ما وراء قضبان السجن المركزي بمحافظة اب
بقلم/ جريدة مأرب برس
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
الخميس 27 ديسمبر-كانون الأول 2012 06:34 م
 
يواصل السجن المركزي في محافظة إب حالة التردي التي بدأها قبل سنوات، فالسجن الذي يعيش حالة من الاضطرابات والاختلالات والأخطاء، تتبدى للمتابعين أنها انتهاكات صارخة لحقوق المساجين، غير أنها تخفي في باطنها أيضاً، أموراً أكثر مأساوية، على وجه التحديد. 

أنشئ السجن المركزي في إب بطاقة استيعابية لـ600 نزيل، غير أنه اليوم يقبع داخله قرابة 2000 نزيل. وهذا الأمر، يجعل السجن مزدحماً وغرفه ممتلئة ما يعني أنه يخلق حالة من الاكتئاب لدى الكثير من النزلاء.

ويعتقد مختصون أن الاحتياجات الأساسية لا تتوفر بالقدر الذي يمكن النزلاء من البقاء بصورة مستقرة سواء جانب الغذاء أو جانب المستلزمات الأخرى كالملابس الداخلية وأيضا الخارجية ومستلزمات النظافة الشخصية.

ويقول نشطاء إن غياب البرامج التأهيلية والإصلاحية جعلت النزلاء يعيشون حالة نفسية صعبة، ولدت لدى أكثرهم حالة من العنف والعدائية تجاه بعضهم البعض فتزايدت المشاكل في أوساطهم.

ويوضح نزلاء في السجن لـ"مأرب برس": أن ذلك العنف يضاف له عنف آخر من قبل الحراسة الذي لا يجدون أسهل من تعليق السجناء على سياج النوافذ بطريقة تلحق بهم الأذى.. موضحين أنهم يتألمون كثيراً، جراء بقائهم معلقين بالكلابشات الحديدية التي تقيد إحدى أياديهم إلى النوافذ الحديدية بشكل يجعلهم يستقيمون واقفين على رؤوس أصابع أقدامهم.

ويقوم بعض الجنود بضرب المساجين جميعاً، لعقاب من يثيرون المشاكل منهم. ويعتقد البعض أن كل تلك الأساليب العنيفة كانت تمر دون أن يلقي لها النزلاء بالاً قبل عامين من الآن.

وطبقاً لمراقبين فإن حالة الانتهاكات كانت ولاتزال مستمرة لكن بشكل أخف، ولاسيما بعد أن تم تعذيب عدد من السجناء وصلت إلى درجة أن بعضهم قطع أذنه وأظافره وأرسلها إلى مقر منظمة "هود" بمحافظة إب. وذلك احتجاجاً على الانتهاكات التي يتعرضون لها.

وتداولت وسائل الإعلام في وقت سابق أنباء هذه الانتهاكات، وتحركت منظمات حقوقية من أجلها، مادفع النائب العام السابق عبد الله العلفي بالنزول إلى محافظة إب وتكليف لجنة بالتحقيق في تلك الانتهاكات والتي انتهت بوصول عدد من الجنود إلى المحكمة فضلاً عن إقالة مدير السجن السابق العقيد (محمد السعيدي).

وطبقاً لأقارب سجناء وحقوقيين فإنهم شعروا بعد تلك الإجراءات بأن الوضع اختلف وبأن التعذيب الجسدي للسجناء أمر يجرمه القانون.

ويقول أمنيون في السجن، أنه عقب تعيين العقيد على الغني مديراً جديداً للسجن، حاول أن يمنع التعذيب بشكل كبير ولم تخرج أي شكاوى تعذيب خلال فترة عام من تعيينه موضحين أنه قدم للنزلاء بعض التسهيلات منها إدخال الهواتف النقالة والسماح لهم باستخدامها إضافة إلى أن عدداً من النزلاء كانوا مشتركين في خدمة الانترنت ويتصفحون المواقع.

