خلافات الجنوبيين بين الوحدة والانفصال ، ماهي الحلول الممكنة؟
بقلم/ د: حسين عبدالقادر هرهره
نشر منذ: 11 سنة و 10 أشهر و 23 يوماً
الجمعة 18 يناير-كانون الثاني 2013 04:13 م

تثير الانقسامات بين أبناء الجنوب حول موضوع الوحدة والانفصال الكثير من المخاوف بان تؤدي هذه الخلافات الى انشقاقات تكون نتائجها كارثية على الجنوب وعلى اليمن بكامله،ولاشك ان المراقب لتطورات المشهد الجنوبي يلاحظ بوضوح ان هناك أيادي تلعب بملف الجنوب وليس في نيتها مصلحة الجنوبيين بل محاولة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء من اجل مصالحها الضيقة التي فقدتها بسبب الصراع مع الرئيس المخلوع حول المغانم الحزبية التي لم يراعوا فيها حقوق أبناء الجنوب التي ضيعوها أصلا قبل الوحدة، كما ان دولا إقليمية مثل إيران أصبح تدخلها واضحا لنشر التشيع ورفع الضغط عن الحوثيين في أقصى الشمال وهناك مؤشرات غير مؤكدة عن دعمها المالي لفريق من المطالبين بالانفصال.

ان مشكلة الجنوبيين اليوم انهم واقعون بين كفتي الرحى الأولى بقائهم تحت مضلة الوحدة مع بقاء الأوضاع كما هي فلا قانون ولا نظام ولا قضاء ولا امن ولا حقوق مرتجعة ولا محاسبة لكل من أجرم في حقهم واستولى على ممتلكاتهم، والثانية الذهاب الى الانفصال في ظل جفاف ثقافي وسياسي تكون نتيجته ان قيادات الحزب الاشتراكي هي التي ستقود المرحلة الانتقالية ولاشك ان هذا الامر سيوقع الجنوب في حفرة لا قرار لها.

وحتى يتمكن المتابع من معرفة الحالة السياسية للجنوب اليوم فلابد من العودة قليلا الى الوراء حيث ان ما كان يسمى بمستعمرة عدن تحت الاحتلال البريطاني كانت تصنف دوليا انها تحتل المرتبة الأولى عربيا في النظام الإداري والاقتصادي وكانت البنية الثقافية للجنوب تحتوي على نخبة ثقافية وأدبية وعلمية واقتصادية وسياسية ودينية وفنية عالية المستوى لا تتوافر لأي دولة عربية ، وعندما سقطت الجنوب بيد النظام الشيوعي كان الهدف الاول لهذا النظام هو إبادة هذه الطبقة الثقافية بكل أنواعها لأنها ستكون العائق الأول في تنفيذ مخططات النظام في تحويل المجتمع اليمني الجنوبي الى مجتمع اشتراكي، ولتحقيق هذا الهدف قام النظام بحملة اغتيالات واعتقالات بدعوى ان هذه الرموز الوطنية هي ثورة مضادة مع ان الكثير من افراد هذه الطبقة قد حملوا لواء استقلال الجنوب من الاحتلال الانجليزي والبعض منهم كان مطلوبا لقوات الاحتلال الا ان هذا الامر لم يشفع لهم ، وبسبب هذه السياسة هاجر من نجا من هذه الطبقة إما الى الخليج واما الى بريطانيا والولايات المتحدة ، ولم يسلم الكثير من هؤلاء من النظام حتى وهم في المهجر، وبذلك تسلم قيادة الجنوب طبقة من الجهلة اللذين لا تتجاوز ثقافتهم نظريات لينين وماركس وماو والكثير منهم حمل السلاح في الأرياف ولم تكن مهاراتهم تتجاوز هذا الحد ومع ذلك تسلم بعضهم منصب وزير او قائد جيش ويده لم تعرف الكتابة ولسانه لم يعرف القراءة وانا اعرف شخصيا احدهم كان يعمل في محل لاصلاح الدراجات الهوائية ثم أصبح منظرا في الحزب ومن القيادات الكبيرة، لذلك لن تجد اي شخص من هؤلاء القادة وخصوصا الرعيل الاول الذين نكبت بهم الجنوب يحمل شهادة جامعية بل اغلبهم ليس لديه الثانوية العامة والبعض لا يحسن حتى القراءة والكتابة.

