آخر الاخبار

الدكتوراة للباحث إبراهيم اليمني من كلية الحقوق جامعة بني سويف مع مرتبة الشرف على غرار اقتحامات واتهامات نظام الأسد.. مليشيات الحوثيين تقتحم عمارة سكنية بمحافظة إب بقوة الحديد والنار وتروع سكانها اللواء سلطان العرادة يدعو الحكومة البريطانية الى تفعيل دورها الاستراتيجي في الملف اليمني وحشد المجتمع الدولي للتصدي للدور التخريبي لإيراني .. تفاصيل الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش مع صحفيين يمنيين وسبُل محاسبة المتورطين في الانتهاكات التي تطالهم عاجل العميل الإيراني رقم إثنين .. الهدف القادم الذي ينوي الغرب والعرب استهدافه واقتلاعه.. ثلاث خيارات عسكرية ضاربة تنتظرهم ما يجهله اليمنيون والعرب ..لماذا لا يجب ترك شاحن الهاتف موصولاً بالمقبس الكهربائي بشكل دائم؟ من هو الأفضل في 2024 بحسب الأرقام؟ كريستيانو رونالدو أم ليونيل ميسي.. عاجل تحسن هائل في سعر الليرة السورية مقابل الدولار .. اسعار الصرف شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا

قصة نشأة الأخوان المسلمين في اليمن الجزء الأخير
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 26 يوماً
الأحد 20 مايو 2007 05:29 م

على مدى ثلاثة أعداد نشرت صحيفة «النداء» الأسبوعية فصلاً من كتاب يصدر لاحقاً، للزميل سعيد ثابت سعيد الصحفي المعروف، بعنوان: «الحركة الإسلامية في اليمن. إشكاليات النشأة والمسار». وفيه يتناول الكاتب الينابيع والمسارب والمسارات التي مهدت لقيام تنظيم «الاخوان المسلمون» في اليمن مطلع الستينات من القرن الماضي، مسلطاً الضوء على أدوار عديدين من الشباب الإسلامي في فترة المد القومي العربي، وبخاصة الشاب عبدالمجيد الزنداني الذي انسحب من حركة القوميين العرب لأسباب متصلة، في أغلبها، بنظرته للدين.

مأرب برس تعيد نشر تلك الحلقات الثلاث ولقد تم نشر الحلقتين - الأولـى - و- الثانـية- في وقت سابق .

الحلقة الثالثة والأخيرة :

ثمة كثيرون من الناس يعتقدون أن عملية خلق أو تأسيس تنظيم أو حزب أو حركة أو جماعة تحمل عقيدة أو أيديولوجية حضارية تجيب على مجمل مشكلات الواقع من السهولة بحيث يستطيع أفراد معدودون الإضطلاع بها.

كلا...

 إن عملية تكوين الأطر التنظيمية ذات الهياكل والمؤسسات والقوانين والأيديولوجيات والخطط تتطلب شروطاً وظروفاً ومناخاً لإنجاح العملية. ومن البديهي أن إيجاد حركة إسلامية، أو غيرها، تحتاج لجملة من الشروط السابقة لعملية الإيجاد، من أهمها: وجود فكرة وهدف وقائد أو قادة (نخبة)، ثم أشخاص مؤمنين بالفكرة والهدف، ووضوح في رؤية العمل، وبيئة ملائمة لتطبيق الفكرة، تستثير روح التحدي لدى النخبة القيادية من أجل تغيير واقعها.

إثر اتفاق النخبة الطلابية الإسلامية الأولى على العمل الإسلامي في إطار"كتلة العمل الطلابي"، وتحت غطاء "الحياد بين الأحزاب" ارتفعت أصوات حزبية كانت هامسة، تتهمها بمعاداة النظام المصري، وتطلق على أفرادها عبارات تشهيرية وتحريضية مثل "الرجعيون" و"الإخوان المسلمين". وتنامت مشاعر القلق لدى بقية القطاعات الطلابية الحزبية جراء تزايد عدد الطلاب الرافعين للافتة الحياد بين الأحزاب إلى نحو 30 طالباً. وبلغ مسامع الشهيد محمد محمود الزبيري من بعض الطلاب البعثيين الذين تقربوا منه كثيراً، تلك الصفات والنعوت على من كان يجد فيهم ذاته وآماله وأحلامه، ويتعامل معهم كأب شفيق حنون حريص عليهم. فأرسل إلى عبد المجيد الزنداني بواسطة أحد الطلاب رسالة شفوية مفادها: "قولوا لعبد المجيد لماذا قطع زيارتنا!".

