ترامب يخطط لحرمان أطفال المهاجرين من حقهم في الحصول على الجنسية الأميركية.. هل ينجح ؟ ولايات أمريكية تضربها عواصف مدمرة وأعاصير مع تساقط كثيف للثلوج سفارة واشنطن: ناقشنا مع العليمي مواجهة الحوثيين داخل اليمن وخارجه أول ثمار إسقاط نظام الأسد.. زيادة 400% في رواتب الموظفين زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر درجة يضرب دولة عربية موقف ارنولد يثير القلق في ريال مدريد أشعلت طرطوس.. غارات مرعبة وهي لأقوى الأعنف منذ عام 2012 قرارات جديدة ومهمة في سوريا… محامون دوليون يتتبعون ثروات عائلة الأسد وتحويلها لصالح الشعب ضبط مصنع ضخم لمخدر "الكبتاغون" بريف دمشق في أحد قصور الاسد الحسيني يتنبأ بسقوط وشيك لجماعة الحوثي
غموض حرب صعدة، رصاصة ضد الجميع. وبعبارة أخرى: الرئيس صالح وجماعة الحوثيين مارسا حرباً قذرة وباهظة الثمن على البلد بأسره.
هذه هي الحكاية بكل سهولة. إنها تبدو سخيفة ومبتذلة لبرهة من الزمن. لكن لا يجب أن تكون مجرد وسواس عابر وفائق الغرابة.
الحرب (الداخلية) الملثمة كلص شديد المراس، ليست وطنية البتة. كما أن فظاعتها لا تكمن في الخسائر التي يتكبدها الطرفان اللذان يتبادلان القدرة المشتركة على القتل. بل في كونها تواطؤ ولامبالاة مصمتين لقتل طرف ثالث أعزل (هو الوطن برمته). الحرب المبهمة خسيسة ودنيئة وقليلة أدب. هذا ما يجب أن يقال بعدما قررت حرب صعدة الخامسة أن تضع أوزارها كما يضع حيوان بري روثه، وقتما يشاء، وأينما يشاء.
كانت الحرب الأخيرة، هي الرصاصة رقم 5 في الصدر الرخو لشعب فقد حماسته للحياة تماماً. حرب صعدة هي كل شيء لم نعرف كنهه، وهي في الآن نفسه كل ما نعرفه عن سبب إخفاقنا الأبدي الصامت. منذ الوهلة الأولى، كنا ندرك بوضوح أنها حرب عبثية وغامضة، بيد أننا، لسوء الحظ، لم نع، ولو للحظة، أنها كانت أساساً موجهة إلى نحورنا. في 17 يوليو -اليوم الذي قفزت به المصادفة وحسن الطالع إلى كرسي الرئاسة- أعلن صالح وقف المعارك في صعدة، وبشكل مفاجئ.
لقد أماط اللثام عن الطرف الخاسر في الحرب: كل من لم يعرف سرها.
والحق أن الرجل لم يتلُ بياناً رئاسياً يتوخى فيه إطلاع مواطنيه على نتائج المباحثة الهاتفية التي أجراها مع عبد الملك الحوثي، والتفاهمات التي ترتبت عليها. لم يحصل هذا مطلقاً.
بدا الأمر عرضياً فالفعالية التي نظمتها وزارة الشباب والرياضة في صالة 22 مايو الرياضية، الخميس الفائت، كانت تضطلع بوظيفتين: تدشين المراكز الصيفية، والاحتفال بالذكرى الـ30 لتولي صالح الحكم. والوظيفة الأهم هي الغائبة. غير أن الرئيس أدرجها من تلقاء نفسه ضمن الكلمة المرتجلة كالمعتاد، التي سيلقيها في المناسبة. ولسوف يفاجئ الجميع حين يقول: "انتهت الحرب في صعدة، وإن شاء الله لن تعود أبداً، نحن قدمنا ضحايا بسبب الجهل والغلو والتخلف".
أكثر ما يفاجئ في كلمة الرئيس ليس إشارته المقتضبة إلى انتهاء القتال في جبهات صعدة، بل الطريقة التي استخدمها للتعبير عن الأمر. لقد قال "انتهت الحرب"، هكذا في صيغة خبرية ناقصة. لكأن "انتهت الحرب"، هي العنوان، الذي لا يفعل أكثر من شد انتباه السامع إلى التفاصيل أدناه.
تلفظ الرئيس بتلك الجملة على عجل. ثم إنه راح يقيد القضية ضد مفردات تجريدية، من قبيل "الغلو، التطرف، الجهل". كان كمن يتفادى بارتباك، أي سؤال عن الحيثية التي بني عليها قرار وقف الحرب.
"كيف انتهت الحرب". سؤال مزعج، لا ينفك يطارد ذهن الرئيس مثل كابوس. ليس لأنه لا يعرف كيف يرد، أو بماذا يرد. لكنه لا يريد أن يرد أصلاً.
"كيف"، منغصة، مؤذية، مسمار صلب في تابوت الحكم.
قال الرئيس انتهت الحرب. وهي مقولة جديرة بالاحتفاء والترحيب والكثير من الفخر. لكن "كيف"!
