الثورة اليمنية العوائق والحلول
بقلم/ عبدالوهاب بن محمد الحميقاني
نشر منذ: 13 سنة و 4 أسابيع
الأحد 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 06:28 م

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:

 

فإن اليمن التي تحتل المثلث الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية والتي تبلغ مساحتها 555000كم2 مربع ويبلغ عدد سكانها ما يقارب خمسة وعشرون مليون نسمة، بكثافة سكانية تبلغ 45 نسمة / كم2 وكغيره من البلدان العربية عاش عقوداً بنظم حكم تهيمن عليه بقبضتها الاستبدادية وسياساتها الفردية، إلا أن ذلك كان في اليمن في جو من الحرية الصماء التي يتكلم فيها الشعب ويقول ما يريد والحاكم فيها لا يسمع ويفعل ما يريد، وهذه الحرية الصماء وإن كانت تبدو للمراقب ميزة في الحالة اليمنية تفتقر إليها كثير من الشعوب العربية، إلا أنها كانت بمثابة حقنة تخدير للناس وفتحة تنفيس للشعب يدرأ بها النظام شدة انفجار غيظه لوطأة ما عاناه من بين الشعوب العربية، وبشاعة ما وقع عليه من قبل نظام حكمه من ممارسات التجهيل والتجويع والإقصاء وسياسات الفشل في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والخدمية وغير ذلك من مجالات الحياة، لمدة تزيد عن ثلاثة عقود مكملة ًعقودا ًسالفة لها لم تكن بأحسن حالاً منها.

إلا أن الشعب اليمني الذي امتاز من بين شعوب الجزيرة العربية بالنفس الثوري قد استطاع قبل أكثر من نصف قرن إسقاط الملكية الفردية في الشمال في ثورتي 1948، و1962، ودحر المستعمر البريطاني في الجنوب في ثورة عام 1963، وبقي هذا النفس موجودا وإن كان خاملا ومدركاً لحقوقه السياسية وإن كان تائها يتلمس لعقود من بين أبنائه من يحمل مشعل التغيير، ويقود مسيرة التصحيح وتأثراً بالانفتاح الإعلامي الذي عاشه العالم في العقدين الماضيين ازداد الوعي السياسي لدى أبناء الشعب اليمني وبدأ يتسع بين أبنائه متجاوزاً النخبة والخاصة إلى الجملة والعامة وأخذت الأصوات المنادية بالتغيير تعلو والمطالبة بالحقوق والحريات تتصاعد والمعارضة للحاكم ونظامه المستبد تتزايد حتى كانت الهزة الكبرى التي ارتجت فيها أركان نظام الحكم في الانتخابات الرئاسية عام 2006، والتي وجد فيها رأس النظام منافسة حقيقية على كرسي الحكم كادت تودي به وبنظام حكمه، ومن بعدها تصاعدت معارضة الأحزاب السياسية وارتفع سقف مطالبها، وتبلورت حركات تحررية ومطلبية انطلقت خاصة في جنوب اليمن فيما عرف بالحراك الجنوبي، يطالب في نضال مستمر بالحل العادل للقضية الجنوبية، بل وصل ببعض الأصوات في هذا الحراك أن نادت بانفصال جنوب اليمن عن شماله، كردة فعل على سياسة النظام القمعية والاستبدادية والإقصائية والتهميشية لأبناء اليمن عامة وأبناء الجنوب خاصة.

كما اتسع نطاق المعارضة ليشمل الهيئات والمؤسسات والمنظمات والأفراد الكل يطالب بتغيير هذا النظام العائلي الملكي الفردي المتدثر بجلباب النظام الجمهوري الشعبي، مع تزايد الأقلام الكاتبة والمنابر الناطقة والمجالس الحافلة والمظاهرات الواسعة المعبرة عن ذلك في شتى أرجاء اليمن، يدفعها لذلك أسباب كثيرة أهمها ثلاثة أسباب:

أولا : تردي وفساد الوضع السياسي لسيطرة الرئيس وأسرته على قرار ومفاصل الدولة :