 يقول عبد المجيد الزنداني: "عندما وصلتني رسالة الشيخ الزبيري قلت: سبحان الله. وعلمت أن الأستاذ يريد شيئاً هاماً فعرضت أمر هذه الرسالة على زملائي وأخوتي الذين أجمعوا على أن القاضي الزبيري رجل صالح، ولكن نتيجة ذلك الجو المسموم كان يراودهم نوع بسيط من الخوف على الدعوة فأرادوا الثقة والتأكد من حقيقة ثبات القاضي الزبيري على مبادئه وأهدافه التي عرفوه بها في السابق بعد كل الزوابع السياسية التي عصفت بالكثيرين. لقد أرادوا التأكد، هل مازال على منهجه، أم أنه قد انسلخ، أو حدث له مكروه في منهجه؟ اتفقت المجموعة على انتدابي والمخلافي لزيارة الزبيري واختاروا أن تتم الزيارة وقت صلاة المغرب حيلة منهم للتثبت من تمسك القاضي بالصلاة، وكانت تلك فكرة عبده محمد المخلافي. ولما قابلناه وجدناه في حالة تهيؤ لأداء الصلاة، وقد اشترطت المجموعة علينا أننا إذا وجدناه كذلك فلنجلس معه، وإذا لم نجده كذلك فلنحاول مناقشته وإعادته إلى طريق الإسلام وإقناعه بحركة الخير هذه".

ويضيف الزنداني في شهادته: "أثناء الحديث مع القاضي الزبيري ما كنت آتي له بدليل من الذي أعتقده حتى يأتيني بعشرة أدلة من الكتاب والسنة، وما كنت أفتح له موضوعاً حتى يستكمله بما كنت أريد قوله، وما كنت أفتح له باباً من أبواب الخير حتى يبادر إلى فتح عدة أبواب من أبواب الخير، فعدت أقول لإخواني وزملائي: لقد وجدنا الشيخ والزعيم المناسب لأن يكون قائداً لنا ولشعبنا اليمني، في مسيرة الخير والإصلاح". ثم التقى خمسة طلاب من المنتمين إلى كتلة العمل الإسلامي، النواة العاملة داخل مجموعة الحياد، بينهم عبدالمجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، والشهيد الزبيري فبادرهم بالقول: "لقد بذلنا كل ما نملك من جهد وعمر ومال من نحو 25 عاماً لنؤسس تنظيماً يقوم بمهمة تغيير أوضاعنا في اليمن إلى حال سليم وفاضل، وتقلبنا من مكان إلى آخر، فأسسنا جمعية الأمر بالمعروف ثم حزب الأحرار فالجمعية اليمنية الكبرى ثم الاتحاد اليمني، وها أنتم ترون ما صار إليه حال الاتحاد اليمني من انقسام وتنازع وصراع بعد أن تمكن الظالمون والمستبدون في اليمن وخارجها من غزوه والتغلغل فيه بزرع عناصر تعمل لصالح الإمام، وتقوم بتخريب كل جهد للمخلصين فيه بنشر الإشاعات ونسج الاتهامات ضدهم، وآمنت أن استئناف العمل للتغيير يبدأ من الصفر، وها أنا سأبدأ الآن من الصفر".

كثف الزبيري لقاءاته بالطلاب اليمنيين بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية. ويروي بعض هؤلاء الطلاب من أعضاء كتلة العمل الطلابي في مجموعة الحياد أن جدلاً ونقاشاً واسعا جرى في أوساطهم حول الموقف من الزبيري والعرض عليه ليكون قائداً لمجموعتهم ومشرفاً عاماً لأنشطتهم. وكانوا يرصدون تحركات واسعة لعناصر طلابية بعثية لكسب الزبيري إلى صفوفهم واتخاذه واجهة لنشاطهم. وتحمس عبدالمجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، وآخرون لفكرة مكاشفة الشهيد الزبيري بأمر نشاطهم السري، ودعوته لأن يكون قائداً للمجموعة. وعارض الفكرة عبد اللطيف الشيباني لأسباب كثيرة من بينها أن الرجل واجهة اجتماعية معروفة، وتحركاته مرصودة، وله علاقات واسعة مع أركان النظام المصري المعادي لأي توجه حركي إسلامي وخاصة ذي التوجه الإخواني، غير أن رأي الطلاب الإسلاميين استقر على ضرورة إنفاذ الفكرة والاجتماع بالزبيري وعرض أمرهم عليه.

 التقت نخبة من طلاب "كتلة العمل الطلابي"، من بينهم: عبدالمجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، وعبد اللطيف الشيباني، وآخرون، في منزل أحمد الويسي مطلع عام 1962 وحضر الشهيد الزبيري اللقاء، وفاتحوه بأمرهم وعرضوا عليه قيادة نشاطهم. وجرى حوار طويل حول العمل الطلابي الإسلامي في أوساط اليمنيين في مصر وأهدافه وطبيعته ووسائله. وقد كان الطلاب يعرضون عليه أفكاراً وتصورات غير مكتوبة، واكتفوا بتأكيد جملة تصورات تتركز في أن نشاطهم ينحصر في الحفاظ على الهوية الإسلامية لدى الطالب اليمني القادم إلى مصر الذي يتعرض لموجة شبهات يقذفها الماركسيون تستهدف زعزعة يقينه وإيمانه بصلاحية الإسلام كعقيدة وشريعة في مواجهة تحديات العصر، وحماية الطالب من مؤثرات الشهوات التي تستهدف تدمير المنظومة الأخلاقية لديه، وتدفعه إلى الانحلال من الالتزام تجاه واجباته الشرعية مثل الصلاة والصيام، والتحلي بمكارم الأخلاق، والابتعاد عن شللية رفاق السوء، وجلسات الخمر والمراقص وغيرها من الأماكن التي تروج للرذيلة، وغرس وتنمية الانتماء الوطني وفق التصور الإسلامي، وتعبئة الطلاب لمقاومة الاستبداد في شمال الوطن والاستعمار في جنوبه، واجتثاثهما، بعد تحقيق قانون: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، ومن خلال إيجاد قاعدة طلابية عريضة وواعية لمخاطر التحدي الذي يواجه شعبها، ومدركة أهمية تحقيق حصانة عقائدية تمنعها من الانزلاق في مهاوي إغراءات اتباع وأنصار الإمام، أو عملاء الاستعمار، وتعصمها من الانبهار بالثقافة الشعاراتية المضللة التي تروجها تيارات أخرى في الساحة الطلابية مرتبطة في معظمها بأجهزة استخباراتية لدول عربية أو أجنبية.