ان الأحداث الداخلية التي مر بها الجنوب كانت تدل بوضوح الى اي مدى نكبت الجنوب بهذا النظام فبعد ان فرغ الرفاق من تصفية المعارضين اتجهوا داخليا لتصفية بعضهم البعض بسبب صراعهم على النفوذ داخل الحزب وشاهدنا المجازر التي حدثت والتصفيات الجسدية التي طالت كافة القيادات الحزبية العليا مثل سالم ربيع ومحمد صالح مطيع وعبدالعزيز عبدالولي وعلي عنتر وصالح مصلح وعبدالفتاح وغيرهم كثيرون من طبقات الصف الثاني والثالث ولهذا عندما سلم علي سالم البيض الجنوب الى الوحدة كان النظام قد وصل الى مرحلة الانهيار ولم يكن بخلد الاشتراكيين الوحدة في يوم من الأيام الا بعد إسقاط النظام في الشمال بيد الشيوعيين ثم تتم الوحدة تحت المظلة الاشتراكية، لهذا فقد هرب الرفاق الى الوحدة هروبا وهذا يفسر إصرارهم على الوحدة الاندماجية الكاملة التي رفضها في البداية علي عبدالله صالح ولكنه عندما وجد منهم الضعف وافق حيث لم تكن هناك شروط لصالح ابناء الجنوب وخصوصا إعادة مانهبه الحزب الاشتراكي من أملاكهم وكانت العملية ان حرامي سلم حرامي وهذا الذي شجع الرئيس المخلوع على نهب حقوق وممتلكات ابناء الجنوب.

لقد أصبح جنوب اليمن اليوم يعاني كثيرا من ضعف البنية السياسية التي تمثله حتى في مؤتمر الحوار الوطني بسبب الدمار الذي الحقه الاشتراكيون بالبنية السياسية للجنوبيين حيث ان طبقة السياسيين قد انتهت اما بالقتل والتعذيب واما بانتهاء صلاحيتهم قياسا باعمار من تبقى منهم، كما ان المجتمع اليمني الجنوبي يعاني من انشقاقات كبير في رؤيته للحل فهناك من يرفض الانفصال نهائيا وهناك من يشترط إعادة حقوق الجنوبيين كشرط للبقاء تحت مضلة الوحدة وهناك من يطالب بالفيدرالية لعدة سنوات يتم بعدها تقييم الوضع وهناك من يطالب بالانفصال نهائيا وهناك من يذهب بعيدا حتى في اعتبار الشطر الجنوبي ليس يمنيا ويرفض تسميته باليمن الجنوبي بل الجنوب العربي، وهذا الأمر يدل دلاله واضحة على ان الجنوبيين يفتقدون الى النخبة المثقفة الوطنية التي يمكن ان تدير الحوار وتحافظ على مصالح شعبهم وتجمعهم تحت سقف واحد للمطالب وتمنع الانزلاق والتطرف في الفكر وتقف حائلا بينهم وبين من يثير الجماهير بهدف تحقيق مصالحه الحزبية والشخصية وليس المصالح الوطنية لأبنا جنوب اليمن.

 ان أفضل الحلول الممكنة والتي تحقق الكثير من المصالح الوطنية لأبناء اليمن شمالا وجنوبا هو المطالبة بالفدرالية لأسباب عديدة أهمها مايلي:

1.ان مطلب الفدرالية يعتبر مقبولا من الجميع فالحكومة لن تعارض هذا التوجه وكذلك دول الجوار الإقليمي بالإضافة الى البعد الدولي الذي سيؤيد هذا المطلب، وهذا الأمر سوف يجعل ابناء جنوب اليمن يحكمون أنفسهم ويحققوا حلمهم بدولة العدالة والقانون، كما ان أبناء المحافظات الشمالية سيجدون في ذلك تحديا جديا للمنافسة وسوف يكون سندا لهم لتحقيق دولة القانون والنظام في الشمال.

2.ان عدة سنوات تحت مظلة الفيدرالية سوف تؤسس لجيل جديد من السياسيين المثقفين في الجنوب ومن حملة الشهادات العليا اللذين سوف يكون لهم دور في قيادة اليمن وتحديد مصيره، ومن ايجابيات الفدرالية انها سوف تفتح الباب للكفاءات الجنوبية المهاجرة بالعودة والمشاركة في الحكم ولن تسمح لفصيل ان ينفرد بحكم الجنوب.