وهذا السبب أبو الأسباب ورأسها ومنه تولدت الأسباب الأخرى، حيث عمت الفوضى السياسية البلاد، نتيجة انفراد رأس النظام بالقرار في الدولة واستئثاره مع أسرته بالمناصب العليا، فالرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة ونجله قائد القوات الخاصة والحرس الجمهوري، ونجله الآخر قائد فرقة المشاة الجبلية وابن أخيه الأكبر قائد الأمن المركزي، وابن أخيه الآخر مسئول الأمن القومي، وابن أخيه الثالث قائد الحرس الرئاسي، وابن أخيه الرابع مسئول اقتصادي، وأحد إخوانه قائد العمليات العسكرية في الحرس الجمهوري، والأخ الآخر قائد الطيران الدفاع الجوي، وبقية وحدات الجيش والأمن يقودها أقاربه وأبناء قبيلته، ومناصب الدولة الأخرى يتقلدها أفراد حزبه و الموالون له، بل أصبح تقلد أي وظيفة في الدولة باعتبار الولاء للنظام وحزبه لا باعتبار الكفاءة والتأهل والحاجة، وأصبح الوصول إلى المجالس النيابية والمحلية حكراً على أفراد الحزب الحاكم، مع إعطاء المعارضة قسطاً يسيراً منها، تزييناً لمؤسسات ونظم وديمقراطية الحاكم العربي، وبقي رأس النظام وأسرته وحزبه على هذا المنوال في حكم البلاد منذ عام 1978 إلى أن أحسّ رأس النظام بالشيخوخة تدب في عظامه، فبدأ بتنفيذ مشروع توريث الحكم لولده مع سعيه للتمديد لنفسه بتعديل الدستور ليمنحه دورة رئاسية جديدة لأن دورته الأخيرة ستنتهي في 2013 بموجب الدستور الحالي، حتى قال وعبر شاشة التلفزة رئيس كتلة حزبه في البرلمان عن التعديلات الدستورية التي أرادوها "إنه لن يصفر عداد الرئاسة بل سيقلع هذا العداد"، إلا أن الثورة اليمنية الشبابية أعاقت مشروعهم في اقتلاع وتصفير هذا العداد ومنعتهم حلم التوريث وطموح التمديد.

ثانيا : تردي وسوء الأوضاع التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية

نتيجة للفساد والتردي السياسي للبلاد، غاب القوي الأمين عن الوظيفة العامة وتصدر الرويبضة الذي لا يحسن إلا العبث والنهب فتولد عن ذلك تردي الأوضاع في شتى مناحي الحياة، فعم الجهل حتى بلغت نسبة الأمية في اليمن خمسة مليون ونصف من الفئات العمرية 15 سنة فما فوق، وانتشرت البطالة والفاقة في الناس، حتى بلغ من يعيش تحت خط الفقر 40 % من إجمالي السكان البالغ عددهم خمسة وعشرون مليون نسمة وافتقرت معظم مدن وقرى وأبناء اليمن لأبسط الخدمات المعيشية.

ثالثا: شيوع الفساد المالي والإداري :

عم الفساد المالي والإداري كل مؤسسات الدولة وذلك نتيجة لتولية غير الأكفاء وغياب الأمناء وضعف مستوى الدخل للموظفين واعتبار الولاء للحاكم وحزبه معياراً للوظيفة والترقية وغياب الشفافية والمراقبة والمحاسبة، كما لا تكاد تجد في جل مرافق الدولة من أصحاب الكفاءات العلمية والخبرات المهارية إلا القليل النادر، ولا تنجز فيها أي معاملة إلا بالرشوة والوساطة والمحسوبية وأصبح هذا الأمر في الدوائر الحكومية هو الطابع العام، بل أصبح من الأمور الاعتيادية التي لا يمكن الخروج عليها.

ثورتا تونس ومصر ودورهما في انطلاق الثورة اليمنية الشبابية الشعبية السلمية:

ما ذكر من الأسباب الداعية لتغيير نظام الحكم في اليمن، وغيرها مما لم يذكر كانت كافية لدفع الشعب اليمني إلى الثورة عليه، غير أن عموم الشعب لم يتحفز للقيام بذلك، لانحصار الثورة في فهم كثير منهم بالعمل المسلح، وهذا النوع من الثورات يحجم كثير من الناس من الإقدام عليه ويتوجس من عواقبه وآثاره، كما أن طول تسلط هذه النظم أوجد حالة من اليأس عند كثير من الناس أنه لا يمكن تغييرها إلا من داخلها، أو لا يمكن تغييرها ويكتفى بتصحيحها وإصلاحها.

