قصة قصيرة

ما يزال كبار السن في قرية أكمة العقاب إلى يومنا هذا من الأميين ، باستثناء عبد السلام منصور " الفقيه " الذي يقوم بتحرير العقود وكتابة الوثائق ، يقرأ خطبة الجمعة ويصلي بالناس في جامع القرية

. وقبل أن يتعلم فتيان القرية القراءة والكتابة في مدرسة القرية المجاورة كان الفقيه هو الشخص الوحيد الذي يقرأ الرسائل التي تصل لأهالي القرية ويعرف كل أسرارهم .

اذا مضغ الفقيه نوعا واحدا من القات فإنه يظل ذلك الشخص الرصين المتزن ، أما اذا مضغ أنواعا مختلفة من القات فإنه حينها يخرج عن طوره ويفقد عقله ويرتكب الكوارث .!

ولكثرة الأعمال الغريبة التي قام بها تحت تأثير القات فقد صار حريصا على مضغ نوعا واحدا من القات حتى يظل بكامل وعيه. ورغم حرصه فكثيرا ما يتعرض لخديعة رجال القرية الذين يدسون في قاته أنواعا مختلفة كي يمضغها ، بعد ذلك يستمتعون بمشاهدة الممارسات الغريبة التي يقوم بها .!

سأخبركم بالفضيحة التي فعلها الفقيه قبل أيام عندما مضغ أنواعا مختلفة من القات .! كان الوقت بعد العشاء حين فقد الفقيه كامل وعيه وخرج عن التغطية ، في البداية حملق في السقف عدة مرات ثم لبس كامل ثيابه وحمل قاته وغادر المكان ، وحينها تبعه بعض الرجال وهم يتهامسون وعلى شفاههم ضحكة تكاد تنفجر .

وعلى ضوء القمر ظل يمشى في طرقات القرية قرابة نصف ساعة وهم يتبعونه بصمت ثم ألتفت إليهم قائلا : - يا جماعة أين بيت عبده حمود ؟ أدركوا حينها أنه قد حدد بيت عبده حمود لتكون مسرحا للكارثة التي سيفعلها الليلة . أشاروا إلى منزل عبده حمود فسار نحوه وهم يتبعونه .

ما ان رآه عبده حمود قادما نحو منزله يتبعه الرجال حتى ضحك قائلا لأهله : - الفقيه شكله قد ارتبش وفي طريقه إلينا . وأضاف : - يعلم الله ماذا سيطلب منا ؟ حين وصل إلى جوار منزل عبده حمود نادى عليه فأجابه ثم خرج لاستقباله . بعد ساعة من السمر في منزل عبده حمود قال الفقيه

: - أخي عبده أنت تعرف منزلتك عندي ومكانتك في قلبي ؛ ولهذا جئت إليك راغبا في إكمال نصف ديني وخطبة امرأتك فاطمة لتكون زوجة لي على سنة الله ورسوله .

حينها ضج المجلس بالضحك .! ألتفت الفقيه إليهم قائلا : - مالكم تضحكون ؟ أنا مازلت شابا ، وأريد إكمال نصف ديني وقضاء بقية عمري مع فاطمة . وأضاف : - لا يوجد أحد في المنطقة كلها يعرف فاطمة كما أعرفها أنا ، كنت في صغري أرعى الغنم معها ، كانت تذهب إلى بركة الماء و .

. حينها قاطعه عبده حمود : - يا فقيه فاطمة هذه زوجتي ، هل يجوز خطبة امرأة متزوجة ؟! ضحك الفقيه ساخرا وقال

: - فاطمة هي ابنتك .. وقد صارت من العوانس ، ولم يتزوجها أحد الا أنت تزوجتها زمان ، الان جاء دوري كي أسترها . ثم أخرج من قاته حزمة فاخرة قائلا لأحد الأطفال

: - اذهب بالقات لفاطمة وقلها تتزين وتأتي كي أراها " النظرة الشرعية " . قال عبده حمود للولد

: - خذ القات وسلمه لأمك وقل لها : الفقيه جاء يخطبك .! وأضاف : - لماذا لم تخطب زوجتي الثانية مسعدة ؟

رد بهدوء : - مسعدة ليست جميلة مثل فاطمة . ومضى الفقيه عبد السلام يحدثهم عن ترتيبات الزفاف ، وعن شهر العسل ، وكيف سيشتري لفاطمة الذهب والفساتين ويدللها ، وهم يضحكون .

بعد ساعات قال الفقيه بضجر : - الليل يكاد ينتصف ونحن لم نر البنت ، الله المستعان هل هذا هو شرع الله ؟! ثم غادر المجلس طالبا من رفاقه أن يدلوه على منزله فقد تشابهت عليه المنازل . أعادوه إلى باب منزله ثم تفرقوا . وفي اليوم التالي كانت قصة خطبة الفقيه عبد السلام لزوجة عبده حمود أضحوكة القرية والقرى المجاورة . وحين وصل الفقيه قبيل الظهر إلى سوق القرية لشراء القات سألوه : - هل تدري يا فقيه ما فعلت بالأمس ؟

أجاب باستغراب : - ماذا فعلت ؟! - خطبت زوجة عبده حمود " فاطمة " . جحظت عيناه وأسود وجهه وسألهم : - أسألكم بالله ؟! - والله انك رحت خطبتها . - يا فضيحتاه ، يا عيباه ، ما هذه الا كبيرة .

وأضاف : - الله أعلم من خلط لي القات وجعلني أخرج عن طوري ، لكن لابد أن نذهب إلى عبده حمود لنعتذر له . في المقيل في منزل عبده حمود ظل الفقيه يعتذر بشدة وقد غشاه الخجل ويتساءل

: - تقولوا يا عيال من هو الذي خلط لي القات أمس وجعلني أرتكب هذه الفضيحة ؟ حين ذهب الفقيه ليصلي العصر بالجامع تأخر أحد الشباب عمدا ، ثم خلط قاته بأنواع أخرى من القات .

عاد الفقيه إلى المجلس وبعد ساعة من مضغ القات حملق في السقف ثم قال : - أخي عبده أنت تعرف مكانتك عندي ، ولهذا جئتك راغبا في مصاهرتك ، وخاطبا امرأتك مسعدة لتكون زوجة لي على سنة الله ورسوله .!

وحينها ضج المجلس بالضحك ، فيما مضى الفقيه يتحدث عن ترتيبات زواجه من مسعدة .!