3. ان الفيدرالية سوف تكشف بجلاء هؤلاء المتسلقين اللذين تهمهم مصالحهم ويمكن تحت ظل هذا النظام استبعادهم وعدم السماح لهم بالسيطرة على الأوضاع في الجنوب كما فعل الحزب الشيوعي من قبل، وتكون هناك فرصة لاصلاح الخلل لا تتوفر في حالة الانفصال الذي سيمكنهم من السيطرة على الجيش وان يقضوا على اي معارضة ضدهم.

4.الفترة المحددة للفدرالية سوف تظهر مدى مصداقية الحكومة في فرض القانون على كل محافظات الجمهورية وكذلك تطهير القضاء من الفاسدين وإعادة حقوق الجنوبيين المنهوبة ومحاسبة كل اللذين نهبوا الأراضي والممتلكات وكذلك مدى قدرة الحكومة المركزية في تهميش الانتماء القبلي وفرض القانون على القبيلة ، واذا حدث ذلك فان البقاء تحت مضلة الوحدة يكون هو الخيار الأفضل مالم فان الجميع بعد مرور الفترة المحددة سوف يطالب بالانفصال وسوف تتوحد أهداف الجنوبيين كافة إلى هذا الاتجاه.

5.ان الفدرالية سوف تمنع انشقاق الجنوبيين كما هو حاصل اليوم وسوف تنزع فتيل الأزمة كما ان مخاطر انفصال أجزاء من الجنوب تبعا لمخططات خارجية تعمل ليل نهار على هذا السيناريو سوف تفشل وللعلم ان الأمور في هذا الاتجاه قد قطعت شوطا كبيرا وأصبحنا نواجه فصيلا يطالب بانفصال حضرموت عن اليمن وهذا الامر ليس جديدا فهناك من يسعى منذ زمن طويل ان يكون له منفذا على بحر العرب وقد تمت محاولات سابقة ولكنها فشلت واعتقد ان التوقيت أصبح مناسبا اليوم لانفصال حضرموت ولن يوقف هذه المحاولة الا ان يتفق أبناء الجنوب على حل يجمعهم ولا يشتتهم والفدرالية هي الخيار المتاح الذي يحقق لهم كل هذه المطالب.

6. ان الاتجاه الى الانفصال إذا تحقق في الوقت الراهن فانما ينذر بشقاق كبير جدا بين أبناء اليمن الجنوبي قد يذهب بهم الى ما لايحمد عقباه ، وسوف يجد الجنوبيون أنفسهم بين ليلة وضحاها في مهب الريح مما يجعل الجنوب دولة فاشلة مثل الصومال تماما وعندها سوف يعض الجميع أصابع الندم ، وأنا أقول ذلك ولا أتمناه لوطني ولكنني اعرف شراسة الجنوبيين وخلافاتهم التي سوف تصل بنا الى الدمار، وفي وضع مثل هذا لا يمكن الدفاع عن اي جزء من الوطن وسوف ينفصل من يريد الانفصال بكل سهولة وسوف يجد كل من يريد الاصطياد في الماء العكر ما يبتغيه.

إن اي خلاف سياسي اذا لم يكن للمثقفين يد توجهه وتعمل على تحقيق الحد الأدنى من الحلول الممكنة فان الأيادي العابثة هي التي ستسيطر عليه، ويؤسفني كثيرا ما اسمع واقرأ من تهجم وسب وكلام فيه الكثير من عدم الاحترام بين اليمنيين ووصف بعضهم بأوصاف سيئة، وأنا أوجه كلامي لأبناء الجنوب الذين تنفلت ألسنتهم بعبارات لاتليق، وأقول إنكم اذا كنتم تشعرون بالظلم فان غيركم من ابناء المحافظات الشمالية قد عانوا اكثر مماعانيتوا فلا تجعلوهم في خندق واحد ضدكم وفيهم من يناصر قضيتكم ويقف في صفكم، كما ان الثورة التي قامت في اليمن قد دفع أبناء الشمال دمائهم من اجلها مثل مادفعتم لها ولا ينكر عليكم ذلك، ولكن الا تستحق هذه الدماء التي سفكت على مذبح الحرية كلمة ود واحترام بدلا من هذا التهجم الغير مبرر على فصيل كبير من أبناء اليمن وكأنكم تحملونهم مسئولية ما أحدثه النظام ضدكم، أتمنى إعادة النظر وان يبقى الود والاحترام بيننا مهما كانت النتائج التي تتمخض عنها الحلول السياسية فنحن جميعا يمنيون.