علي محسن.. من منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر !
بقلم/ علي عبدالملك الشيباني
نشر منذ: 13 سنة و 3 أسابيع و 3 أيام
الخميس 17 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:51 م

قبل أربعة أشهر تقريباً، التقيت الأستاذ المناضل/ أحمد القميري عضو الهيئة العليا للتجميع اليمني للإصلاح عقب أدائنا لصلاة الجمعة في جامع مدينة الحمدي السكنية المحاذية للسفارة الأمريكية. سألني عن مكان سكني، أجبته في هذه المدينة مضيفاً أنهـا إحدى منجزات الشهيد وفيها تسكن كل محافظات الجمهورية. نظرا إلى مبانيها وساحاتهـا ثم التفت نحوي قائلاً: لقد ارتكبنا خطأ كبيراً بوقوفنـا ضد هذا الرجـل.

استعدت ما قاله القميري وأنا أستمع لخطاب اللواء/ علي محسن عشية عيد الأضحى المبارك، وقد رأيت فيه مدخلاً مناسباً للخوض في موضوع اعتقده مهم جداً ، خاصة في هذه المرحلة من حياتنـا، يتمثل بالوقوف الجاد أمام كم الأخطاء التي ارتكبناها خلال العقود الماضية حزبياً وشعبياً، وكيف أن الاعتراف بهـا، من وجهة نظري، يؤسس لمرحلة مختلفة بآفاقها الوطنية والسياسية والاجتماعية. حقيقة لم يقتصر خطاء الحركة الإسلامية عند حدود ما أعترف به الأستاذ القميري فقد استخدمها النظام في مواجهة وتكفير الحركة الوطنية، وبناءً عليه تكفلت بمقاتلة الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى وغيرهـا، ومن ثم تشكيل التجمع اليمني للإصلاح لمواجهة الحزب الاشتراكي بعد الوحدة نيابة عن المؤتمر الشعبي الذي كان مقيداً باتفاقياتها كما جاء في مذكرات الشيخ عبدالله . بيد ان حرب 94 ومشاركة الإصلاح الفاعلة فيهـا مثل أفدح الأخطاء التي ارتكبتها الحركة الإسلامية في حق المشروع الوطني الديمقراطي الذي كان يحمل لواءه شريك الوحدة آنذاك وما زال.

ولكن ، هـل اقتصرت أخطاءنا عند حدود ما اقترفته الحركة الإسلامية لوحدهـا؟! بالتأكيد لا.

إذا ارتكب الحزب الاشتراكي ما هو أفدح، حين انتهج النظام الاشتراكي العلمي في بلد لا يتوفر فيه الحد الأدنى من مقومات هكذا نظام، مروراً بدورات العنف الناتجة عن غياب المشروع الديموقراطي، أقساهـا على الإطلاق أحداث 13 يناير 86 ،تاريخ الهزيمة الحقيقية للجنوب وما ترتب عليه من انقسامات اجتماعية وعسكرية شكلت المقدمة الأساسية لهزيمة 94م. مختتماً سلسلة أخطاءه بوحدة اندماجية غير مدروسة، ومن ثم الإدارة السيئة سياسياً وعسكرياً لأزمة ما قبل الحرب قادة الوحدويون الحقيقيون إلى خارج البلاد موصوفون بالانفصالية والعمالة، وترسخ علي صالح في أذهان الناس زوراً ولو لفترة من الزمن كوحدوي مع أن لا علاقة له بهـذا الإنجاز من الناحية الوطنية، وفي النهاية كل هذا الانقسام الوطني بين جنوب اليمن وشماله.

وعلى صعيد متصل، فإن الحركة الناصرية هي الأخرى - وأنا أحد كوادرهـا - ليست بمناء عن تحمل جزء من مسؤولية استمرار هذا النظام طوال 33 عاماً.

عقب اغتيال الحمدي، وبدلاً عن امتلاك زمام المبادرة وإعادة الأوضاع إلى مسارهـا السابق ومن ثم اقتياد القتلة إلى ميدان التحرير كي نغرقهم ببصاقنا، بدلاً عن ذلك ذهب الناصريون مدنيون وعسكريون يكفكفون دموعهم كالعجائز تاركين للقتلة حرية الحركة وعمل كل ما ادى إلى ترتيب أوضاعهـم.

