ساعدوا أمريكا
بقلم/ حورية مشهور
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر
الثلاثاء 12 يوليو-تموز 2011 01:16 ص

نعم يا شباب ساعدوا أمريكا، وهذه ليست مزحة بل هي دعوة حقيقية. ساعدوها؛ لأنها هي الوحيدة حتى الآن التي أثبتت أنها تساعدكم. أليس الرئيس الأمريكي أوباما هو من حرك المياه الراكدة، وهو يرى الأمور تنزلق منزلقاً خطيراً في اليمن، وذلك بإيفاد مستشاره لشئون مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي جون برينان إلى الرياض ليحلحل الأمور ويدعو الرئيس صالح للتوقيع على المبادرة الخليجية، ولم يتردد لاعتبارات متعلقة بصحة الرجل وأنه ما زال في طور النقاهة وربما الضغط يؤثر عليه ويؤدي إلى انتكاسته صحياً.

أمريكا اخترقت حاجز الصمت وذهبت للرياض لتساعد في الحل، ولم تستطع أي جهة فعل ذلك سوى كانت وطنية من الأنصار أو الخصوم أو الأشقاء في الإقليم.

الأسبوع الماضي اعتذرت عن قبول دعوة الغداء في السفارة الأمريكية؛ لأنني شعرت بالألم في أنني سأذهب لتناول وجبة غداء شهية وحوالي ثلاثة أرباع الشعب اليمني يتضورون جوعاً نصفهم يشحت في الشوارع أو يبحث خلسة وغفلة عن فضلات وبقايا طعام في براميل القمامة التي قد تناقصت كثيرا؛ً لأن الذين كانوا يملئونها ببقايا ضيافاتهم وعزائمهم قد غادروا وولوا فراراً يتنعمون بأموال الشعب في الخارج ويتابعون ثمار أفعالهم ونتائج أدوارهم التي أوصلت البلاد إلى هذا الدرك من طرف قصي، والآخرون أعزاء لا يكاد حتى أقرباؤهم أو جيرانهم يعلمون بأنهم ربما باتوا على وجبة واحدة أو دون ذلك. واليوم هأنذا أعود لأقول لكم ساعدوا أمريكا بمزيد من الضغط على الرئيس ومن تبقى من أركان نظامه الممانعين في قبول المبادرة وتطبيقها فوراً بدون تأخير أو تسويف.

والسبب الآخر الذي أعلنته في المقال السابق كان حنقي من الموقف الأمريكي غير المساند للثورة، وهو حتى اليوم يبدو كذلك ولكنه على الأقل يطرح الحلول في ظل تعقد الوضع وتعمق الأزمة ويخطو إجرائياً باتجاه المعالجة، وإذا كنا نحن غير مدركين لعمق الأزمة إلا بمقدار ما يصيبنا منها من عدم وجود البنزين والديزل وارتفاع أسعار المواد الغذائية إلا أنهم هم وبوجود مراكز دراساتهم الاستراتيجية والنظر إليها بالمجهر الدقيق يرون المشكلة أكبر بكثير من نظرتنا إليها قصيرة المدى، وبصورة تبين أن تداعياتها سوف تؤثر على أمنهم وأمن حلفائهم الاستراتيجيين، وبالتالي فإن مساعدتهم هذه فيها منفعة مشتركة لنا ولهم.

الساحة خلت للمعارضة والثوار منذ 3 يونيو, فماذا فعلوا؟!! أبطال المسرح السياسي كلهم غادروا من رئيس الجمهورية إلى رئيسي مجلس النواب والحكومة والشورى ونواب رئيس الحكومة. ولم يتبق سوى نائب الرئيس المشكوك في شرعيته بسبب عدم صدور قرار تعينه بعد إعادة انتخاب الرئيس في خريف 2006م، وظلوا يقنعونه بلعب دور لا طاقة له بتحمله.

السؤال الذي دار في أذهان البعض: هل أراد الرئيس بهكذا غياب غامض أن يثبت للعالم مثلما كان يقول دائماً أن المعارضة لا تقدر حتى تحكم حيًا في صنعاء؟؟!! وعادت للحديث عن اليقظة والاستعداد في الوقت الضائع أو بعد ما أطلق الحكم صفارة انتهاء اللعبة. والغريبة أن معظم رموزها اختفوا في الوقت الذي كان يُفترض بهم أن يظهروا بقوة أي في فترة اختفاء رموز النظام.

ذلك عن المعارضة أما عن الثوار، وبعد الحديث عن تصعيد وعن مد ثوري, ظلت حركة الثوار تراوح مكانها, وأقصى ما كانوا يستطيعون فعله الخروج في مسيرات في حدود المكان المتفق عليه في شارع الستين وحتى بيت النائب, بل وتم إبعادها أيضًا بعيدًا عن بيته بالقوة لتنتهي في شارع الرباط وتعود أدراجها إلى ساحة التغيير. ولم يختلف الحال كثيراً في بقية المحافظات, ولن يختلف؛ لأن صنعاء هي مركز الحسم.

وحتى المحافظات التي أسقطها النظام وأدعى أنها سقطت – باستثناء صعدة – لم تستطع الثورة أو المعارضة فعل أي شيء إزاءها، وكنت في مقال سابق قد نصحت بالبدء في مجالس انتقالية على مستوى المحافظات لتسد فراغ السلطة وعدم السماح للجماعات المسلحة بالعبث بأمنها واستقرارها، ولم يحصل ذلك، وتكون أساس لمجلس انتقالي وطني عام على مستوى الجمهورية، مع أن هذا المطلب كان وما يزال مطلبًا ثوريًا، شعبيًا وجماهيريًا، والمعارضة التي كانت قد خافت من إعلانه بادرت بالحديث عنه الأسبوع الماضي حينما تواترت إليها أخبار عودة الرئيس كرد فعل، وليس كفعل ستسعى لتحقيقه فعلًا على أرض الواقع.

