عبد الرحمن النعيمي... رحل الجسد ولم ترحل الفكرة
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 8 أيام
السبت 03 سبتمبر-أيلول 2011 05:00 م

غيب الموت عن الحياة السياسية إحدى القمم السياسية العربية، وأحد أعلام الفكر السياسي التحرري والديمقراطي العربي، ممن وضعوا بصماتهم واضحة على خارطة الحركة التقدمية في الوطن العربي منذ خمسة عقود خلت.. إنه المناضل التقدمي البحريني والعربي الفقيد عبد الرحمن النعيمي الذي فارق الحياة يوم الخميس 1 سبتمبر الجاري، بعد صراع طويل مع المرض منذ ما يقارب الأربع سنوات، تاركا وراءه سجلا حافلا بالمواقف والشهادات النبيلة عبر سنوات النضال التحرري منذ مطلع ستينات القرن الماضي.

ولد الفقيد النعيمي في مطلع الأربعينات في منطقة الحد بالبحرين وفي أوائل الستينات كان يدرس الهندسة في الجامعة الأمريكية ببيروت ليلتقي هناك بالعديد من الطلاب اليساريين العرب وليؤسسوا معا حركة القوميين العرب، ثم ليتولى هو تأطير الكثير من النشطاء السياسيين في البحرين، ولدى تخرجه في العام 1966 يعمل الفقيد مهندسا في محطة كهرباء الجفير ليصبح واحدًا من نشطاء الحركة النقابية، مشاركا فعالا في الإضرابات العمالية، ليدخل بعدها السجن لمدة سنتين، وفي العام 1968 يغادر البحرين مكرهًا لأكثر من 33 عامًا فلا يعود إليها إلا في العام 2001 بعد الخطوات الإصلاحية التي شهدتها البحرين، وهناك يؤسس الفقيد مع العديد من زملائه جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) التي تضم تحت لوائها لفيف من النشطاء السياسيين القوميين والتقدميين البحرينيين، والجمعية بنظر العديد من المحللين السياسيين أول حزب سياسي معترف به في منطقة الخليج.

عبد الرحمن النعيمي قائد من الطراز الممتاز ومعلم بارع ترك جيلا من تلاميذه من النشطاء السياسيين في البحرين كما في بقية الوطن العربي, فخلال عمله ضمن الثورة الفلسطينية كان من المؤمنين إيمانا مطلقا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة، ومثل جورج حبش وفيصل عبد اللطيف ومحسن إبراهيم وغيرهم من مؤسسي حركة القوميين العرب اقتفى أثر المعلم والمهندس النعيمي عدد من التلاميذ الذين غدوا اليوم قادة سياسيين متميزين، يملأون الأفق بأصواتهم وأفكارهم القائمة على تقديس فكرة الحرية والتعددية والعدالة والمواطنة المتساوية والتقدم وحقوق الإنسان.

في العام 2005 كان كاتب هذه السطور مع آخرين في مطار صنعاء في استقبال الفقيد عندما وفد للمشاركة في أعمال المؤتمر العام الخامس للحزب الاشتراكي اليمني، وفي صالة التشريفات عندما جلسنا بانتظار إكمال الإجراءات دار حديث متشعب عن الأوضاع اليمنية والعربية والعالمية، تجلى منها أن الرجل يواكب التطور مبدعًا مبتكرًا مؤمنًا بالتقدم والتعددية والحريات العامة وحقوق الإنسان، متمسكًا بمبدأ التسامح بين الأمم والتعايش بين الأفكار والتلاقح بين الثقافات، متيقنًا بأن التقدم ظاهرة حتمية لا تقبل التراجع.

كمقاومة روحه للظلم والاستبداد والقمع قاوم جسد عبد الرحمن النعيمي المرض لما يقارب الأربع سنوات لكن المشيئة الإلهية أبت إلا أن تمضي بالقدر حتى النهاية، ليغادرنا الفقيد بعد رحلة تجاوزت ستة وستين عامًا، ملؤها الحلم والمثابرة والإيمان بانتصار الحق وصيرورة التقدم والنماء واندحار الظلم والقمع والتعالي.

غاب جسد عبد الرحمن النعيمي ولم تغب فكرته بل تناسلت بين آلاف تلاميذه الذين ينتشرون اليوم في كل الوطن العربي يسيرون على خطاه ويستلهمون المعطيات الجديدة والتحديات الراهنة نحو المجتمع الإنساني الأكثر عدلًا ونموًا وكرامة وسؤددًا للإنسان أينما كان..

ليرحم الله عبد الرحمن النعيمي وليلهم أهله وذويه ورفاقه وكل محبيه الصبر والسلوان، وطوبى للتربة التي تحتضن جسده الطاهر و(إنا لله وإنا إليه راجعون).

برقيات:

* التوظيف الإعلامي للموقف السعودي من قبل أعلام السلطة المتهالكة وتصوير حرص السعودية ودول مجلس التعاون على أنه دعم لمن تبقى من تلاميذ النظام يبين الجهل الشديد لدى هؤلاء بأبجديات السياسة ولباقة الدبلوماسية.

* يتصور الممسكون بأدوات السلطة المتهالكة بأنهم بالحشود العسكرية يستطيعون إجبار الثوار على مغادرة الساحات، وهم لا يعلمون أن أي جريمة يقدمون عليها بحق المعتصمين لن تكون إلا إعلان نهايتهم وما تبقى من سلطتهم الميتة سريريًا.

* خاطرة شعرية:

قد عاش فذاً عفيف النفس محتشماً ومات شهـماً كريماً شامخاً بطلا

في كل بيتٍ له صـــــــــــــــوت ومأثرةٌ في كل ركنٍ قصيٍ قد غدا مثلا

الشعب يعــــــلم كم جادت يداه به لنــصرة الخير دوما قط ما بخلا

تراه يركــــــــــــض إمــــــا هادماً صنماً أو رافعاً علــــــــــــــــــماً أو زارعاً أملا

فضاضة الطبع مهما كان طابعها لم يمتلك ناقةً فيــــــها ولا جــــملا

ورفعة النـــــــــــــــــفس جزءٌ من شمائله مهما تصاعد في الآفاق أو نزلا