 لم يكن الطلاب يمتلكون بعد كل أدوات البناء التنظيمي والحزبي، عدا حماسهم للإسلام وغيرتهم على عقيدتهم التي تدفعهم لأن يؤكدوا في طرحهم على البعد العقائدي الإيماني والأخلاقي، وتجنب الخوض في القضايا السياسية والاجتماعية لحساسية الأوضاع الأمنية في مصر.

 أيد الزبيري، دون تردد، نشاطهم. وعبّر عن مباركته لجهودهم واستعداده لأن يكون واحداً منهم؛ فما عرضوه عليه من أفكار وتصورات حول نشاطهم وطبيعته. وأهدافه، ليس غريبا عن مرجعيته الفكرية وهو الرجل المجاهد على مدى ثلاثة عقود من أجل تحقيق الأهداف ذاتها، وتحمل في سبيلها العنت والأذى من النظام الاستبدادي، ومن التيارات الطلابية اليسارية في القاهرة، واتهامها له بالرجعية والمحافظة والجمود.

 كان عدد الطلاب المجتمعين في بيت أحمد الويسي (17) طالباً، هم كل المنضوين في كتلة العمل الإسلامي الطلابي. بينما كان عدد طلاب مجموعة الحياد بين الأحزاب قد بلغ ثلاثين طالباً عام 1962. وانتهى اللقاء التاريخي إلى إعلان الزبيري اقتناعه بأهدافهم ونشاطهم، ونصحهم بالكتمان والسرية في عملهم ومراعاة الحيطة والحذر في تحركاتهم ريثما تنفرج الأوضاع الأمنية في مصر. ولما أجمع الـ17 طالباً على اختياره أميرا لهم، طلب منهم أن لا يخرج ذلك عن نطاق الموجودين في تلك الغرفة.

كرر الزبيري على مسامع الطلاب في ذلك اللقاء خلاصة تجربته في العمل الوطني وما أفضى إليه وضع الاتحاد اليمني وخطورة الارتباط بالسلطات والأنظمة القائمة. وتحدث إليهم عن مستجدات الأوضاع وتداعيات الصراع السياسي بين نظام القاهرة مع الإمام أحمد. صارحهم برفضه إدارة الاتحاد اليمني بريموت كنترول من النظام في مصر؛ فكلما كانت العلاقة بين الأخير وبين الإمام جيدة يجمد نشاط الاتحاد ويشل فاعليته، وكلما ساءت هذه العلاقة تعاد إليه الحياة، وتضخ إلى هياكله الإمكانات والمساعدات. لكنه لم يخف رؤية سياسية ثاقبة من كل هذه التداعيات، واعتبر أنهم أصحاب قضية، وهم في حالة اضطرار وضرورة يتوجب عليهم الاستفادة من كل الظروف لخدمة قضيتهم، من دون التفريط باستقلاليتهم وسيادة قرارهم الوطني، وعدم السماح لأي جهة غير يمنية بتحديد ورسم مستقبلهم.

وبالفعل أصبح الشهيد الزبيري منذ ذلك الوقت حريصا على إرسال أي طالب جديد يتصل به إلى شباب الكتلة الطلابية.

لقد رأى في المجموعة جدارة في التصدي لمشكلات مجتمعهم سواء في "صنعاء" أم في "عدن"، على اعتبار أنهم جمعوا خصائص تمنحهم مساحة واسعة للتحرك بحرية، لعل من أهمها أنهم يحملون تصوراً إسلامياً أصيلاً ينبثق من الهوية الحضارية لشعبهم، كما أنهم مسكونون بالهم الوطني الواحد، وفي إطار دائرة قومية عروبية لا تنفك عن الأفق الوطني أو تتصادم مع منطلقاته.