إلا أن اندلاع الثورتين في تونس ومصر كسر حالة اليأس هذه، خصوصاً بعد أن نجحت الثورة الشعبية في تونس والتي انطلقت يوم 18 ديسمبر 2010، في الإطاحة بـ"بن علي" ونظامه البوليسي الاستبدادي المتسلط على الشعب التونسي بقبضة من حديد لمدة ثلاثة وعشرين عاماً، وكذلك اندلاع ثورة 25 يناير في مصر في 11/2/2011، متأثرة بالثورة التونسية، مطالبة بإسقاط نظام حسني مبارك أعتى الأنظمة العربية وأقواها، واستطاعت الثورة المصرية تحقيق مطلبها خلال 18 يوماً من اندلاعها رغم دعم المجتمع الدولي ومساندته للنظام المصري واستماتته في الدفاع عنه.

هذا النجاح الذي حققته هاتان الثورتان أظهر لليمنيين وغيرهم أن خروج الشعب إلى الشارع قوة لا يمكن للحاكم وأمنه وجيشه أن يقهرها ويتعذر رجوعه دون أن يحقق ما خرج لأجله إذا أصر على ذلك، وهكذا بعثت تلك الثورتان الأمل لدى الشعب اليمني بقدرته على تغيير نظام حكمه وتحقيق تطلعاته، فبعد سقوط حسني مبارك بلحظات بدأت الثورة اليمنية في مدينة تعز كاحتفال بهذا الحدث التاريخي ثم صار هذا الاحتفال إعلانا بالثورة اليمنية وتحول الشعار من (حيوا الثورة المصرية) إلى (الشعب يريد إسقاط النظام).

ثم انطلقت الثورة في صنعاء باعتصام الشباب في ساحة جامعة صنعاء بتاريخ 18/2/2011.

ثم توالت الاعتصامات في بقية المحافظات عدن البيضاء الحديدة حضرموت إب...، الخ، حتى غدت الاعتصامات الشبابية والشعبية تزخر بها الساحات في سبعة عشر محافظة يمنية، بقي خلالها الشباب مرابطين وإلى اليوم، لمدة تقارب تسعة أشهر، في فعالياتهم الثورية اليومية دون أن يردعهم أو يصدهم بطش النظام وآلته العسكرية وحربه شبه المتواصلة وما خلفته هذه الحرب الظالمة من شهداء تجاوزوا 2443 شهيداً، وجرحى تجاوز عددهم الآلاف، والغريب في ثورة اليمن أنه انضم إليها وساندتها نخب الشعب اليمني كهيئة علماء اليمن ومشايخ القبائل ووحدات عسكرية مهمة في الجيش اليمني ومعظم الأحزاب السياسية، إلا أنها لازالت تراوح مكانها، وهنا يأتي السؤال لماذا الثورة اليمنية لم تحسم وما عوائق نجاحها وما السبيل إلى وصولها إلى بر أهدافها؟، وهو ما سنحاول البحث عن إجابته هنا.

معوقات نجاح الثورة الشبابية الشعبية السلمية باليمن:

من سنن الله القدرية في خلقه أنه لا بد من أمرين لأي شيء يراد تحقيقه وتجسيده في الواقع والأعيان:

الأول: استيفاء شرائطه، والثاني: انتفاء موانعه وإلا بقي هذا الشيء أفكاراً في التصور والأذهان.

ولا ريب أن إسقاط نظم الحكم العتيقة في التسلط والاستبداد وتغييرها واستبدالها يعد من المشاريع الكبرى التي يعتري طريق نجاحها عوائق وموانع كثيرة وكبيرة وتحتاج إلى جهود عظيمة وكافية لدفعها وإزالتها وقد يرى بعض المراقبين للثورة اليمنية أن عمرها طال دون أن تحقق أهدافها ومثل هذا الكلام يصح إذا ما قورنت الثورة اليمنية بالثورتين التونسية والمصرية واللتين حققتا النجاح في مدة لم تتجاوز الأسابيع الأربعة.