وفي ظل تأييد شعبي وعسكري ومطالبة بالكشف عن ملابسات اغتيال الشهيد والثأر له، غادر عبدالله عبد العالم إلى قريته بطريقة لا نجد لهـا مبرراً، في وقت كان يتوجب عليه قيادة عمل ما، هكذا على الأقل نظر إليه المواطن باعتبار موقعه الرسمي وقربه الشديد من الحمدي.

في مواجهة هكذا حال، انتفض مجموعة من شباب اليمن العام 78 فيما سمي بحركة 15 أكتوبر الناصرية بقيادة الخالد عيسى محمد سيف، غير أن الحركية فشلت لأسباب لم يكشف عنها حتى الآن، عدا ما يتردد عن إصرار قائدهـا على سلمية الحركة الانقلابية أسوةً بحركة 13 يونيو، نتج عن هذا الفعل الثوري إعدام 22 من قادة الطلائع الناصرية مدنيين وعسكريين ولم يكشف عن مكان دفنهم حتى اللحظة.

على ذات الصعيد يتحمل التنظيم الوحدوي الناصري النصيب الأكبر في عدم التنسيق الجيد مع الحزب الاشتراكي في انتخابات 93 والتسبب بضياع 35 دائرة انتخابية في محافظة تعز لوحدهـا، ثم موافقته على خوض انتخابات 97 في موقف مغاير لموقف الحزب المقاطع لها مكسباً إياهـا بذلك شرعية لا تستحقهـا على الرغم من معرفته المسبقة بنتائجها المزورة.

ما يتعلق بتاريخ "بعث قاسم سلام" فحدث ولا حرج منذ انقلابه في 5 نوفمبر 97 بتحالفه مع القوى الرجعية وحتى اليوم، مع شديد احترامي لمن تبقى من كوادر الحزب المتواجدة في كل ساحات الحرية وميادين التغيير.

ومرةً أخرى، هل توقفت أخطاءنـا عن هذا المستوى ؟، بالتأكيد لا. إذ تتحمل بيت الأحمر مسؤولية كبيرة بدعمها للنظام طوال السنوات الماضية كذلك هم قوات ما كان يطلق عليهم بـ "الزمرة"،والذين ذهبوا للقتال ببسالة شديدة رغبة في الانتقام لا أكثر، ولم يكونوا يعلموا أنهم مجرد مستخدمين وأنهم والإصلاح أكلوا يوم أكل الثورة الأبيض.

على المستوى الشعبي العام، أخطاء أبناء المحافظات المدنية وأحزابهـا تحديداً بنظرتهم لأبناء المناطق القبلية باعتبارهم متخلفين ومعيقين لأي مشروع يتضمن بناء دولة مدنية حديثة، مع أن مهام الأحزاب الوطنية قبل كل شيء هي العمل والنشاط في مثل هذه المناطق وبما يساعد على رفع مستوى الوعي العام لدى سكانهـا.

بالمقابل، تعامل أبناء هذه المناطق مع أبناء المحافظات المدنية على أنهم شيوعيون وأن مشروعهم المدني يستهدف كيانهم الاجتماعي، هكذا علمهم النظام والمنتفعين من المشائخ وبما إبقائهم بندق على كتف السلطة يتفاخرون بحمل السلام والثارات القبلية وأسيري لثقافة "ونعم قتالة". ومع تقديرنا لطفح أبناء المحافظات الجنوبية، إلاَّ أن الحراك أخطاء حين صور القضية الجنوبية وكأنه صراع جغرافي بين شمال وجنوب، وليس بين مشروعين متناقضين، هزم الوطني بأدوات شمالية وجنوبية ومعه هزمنا جميعاً، وانتصر الأسري بأدوات شمالية وجنوبية أيضاً ومعه انتصرت قوى التخلف واللادولة.برر الحراكيون موقفهم بسكوت وسلبية الشارع الشمالي تجاه سياسيات السلطة بحق الجنوب ، ولكن عندما ثار الشارع الشمالي على هذا النحو الذي نعيشه خلال 10 اشهر ، أريق خلالها دماء الشهداء والجرحى في معظم محافظات البلاد انكفاء الحراكيون على انفسهم وامتهن البعض قطع الطرقات وايذاء الغير .