 

***

 3 - الطليعـــــــة العربيــــــة

 - عملية البناء والتكوين للنواة الإسلامية داخل مجموعة الحياد التي بادر عبد المجيد الزنداني إلى طرحها على إخوانه بعد انسحابه من حركة القوميين العرب نهاية 1958 اتسمت بالتجريبية، وارتكزت الجهود في البناء على النزعة الاجتهادية لدى النخبة الأولى وخاصة عبد المجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي

 - يبدو أن الأجهزة المصرية كانت قد توصلت إلى قناعة راسخة بعدم اعتمادها على الزبيري لتاريخه الحركي الإسلامي، ولعاطفته تجاه أي توجه إسلامي يمتّ إلى حركة الإخوان المسلمين بصلة، ولشعوره بأهمية إيجاد عناصر خالصة الولاء لأجهزتها تضع فيها ثقتها الكاملة لتنفيذ سياساتها الإقليمية في المنطقة لاسيما أن الوطن العربي كان يشهد إبان تلك الفترة انقساماً حاداً بين معسكري القاهرة والرياض.

 "يمن - عروبة - إسلام " شعار يتجاوز أزمة

دار نقاش طويل بينهم حول الشعار الأنسب للعمل الإسلامي بين الطلاب، ورأى الشهيد الزبيري أن يرفعوا شعاراً لا يحمل أيديولوجية تستفز بقية التيارات الحزبية ولا تحرض عليهم الأجهزة الاستخبارية المصرية، وأن تكون عناصره أو مكوناته قطب تجميع للطلاب الذين تزايدت أعدادهم، و أن تكون مفردات الشعار قريبة من اهتمامهم وأفهامهم إضافة إلى تميزه عن بقية الشعارات المطروحة في الساحة الطلابية والمستجلبة من خارج الوسط الطلابي اليمني، واعتبر الشهيد الزبيري أن رفع شعار "يمن، عروبة، إسلام" سيمكنهم من اجتذاب معظم الطلاب إليهم، ويسمح لهم بالانطلاق لعمل إسلامي وطني أرحب مستقبلاً.اقتنع الطلاب الإسلاميون بالشعار "يمن، عروبة، إسلام" ليعبر عن طبيعة تجمعهم، ويجسد حقيقة تحركهم ضمن دائرتين جغرافيتين، ودائرة عقائدية أكبر تستوعبهما، ذلك أن جزئية "يمن" في الشعار الثلاثي يعبر عن البعد الوطني للتجمع الطلابي، ويتجاوز في الوقت ذاته إشكالية "جنوب وشمال" المطروحة في الساحة اليمنية -آنذاك- وانعكست على الوسط الطلابي في القاهرة سلبا منذ تأسيس الحركة الطلابية فيها عام 1956م، وتعالت أصوات تدعو إلى وضع حواجز بين الشطرين على اعتبار أن ثمة يمنين موجودين على أرض الواقع، لا بد من مراعاتهما، والتعامل معهما كحقيقة!!

وتشير اختيار وضع "يمن" في أول الشعار الثلاثي إلى ما كان يشغل بال رواد العمل الطلابي الإسلامي من مواءمة البعد الوطني مع البعد القومي في ظروف سياسية أعلت من شأن البعد الثاني، ورأت فيمن يقدمه على البعد الوطني ملتزما بهوية الصراع مع الأعداء التاريخيين للأمة، ورافضا للنزعات القطرية التفتيتية، ومن ثم فهو من المعسكر المعادي للاستعمار والرجعية، ورأينا كيف كانت ثنائية "اليمن أم العروبة" من أسباب انسحاب الزنداني من حركة القوميين العرب إلى جانب أسباب عقائدية لها ارتباط بالالتزام الإسلامي بالنسبة لأعضاء الحركة.

واعتماد عبارة "يمن" في الشعار الثلاثي، بصيغة النكرة غير المعرفة، دائرة أولى لتحرك مجموعة الحياد بين الأحزاب وكتلة العمل الطلابي الإسلامي داخلها، ربما للدلالة على استغراقها للبقعة الجغرافية التي كان يطلق عليها بـ"اليمن" وهي شمال اليمن المحكومة بالنظام الإمامي إضافة إلى البقعة الجغرافية الأخرى الرازحة تحت حكم الاستعمار البريطاني، وتعاني من تشرذمها بين عدن المستعمرة، والمحميات الشرقية والمحميات الغربية والسلطنات والمشيخات التي سعى الاحتلال نهاية الخمسينيات لتجميعها في إطار اتحاد الجنوب العربي، وهي صيغة أطلقها عليها طمساً للهوية اليمنية للجنوب المحتل، وتهرباً من استحقاقات ما بعد الاستقلال والمتمثلة أساساً في إعادة اللُّحمة اليمنية وإقامة الدولة الواحدة على أرض اليمن الطبيعية.كانت المفردتان "اليمن" و"الجنوب العربي" تثيران جدلاً واختلافاً كبيرين في أوساط القوى والأحزاب والحركات الطلابية والعمالية داخل الوطن وخارجه، بيد أن طلاب العمل الإسلامي - منذ البداية- حسموا المسألة بتجاوزهم لها من خلال اعتبارهم الأرض اليمنية الطبيعية تلك التي تضم الجنوب والشمال وهي الدائرة الوطنية الأولى لمجال تحركهم وقاعدة لنشاطهم.