منتصف أكتوبر الماضي، عادت أنباء الانتهاكات تسري، بعد أن اتهم نزلاء السجن أفراد الحراسة بامتهان الزوار. وأتبعوها باحتجاجات متطورة، حيث قاموا بإضرام النار في الفراشات والبطانيات وحاول عدد منهم الهروب بعد أن احتدمت الاضطرابات وقام عدد من السجناء بتحطيم بوابتين داخليتين للسجن في محاولة للخروج والهروب فتصدى لهم أفراد الحراسة بالرصاص الحي وأصيب أربعة أشخاص بإصابات مختلفة تم نقلهم بعدها إلى المستشفى وبعد حضور عدد من الأطقم والتعزيزات الأمنية استتب الهدوء وتمت السيطرة على الحريق وتشكلت لجنة للتحقيق وتم صرف فراشات أخرى للسجناء الذين قاموا بإحراق فراشاتهم.

ويشار بأن إدارة السجن قامت حينها، بعزل خمسة من النزلاء، حيث أكدت التحقيقات أنهم يقفون وراء إحراق السجن، وساد عقبها الهدوء ولكن النزلاء الذين تم عزلهم في زنزانة انفرادية قاموا بقطع أجزاء من آذانهم واصابعهم وتمكنوا من إخراجها عن طريق أحد الجنود ووصلت إلى عدد من الصحفيين فتم تناولها إعلاميا ليتم تكليف رئيس نيابة الاستئناف بالمحافظة بالتحقيق وجرى التحقيق.

وكانت فكرة قطع الآذان والاصابع قد اقترحها ذلك السجين الذي قام قبل عامين بقطع جزء من أذنه اليسرى ويدعى فيصل الحدي الذي كان مع أربعة آخرين معزولين عن السجناء.

وأدت الاحتجاجات الأخيرة في السجن إلى إقالة المدير علي المغني وتعين العقيد نعمان ثالبة، بدلا عنه. وبرر مدير أمن المحافظة قرار الإقالة حينها، بأنه جاء على خلفية أحداث الشغب والفوضى التي وقعت في السجن المركزي مؤخراً وكذلك لما آلت إليه أوضاع الإصلاحية من تدهور وانتشار تعاطي المخدرات داخل السحن بين المساجين وغيرها من التصرُّفات غير الأخلاقية بالإضافة إلى مخالفة إدارة السجن للقانون.

ويعترف مدير إدارة السجن المقال العقيد على الغني أن السجن مليء بالمآسي، ويقول: كنت قد قدمت استقالتي قبل إقالتي بشهر ولم يتم قبولها.

ويتهم العقيد الغني عدداً من الضباط بالوقوف وراء أحداث السجن لمحاولة إزاحته كما يتهم إدارة أمن المحافظة بعدم التجاوب مع تقاريره التي كان يرفعها إلى إدارة الأمن ويقول: إذا كان قد ثبت من التحقيقات ان هناك أي مخالفات ارتكبتها فلماذا لا يتم تقديمها الى النيابة؟ موضحاً أنه قام بتصدير سبعة عشر من أفراد الحراسة الى ادارة الأمن ليتم استبدالهم بآخرين لكن مدير الأمن كان يعيدهم الى السجن.

وأضاف الغني لـ"مأرب برس" السجن فيه مآسي عديدة حيث يقبع عدد كبير من السجناء في مباني تحت الأرض ومنها ما يعرف بالطارود ذلك المكان البدروم الذي يتسع لخمسين شخصا موضحاً أنه يقبع فيه الآن أكثر من مائتين وسبعين نزيلا بعضهم لم يتم محاكمته منذ سنوات من احتجازه ومنهم شخص يدعى الموسمي لا يزال مسجوناً منذ سبعة أعوام دون ان تعقد له أي جلسة محاكمة.

ويرجع الغني سبب الازدحام الى وجود نحو أربعمائة وخمسين سجينا صدرت فيهم أحكام بالإعدام والكثير منها أحكام باتهة ولم يتم تنفيذها، بالإضافة إلى ان في السجن قرابة أربعمائة سجين مقطوعون من الزيارة من أقاربهم ومعارفهم مما يؤثر بشكل كبير على نفسياتهم.

