جمهوريات البوعزيزي الديمقراطية
بقلم/ أحمد الزرقة
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 15 يوماً
الأربعاء 26 أكتوبر-تشرين الأول 2011 06:30 م

عاشت الأنظمة العربية الحاكمة عقودا طويلة في حراسة الوهم وكرست جل وقتها وتفكيرها في كيفية استرضاء الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها, باعتبار ذلك السلوك كفيل باستمرارهم على كراسيهم ، ولم يكونوا يضعوا لشعوبهم أي اعتبار أو حساب سياسي أو حتى معنوي في مسألة وصولهم لكراسي الحكم ،على الرغم من أنهم يتباهون بـأنهم وصلوا واستمروا في مناصبهم حتى تحنطوا فيها ،عبر الديمقراطية والانتخابات الحرة والنزيهة والشفافية، ومع أن غالبية الدساتير العربية إن لم تكن جميعها تحتوي على مواد من قبيل "إن الشعب هو مصدر السلطات، وإن جميع سلطات الدولة تهدف لخدمة المواطنين ورعاية مصالحهم، وأن جميع المواطنين سواسية أمام القانون ولهم نفس الحقوق السياسية والاجتماعية" ...الخ، ألا أنها لم تكن أكثر من حبر على ورق، يتم استدعائه في الخطابات السياسية وفي الدراسات النظرية، أو لتقديمه للعالم فقط كي نثبت كم لدينا أنظمة ونظم تولي حقوق المواطنين أهمية كبرى على الورق، وتسحقهم على الواقع.

ووصل الاستخفاف بالشعوب العربية من قبل ساستهم حدا لا يمكن لأي أحد تصوره وقبوله ومع ذلك تقبلته الشعوب العربية على مضض أحيانا بدافع الخوف وأحيانا بدوافع السلبية والأنانية، وشهدت البلدان الجمهورية حكم أسر باتت أكثر من شبيهتها الملكية تحت مبرر الديمقراطية والكفاءة العائلية وامتلاك مواهب خارقة في التفكير والقدرة الجبارة على الحفاظ على مصالح البلاد، وهي مبررات لا صلة لها بالحقيقة والواقع، لكنها كشفت فعلا عن مدى الجهل والتخلف الذي اصاب امة العرب، وأوضح حقيقة مفادها إن بيننا وبين العالم من حولنا ألاف السنين الضوئية، في مختلف المجالات وإننا شعوب معطلة لا تصلح لعمل شيء ولا تستحق الحياة ، ولا قيمة للفرد فيها، وعزز اللصوص القابضون على مقاليد الحياة في البلدان العربية تلك القناعات بين المواطنين في كل الأقطار العربية.

ومن تحت رماد الإقصاء والاستبداد المطبق على الأرواح والابدان، أشعل الشاب التونسي محمد بوعزيزي في قرية سيدي أبو زيد جسده الطاهر بنيران الحرية، ليعيد الحياة للشعب التونسي، ومنه الى بقية الأقطار العربية، وها نحن نشاهد روح البوعزيزي تعبر إلى الضفة الأخرى من العالم، لتجعل شعوب العالم تبادر للاحتجاج على نمط الحياة الاقتصادية والسياسية غير الإنساني وغير العادل بين الفقراء والأغنياء في كل دول العالم.

بالامس شهدت تونس الخضراء أول انتخابات حرة وديمقراطية في تاريخها بمشاركة حقيقية للتونسيين بمختلف انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية والاجتماعية، بعيدا عن سيطرة نظام القوائم الفائزة المعدة سلفا والتي كانت سائدة في عصر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، والذي كان يراقب من منفاه الاختياري والاجباري في آن واحد، حزب النهضة الاسلامي وعشرات الاحزاب الاخرى التي كانت محظورة إبان حكمه من المشاركة في الحياة السياسية التونسية،وهي تحرز نتائج ايجابية في الانتخابات ويستعد أعضائها للإسهام في انجاز بناء مستقبل تونس (البوعزيزي)، التي يتساوى فيها جميع التوانسة تحت حكم القانون فلا فرق بين اليسار واليمين والوسط السياسي الا بالعمل في أوساط الناس والاحتكام لاختيارات ورغبات الناخبين في إيصال مرشحيهم للبرلمان او لرئاسة البلد.

لأكثر من نصف قرن كانت الأنظمة العسكرية العربية والتي ارتدت أغطية مدنية أكبر منها ولا تناسبها بسبب طبيعتها الاستبدادية والإقصائية، تفصل حياة الشعوب وتتحكم في اختياراتها السياسية والثقافية والدينية وفق أمزجتها وليس وفق حاجات وخيارات الشعوب، وكرست في وعي وأذهان الشعوب تابوهات سياسية وإيديولوجية، عبرها فقط كانت تقرر بدلا عن الشعوب ما يجب وما لا يجب أن يكون، وماهية طرق الحياة المثلى التي تلبي رغبات الأنظمة وتسحق أرواح وحياة الشعوب.

اخترعت أنظمة بن علي ومبارك والقذافي وصالح والأسد وبوتفليقة وغيرها من النظم السائدة والبائدة في العالم العربي، العديد من الفزاعات والأكاذيب الواهية لاجل تعزيز هيمنتها وسيطرتها على مقاليد الحكم والثروة، وتخويف الشعوب والحد من تطلعاتها للإسهام في الحياة السياسية أو تعزيز المشاركة السياسية ومساءلة الحكام والرؤساء، الذين اعتقدوا لفترات طويلة أنهم فوق مستوى البشر، مؤلهين أنفسهم، وأصبح مجرد نقدهم أو انتقاد تصرفاتهم وأخطاءهم خطيئة لا ينفع معها الاستغفار وإعلان التوبة، وجريمة تستحق القتل والإعدام بدون محاكمة.

كرس أولئك القتلة معظم فترات حكمهم في الحرب على خصومهم السياسيين باختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية،وأدعو امتلاك الحقيقة المطلقة، وحاولوا ايقاف عجلة التاريخ عند لحظة توليهم للسلطة.

بالتأكيد يتابع الرئيس التونسي الهارب من مقر اقامته الشعب التونسي الحر وهو يسير بخطوات واثقة نحو المستقبل، ويتسائل عن تأخره في فهم حقيقة مايريده التونسيين حتى يوم رحيله الاجباري، هل يدرك بن علي حقيقة ان الشعب التونسي هو شعب مسلم وان حزب النهضه ليس حزبا ارهابيا، وإن لا احد يجب ان يتدخل فيما تقرر الشعوب اختياره، لانها صاحبة هذا الحق وبالتالي هي من تقرر ما تريد ومالا تريد، هنيئا للتونسيين نجاح انتخاباتهم الاولى في جمهورية البوعزيزي.

Alzorqa11@hotmail.com