 أما "عروبة" فهي دائرة أوسع من الأولى، وتشير إلى الأفق القومي لدى الطلاب الإسلاميين الطامحين لتأسيس حركة إسلامية تخرج من عنق زجاجة الصراع العروبي الإسلامي المفتعل في تلك المرحلة من التاريخ على خلفية الغلو العلماني للفكرة القومية وسلخها من هويتها الحضارية الإسلامية.

لم يعرف الطلاب الإسلاميون في تلك الفترة الخصومة بين العروبة والإسلام، فمنذ البدء التزموا العروبة كإطار جغرافي انطلقت منه العقيدة الإسلامية رسالة سامية تجوب الآفاق، وتنشر خيرها على البشرية جمعاء، اعتمدت "اللغة العربية" أداة تواصل حضاري، وناقل دلالي رمزي لمنظومة القيم والأفكار الإسلامية التي بشر بها الصحابة والتابعون منذ البعثة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وحتى اليوم.

ويرى الزبيري أن "فكرة العروبة لم يعتنقها أحرار اليمن، وهو على رأسهم، عن طريق التقليد، ولم تلهمهم إياها عوامل طارئة، إنما هي فكرة استوحوها من فطرة الشعب اليمني الذي يحس إحساساً فطرياً وراثياً أصيلاً بأنه جزء من الأمة العربية، وهذا لأن الثقافة الغربية لم تكن قد سممت روحه وبذرت فيه الشعور بالإقليمية الضيقة، وإننا لنجد الفرد اليمني العادي يشعر بالاشمئزاز حينما يواجه لأول مرة الحواجز التي تحجزه عن البلاد العربية أو تجعله يعامل معاملة الأجنبي في أي بلد عربي".

أما المكون الثالث للشعار "إسلام" فيشير إلى الدائرة الأرحب التي تضم المكونين السابقين ويستوعب الجغرافيا، والثقافة، ويضيف إليه العقيدة، ويحدد منذ البدء الهوية الفكرية، للكتلة الطلابية داخل مجموعة الحياد، ويقطع بصورة حاسمة الموقف تجاه كل الدعوات والأيديولوجيات التي تقدم نفسها كبديل للإسلام الدين الخاتم، والتبشير به عقيدة وشريعة ومنهاج حياة.

والتأكيد هنا على هذا العنصر/ المكون للشعار في غاية الأهمية من ناحية اعتماد التكتلات والتجمعات اليسارية والقومية السائدة في تلك المرحلة من التاريخ قي شعاراتها مفردات خلت تماماً من البعد العقائدي الإسلامي، بل ذهب بعض رموز تلك التيارات والتوجهات بعيداً بزعمهم أن الإسلام ليس عنصر توحيد للأمة العربية، إن لم يكن مصدر تفريق وتشتيت!!! وهو زعم يردد أطروحات حركات الإحياء في أوروبا المتمردة على رجعية الكنيسة، واستبداد البابوات وإرهاب الأكليروس.

قطعت الكتلة الطلابية الإسلامية داخل مجموعة الحياد بين الأحزاب شوطاً متقدماً باتجاه بلورة حركة إسلامية طلابية خارج الوطن لكنها مدت ببصرها إلى داخل اليمن، شمالاً وجنوباً، وتواضعت في شعاراتها بعدم تجاهلها للمسألة الوطنية، بما فيها من تعقيدات ومشكلات مركبة، كما لم تعلُ من شأن البُعد القومي وتضعه في أولى أوليات شعارها العملي، بل رأت أن حركة الواقع الوطني اليمني لا تسير في اتجاه مغاير أو مضاد أو منفرد عن الخط العام لحركة الأمة العربية، وراعت خصوصية واقعها الوطني اليمني، الذي يسير في مرحلة متخلفة عن الخط القومي، ولربما مرت شعوب الأمة العربية كلها أو بعضها بمثل هذه المرحلة وجاهدت لاجتيازها وتحت الظروف نفسها أو ظروف مشابهة مستخدمة الأسلوب نفسه وربما لم تمر.

 والتركيز على أولوية المسألة الوطنية اليمنية في شعار الكتلة الطلابية، وهي النواة الأولى للحركة الإسلامية الطلابية، ومن ثم الحركة الإسلامية تنبيهاً لبقية عناصر التيارات الطلابية الأخرى التي وقعت ضحية شطحات وتهويمات منظري تياراتهم من أقطار عربية أخرى ممن فلسفوا وحللوا المشكلات اليمنية وفق منظور تجاوز الواقع اليمني، وحلّق بعيداً عنه.