لكنا إذا ما قارنا مدة تسعة أشهر للثورة اليمنية بعمر الثورات ومشاريع تغيير نظم الحكم واستبدالها فإنها مدة ليست بالطويلة ولا ينبغي أن يصاب أصحابها بالإحباط أو المراقبون لها.

إلا أن هذا لا يعفي الثوار في اليمن من اللوم والعتاب لعدم حسمهم لثورتهم ولاسيما وقد سنحت فرص لذلك قل أن تتكرر كفرصة جمعة الكرامة في 18مارس 2011، والتي سقط فيها العشرات من الشهداء ومئات من الجرحى وتهاوت على صداها أركان النظام وانشقت عنه كثير من الوحدات العسكرية والتجمعات القبلية وكثير من الوزراء والمحافظين والمسئولين وأعضاء مجلسي النواب والشورى والسفراء والوكلاء وتخلي كثير من أنصار النظام عنه في صدمة تلك المجزرة وبشاعتها.

لكن هذا التهاوي السريع في النظام وأركانه لم يهتبل من قبل الثوار ويقابل بتقدم وتصعيد وزحف على مؤسسات الدولة وإرغام ما تبقى من بقايا النظام على التنحي وتسليم الدولة مما أتاح للنظام وقتاً لاستعادة أنفاسه وترتيب أوراقه وتنظيم بقية منتسبيه وأنصاره.

والفرصة الثانية كانت عقب حادثة مسجد دار الرئاسة إذ وصل لهيب الحنق على النظام وجمر الانتقام منه إلى قصر الرئاسة، في ذلك الانفجار والحادث الذي استهدف الرئيس وقيادات الدولة وهم في صلاة الجمعة بمسجد دار الرئاسة بتاريخ 3/6/2011، وقد استنكرت قوى الثورة هذه الجريمة وأدانتها وبغض النظر عمن اقترف هذا الحادث ودبره سواء كان من داخل القصر أو من خارجه، إلا أنه قد أرغم رئيس الدولة ورئيس وزرائه ورئيس برلمانه ورئيس مجلس شوراه ونواب رئيس مجلس وزرائه وعدد من وزرائه ومسئولي دولته ممن أصيبوا في هذا الحادث، على مغادرة اليمن للعلاج في المملكة السعودية لمدة تقرب من أربعة أشهر، مما أتاح للثوار اليمنيين فرصة سانحة لحسم أمرهم ونجاح ثورتهم إلا أنهم اكتفوا باستجداء ورجاء نائب الرئيس أن يتسلم مقاليد السلطة طوال تلك الفترة ظنا منهم أنه سيكفيهم مؤونة الحسم الثوري فخاب ظنهم ورجاؤهم وبقي النائب مخلصا لرئيسه ومسوفا للثوار حتى يفوت الفرصة عليهم وهذا هو ما حصل بالفعل وقد رجع الرئيس بعد ذلك متشبثا بالسلطة ومصرا على الخروج منها بشروطه وطريقته وإلى الآن رغم تدخل الوسطاء والشفعاء الخليجيين والأوربيين والأمريكيين بمبادرات تضمن خروجاً آمناً له ولأركان حكمه، إلا أنه لا يزال يراوغ مستفيدا من عامل الوقت ليتسنى له رسم خارطة طريق الخروج من السلطة بملامحها التي ذكرناها سابقا.

وهذا التباطؤ الثوري وإطالة أمد الثورة اليمنية كان نتيجة عوائق متعددة، وهذه العوائق منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، والداخلي المقصود به ما يرجع إلى اليمنيين ثواراً كانوا أو نظاماً والخارجي المقصود به ما يرجع إلى المجتمع الإقليمي والدولي المحيط باليمن، وبيان هذه العوائق كما يلي:

أولاً : العوائق الداخلية:

1ضعف التربية الإيمانية لدى كثير من الثوار وعدم تحقيقهم للتوكل على الله والطاعة له واللجوء إليه كما ينبغي:

جملة الثوار وإن كانوا على خير وطاعة إلا أنه يوجد الكثير من الثوار المعتصمين من لا يصلي البتة ومنهم من لا تعرف له لربه طاعة ومنهم من يعاقر المعصية ويبارز الله بالمخالفة ووجد من يرفع راية أو شعارا يناقض به شريعة الله ودينه ومنهم من يلهج بذكر المنظمات الدولية والدول الكبرى في حاجته ولجوئه أعظم من ذكره حاجته لربه، فتعجب كيف يوجد منهم ذلك لاسيما وهم يواجهون قوة نظام غاشم وقد يسقط بعضهم قتيلاً في هذا الطريق ولا يدري ما سيلقى عليه ربه، فإذا أردنا النصر الحقيقي فلنتواصَ بالحق ولنتواصَ بالصبر ولنطلب النصر والعون والمدد ممن هو عنده القائل سبحانه: ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) وأنى لنصر أن يأتي دون أن يأذن الله به.

2- وجود التنازع والفرقة في صفوف الثوار في بعض الساحات:

إذ ما انفك النظام منذ انطلقت الثورة سعياً لإفشال الثورة وقد زرع أيادي وبث أصواتاً في أوساطهم لتحقيق هدفه بإشعال فتيل الفرقة بين الثوار تارة بين الشباب المستقلين وغيرهم من منتسبي الأحزاب وتارة بين الأحزاب فيما بينها وتارة بالتشكيك في مصداقية المنتسبين إلى الثورة من العسكريين والقبائل وتارة وتارة إلى غير ذلك من أصوات ورايات التفرقة، والتي وجدت لها من بعض الثوار سماعين، وما انسحاب الحوثيين وغيرهم من فعاليات الثورة وخمولهم في ذلك إلا لإصغائهم لداعي النظام في ذلك.

ولا ريب أن قوة الثوار في وحدتهم وضعفهم في فرقتهم وفشلهم في تنازعهم وصدق الله إذ يقول ((وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)).

3-قبول الأحزاب السياسية للمبادرة الخليجية واتكالهم على الخارج في إسقاط النظام:

لم تأت المبادرة الخليجية بمتطلبات الشعب اليمني وطموحاته وإنما جاءت بمتطلبات النظام، وبما يحقق مصالح بعض الدول الإقليمية والدولية، وكانت هذه المبادرة جائرة ظالمة في حق هذه الثورة وأهلها إذ ضمنت الخروج الآمن للنظام وأركان حكمه وضمنت لحزبه وأتباعه الشراكة بالنصف في حكومة وقرار المرحلة الانتقالية دون مساءلة عن دماء سفكوها، أو أنفس أزهقوها، أو أموال نهبوها أو مقدرات بددوها وسارعت الأحزاب السياسية المعارضة لقبولها مع كثير من الثوار سواء أكانوا من عموم الناس أو الأحزاب أو العسكر أو القبائل وبقي الجميع يصبحون ويمسون وهم يرقبون قراراً من الخارج أو قبولاً من الرئيس للمبادرة أو التنحي أكثر من إسهامهم في فعاليات الثورة بل أصبح استجداء نجاح الثورة من الخارج أولى عند الكثير من الثوار من التفكير بأدوات الحسم الداخلية جاهلين أو متجاهلين براغماتية الخارج الإقليمي أو الدولي وأنه أقرب إلى وحش ضار يبحث عن فريسته منه إلى أم ودود نبحث عن حنانها.

ولذا لما أدرك الرئيس صالح ذلك من الثوار أدرك سقف مطالبهم وعرف حلبة مصارعتهم فأمن جانب الثورة واستفاد من هذه المبادرة واستطاع أن يطيل أمد التفاوض والمساومة عليها، طيلة عمر الثورة وإلى الآن يرتب فيها وضعه وشؤونه كما استفاد من الفتور والإحباط الذي ألحقته تلك الإطالة ببعض الثوار في الساحات حتى غدت بعض الساحات خالية من المعتصمين إلا من بعض منتسبي بعض الأحزاب وبعض الشباب المستقلين.