ويواصل الغني الحديث قائلاً: إن الأطقم العسكرية التي كانت تأتي الى السجن عند طلب التعزيزات تقوم بطلب التكاليف منها ثلاثة آلاف ريال لكل طقم في الوقت الذي لا ترصد للسجن غير ميزانية صغيرة حيث يتم صرف حوالي ثلاثين كيس قمح في الشهر للفرن دون تخصيص مبلغ للديزل الذي يستخدم في تجهيز (الكدم) الخبز كما ان مستلزمات النظافة الشخصية منعدمة لعدم وجود ميزانية لها.

وحول الاحتجاجات التي قام بها النزلاء ضد عدد من حراس البوابات أرجع الغني ذلك إلى قيام الجنود بالتفتيش الدقيق على الأشياء التي يتم إدخالها للسجن.. ويقول انه تم اكتشاف خمور يتم إدخالها عبر تعبئة علب البيبسي البلاستيكية بالخمر من قبل عدد من الزوار بالإضافة إلى اكتشاف عدد من الحبوب التي يتم تسريبها إلى داخل السجن.

ويتابع الغني: ان عملية التشديد على دخول الحبوب المخدرة جعل العديد من النزلاء ممن كانوا يتعاطون تلك الحبوب يضطربون نفسيا ويثيرون العديد من المشاكل.

المسئول السابق في مركزي إب وبعد سرده لكل إشكاليات السجن المركزي يتهم خلفه بالعجز ويقول كيف لم يستطيع أن يكتشف محاولة إحراق العنبر بسرعة.

 وفيما يؤكد الغني انه ينعم الآن بالهدوء بعد أن كان يعيش حالة من التعب جراء توليه مسؤولية إدارة السجن المركزي بمحافظة إب، يوجه رسالة الى ضباط محافظة إب مفادها ان المناطقية أمر مقيت وينبغي أن لا يكون حاضرا ف ي أذهان ضباط الأمن وغيرهم من الضباط اليمنيين.

عن الحكاية الأليمة التي حدثت مؤخراً في السجن المركزي بإب، كان لابد من معرفة الدوافع التي جعلت من قام بإضرام النار يقدم على فعلته، وسألت "مأرب برس" عدداً من نزلاء السجن المركزي والذين أفادوا بأن شخصاً يلقب بـ"البقرة" هو من قام بإحراق العنبر.

تعرف إدارة السجن "البقرة" بأنه شخص يدعى عبد الكريم البعداني محكوم بالإعدام إثر قتله أحد الشبان في حفل زفاف قبل عدة سنوات. ويؤكد نزلاء في السجن لـ"مأرب برس" أن "البقرة" أقدم على فعلته بعد أن هدد بأنه سيقوم بعمل فادح إذا لم يتم إعادته إلى القسم الذي كان فيه، وانه ابلغ مسؤول القسم بذلك وتفاجأ النزلاء بنشوب حريق عندما قام البقرة بإشعال النار في عدد من الستائر في قسم الطارود لينتشر الحريق بسرعة.

وزاد من فداحة الكارثة أن السجن المركزي بإب يفتقر الى أدوات السلامة والأمان، إذ لا توجد فيه طفايات حريق.

وفي الوقت الفاصل بين الاتصال بالدفاع المدني ووصول سيارات الإطفاء، كان عدد من النزلاء قد لقوا حتفهم وأغلب القتلى مختلون عقليا كانوا في غرفة 42 الغرفة المشهورة بالمختلين العقليين والتي كانت تستخدم كغرفة جزاءات لمن يثيرون المشاكل داخل اقسام السجن المركزي.

وأكد مدير السجن المركزي الجديد نعمان ثالبه ان التحقيقات قد حددت مرتكب الجريمة وانه قد تمت إحالته الى نيابة السجون لاستكمال الإجراءات القانونية.

إلى ذلك، زار مدير مصلحة السجون عبدالله الزلب سجن إب المركزي للاطلاع على الأحداث التي شهدها السجن. وأكد الزلب أن وضع السجن مأساوي وانه لا ينفع لان يكون مأوى للآدميين.

ووعد الزلب بإنشاء سجن جديد كما وجه بتوزيع السجناء الذين دأبوا على اثارة المشاكل على عدد من السجون فضلاً عن اعتماد مبالغ مالية لمواجهة احتياجات السجن العاجلة.