توجد طرق عدة لممارسة السقوط. والهروب من "كيف" طريقة مثلى لممارسة سقوط مدروس بعناية.
لم يعد صالح هو إياه الذي كان في 1994. عامئذٍ أعلن انتهاء حرب صيف 94 مزهواً جذلاً، مكللاً بالنصر "العظيم". لقد كان في أوج اكتماله ونضجه. كان ناضجاً بما يكفي ومكتملاً بما يكفي وقوياً أيضاً.
لو استخدم الرئيس أسلوباً آخر لإعلان انتهاء الحرب. مثلاً كأن يستعير الصيغ المعهودة في الإعلام الحكومي: "تمكنت القوات المسلحة الباسلة من تطهير ودحر التمرد في صعدة نهائياً". كيف كان سيبدو المشهد. بالتأكيد سيكون مختلفاً، في حين سيلوح الرجل وقتئذٍ في كامل نشوته وعنفوانه.
ولقائل أن يقول: "ما الفرق بين أن يعلن الرئيس "انتهاء الحرب" و"حسم الحرب عسكرياً"؟.
لا بد أن الفرق شاسع جداً، وقاسٍ جداً، وصادم جداً. لسبب بسيط: فانتهاء الحرب بهذه الطريقة الغريبة والملتبسة، معناه وجود قوة حقيقية ضاربة في صعدة بدأت تتقاسم النفوذ مع صالح، وعليه أن يذعن لهذا الأمر.
"انتهت الحرب"، يعني أن قوى خارقة مجهولة تدخلت. أو أن الحرب أنهت نفسها بنفسها، مثلما تقول "بدأت الحرب"، كما لو أن الحرب مخلوق شرير واعٍ، يستطيع أن يقرر كيف يبدأ وكيف ينتهي.
لطالما احتل الرئيس مكانه في الوعي الشعبي بوصفه القوي بلا منازع، بينما سيجد نفسه هذه المرة مضطراً لتقديم صورة مختلفة: شخص وديع ميال للسلم وحقن الدماء، لديه قابلية للابتزاز والضغط.
سيكون 17 يوليو بمنزلة النهاية المجازية لقوة صالح السحرية. وبالموازاة سيكون اليوم نفسه البداية الرمزية لقوة صاعدة من طراز العمائم واللحى والقلانس التي تجتاح المنطقة.
صحيح لا يوجد نزاع تم حسمه عسكرياً. والقوة ليست أكثر من وسيلة لإعادة الأمور إلى مربع السياسة. لكن، بالمقابل، لا توجد حركة تمرد واحدة حققت انتصاراً على الدولة ثم انصاعت لدواعي وشروط السلم.
لا أحد يعرف ما إذا كانت حرب صعدة مشروعة أم لا. وبالتالي لا نستطيع أن نقول إلا أنها حرب وسخة ضد الشعب، لا أكثر ولا أقل. وعلى الطرفين أن يخضعا للحساب في نهاية الأمر.. لنفترض أنها حرب مشروعة. ثم انتهت عن هذه النقطة، أي في اللحظة التي تشعر فيها جماعة الحوثي بالنصر.
الجمعة الفائتة، قال يحيى الحوثي في حديث لقناة الجزيرة إن إعلان وقف الحرب والتفاهم جاء بعد أن شددوا التحاق على فائد لواء 17 مشاة في مران العميد عبد العزيز الشهاري.
إذاً، وبالنظر إلى مثل هذه التصريحات، ما هو المآل المنتظر للمصالحة الجارية الآن؟ الجواب في غاية البساطة: إنها مصالحة هشة وأقل ديمومة. ولن تكون الهدنة سوى فترة إعداد لجولة قادمة، ربما تبدأ عقب الانتخابات النيابية.
السلم من خلال النصر هو القادر على الحياة. والراجح أن الحوثي، بهذه الخطوة، قد كتب بالفعل السطر الأول في حكاية السقوط. علاوة على ذلك: كرست حركة الحوثي "قانون" القوة. ومن الآن فصاعداً سيغدو المنطق المدني السلمي محض مزحة لا تحتمل.
سيحصل الحوثي -بموجب هذه التفاهمات- على مكاسب سياسية وأموال وامتيازات. في الوقت الذي يحاكم فيه باعوم ورفاقه بتهمة "المساس بالوحدة". إنها لمفارقة تثير الجنون. ألا يبدو هذا مريعاً؟
ما من أحد سوي يريد أن تستمر الحرب. لكن علينا أن نضحك بمرارة من أدرك في وقت متأخر أن الرصاصة التي لعب بها المتحاربان، بعدوانية وشغف، على مدى 4 أعوام، أصابته قبل أن تصيب أي شيء آخر.
ففي نهاية المطاف، لم يسقط الرئيس مغشياً عليه، ولم يسقط الحوثي "شهيداً".
الأول يمارس لياقته، بين الحين والآخر، بشيء من القتال. والثاني يمتحن رمزيته وسلطته الروحية بشيء من "الجهاد". وبينهما بلد منهار أنقاضاً، يمارس تلاشيه وغيابه بشيء من الموت الخالي من "المجد" و"البطولة".
ـــــ
alalaiy@ yahoo. com
* نشر المقال بالاتفاق مع الكاتب