4- عقلية الرئيس صالح المتهورة ونفسيته الانتقامية وتربيته العسكرية ونشأته القبلية:

كل ذلك جعل منه شخصية متصلبة في موقفها وقد صدع الرئيس في الأيام الأولى للثورة بما يدل على نفسيته وعقليته بوجه وفد من علماء وشيوخ قبائل حاولوا إقناعه بالتنحي قائلا : (أنا علي عبدالله صالح الحميري من نسل ذي يزن وسيسيل الدم إلى الركب )، ومما زاد من تصلبه وعناده شعوره بالغبن حيث رأى شخصيات كانت شريكة له طوال مسيرة حكمه، قد انضمت إلى الثورة وأصبحت من رموزها ورؤؤسها وأصبحت تطالب بتنحيته ومحاسبته، مما دفعه إلى أن يأنف عن التنحي، واعتباره ذلك هزيمة أمامهم وتنازلاً لهم وقد صرح هو بذلك في مقابلة له مع الواشنطن بوست قائلاً (( إذا نقلت السلطة وكانوا في السلطة فهذا يعني أننا استسلمنا للانقلاب)) لذا فإن الرئيس صالح لم يعد متصلبا ليبقى في الحكم وإنما يريد أن يحدد طريقة خروج يفرضها لا تفرض عليه أي يخرج من السلطة ولو بنصر زائف على خصومه وبطريقة تصون له شيئاً من كرامته، وتحفظ له حظاً من كبريائه، وتجعل الشعب يتحسر على عقود حكمه ونظامه، عندما يرى فشل النظام الذي جاء من بعده، ومن يلحظ

ويرقب تصرفات صالح يجد أن طريقة الخروج التي يريدها تكمن ملامحها في ثلاثة أمور :

الأول: الخروج الآمن الغانم، وذلك بتوفير ضمانات له ولأسرته من أي ملاحقات قضائية أو عقوبات مالية.

الثاني: تصفية أو هزيمة خصومه الحاليين – شركاءه السابقين – سياسياً أو عسكرياً.

الثالث: السعي لإفشال الدولة حتى تكون عبئاً ثقيلاً على النظام الذي سيخلفه يعجز فيها عن القيام بمتطلبات الشعب وخدماته.

5-وجود فئة من الشعب غير قليلة مناصرة للنظام ومؤيدة له:

ومثل هذا التأييد ناتج من ضعف الوعي السياسي وجهلها بحقوقها وعدم إدراك طبيعة علاقتها بمن يحكمها، فهي لا تشعر ولا تعي بأن كل فرد منها ومن الشعب قرين للحاكم وقرين له، بل تظن أنه مملوك للحاكم أو أجير عنده.

ومثل هذا التأييد الشعبي للنظام ولو كان دون مستوى وحجم تأييد الثورة، إلا أنه أمد جسد هذا النظام المشلول بالحياة.

وقد وصل تأييد بعضهم للنظام أن سفكوا دماء الأبرياء نصرة له وحملوا السلاح دفاعاً عنه، منهم بأجرة بخسة ريالات معدودة، ومنهم اغترارا برأس النظام وبصلاحيته وتاريخه، وما زالت جموع هذه الفئة تجتمع كل جمعة في ميدان السبعين مؤيدة للنظام منذ أن قامت الثورة وإلى اليوم، وإن شهدت انحساراً يوماً بعد يوم.

6- إدارة الثورة وانفراد الأحزاب السياسية وشركائهم بقرار الثورة دون إشراك فعلي للشباب المستقلين:

لا يستطيع أحد أن ينكر دور الأحزاب المهم والفاعل في الثورة لاسيما حزب التجمع اليمني للإصلاح فهو يعد أهم وأبرز القوى الثورية وشبابه هم القطب الفاعل في إدارة وحماية كثير من الساحات وفعاليات الثورة ومثل هذا الدور يفرض لحزبهم حظا في قرار الثورة وهيئاتها بما يليق بدورهم إلا أن ذلك لا يبرر انفرادهم أو مع شركائهم الأحزاب بالقرار الثوري دون أن يشركوا معهم الشباب المستقل والفاعل في الثورة لأن مثل هذا الأمر أدى إلى غياب الشفافية والمؤسسية في اتخاذ القرارات الثورية من قبل اللجان والمنظمات التي تقود فعاليات الثورة وهذا أدى إلى خمول وفتور كثير من قوى وشباب الثورة المستقلين، في المشاركة في الفعاليات الثورية، بل وصل الأمر ببعضهم - وليس لهم عذر في ذلك - إلى ترك ساحات الاعتصام والإعراض عن الثورة وفعالياتها بالكلية وهذا ما سعى له النظام وتمناه.