عزا الشباب ذلك إلى القيود التي وضعتها لهم المعارضة مستعينة ومستقوية بالفرقة الأولى. وهم بهذا الصدد ملامون قبل غيرهم؛ لأن الثورات حينما تقوم تكون كالإعصار والسيل الجارف أو كالطوفان لا يمنحك حتى الفرصة للتفكير في اللحظة التالية. وهم قد وقفوا أمام النظام بآلته الأمنية والعسكرية و"البلطجية"، فكيف لهم أن ينحنوا أمام المعارضة المنزوعة السلاح والفرقة التي من المفروض أنها أحد ائتلافات الثورة كما أعلنت بتاريخ 21 مارس بعد جمعة الكرامة. إلا إذا كان الأمر غير ذلك واقعياً!!!

اليوم إلى الذين يلعنون أمريكا – وفي ظل الجمود الثوري – وعدم وجود أي حلول في الأفق سوى المبادرة الخليجية الميتة – الحيّة والأقل كلفة, نقول لهم خلاص نشكر الأمريكان القلقين على الشأن اليمني وبالطبع على تأثيره على مصالحهم وعلى السلم والاستقرار الدولي، والوحيدين الذين يفهمون صالح ويعرفونه حق المعرفة ويعرفهم هو وقد يستجيب لهم لأن لديهم أساليب ضغط كثيرة وكبيرة لم يستخدموها حتى هذه اللحظة معه؛ "لأنه حليفهم", مع أنهم تخلوا عن حسني مبارك أكبر حلفائهم في الشرق الأوسط وفي بلد من أهم البلدان لا لشيء, لكن لأنهم شعروا بأن الثورة متوهجة، وبشائر انتصارها واضحة وأحسن لهم ولمصالحهم التعاطي معها وعدم السباحة ضد التيار.

الآن وبعدما ضاقت الخيارات وأُنهكت مقدرات البلد وفترت الهمم ليس لدينا إلا ما هو متاح لنا وما قد تم التوافق عليه وقبلته السلطة ممثلة بالمؤتمر الشعبي العام أو على الأقل شريحة مهمة من بينهم والمعارضة الذين أُجبروا وأُرغموا على قبولها, وآخرون في الشارع ضاق بهم الحال ويتخوفون من الأسوأ, ولم يقبلها الشباب بسبب حماسهم الثوري – ولا يمكن الاستهانة بهم لأنهم الأكثرية, ولكن دون تقدم واضح لتحقيق أهداف ثورتهم. كما لم يقبل بها الرئيس وإن أدعى ظاهرياً غير ذلك؛ بسبب أنها تنتزع منه سلطة 3 عقود ظل يمارسها دون منافس.

اليوم الأمريكان – كثر الله خيرهم – يريدون مساعدة البلد في تجاوز محنتها، وتنفيذاً لالتزام سابق سيضعهم في حرجٍ كبير إن هم لم يسعوا لتحقيقه, ليس فقط أمام اليمنيين ولكن أمام الشعب الأمريكي وأمام حلفائهم الأوروبيين في دعم الديمقراطية، كما أنهم سيفقدون مصداقيتهم بسبب التناقض في التعاطي مع الثورات العربية, ففي حماه تتهاوى القيود والأعراف الدبلوماسية بحضور سفيرهم والسفير الفرنسي فعالية الثورة حتى ولو كان من باب "الفرجة" للوقوف على زخمها ومقارنتها بمسيرات النظام المرتبة والمنظمة، ربما ليتدارسوا الخطوات والآليات اللازمة لدعمها دون تكرار سيناريوهات غير مرغوبة. وفي الثورة الليبية استطاعت الولايات المتحدة استصدار قرارًا أمميَّا يساعدها في تنفيذ مهمتها. وفي مصر كان خط السفارة مفتوحاً مع المعارضة، إلا أن الفرق في مصر كان حضور القوة الجماهيرية والتصعيد الثوري المتسارع الذي لم يعطِ أي طرف الفرصة لالتقاط أنفاسه. وفي تونس كانت صاعقة مفاجئة للجميع, كانت أول ضحاياها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة التي أعطت إشارات خاطئة لبلدها جعلت ساركوزي يحاول تلافيها في قيادة التدخل الفوري والسريع والعميق في ليبيا، ومع ذلك ومع تعقد الظروف على الأرض بدأ الفرنسيون ذاتهم بالحديث عن حل سياسي للأزمة الليبية.

المهم وبالعودة إلى جوهر الموضوع أرى بأن يساعد الثوار أمريكا بالتصعيد الثوري لإجبار الرئيس على توقيع المبادرة؛ لأنه بالمختصر المفيد لا يريد أن يغادر السلطة، حتى وهو في أوهن حالاته والبلد في أسوأ أوضاعه؛ لأننا بذلك نساعد أنفسنا في الخروج من المأزق، ومع ذلك وحتى لا يغضب الثوار وإذا كانت الحلول الثورية متاحة فليكن وزيادة الخير خيرين, فإذا وصلنا إلى تطبيق المبادرة خير وإذا حسمنا الأمر ثورياً خير كبير وكثير, وأنتم يا شباب اليمن أخبر وأعرف، ولكن النصيحة واجبة.