الحوثيون من ناحيتهم ، وفي الوقت الذي يواجه فيه الشعب اله الدمار والقتل ، ويثورون على نظام الجهل والفساد الاسرية ، تفرغوا للتوسع المذهبي المسلح في محافظات شمال الشمال ، في تصرف مخالف للتوجه الثوري العام في البلاد .شخصياً لا اخشى افعالهم ، فقيام دوله مدنية ديمقراطية كفيله بحشرهم في نطاق جغرافي ظيق ما لم يتبنوا مشروعاً بأفق وطنية .

هكذا يوجه الحراكيون والحوثيون الان طعناتهم الغادره الى ظهر الثورة وشهداءها وجرحها وجماهيرها عموماً.

وفي المحصلة أخطاء الشعب اليمني كله بسكوته عن سياسات الفساد والإفساد والجهل والعبث التي مارسهـا النظام طوال 33 عاماً. هكذا تغذى النظام على أخطاءنا وعاش عليها، وعلينا جميعاً ينبغي الاعتراف بذلك بهدف تجاوزهـا والتأسيس لدولة مدنية، دولة النظام والقانون والمواطنه والتي توحد الجميع تحت شعار المطالبة بهـا والنضال من اجل إقامتهـا في كل ساحات الحرية وميادين التغيير.

وبالعوده الى خطاب اللواء /علي محسن عشية عيد الاضحى ، لا يسعني حياله سوى القول بانه كان خطاباً تاريخياً بكل المقاييس ، رد بمضامينه المتعدده على كل الشائعات التى تطلقه السلطة وتروجها عبر مخبريها على وسائل النقل وفي الاماكن العامه ، بل وازالت التوجسات لدى من كانوا يشككون بدوافع انضمامه للثورة .لدرجة ان احد هولاء هاتفني في نفس الليلة قائلاً :هل سمعت كلمة علي محسن ، مضيفاً لقد شعرت بدفء كلماتها وصدق ما جاء فيها .

اعتذر اللواء عن دعمه للنظام طوال السنوات الماضية ، معلناً في نفس الوقت عن استعداده الكامل للوقوف امام محكمة الثورة كشاهد على جرائم علي صالح او مظلمه يتقدم بها ايً من الناس . لغه جديده لم تطرق طبلات آذاننا من قبل . أنها عظمة الثورة التي انضجت مواقفنا ورؤانا ، وصوبت مسلكنا ونظرتنا تجاه الاخر .

لقد لمسنا وشاهدنا تاثير الخطاب ووقع قوة مضامينه على الطرف الاخر من خلال بث مقاطع منه على قنوانته الفضائية والتعليق عليه بطريقتهم السمجه والتقليدية . كذلك من خلال كلمة "سلطان العبوديه المختاره" التى القاها في اجتماعه ببعض سكان صنعاء القديمة ، واعتذاره عن سقوط ضحايا جراء قصفهم الهمجي ، في تقليد واضح لاعتذار علي محسن ، وتناوله له على ذلكم النحو الشبيه بسلوك المجتمع النسائي القروي . 

لا شك ان علي محسن ، وبهذه النواقف الاستشنائية المتتالية ، قد ادرك ان الوصول الى قلوب الناس لا ياتي عن طريق الرتب العالية والمناصب الكبيرة ، بل عبر طرق اخرى ، طرق الوقوف الى جانب حلم البسطاء والاصطفاف مع تطلعاتهم بوطن جميل يتساوى فيه كل مكوناته الاجتماعية ، تحفظ فيه كرامة المواطن وحريته .

في مقاله سابقة ، كتبت عن الرجل انه وكما ادهشنا بموقف انضمامه للثورة فانه سيدهشنا بما هو اكثر ، وها هو يفعل ذلك . وبناءً عليه استطيع القول بكل ثقة من ان اللواء علي محسن وعند اطمئنانه على وصول سفينة الثورة الى بر الامان ، سيختتم مواقفه الوطنية بمسك تخليه عن العمل الرسمي والتفرغ لحياته العائلية وكتابة مذكراته . فمرحباً بك سيدي اسماً محترماً وخالداً في ذاكرة الاجيال اليمنية ووجدانها، الى جانب الحمدي وفتاح وسالمين وعبدالرقيب والعواضي وقناف زهره والشحاري وعيسى وجار الله عمر وقائد الشيباني وغيرهم ممن ساهموا في احداث التحولات الوطنية في اليمن الحبيب .