7- إدارة الثورة بطريقة أفقدتها طبيعتها:

تحتاج الثورة إلى تنظيم فعالياتها والتنسيق بين مكوناتها وقواها لكنها لا تحتاج إدارة تكبح جماحها لأن إدارة الثورة بهذه الصورة يصيبها بالجمود ويفقدها عنصر المفاجأة التي يخافها أي نظام أما في الحالة اليمنية فقد أمن النظام ولو مؤقتا صدمة الثورة بل أصبح النظام لا يخشاها كثيرا لإدراكه بخطواتها ومسارها مما سهل عليه الإطالة بمفاوضتها للمراوغة كما أتاح له قدرا من النجاة من ضرباتها وذلك بالضغط على إدارتها عبر وسيط المفاوضات والمبادرات الإقليمي والدولي

ثانيا : العوائق الخارجية:

وتتمثل في:

الموقف السعودي والإماراتي والأمريكي الداعم للنظام اليمني ماليا وعسكريا وسياسيا:

فالدولتان الشقيقتان السعودية والإمارات لم تخذلا الشعب اليمني في ثورته بل دعمتا الرئيس صالح بالمال والنفط والسلاح، فمع علمهم أنه هو الوحيد الذي رفض التوقيع على مبادرتهم، تعاونوا معه سياسيا واستمروا يدعمونه ويقفون خلفه، ويغطون على جرائمه.

ففي الوقت الذي يشن فيه النظام حرباً عدائية على أكثر من صعيد ضد الشعب اليمني في صنعاء و أرحب وتعز وغيرها من محافظات الجمهورية يقوم طيران الإمارات بحسب تقارير صحفية بإفراغ شحنة أسلحة في مطار صنعاء، كما قدمت الإمارات أيضا للنظام ما يعادل 3 ملايين برميل من النفط الخام، ومنحة من القمح تقدر ب 500 ألف طن.

وأما السعودية فهي الداعم الأكبر للرئيس صالح بالمال والنفط والسلاح وقد قامت هي أيضا بمد نظام صالح بثلاثة ملايين برميل من النفط الخام، كما قدمت إلى ميناء عدن سفينة سعودية تحمل على متنها معدات وآليات عسكرية، خاصة بمكافحة الشغب قادمة من المملكة العربية السعودية، وقالت مصادر ملاحية في ميناء عدن حينها، إن باخرة تحمل مركبات ومصفحات عسكرية وصلت الميناء، مشيرة إلى أن الباخرة التي تحمل اسم "تبوك" وصلت إلى رصيف الميناء قادمة من جهة السعودية، محملة بقرابة 75 عربة من المركبات والمصفحات، ويرافقها وفد عسكري سعودي برئاسة "العقيد/ عبدالرحمن الحارثي" الملحق السعودي العسكري في السفارة باليمن، بالإضافة إلى كل من المقدم/ يوسف عبدالرحمن الطاسان، والمقدم/ محمد عبدالعزيز العجاجي، والمساعد/ محمد سعيد القحطاني مرافق الملحق العسكري.

وما خفي كان أعظم فقد أفادت مصادر صحفية أخرى أن سفنا حربية أفرغت كميات كبيرة من الأسلحة المتوسطة والخفيفة في مينائي الصليف ورأس عيسى بمدينة الحديدة غرب اليمن.

 ولعل الدعم السعودي هذا ليس حبا في نظام صالح وإنما رغبة في أن يبقى من يحكم اليمن نظاماً ضعيفاً لا يجسد دولة مؤسسات، لأن قيام دولة قوية في اليمن يفوت عليها كثيرا من نفوذها ومصالحها، كما أن قيام أي نظام حقيقي يجسد خيار وإرادة الشعوب بجوار نظامها الملكي الفردي المستبد أمر لا ترغب به السعودية.

