حسابات في حوار الإصلاح والحوثيين
بقلم/ عبدالملك شمسان
نشر منذ: 10 سنوات و أسبوع و يومين
السبت 06 ديسمبر-كانون الأول 2014 01:21 ص
لا مجال لإطلاق الأحكام المبدئية على المتحاورين على نحو وصف هذا الطرف بالضعيف وهذا بالقوي، وهذا بالتابع وهذا بالمتبوع، وإنما هناك أداء قوي -أثناء الحوار- وأداء ضعيف، هناك طرف يملك رؤية واضحة لما يريده ولما يريده الآخر، وهناك طرف لا يملك هذه الرؤية، أو على الأقل يملك رؤية قاصرة عما يفترض منه، أو قاصرة عما لدى الطرف الآخر.. هناك طرف قوي بما يحمل من أهداف متصلة ومرتبطة بالهمّ الوطني والهمّ المجتمعي، وهناك طرف ضعيف لا ينظر لأبعد من مصلحته الخاصة.
في منطق المواطن البسيط أن يتمنّع "القبيلي" عن اللقاء بخصمه فضلا عن التصالح معه، ويدفعه لهذا منطق: لن "أوطي" رأسي لفلان، أو لن أنبطح أمام فلان –بتعبير المثقفين.. هذا منطق "القبيلي" والمواطن البسيط، أما منطق السياسة فلا مكان فيه لهذه المصطلحات، ولا أحد في الساسة يفهم مفردات هذه اللغة.
في سنوات ما قبل ثورة فبراير كان نظام علي صالح يرفض الحوار مع القوى السياسية، لأنه كان مسيطرا على كل شيء، ويعتقد أن أي حوار مع الأطراف والقوى السياسية سيجره إلى تنازلات لا يريدها، وظل يتعالى على هذه القوى، بل ويتعامل باستهزاء وسخرية مع دعواتها للحوار الوطني حينذاك، ثم بعد سنوات قرر موازاة تلك الحوارات بحوارات أخرى يديرها هو ويتحكم بها وكان من الطبيعي أن لا تثمر، وكانت نتيجة ذلك التعنت والمراوغة اندلاع ثورة فبراير 2011م، وحينها فقط شعر بالحاجة الملحة للحوار، وأدرك أنه لا سبيل إلى دفع الضرر القادم نحوه إلا بالحوار، وألقى صالح يومها خطابه الشهير الذي قال فيه "لا توريث ولا تمديد"، وراح يطلق الدعوة للحوار الصادق، ولكن بعد فوات الأوان.
الحوارات واللقاءات التفاهمية بين القوى السياسية ليست ترفاً، ولا عملا استعراضيا لرحابة الصدر أو الاستهلاك الإعلامي. وباستثناء حالات نادرة تحكمها ظروف خارجية فإنه لا يذهب أي طرف سياسي للحوار إلا مدفوعا بأهداف يريد تحقيقها، وهي ما بين مفسدة يدفعها، أو مصلحة يجلبها، أو الأمرين معا.. مفسدة واقعة أو محتملة، ومصلحة واقعة يريد تعزيزها أو مستقبلية يريد أن يستجلبها، من ذلك ما يخصه هو، ومن ذلك ما هو متعلق بالوطن برمته.
من حق الحوثيين وفق المنطق السياسي السائد أن يخوضوا أي حوارات مع الأطراف الأخرى لتحقيق أهداف يرونها مشروعة ويبذلوا وسعهم لتسوير الأرضية التي بسطوا عليها، وأن يتحسسوا أي طريق يرون أنه سيسهل خطواتهم باتجاه المحافظات التي لم يدخلوها بقوة السلاح حتى اليوم، وعلى رأسها المحافظات الجنوبية.. لهم هذا حتى وإن كانوا هم من يحكم جميع المحافظات اليوم ولا يحتاجون إلى دخول كل محافظة بالسلاح على نحو منفرد، فهم اليوم من يحكم جميع المحافظات بالشراكة مع قطبي الحكم الآخرين، وسواء في ذلك التي دخلوها بالسلاح والأخرى لم يدخلوها بالسلاح، ولا فرق في هذا بين المحافظات الشمالية والأخرى الجنوبية، فصنعاء هي العاصمة، ومن يحكم العاصمة يحكم منها جميع المحافظات..
ومن الطبيعي كذلك أن ينظروا بشكل مختلف إلى المخطط الذي أوصلهم بمرحلته الأولى إلى صنعاء في 21 سبتمبر، إذ قد تدخلهم مرحلته الثانية في دوامة توصلهم إلى حتفهم، وهو ما يفرض عليهم اليوم تعاملا مغايرا وسياسة أخرى.
وللإصلاح من جانبه أن يقرأ تجربته السابقة، ويتأمل فيما كان خلال السنوات الماضية من سلوكه المتطابق مع الحوثيين في أن الاثنين لم يكونوا يشعرون بالحاجة للحوار الثنائي، معتقدا –أي الإصلاح- بكفاية الحوار العام الذي كان يجري في موفمبيك بصنعاء، وعليه أن يرجع البصر في تلك المرحلة ليرى أن تلك الحوارات كان يصحبها بالتوازي مخطط ينفذ من تحت الطاولة، وما إن انتهت تلك الحوارات حتى كان المخطط الخفي مشارفا على النهاية، وإذا به يطيح بكل شيء.
ويجدر به وهذه التجربة طرية بين يديه أن لا يظل يعدد خلال هذه الفترة إيجابيات الحوار مع الحوثيين بذات الطريقة التي كان يعدد بها إيجابيات حوارات صنعاء خلال الثلاث السنين السابقة، وهي الحوارات التي صرف إليها كل جهده وتركيزه ليفاجأ آخر المطاف بذلك المخطط الذي أطاح بكل تلك الإيجابيات في يوم وليلة.
من كانت مواقفهم ترجح كفة الحوثي خلال الثلاث السنوات السابقة، بالشراكة أو التعاطف أو حتى بالصمت، أفرادا أو مكونات، أصبح لدى كثير منهم اليوم حسابات أخرى مختلفة، كما إن الذين كان لهم موقف سلبي من الإصلاح -وفق حساباتهم لتلك الفترة- يفترض بالإصلاح اليوم أن يتوقع منهم شيئا مختلفا بمقتضى اختلاف تلك الحسابات لديهم، وأن لا يظل في مقرّه بانتظار قدومهم إليه، بما في ذلك المؤتمر الشعبي، فضلا عن الشركاء في المشترك والحاجة لتفعيل الصلات معهم، وأظن الإصلاح يدرك ذلك جيدا، خاصة وأن قيادات إصلاحية رفيعة تطرقت قبل أيام في حديث خاص للحديث عن مساع لخطوة إصلاحية مؤتمرية مماثلة للخطوة الإصلاحية الحوثية.
ربما يثمر هذا الحراك حوارا وتفاهما أوسع يكون أجدى لتنفيذ مخرجات الحوارات والاتفاقات السابقة، ويثمر قدرا من تعافي العملية السياسية بعد الضربات التي تعرضت لها، وإن كان الحفاظ على الدولة هو العنوان والهدف الذي يجب أن يظل الأبرز خلال هذه المرحلة قبل الحديث عن تفاصيل العملية السياسية المضروبة والمعطوبة منذ 21 سبتمبر الفائت.