هل حب الزعامة صفة عربية؟
بقلم/ د. أمين الحميري
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 6 أيام
الأحد 05 يونيو-حزيران 2011 04:57 م

يستغرب المتتبع لأحوال العالم من حولنا، كيف يصعد رئيس ثم يتنازل ويكون مواطناً عادياً في خدمة وطنه في أي مكان آخر .

تبدو لنا نحن العرب هذه الصفة غريبة نوعاً ما، وهذا هو الشيء الطبيعي الذي ينبغي أن يكون، فكل مواطن في أي بلد غير عربي يعتبر نفسه جندياً في خدمة الوطن، بما في ذلك رئيس الجمهورية، ولهذا إذا مات أو عزل أو انتهت ولايته لا يتأثر البلد بأي شيء وتسير الأمور طبيعية، لأنه موظف عادي ذهب وسيأتي غيره ليؤدي العمل بنفس الكيفية، إن لم يكن بشكل أفضل، لأن مهامه محددة .

أما ما يحدث في عاملنا العربي فهو عجيب، وكأننا نعيش في عالم آخر، عالم عجيب، الكل يحب أن يكون زعيماً، ولو على بضعة أفراد، الكل يريد أن يكون الآمر الناهي، وأن يكون هو الأوحد في اتخاذ القرار، فتجد داخل البلد الواحد عدة زعامات، وداخل القبيلة الواحدة عدة زعامات، بل وفي كل أسرة، الكل يبحث عن لقب يضاف إلى اسمه، فكل عربي زعيم بنزعته، دكتاتور بتربيته، معتز بنفسه، ولو لم يحقق لبلده شيئاً، أو لم يصنع لنفسه شيئاً، أو يقدم لأمته شيئاً، فهل حب الزعامة شيء جبل عليه العربي؟ أم أنه تربى عليه داخل الأسرة؟ أم أنه شيء فطري في تركيبة الإنسان العربي؟

أحد البرامج التلفزيونية الساخرة الأمريكية يصف الفرد العربي بالشخص المعتز بنفسه بدون سبب، يقول أحد الممثلين: لو سألت العربي من أين أنت؟ لأجاب مستغرباً رافعاً صوته ورافعاً رأسه: ألا تعرف من أين أنا؟ أنا عربي!! فهل هذه عزة نفس أم كبر ممقوت واحتقار للآخرين من بني البشر؟ ربما أن الموضوع يحتاج إلى دراسة اجتماعية نفسية للشخصية العربية وعلاقتها بحب الزعامة .

كانت هذه مقدمة لما أردت ذكره عن الرؤساء العرب، فقد كنت أسأل نفسي لماذا الزعيم العربي إما أن يقتل أو ينفى أو يموت؟! ولماذا لا يترك السلطة للشعب ويعيش مواطناً عادياً ويترك هذه الأمانة ويرتاح من حملها؟ وهل هذا ينطبق على الرئيس فقط أم على كل الوظائف العامة؟ ما الذي يجعل هذا الزعيم يتشبث بهذه المكانة حتى يموت دونها؟

الزعيم أو الرئيس في وطننا العربي يعتبر نفسه شيخ قبيلة، ومن العيب أن يتنازل، بل يعتبر نفسه صاحب مزرعة حيوانات كبيرة، يحق له أن يذبح من يريد ويسلخ من يريد، بل ويبيع من يريد، فهو تاجر دماء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يقتل الآلاف ولا يتحرك له ضمير .

المواطن في أي بلد آخر له قيمة مساوية للرئيس تماماً، فإذا أصيب بمكروه أو قصرت الدولة في حمايته يستطيع أن يقاضي أي مسئول، بل ويسقط النظام، ولو كان شخصاً واحداً، أما في بلداننا يموت الشعب بكامله ولا يمس الرئيس بأي أذى، يعطى الأوامر من القصور لمن يطيعونه الطاعة العمياء بقتل المواطنين وكأنهم خراف شردت من مزرعته، وهذا لعمرك خلل كبير " فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ " .

ولكي تخرج الشعوب من هذه العبودية لابد أن تكون الوظيفة العامة مغرماً، وليست مغنماً، ولابد أن يحاسب كل من يتولى وظيفة عامة على الصغيرة والكبيرة، حتى يزهد كل الناس في الوظيفة العامة ولا يتهافتون عليها، ولابد أن نعوّد أنفسنا وأبناءنا على عدم تعظيم من يتولى وظيفة عامة، بل يجب أن يعامل كشخص عادي، ولا ننفخ فيه الروح الفرعونية الاستبدادية .