و أما الأمريكان فرغم أنهم مطلعون على كل جرائم النظام بل يدركون طبيعته وعدم صلاحيته للسلطة ومع ذلك مازالوا يقفون وراء دعمه الإقليمي والدولي ومن ذلك قرار مجلس الأمن الأخير الذي لم يكن قراراً حاسماً بل فيه ما يساعد صالح على تأخير الثورة والتلاعب بها.

وبحسب وثيقة نشرتها منظمة "هود"، أكدت وصول طائرة أمريكية محملة بأنواع عدة من الأسلحة لاستخدامها في قمع المتظاهرين داخل اليمن، وتتألف الشحنة من قذائف "آر. بي. جي" وقاذفات لقوات العمليات الخاصة، ومؤشرات الخطر وذخائر دخانية وحزم أسلحة خفيفة وهي خاصة بقوات الأمن المركزي "وحدة مكافحة الإرهاب".

ولعل موقع اليمن المهم جداً على مضيق باب المندب الممر الحيوي العالمي الوحيد الذي يربط شمال العالم وغربه بجنوبه وشرقه ويقع خلفه نفط وثروات الخليج والقواعد الأمريكية وحروبها ضد الإرهاب في المنطقة، وكذلك التركيبة السكانية القبلية العشائرية لليمن وتمتعها بتمرد واستقلالية عن سلطة الحكومة وأيضاً ظاهرة اقتناء السلاح في أبناء اليمن وانتشاره بكثافة في أوساطهم والأهم من هذا كله التدين القوي والمحافظة الظاهرة لأبناء الشعب اليمني يضاف إلى ذلك دعوى انتشار القاعدة باليمن وتهديدها للمصالح الغربية في المنطقة.. كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها إضافة إلى المصالح الخاصة لكل دولة كانت الدافع للموقف الإقليمي والدولي المنحاز لنظام صالح والمتآمر على الثورة اليمنية.

الحلول المساعدة في سرعة إنجاز الثورة:

يكمن الحل الجذري الحاسم للثورة والمحقق لها ولأهدافها أن تزال موانعها وعوائقها ويستكمل استيفاء أسباب وشروط نجاحها من ذلك:

1-اللجوء إلى الله والتوكل عليه ولزوم أمره واجتناب محرماته فذلك سبيل النصر ونقيضه سيبل الخذلان والنصر من عند الله وما عند الله لا ينال بمعصيته فهو القائل سبحانه : (( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )) والقائل سبحانه :((إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل ال المؤمنون)).

2-توعية من بقي من أبناء الشعب بحقيقة الثورة وأهدافها وأهمية المشاركة فيها وأثرها على حقوقهم وحرياتهم ونهضتهم ورفاهية عيشهم وتطوير بلادهم.

3-إعادة أو تصحيح بناء وتكوين وترتيب مجالس وهيئات ولجان الثورة بما يحقق مشاركة جميع الثوار في قرارات وفعاليات الثورة وتوحيد الجهود وترشيد الطاقات دون إقصاء أو تهميش أحد وإيجاد نظام واضح وشفاف يضبط قوى الثورة في اتخاذ القرارات وتحاسب بموجبه.

4-توجيه رسائل تحذيرية قوية من قبل قوى الثورة وهيئاتها إلى الدول الداعمة للنظام ليكفوا عن التآمر على الثورة وليدركوا أن مصلحتهم مع الشعب اليمني لا مع نظامه المتهالك.

6-الإعراض عن جميع المبادرات السياسية واللقاءات بالسفارات الأجنبية والتطلع لنجدة الخارج، والاعتماد على القرار الداخلي، ومحاولة اغتنام الفرصة المناسبة لحسم الثورة والاتجاه إلى الحسم الثوري في الساحات والميادين والمدن والقرى.

7-قيام المؤسسات الحقوقية والأهلية العربية الداعمة للثورة اليمنية بتشكيل وإقامة فعاليات ضغط حقوقي وقانوني وسياسي وأخلاقي وإعلامي على النظام اليمني من جهة وعلى الجامعة العربية والأنظمة العربية لعزله وعلى المجتمع الدولي لمحاكمته على جرائمه.

*عضو الجمعية الوطنية لقوى الثورة اليمنية