مسلسل الجثث في العراق الجديد
بقلم/ احمد الظرافي
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 15 يوماً
الأحد 15 يوليو-تموز 2007 05:34 م

مأرب برس - خاص

لا يبدو أن هناك نهاية لمسلسل الجثث التي توجد بشكل يومي بالعشرات في شوارع بغداد وبقية المدن العراقية ، يحدث هذا برغم وجود مائة وستين ألف جندي أمريكي في العراق وأضعافهم من الجنود العراقيين - فضلا عن عشرات الآلاف من الشرطة والحرس الوطني وقوات البشمرجة الكردية ، فما لفائدة إذن من وجود كل هذه القوات إن لم تكن قادرة على حماية المواطن العراقي الأعزل ؟ وما الفائدة من هذه الخطط الأمنية التي نسمع بها كل يوم ؟ أهي فقط للدعاية الإعلامية ولذر الرماد في العيون ؟ أم هي فقط لسرقة موارد ومقدرات العراق ولزيادة مأساة العراقيين ؟

ورغم ما في هذا الأمر من بشاعة ، ورغم أن قتل إنسان واحد فقط على هذا النحو هو بحد ذاته جريمة نكراء لا تغتفر– إلا أنه رغم ذلك حتى مع تزايد أعداد الجثث وانتشارها ، قد أصبح - ياللغرابة ويا للعجب العجاب - شيئا عاديا ومألوفا ليس لقوات الاحتلال الأمريكي فحسب – وهي المسئولة قانونيا عن هذه الجثث بشكل مباشر في واقع الأمر - وإنما أيضا لمن يدعون أنهم يمثلون الشعب العراقي في الحكومة الحالية، حتى بالنسبة للأطراف السنية المشاركة – أو بالأصح الموجودة كديكور - في هذه الحكومة الطائفية الحالية التي أقامها الاحتلال ، حيث يتم الإعلان عن تلك الجثث يوميا من قبل أجهزة الحكومة العراقية ، وقوات الاحتلال فلا يهتز ضمير أحد ولا تنزل قطرة دمع واحدة ، وقليل جدا من يسأل أو يتحرى حول مصدر تلك الجثث ، ولماذا يتم التخلص منها على ذلك النحو البشع ؟ وكأن هؤلاء الضحايا ليسوا من بني البشر ، ولا توجد خلفهم أسر وعوائل تقطعت أكباد أفرادها بكاء وحسرة عليهم وقتلهم القلق على مصيرهم ، وكأن كل أولئك المسئولين في تلك الحكومة قد صاروا بلا وجدان - وهم كذلك بالفعل وإلا لما قبلوا أن يكونوا مطية للمحتل يمرر عليها مخططاته وجرائمه النكراء في عراق الرشيد .

وليس ذلك فحسب بل أن ما يسمى بمنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان - التي أقامت الدنيا ولم تقعدها حول ما يجري في أقليم دارفور - لا تولي هذه القضية أي اهتمام حقيقي ، وكأن أرواح العراقيين قد هانت على الجميع وأصبحت دماؤهم أرخص من الماء الآسن .

ولو أن ثمت عضو فيما يسمى بـ " البرلمان العراقي " الحالي ، لو أن ثمت عضو لديه ذرة من دين أو كرامة أو إحساس بالمسئولية ، سواء من جبهة التوافق أو غيرها لطلب فتح تحقيق محايد حول هذه الجثث التي توجد بالعشرات في بغداد ولكن أنى يكون ذلك ؟ وهل فاقد الشيء يعطيه .

وفي واقع الأمر - ورغم أن الاحتلال الأمريكي هو المسئول الأول عن كل ما يجري في العراق - فلا يمكن لأصابع الاتهام بشأن تلك الجثث إلا أن تتوجه صوب الحكومة العراقية التي يرأسها كرزاي بغداد ، نوري المالكي ، وهي الابنة غير الشرعية ( السفاح ) للمحتل الغاصب ، الذي سطا على العراق بشكل همجي وحشي وقوض أركان دولته وحكومته الشرعية ، حيث يعتقد أن هذه الجثث الهامدة لهؤلاء الضحايا الأبرياء التي يرمى بها في المزابل وعلى قارعة الطريق وفي مصارف المياه ، بشكل يومي مستمر تعود بالأساس لمعتقلين عراقيين سابقين – ومن أهل السنة بالتحديد – والذين يتم تعذيبهم أشد أنواع التعذيب في السجون والأقبية السرية التابعة للحكومة العراقية الطائفية المشكلة من الأوباش والجناة والعملاء وشذاذ الأفاق ، الذين قدموا خلف الدبابات الأمريكية ، والتي تعمد – كما هي عادة كل مجرم حقير ورخيص - إلى إخفاء جرائمها المنظمة تلك بعدم الإعلان عنها ، وإنما محاولة إلصاقها بالآخرين .

وعلى هذا فهي تلجأ إلى رمي تلك الجثث على جوانب الطرق وفي المزابل ومصارف المياه ، وهذه أسهل طريقة للتنصل من المسئولية بشأنهم ، وحتى توحي للعالم - الذي يقف متفرجا على ما يحدث - أنهم من ضحايا الصراع الطائفي في المجتمع العراقي ، وهذا أمر وارد وغير مستبعد على الإطلاق ، كون الأساس الطائفي هو أهم الأسس التي ترتكز عليها الحكومة العراقية الحالية ، والتي صار يهيمن عليها أصحاب المظلومية التاريخية الزائفة والمكذوبة ، بما قد ترسب في قلوبهم من حقد أسود ، وعدوانية مقيتة ، وبما في نفوسهم الموحلة من رغبة جامحة في الثأر والانتقام من كل عراقي عربي شريف يقول :لا للاحتلال ، ولا للطائفية ، ولا للخونة ، وكذا من كل عراقي أبي خدم وطنه وأدى واجبه بإخلاص ونزاهة في العهد السابق ، هذا من جهة .

ومن جهة أخرى لعدم وجود رقابة من أي نوع على الاعتقالات والمداهمات الهمجية والعشوائية والتي صارت هي الشغل الشاغل للأجهزة الأمنية والعسكرية لتلك الحكومة الطائفية القابعة في المنطقة الخضراء ، وكذا لعدم وجود رقابة على السجون العراقية الجديدة – وما أكثرها في عراق اليوم – فضلا عن السجون السرية التي يشرف عليها بعض وزراء ومسئولي الحكومة الطائفية شخصيا ، وأيضا لغياب التحقيقات الجدية فيما يتعلق بمصدر تلك الجثث التي صارت أحد معالم العراق الجديد .

 وفي حقيقة الأمر أنه ليس هناك عنف طائفي أو حرب طائفية في المجتمع العراقي حاليا ، كما يروج الاحتلال وأذنابه ، إنما هناك حرب إبادة منظمة ضد العرب السنة وبالتحديد ضد العقول المبدعة والمفكرة والمستنيرة منهم ، تنفذها هذه الحكومة الطائفية ذات اللون الأمريكي الإيراني المزدوج بالتنسيق مع المخابرات الإيرانية والأمريكية ، لهدف مشترك خبيث وخطير ، يهم الإدارة الأمريكية ويهم نظام الآيات في طهران ، ويحقق لهما مصالحهما الدنيئة في هذا البلد العربي العزيز الذي صارا يتقاسمان النفوذ فيه ، وذلك الهدف هو بقول مختصر وجيز " تفريغ الجسد السني من عقله " – كما عبر عن ذلك خبير مصري.