كان الزبيري، وهو يرشد أبناءه الطلاب في الكتلة الإسلامية داخل مجموعة الحياد بين الأحزاب إلى اعتماد شعار "يمن، عروبة، إسلام" يدرك "أن دراسة الواقع اليمني، ومحاولة وضع الحلول لمشاكله، والتصحيح لأخطائه، والعمل على اجتثاث مفاسده، وعلاج أمراضه، والتغيير للعادات والجوانب السلبية السيئة فيه، والتطوير للعادات والجوانب الإيجابية لديه، هذا كله يجب أن ينبثق من الواقع اليمني انبثاقاٍ طبيعياً، وأن ينتزع من الواقع نفسه، بتفكير وفهم ثوري، وبتحليل ودراسة ثورية، وبتشخيص ووصف للعلاج ثوريين، وبغير هذا لن نكون إلا كالقابضين على الهباء، والكاتبين على صفحة الماء، ولذلك كان يشدد على إنقاذ هؤلاء الرواد من أسر النظرة (الاستعلائية) التي تطل على المجتمع من علٍ، فلا ترى إلا كما لا تفهم كيفيته، وكلاً لا تتعرف على جزئياته، وكياناً عاماً لا تعلم مواده ولبناته، وأن تتحرر أيضاً من هيمنة النظرة (المستوحاة) التي لا تضع في اعتبارها من طبيعة الواقع اليمني إلا القسمات الرئيسية لشخصيته الكلية وارتباطاته التاريخية العامة، فلا تتجاوز هذه النظرة سطح الواقع الظاهر إلى أعماقه البعيدة، فتكون غريبة إلى حد ما عن هذا الواقع، وتجنح إلى الشطحات السطحية التي تتجاوز هذا الواقع، وترتفع أو تترفع عنه، وتتجنب أيضاً النظرة (الموحاة) التي تمر أولاً من خلال منظار لم يُصنع من ذرات الواقع ولا اشتق من مادته نفسها، وهيولاه، بل هو هو منظار إجباري نتيجة للإلزام أو الالتزام مما يؤدي إلى ارتداد النظر عن الواقع، والتحليق بعيداً في متاهات وعموميات غائمة، إضافة إلى أن ثمة نظرة أخرى تقيد حركة النخبة اليمنية.

وحرص الزبيري على تنبيه النواة الإسلامية داخل كتلة الحياد، وهي النظرة (المشدودة) على الدوام إلى الخلف، تلك النظرة الانتكاسية التي تؤدي - إذا ما هي اتخذت خطاً ملتزماً- إلى الحياة في الماضي، والانجذاب إلى واقع غير الواقع الحالي الملموس".

ورأت الكتلة الطلابية داخل مجموعة الحياة في اعتماد (الإسلام) كمكون خاتم لشعارها الثلاثي الأبعاد إعلاناً لجميع التيارات الطلابية الحزبية اليمنية العاملة في الساحة المصرية عن هويتها العقائدية، واعتزازها بها في زمن قلّ المعتزون بالإسلام، وتواروا خلف الجدران والمعتقلات يلقون العذاب والهوان على يد الأجهزة الأمنية للأنظمة العربية المخدوعة ببريق شعارات التحديث والعصرنة والتقدمية.

شدد الزبيري على أن الإسلام هو الوحيد القادر على إعادة بلورة وتشكيل الشخصية اليمنية بعد انتكاس حضارتها، وتدهور أوضاعها، وانحراف مسارها، فالإسلام هو "الرسالة السماوية الخالدة التي أرسل الله بها محمداً صلى الله عليه وسلم لكي يخرج البشرية من الضلال إلى الهدى، ولكي ينتشل الناس بها من ظلام الباطل والظلم والبغضاء إلى نور الحق والعدل والحب، وهو العقيدة الإلهية المنزهة عن الخطأ والباطل، يمثلها من جانب كتاب الله القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويمثلها من جانب آخر السنة الصحيحة لرسول الله الأمين صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه ربه دون العالمين، عصمه عن الخطأ والزلل، ونزهة عن الريب والضلال، كما أن الإسلام هو المبادئ الإنسانية العميقة الصادقة التي تفسر للإنسان ذاته ونفسه ووجوده وتشرح له واقعه الذي يعيش فيه، وعالمه المحيط به، بل وكونه العظيم الذي لا تمثل أرضه إلا ذرة في كيانه اللانهائي العجيب، والتي تجيب عن كل تساؤلاته المتطلعة إلى المعرفة الكاملة، وتجدد لبني البشر رسالتهم في أرضهم وعالمهم الزائل البائد، وتبين لهم مصيرهم في عالم الغد الأزلي الخالد، والإسلام دستور الحياة المقدس، وقانون الوجود الكامل، وشريعة الخير والعدل والمساواة الشاملة، فقانونها السماوي المحكم لا يدع صغيرة ولا كبيرة في حياة الناس إلا وقدّم لها الحل الأمثل، ووضع لها النظام الأفضل، وشريعتها تناولت الحياة الإنسانية من كل جوانبها، ففي الجانب السياسي تقدم نظرية كاملة ودقيقة تشرح نظام الحكم الإسلامي العادل وتحدد للشعوب حقوقها وواجباتها السياسية المشروعة، وفي الجانب الاقتصادي تقدم للناس الوضع الاقتصادي العادل الذي تتحقق فيه العدالة الاجتماعية الكاملة والذي يقضي على الفقر والحاجة وعلى الظلم والاستغلال الذي يلغي الفوارق الطبقية والتفاوت الاجتماعي بين فئات الشعب بأسلم الوسائل وخير الأساليب.

وفي الجانب الاجتماعي والأخلاقي تقيم في المجتمعات الإنسانية علاقات التكافل والتعاون الاجتماعي، وتزرع في قلوب الناس بذور الحب والتفاهم والصدق والوفاء والإخاء، وتغرس بينهم الأخلاق الإسلامية الكريمة السامية، والمثل الإلهية القويمة الفاضلة".

