الطعام من المطعم . وزاد وزن زوجتي كثيرا ، وظلت تبتزني بالحشرات حتى فرغت جيوبي ومللت من أكل المطاعم ، طلبتُ من زوجتي أن نغسل المطبخ وننهي وجود الحشرات لكنها تعللت بأعذار سخيفة ، وحينها قررت أن أنفذ حملة غسيل شاملة في المطبخ ، غسلت كل الأواني وأخرجتها إلى الصالة ، أغني أغنية قديمة لا أدري كيف تذكرتها ، بعدها غسلت المطبخ جيدا ، يومها اختفت الحشرات ، أعددنا وجبة العشاء في المنزل وأنزاح عني كابوس الحشرات ، لقد انتصرت . في اليوم الثاني دخلت المطبخ ففوجئت بعودة الحشرات ، لاحقتها وقتلت بعضها واختفت أخريات بين الصحون والأرفف ، حاولت ملاحقتهن لكنني بدلا من قتلهن كسرت بضعة أطباق وأكواب وأصبت بإحباط شديد واشمئزاز وكدت أتقيأ. بحثت عن أي منافذ تدخل منها الحشرات إلى المطبخ لأسدها فلم أجد ، استسلمت وعدت لشراء الأكل من المطعم ، لمحت في وجه زوجتي نظرة تشفي وفرح بما حدث فقلت لها : ـ

الحرب سجال والمعركة مستمرة . ضحكت الزوجة وأنا أكاد أتميز من الغيط .

شكوت إلى صديق ما يحدث لي فدلني على الشركة المصرية للتنظيف ، اتصلت بهم وجاؤوا ، فرشوا طرابيل كبيرة في الحوش ، أخرجوا كافة أثاث المنزل إليها ثم قاموا برصه بشكل أهرام ، غسلوا المنزل بالمطهرات المختلفة ، فتحوا النوافذ وغادروا .

في المساء بقيت بالحوش أحرس الأثاث فيما الزوجة والأولاد في بيت عمي ، بقيت أدافع النوم حتى انتصف الليل ونمت .

في اليوم التالي عادوا ونظفوا المنزل للمرة الأخيرة ثم دهنوا الجدران ، وسدوا الشقوق ، ألصقوا عليه أوراق مقوى لمناظر رائعة من سويسرا ، أعادوا كل الأثاث إلى مكانه ثم أخرجوا لي فاتورة طويلة صعقت عند رؤيتها ، مبلغ خيالي يفوق مرتب شهرين ، فاوضتهم لساعات حتى خفضوا المبلغ إلى النصف.

صاح كبيرهم : ـ

احمد ربك دي كانت مزبلة . وأضاف : ـ

دا أنت دي الوقت في سويسرا .

جمعت كل ما أملكه من نقود وسلمتها له ، عدها ثم صاح : ـ

دا نص المبلغ يا أستاذ ! اقترحت عليه نقسط بقية المبلغ ، لكنه رد بجفاف : ـ

مهلتك إلى آخر الشهر وإلا سآخذ الثلاجة بفلوسي .

بعد مغادرتهم اتصلت للزوجة فجاءت مع الأطفال ليجدوا المنزل قد تحول إلى جنة سويسرية .

وبمناسبة التجديد أشترت الزوجة كيلو لحم وطبخناه فيما الأطفال يحملقون في صور الحائط بسعادة .

وجاء آخر الشهر ودفعت للشركة بقية حسابها .

في اليوم التالي ظهرت الحشرات فجأة فكدت أصاب بالجنون وأنا أصرخ : ـ

أدفع كل ذلك المبلغ ولم تختف الحشرات ؟!! اتصلت بالشركة فرد علي مديرها ببرود قاتل : ـ

وأنا أعمل لك إيه يعني ؟!

وأضاف : ـ يمكن تجي من الحوش لو تحب نجي ننظفه ما فيش مانع ؟ وسألته : ـ

بس تنظفوه مجانا لأني عميلكم . ضحك كثيرا : ـ كله بحسابه يا أستاذ ما فيش حاجة مجاناً .

لم أدر ماذا أقول له ، أغلقت الهاتف في وجهه وأنا غير مصدق ما يحدث لي .!

استسلمت للواقع وقررت مواجهة الحشرات ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، لكن الحشرات تكاثرت إلى درجة أنها صارت تتجول بأعداد هائلة في المطبخ والصالة وبقية الغرف في شكل مثير للقرف والاشمئزاز .

!

أقرأ في كتاب فأجد الحشرات بين السطور ، أرميه جانبا وأتحول إلى التلفاز فتتجمع لتغطي الشاشة ولا تترك لي إلا شريط الأخبار ، لقد وصلت بها الوقاحة إلى أنها كانت تأتي وتقتحم ثيابي فأحس بها تسرح في ظهري أو تعبر صدري فأقفز وأرمي ثيابي وألاحقها شبه عاري وأنا أتوعدها وأهددها بالإبادة الشاملة .!

أثناء عودتي من عملي مع اقتراب العيد طلبت الزوجة بعض الجرائد لتنظف بها الأدوات فذهبت.

إلى الكشك المجاور واشتريت كمية من الجرائد الصفراء وعدت بها وحين ألقيتها في الصالة وخلعت جواربي التي لم أغسلها منذ أشهر فوجئت بالحشرات تغادر الصالة مسرعة وقد سدت فمها بيديها ، أسرعت أفتح لها النوافذ ، ثم حملت رزمة من الجرائد بيد وبالأخرى جواربي وطاردتها في كل أرجاء البيت حتى تم جلاء آخر حشرة .! علقت بعض الجرائد في المبطخ بجوار جوربي المعفن ، وضعت الجورب الآخر في الصالة ، ووزعت بقية الجرائد على أرجاء البيت ومن حينها اختفت الحشرات وإلى الأبد .!