ذلك محتوى شعار أول نواة إسلامية حركية يمنية تبلورت فيما بعد لتشكل الحركة الإسلامية الذي يترسم التجمع اليمني للإصلاح اليوم خطاها ويقتفي نهجها في إطار متحرك يراعي المتغيرات والمستجدات، ويستوعبها دون تنازل عن محاور الثبات في حركته.

 ميلاد حركة الطليعة العربية الإسلامية

ظل الطلاب الإسلاميون يمارسون نشاطهم العلني تحت غطاء مجموعة "الحياد بين الأحزاب" منذ قرارهم خوض انتخابات رابطة طلبة اليمن الطبيعية في أيلول(سبتمبر) 1961، كتعبير عن تميزهم الفكري والسياسي عن بقية التيارات الطلابية اليمنية الملتزمة بالأحزاب القومية "البعث وحركة القوميين العرب" والأحزاب الماركسية المهيمنة على الساحة الطلابية العربية عموم واليمنية على وجه أخص مستفيدة من الظروف الإقليمية والدولية آنذاك واشتداد المنافسة بين المعسكرين (الاشتراكي والرأسمالي) في استقطاب الأقطار العربية ونخبها السياسية والفكرية.

امتلكت التيارات القومية واليسارية النشطة في الوسط الطلابي بالقاهرة، أدوات حزبية متكاملة، وإمكانات هائلة، وشخصيات تاريخية تتحرك بحرية، ومدعومة من قوى إقليمية ودولية ذات ثقل سياسي، وتأثير كبير على صناع القرار في المنطقة العربية، وفي مصر على وجه الخصوص، بينما كان الطلاب الإسلاميون الذين اختاروا واجهة (الحياد)، ودأبوا منذ نهاية عام 1961 ومطلع 1962 على بلورة نواة تؤهلها لكي تصبح قاعدة صلبة للحركة الإسلامية المنشودة.

 كان هؤلاء لا يمتلكون رصيداً كافياً يجعلهم قادرين على تكوين تنظيم إسلامي حركي منافس أثناء تلك الفترة لاسيما أن معظمهم، إن لم يكن كلهم - وهم النواة المؤسسة فيما بعد للحركة الإسلامية اليمنية، الإخوان المسلمين- لم تتجاوز أعمارهم مطلع عام 1960 العشرينات، كما أنهم كانوا يعيشون في مصر أوضاعاً أمنية بالغة القسوة، والشخصيات الإسلامية الحركية المجربة في جماعة الإخوان المسلمين المصرية معتقلون في السجون الناصرية، وبالتالي فإن عملية البناء والتكوين للنواة الإسلامية داخل مجموعة الحياد التي بادر عبد المجيد الزنداني إلى طرحها على إخوانه بعد انسحابه من حركة القوميين العرب نهاية 1958 اتسمت بالتجريبية، وارتكزت الجهود في البناء على النزعة الاجتهادية لدى النخبة الأولى وخاصة عبد المجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي اللذين التقيا على هدف واحد مشترك يتمثل في إنقاذ زملائهم الطلاب من دوامة الصراع الحربي والعنف الدامي بين التيارات القومية فيما بينها من جهة، وبينها وبين قوى اليسار من جهة أخرى، وتقديم اتجاه آخر مغاير لما هو سائد في الساحة الطلابية لكنه أصيل في وجدان وفكر الطالب اليمني القادم من وطنه المجزأ بين شطر مختل وشطر آخر محتل. بكلمة؛ كانت ثمة محددات تؤثر على عملية تشكيل مجموعة الحياد بين الأحزاب أولاً،ثم بلورة كتلة نواة طلابية يتوافر فيها شروط محددة تجعلها مؤهلة لأن تصبح قاعدة لتنظيم حركي إسلامي وأهم هذه المحددات، الخبرة التنظيمية المحدودة بسبب صغر عمر المؤسسين؛ إذ لم يتجاوز أكبرهم الأربع والعشرين عاماً، ولغياب الشخصيات التاريخية في وسطهم، مع استثناء حالة متقدمة عندما بادروا بعرض مشروعهم على الشهيد محمد محمود الزبيري الذي أيدهم وشجعهم على المضي في إنجازه، ووافق، فيما بعد، أن يكون قائداً لهم دون إعلان، لكن من يعرف الزبيري ونمط تفكيره، وظروفه السياسية وموقعه في خريطة القضية اليمنية، وشخصيته الجامعة يوقن صعوبة تفريغه كل جهده للنشاط الطلابي الإسلامي في القاهرة، وإن كان من الثابت، وبحسب شهادة من عاصروا تلك المرحلة التاريخية من مؤسسي الحركة الإسلامية اليمنية، قد أعطى جزءاً مهماً من وقته ونشاطه لترشيد مسار أبنائه الناشطين الإسلاميين في إطار مجموعة الحياد بين الأحزاب منذ أواسط 1961، ثم تزايد اهتمامه بهم نهاية 1961 وبداية عام 1962، عندما انصرف النظام المصري عن التعامل مع الرموز التاريخية لحركة الأحرار الوطنية بقيادة الزبيري والنعمان ومحاولة سحب كل القوى والشخصيات المناوئة للسلطة الأمامية إلى يد أجهزته مباشرة، ريثما يجد أنسب شخصية يمنية مطواعة تتعامل مع القضية اليمنية من خلالها، وتكون واجهتها أو يدها الوحيدة التي تمسك بكل الخيوط باسمها، ووجدت الدكتور عبد الرحمن البيضاني، على ضوء تزكية أنور السادات. ويبدو أن النظام المصري اقتنع بعدم كفاءة الزبيري والنعمان للعب دور الوكيل في اليمن، رغم مطالبة الرئيس جمال عبد الناصر، إبان الحملة الصحفية المتبادلة بين القاهرة وصنعاء نهاية عام 1961 على خلفية القصيدة الشهيرة، كل الشخصيات والقوى الوطنية اليمنية لتوحيد مواقفها وتنسيق نشاطها لإسقاط نظام الإمام أحمد، واجتماع أمين هويدي ضابط الاستخبارات العامة المصرية حينها، وهمزة الوصل بين الرئيس عبد الناصر والأحرار اليمنيين المقيمين في مصر، وطلب منهم باسم الرئيس المصري العمل معاً في جبهة واحدة ضد الإمامة والاستعمار، ووعدهم بتقديم كل مساعدة ودعم لازم لإنجاح نشاطهم. بيد أن القاهرة سرعان ما تخلت عن اتفاقها ورمت بثقلها على الدكتور البيضاني لوحده، وأفسحت أمامه وسائل إعلامها، وخاصة إذاعة صوت العرب، وسعت لفرضه وصياً على الحركة الوطنية اليمنية، واختارته ليكون بمثابة جسر يصل أي جهة أو شخصية يمنية بالنظام المصري.

 وبدأت المخابرات المصرية والأجهزة الأمنية تكثف ضغوطها على الزبيري لاسيما عندما طلبت منه ومن بقية الأحرار في القاهرة إصدار بيان تأييد لتولي البدر قيادة البلاد في 19 أيلول (سبتمبر) 1962 خلفاً لوالده الإمام أحمد، وهو الطلب الذي رفضه الزبيري بقوة و حاول أن يفهم من المسؤولين المصريين لجوءهم إلى هذا الموقف الغامض، لكنهم أبلغوه أنها سياسة الحكومة، وبالتالي فهي لن تغير سياستها، عندئذ حدد الزبيري موقفه من هذا التغيير السياسي المصري المفاجئ، وقال: "كيف أؤيد من قضيت عمري في معاداة نهج حكمه؟!" ورفض الطلب ما أدى إلى اتساع الفجوة في علاقته بالنظام المصري واضطر لإبلاغهم أن لاشيء بينه وبين الحكومة المصرية يلزمه بذلك وقال: "إذا لم تقبلوني حراً في بلدكم فسأرحل فوراً". وعزم الخروج من مصر إلى السودان.

 ويبدو أن الأجهزة المصرية كانت قد توصلت إلى قناعة راسخة بعدم اعتمادها على الزبيري لتاريخه الحركي الإسلامي، ولعاطفته تجاه أي توجه إسلامي يمتّ إلى حركة الإخوان المسلمين بصلة، ولشعوره بأهمية إيجاد عناصر خالصة الولاء لأجهزتها تضع فيها ثقتها الكاملة لتنفيذ سياساتها الإقليمية في المنطقة لاسيما أن الوطن العربي كان يشهد إبان تلك الفترة انقساماً حاداً بين معسكري القاهرة والرياض.

في ظل هذه التطورات استمر الطلاب الإسلاميون في نشاطهم التكويني والتربوي وفق اجتهاداتهم الشخصية وعلى ضوء قراءتهم للكتب التي ظهرت خلال تلك الفترة وأبرزها كتب الشهيد سيد قطب وشقيقه محمد قطب مثل في ظلال القرآن، وشبهات حول الإسلام ودراسات في النفس الإنسانية، ومؤلفات المودودي والندوي ورسائل الإمام الشهيد حسن البنا، والبهي الخولي وسيد سابق وغيرهم.

برز العمل التربوي والحركي الإسلامي بصورته المتواضعة في أوساط النواة الأولى للحركة الإسلامية اليمنية من حلال موقعين:

الأول في منطقة "المنيل" بالقاهرة حيث تشكلت أسرة تمهيدية مفتوحة على كل سكان "شقة المنيل" يقودها عبد المجيد الزنداني وتتلقى نشاطها الإيماني والثقافي من خلال إقامة العبادات الجماعية وقراءة الكتب الدينية والثقافية والرحلات.

الثاني مدينة البعوث الإسلامية، وتجلى العمل الحركي والثقافي والتربوي الإسلامي في السكن الطلابي الذي ضم مختلف الجنسيات من بينهم اليمنيون الدارسون بجامعة الأزهر ومعاهدها، وفي هذا المكان تكونت أسرة من طلاب الأزهر يقودها عبده محمد المخلافي.